مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لبنان: “البيادق” محاصرة!

"أخطر ما في عمليات الاغتيال المفاجئة في لبنان، هي أنها لا تفاجئ أحداً".

هذا ما علَق به سفير عربي بارز في منطقة الخليج، عاد لتوّه من بيروت، على حدث اغتيال وزير الصناعة اللبناني وأحد قادة اليمين المسيحي الشبان بيير الجَميل.

لم يكن هذا الدبلوماسي مبالغاً. فالزعيم الدرزي وليد جنبلاط لم يتعب من التِّـكرار أناء الليل وأطراف النهار طيلة الأشهر القليلة الماضية بأن مسلسل الاغتيالات في لبنان، الذي أودى في غضون سنتين إثنين بحياة 14 شخصية سياسة وإعلامية، لم ينته بعد.

وكذا فعل رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، وإن كان ينتظر أن يتم اغتياله هو، وحتى كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية، أعلنت غداة قرار مجلس الأمن بتشكيل المحكمة الدولية لمقاضاة مرتكبي الاغتيالات، بأنها لا تستبعد مزيداً من استهداف شخصيات تيار 14 مارس المناوئ لسوريا.

“حروب الآخرين”

هذا الوضوح، الذي يحيط بتطوّرات، يُـفترض أنها يجب أن تكون غامضة، يُـلقي أضواء كافية على طبيعة الصِّـراع الذي تشهده بلاد الأرز، والذي هو في العمق صراع إقليمي – دولي أو ما يُـطلق عليه اللبنانيون “حروب الآخرين على أرضهم”.

وهكذا، حين يُـطرح السؤال: ما الرسالة التي أطلقتها عملية اغتيال بيير الجميل؟ يأتي جواب إجماعي من كل اللبنانيين: الأمر يعتمد على هوية المرسل الإقليمي.

فإذا ما كان التخطيط للاغتيال انطلق من تل أبيب، فهذا يعني أن الدولة العبرية قرّرت تقديم الصاعق لتفجير الوضع اللبناني، المتأزم أصلاً، في وجه الجميع، أما إذا ما جاءت الإشارة من دمشق، فهذا سيكون بمثابة “توضيح لقوى 14 مارس بأن الحوار السرّي السوري – الأمريكي بدأ يؤتي شيئاً من ثماره”.

الفرضية الأولى قوية بالطبع، بسبب تاريخ التدخلات الإسرائيلية الطويلة في لبنان من جهة، وأيضاًَ لوجود مصالح إستراتيجية كبرى لتل أبيب في هذه الدولة من جهة ثانية، لكن الفرضية الثانية لا تقل قوة للاعتبارات نفسها، وكذلك لأنها تتغذّى من أحداث شرق أوسطية – دولية مستجدة في غاية الأهمية .

فوزير الخارجية السوري وليد المعلم، حطَّ الرِّحال فجأة في بغداد، ليُـعلن أن “أمن العراق من أمن سوريا”. والرئيس العراقي جلال الطالباني طار إلى طهران، ربما تمهيداً لقمة ثلاثية عراقية – إيرانية – سورية لاحقاً أو على الأقل قمة سورية – عراقية. و”نيويورك تايمز”، تؤكِّـد الأنباء بوجود “إتصالات سرية بين السوريين والأمريكيين”، هذه الحمََّـى الانفراجية الدبلوماسية بين المِـحورين، الأمريكي والسوري – الإيراني، قد تعني أن أمريكا بدأت تُـمهِّـد لحلٍّ إقليمي – دولي، يسمح لها بالخروج من المستنقع العراقي، وبما أن إيران وسوريا هما الطرفان الإقليميان الأكبر نفوذاً في العراق، لا مناص من الجلوس معهما على طاولة حوار واحدة، ربما تضم أيضاً السعودية ومصر ودول أخرى.

إنها صفقة اتِّـفاق طائف لبنانية جديدة، ولكن هذه المرة على المقاس العراقي الأوسع. وبالطبع، وكما مع اتفاق الطائف اللبناني الذي جرى آنذاك أساساً بين أمريكا وسوريا بوساطة سعودية، سيحظى كل طرف شرق أوسطي ودولي بحصَّـة من هذه الصفقة: إيران ستنال اعترافا بجُـزء من نفوذها الإقليمي، على الأقل في العراق، وسوريا ستحظى حتماً بنفوذ متجدِّد في لبنان أو على الأقل بحرية حركة أكبر فيه.

حرية سورية؟

هل تتضمّـن مثل هذه الحرية المفترضة انتقام دمشق من خصومها السياسيين اللبنانيين؟

الأمر ليس مستبعداً بالطبع، خاصة حين نضع في الاعتبار أهمية لبنان الكبرى في إستراتيجية صراع البقاء، الذي يخوضه النظام السوري في وجه عواصف دولية عاتية.

لكن، وأياً كانت الافتراضات أو الاحتمالات، ثمّـة حقيقة لن يتمكّـن بعد الآن أي من السياسيين اللبنانيين القفز فوقها: ليس هناك ولن تكون هناك أي حصانة أو حماية للسياسيين اللبنانيين من أحد، حتى ولو أوقف مجلس الأمن الدولي كل نشاطاته العالمية وتفرَغ بكليته لمسألة المحكمة الدولية.

لا بل أكثر، سيكتشف السياسيون اللبنانيون بعد قليل أن هذه المحكمة الدولية نفسها، التي طبلوا وزمروا لها طويلاً، ستكون عِـبئاً عليهم لا رصيداً إستراتيجياً لهم. فهي، وفي ظل المستجدات البيكرية (من جيمس بيكر)، التي بدأت تغيـَر ملامح الصِّـراع في الشرق الأوسط، ستكون حافزاً لدمشق وواشنطن لتسريع الصفقات بينهما: الأولى، لحماية أركان نظامها والحصول على ضمانات بقاء هذا النظام نفسه، والثانية، لبيع جُـزء من صوف الحمل اللبناني في مقابل جِـلد الدبّ العراقي.

شيء من هذا القبيل حدث عام 1989 بين حافظ الأسد وبين جيمس بيكر نفسه، حين كان في إدارة جورج بوش الأب: مقايضة السيطرة السورية على قصر بَـعبَـدا بالسيطرة الأمريكية على الكويت.

وبرغم أنه ليس من الضرورة أن يتكرّر هذا التاريخ “الصفقاتي” بحذافيره الآن، إلا أن الحوار السوري – الأمريكي الرّاهن، لن ينتهي بلا أثمان لبنانية لصالح دمشق، على الأقل على صعيد منح هذه الأخيرة حرية حركة أكثر في بيروت.

وإذا ما حدث ذلك (والأرجح أنه سيحدث برأي البعض)، لن تخرج تل أبيب خالية الوفاض من هذه المساومات، فهي أيضاً ستُـطالب بثمن لبناني، خاصة في الجنوب، وهي أيضاً سيكون لها دور حتمي، وإن نسبياً، في تحديد المسار الذي ستسير فيه السفينة اللبنانية المتهالكة.

وحين أو متى تتم هذه الصفقات، ستُـغلق دائرة الصِّـراع في لبنان مجدّداً لمصلحة هذين الطرفين الإقليميين، ولغير صالح السياسيين اللبنانيين. حينها، سيُـدرك هؤلاء السياسيون بكل أطيافهم، أنهم مهما فعلوا في الداخل اللبناني، ومهما نشطوا في الخارج الأمريكي والفرنسي والسوري والإيراني، لن يستطيعوا أن يطوَروا مرتبتهم من بيدقٍ إلى فارسٍ على رقعة شطرنج لُـعبة الأمم.

سعد محيو – بيروت

تُشيع في بيروت يوم الخميس 23 نوفمبر 2006 جنازة بيار الجميل وزير الصناعة اللبناني الذي اغتيل يوم الثلاثاء 21 نوفمبر. وفيما يتهم زعماء من السنة والدروز والمسيحيين سوريا بقتل الجميل سليل احدى ابرز العائلات المارونية في لبنان، أدانت دمشق الاغتيال.

وفيما يلي خمس حقائق عن الجميل واسرته المسيحية المارونية:

– بيار الجميل (34 عاما) كان محاميا وكان أصغر عضو في البرلمان اللبناني. انتخب أول مرة عام 2000 ثم أعيد انتخابه عام 2005 .

– هو من الجيل الثالث من الساسة البارزين من عائلة الجميل التي أثرت على تاريخ لبنان الحديث.

– أسس جده بيار الجميل حزب الكتائب اللبناني الذي كان إحدى المجموعات الرئيسية في الحرب الاهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975.

– كان والده أمين الجميل رئيسا للبنان بين عامي 1982 و1988.

– اغتيل عمه بشير الجميل في سبتمبر من عام 1982 بعد اقل من شهر من انتخابه رئيسا للبلاد وبعد قليل من موافقته على بدء علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية