مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

كيف يفكر العسكريون فى الشرق الأوسط؟

تتجه الأنظار مجددا إلى العسكريين في العالم العربي لمحاولة التعرف على طبيعة وحدود دورهم في مرحلة الإصلاحات المقبلة Keystone Archive

لا يعرف أحد على وجه الدقة كيف تفكر "المؤسسات العسكرية" في الشرق الأوسط، بشأن ما يدور حولها من تطورات تتعلق بالإصلاح السياسي داخل الدول تحديدا.

لكن ثمة مؤشرات تؤكد أن هناك نقاشا يزداد اتساعا في أطر مختلفة حول دور العسكريين في السياسة بالمنطقة، إلا أنه – رغم ذلك – لا يوجد ما يمكن استخلاصه أو اكتشافه سوى “أنهم هناك”.

كانت مسألة العسكريين تمثل دائما واحدة من أهم القضايا الحساسة “المسكوت عنها” في المنطقة العربية، فهم عادة – بعكس النموذجين التركي والإسرائيلي – لا يتحدثون في الشؤون السياسية، أو يبدون وجهات نظرهم في تطورات الأحداث المحيطة بهم، أو يضغطون علنا على الحكومات في اتجاهات معينة.

كما أن أحدا في المجتمع المدني لا يناقش عادة ما يتعلق بهم من قضايا، لاعتبارات تاريخية وسياسية، إضافة إلى توجه سائد بأن الشؤون العسكرية ترتبط بالأمن القومي. لكن الوضع لم يعد كذلك، على الأقل فيما يتعلق بالحديث عنهم.

سؤالان رئيسيـان

كانت السياقات التي شهدت طرح تلك القضايا مختلفة، فقد رصدت بعض برامج الأحزاب السياسية التي شاركت في عمليات انتخابية في العراق ومصر وفلسطين بنودا تتصل بموقع ومهام المؤسسات العسكرية.

كما أثيرت قضايا تتعلق بأدوارها خلال أزمات سياسية حادة جرت في الجزائر والكويت وسوريا. وأدت أحداث موريتانيا (في شهر أغسطس الماضي) إلى عودة السؤال القديم حول الانقلابات العسكرية، ولم تعد الصحف المستقلة في عدة دول تتجاهل الموضوع ولو لمجرد “الإثارة”. كما بدأت بعض مراكز الدراسات تهتم به، على الأقل من زاوية “كيفية دراسته نظريا”.

إن ثمة افتراض شائع لدى كثيرين، بأن المؤسسات العسكرية لا تزال تتمتع بنفس قوتها ومواقعها السابقة في النظم السياسية، وأن دور العسكريين في السياسة لا يزال مباشرا إلى حد كبير، وأنه لا يمكن تصور أن تمضى تلك العمليات السياسية دون أن يتدخل العسكريون فيها بمستوى ما، خاصة في ظل ما يبدو من أنه توجد مؤشرات على تدخلات مباشرة في حالات مختلفة، وتحديات تكاد تمثل تهديدات لأمن واستقرار الدول، على نحو يطرح دائما احتمالات وجود “دور ما” للعسكريين في النهاية.

وقد تركز الاهتمام عموما على قضيتين، الأولى تتعلق بموقف المؤسسات العسكرية من التحولات السياسية الجارية داخل الدول، أما الثانية فإنها تركز على ما إذا كان من الممكن أن تمتد عملية الإصلاح السياسي الجارية إلى إصلاح المؤسسات العسكرية التي يثار بشأن أوضاعها العديد من علامات الاستفهام التقليدية الخاصة بالشفافية والميزانيات، وما إلى ذلك.

لكن هناك مسافة واسعة بين القضيتين، فالأولى طرحت على نطاق واسع نسبيا في وسائل الإعلام وبعض الندوات الأكاديمية، بينما لم تثر الثانية كثيرا، في ظل وجود قناعة بأن إصلاح المؤسسات العسكرية لا يزال يمثل مهمة تالية، بعكس مؤسسات الأمن التي تطرح علنا كل المشكلات الخاصة بممارساتها تجاه المواطنين، وتدخلاتها في العمليات الانتخابية.

إشكاليتـان رئيسيتـان

لكن رغم ذلك كان هناك ما يمكن استشفافه من النقاش الدائر حول موقع ودور المؤسسات العسكرية في المنطقة العربية، فتلك المؤسسات كانت تمثل عادة أقوى المؤسسات القائمة ضمن مكونات النظم السياسية في المنطقة العربية، خاصة في ظل حالة الحرب التي سيطرت طويلا على مسيرة الدول، والتي رفعت خلالها شعارات مثل “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، إضافة إلى ضعف المؤسسات المدنية كالأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية والهيئات الأهلية عموما.

وقد ساهمت عوامل عديدة في استمرار هذا الوضع القوى للجيوش، منها محاولة بعض الجيوش تحقيق الاكتفاء الذاتي لنفسها في المجالات التي تحتاجها كالصناعات العسكرية أو الصناعات الغذائية، واتساع نشاطاتها لتشمل مجالات ذات طبيعة مزدوجة، بحيث أصبح بعضها يمارس نشاطا اقتصاديا. كما أدى تولى بعض العسكريين المتقاعدين بعض مناصب الإدارة العليا في هيئات الدولة المدنية، إلى وجود انطباع باستمرار الدور بشكل آخر.

إلا أن هناك محددات لكل ذلك، فلم تعد الجيوش أو الدول كما كانت عليه، إذ ظهرت قوى سياسية أخرى، وتزايدت قوة السلطات التشريعية القضائية، وتصاعد دور منظمات المجتمع المدني، كما برزت قوة جماعات ضغط داخلية كرجال الأعمال والأقليات، بحيث أصبحت مكونات النظم تتسم بالتعقيد الشديد، وتحولت الجيوش في حالات مختلفة إلى جماعة مصلحة داخلية، لكن لا تزال المؤسسات العسكرية قوية في المرحلة الحالية، على نحو ما يبرز في كل مرة تتعرض فيها الدول لأزمات داخلية أو لكوارث طبيعية.

أما بالنسبة للأدوار السياسية، فإنها تختلف من نظام إلى آخر، ففي مرحلة ما تدخلت الجيوش بشكل مباشر للسيطرة على النظم السياسية، لكن تلك المرحلة قد تقلصت تماما في التسعينات وصولا إلى عام 2006، فعبر 15 سنة تقريبا لم تشهد المنطقة انقلابات عسكرية باستثناء انقلاب موريتانيا (3 أغسطس 2005) الذي كان أقرب إلى صراع سلطة منه لانقلاب عسكري.

الصورة النهائية

وهكذا، فإن مرحلة الحكم العسكري المباشر قد انتهت، لكن ظلت هناك تصورات حول استناد قوة بعض النظم السياسية إلى المؤسسة العسكرية، أو تأثير بعض القيادات العسكرية في الحكم بشكل مباشر، وبالتالى استمرار الدور السياسي للجيوش، فيما يتجاوز عمليات صنع القرارات المتعلقة بالدفاع، دون أن توجد مؤشرات محددة حول ماهية هذا الدور، والمجالات السياسية التي يبرز فيها.

لكن على أي حال، فإنه في ظل مراحل التطور الحالية التي تمر بها الدول، والمشكلات التي تواجهها، توجد أدوار سياسية لمعظم المؤسسات السيادية داخل الدول، ومنها الجيوش، تتفاوت قوتها من دولة لأخرى، إلا أن أدوار الجيوش تحديدا لم تعد كما كانت عليه، وتتسم بمحددات خاصة إلى درجة تؤكد أن كثيرا من الجيوش العربية قد ذهب بعيدا بالفعل في اتجاه الابتعاد عن السياسة، رغم أنها يقينا لم تخرج من إطار الصورة.

د. محمد عبد السلام – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية