مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لماذا صوّتت سوريا؟

ضغوط شديدة تعرضت لها سوريا كي لا تخرج عن إجماع مجلس الأمن حول العراق Keystone

بعد مصادقة مجلس الأمن الدولي بالإجماع في 7 نوفمبر الجاري على القرار 1441 الخاص بنزع أسلحة العراق، تساءلت أطراف عربية ودولية عديدة عن أسباب تصويت سوريا العضوة في المجلس لصالح القرار.

لكن الدبلوماسية السورية لم تفلح كثيرا في تبرير هذا التصويت.

“القنبلة” الدبلوماسية التي فجرتّها سوريا عبر موافقتها قبل أيام على قرار مجلس الأمن رقم 1441، لا تزال تثير هزات ارتدادية صاخبة في كل أنحاء الشرق الأوسط.

وواضح أن الكثير من هذه الترددات ليست في صالح دمشق. فقد فشلت الدبلوماسية السورية في إقناع الشارع العربي بأنها انضمت إلى الأعضاء الـ 14 الآخرين في مجلس الأمن الذين صوتّوا لصالح قرار اعتُـبر مذلا للعراق ومدّمرا لسيادته، لأن ذلك سيساعد على تجنيب بلاد الرافدين ضربة عسكرية مؤكدة.

وكان فاروق الشرع، وزير الخارجية السوري، أبلغ زملاءه العرب بهذا التبرير خلال اجتماعهم في القاهرة، فيما كان مسؤولون سوريون آخرون يوردون في مجالسهم الخاصة والعامة تبريرات أخرى يتمحور بعضها حول الأفكار التالية:

·حصلت سوريا على ما وصف بأنه “وديعة أمريكية” خطيّة، تعهدت بموجبها الولايات المتحدة بعدم اعتبار قرار 1441 ترخيصا أوتوماتيكيا لاستخدام القوة ضد العراق. ولم يكشف المسؤولون عن نص هذه “الوديعة”، كما لم يشر إليها المسؤولون الأمريكيون لا من قريب ولا من بعيد في معرض تفسيرهم الخاص للقرار، لا بل بدا واضحا من تصريحات الرئيس الأمريكي بوش ومستشارته لشؤون الأمن القومي كوندوليزا رايس، أن الولايات المتحدة لن تنتظر صدور قرار جديد من مجلس الأمن إذا ما اعتبرت أن الرئيس العراقي صدام حسين خرق بنود القرار1441.

·اضطرت سوريا إلى التصويت بعد أن تكشّف لها أن الاتصالات والضغوط السرّية التي أجرتها الولايات المتحدة، أسفرت عن موافقة غالبية الدول العربية على دعم القرار الدولي. وبالتالي، كان من شأن تمّسك سوريا الرافض للقرار أو الممتنع عن التصويت أن يؤدي إلى عزلة ذات عواقب وخيمة عليها.

·أخيرا، تحدثت بعض المصادر اللبنانية القريبة من دمشق عن أهداف أخرى مغايرة تماما للخطوة السورية مثل: منح الرئيس العراقي مهلة زمنية كافية لترتيب أوضاعه والاستقالة من منصبه تجنّبا للحرب.

ورغم أن هذه المصادر اللبنانية لم توضح ما إذا كان الرئيس صدام حسين مستعدا للاستقالة فعلا أم لا، إلا أن الشائعات ملأت العاصمة بيروت في أعقاب “زيارة خاصة” ومفاجئة قام بها وزير الخارجية العراقي ناجي صبري الأسبوع الماضي إلى بيروت، بعضها وصل إلى درجة التكهن بأنه يعمل على ترتيب لجوء عائلة الرئيس العراقي إلى لبنان.

.. وتفسيرات أخرى

كل هذه التبريرات لم تشف غليل الشارع العربي حول تصويت سوريا ضمن إجماع مجلس الأمن. فهي إما غير مقنعة أو أنها تذهب بعيدا في التكهنات.

والأقرب إلى المنطق، هو ما تداولته المصادر الدبلوماسية العربية في بيروت، من أن سوريا تعرّضت إلى تهديدات مباشرة من الولايات المتحدة التي أبلغتها بصريح العبارة أنها “ستعتبر امتناعها عن التصويت، بمثابة انحياز إلى العراق سيؤدي لا محالة إلى مجابهة أمريكية – سورية”.

وأوضحت أن واشنطن أبلغت دمشق بأن هذا الامتناع، قد يشّجع الكثير من الأطراف العربية والإسلامية على شق عصا الطاعة على السياسة الأمريكية، “وهذا تطور سيتعيّن على سوريا تحّمل مضاعفاته الخطيرة”.

وكشفت المصادر أن الطرف الأبرز الذي نقل التهديدات الأمريكية، كان الرئيس الفرنسي جاك شيراك، بطلب من نظيره الأمريكي بوش. وهذا الطلب قدّم فور التوّصل إلى الاتفاق الفرنسي – الأمريكي على صياغة قرار 1441. وفهم أن شيراك أبلغ سوريا بأن عليها أن تعي خطورة المرحلة، وأن تتصرف وفق مصالحها البراغماتية كدولة، لا وفق مشاعرها وإيديولوجيتها.

ويبدو أن هذا بالتحديد ما حدث. فقد انتصرت “البراغماتية السياسية” على الإيديولوجيا، ووجدت دمشق نفسها للمرة الثانية خلال عقد واحد في خندق واحد مع الولايات المتحدة ضد شقيقها النظام “البعثي” في بغداد (المرة الأولى كانت خلال حرب الكويت عام 1990).

ولخّص الكاتب اللبناني علي حمادة هذا التطور بالآتي: “حين يحين موعد الاختيار الجدّي والكلمة الفصل، فإن العرب، كل العرب من دون استثناء، يختارون الولايات المتحدة و”فضاءها”. وأضاف: “التصويت الجماعي في مجلس الأمن معناه، أنه ليس هناك دولة عربية ترغب في مواجهة مع الولايات المتحدة، حتى عندما تكون ظالمة ومعتدية”.

ماذا بعد؟

إلى أين الآن بعد هذه “القنبلة” الدبلوماسية السورية؟ يُجمع معظم المراقبين في الشرق الأوسط على القول، إن ما جرى في مجلس الأمن، كان تمهيدا، مجرد تمهيد، لتطورات أخطر في المنطقة.

ويضيف هؤلاء المراقبون أنه من الآن فصاعدا، سيكون في وسع الإدارة الأمريكية، ليس فقط الحصول على كل ما تريده من الدول العربية (وعلى رأسها المملكة العربية السعودية) من قواعد ومطارات وتسهيلات عسكرية تحتاجها في حربها المحتملة ضد العراق، بل ربما أيضا بناء تحالف دولي- عربي كبير، كذلك الذي بنته عام 1990 لتحرير الكويت.

والحجة التي ستندرج بموجبها الدول العربية في مثل هذا التحالف، هو ما كان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل أعلنه (قبل أن يتنّصل منه مؤخرا لأسباب تكتيكية على الأرجح): العمل في إطار الشرعية الدولية. وهذا كما يقول المراقبون، مخرج ممتاز لقبول منطق واشنطن “إما أن تكونوا معنا أو ضدنا”، بغطاء دولي هذه المرة.

سعد محيو – بيروت

أثار تصويت سوريا، العضوة في مجلس الأمن، على القرار 1441 تساؤلات عديدة على المستويين الرسمي والشعبي في العالم العربي. فهناك من يعتبر أنه لم يكن أمام دمشق خيار غير أن تكون مع إجماع المجلس، في حين يعتقد آخرون أن سوريا ضيّعت فرصة تاريخية لمقاومة الهيمنة الأمريكية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية