مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الأردن ومعضلة اللاّجئين السوريين.. أزمة متفاقمة

طفل لاجئ سوري وصل حديثا إلى داخل الأراضي الأردنية يجرّ أمتعة عائلته إلى داخل مخيم "مراجيب الفهود" للاجئين، الممول من طرف الإمارات والمسير من طرف الهلال الأحمر الأردني في الزرقاء يوم 10 أبريل 2013. Keystone

كشف استطلاع للرأي أجْراه مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، عن أن هناك غالبية أردنية واضحة تقِف ضد الإستمرار باستِقبال المزيد من اللاجئين السوريين، وتؤيِّد إقامة مناطق عازلة داخل الأراضي السورية، لاستيعاب اللاجئين.

وقد أفاد 71% من أفراد العيِّنة الوطنية، بأن على الأردن التوقّف عن استقبال اللاّجئين، في حين أفاد 75% من نفس العيِّنة، بضرورة إقامة منطقة عازلة في جنوب سوريا، لحماية الأردن من تدفُّـق المزيد من اللاّجئين، الذين أصحبوا عِـبْئا كبيرا على دولة بموارد متواضِعة، مثل الأردن.

وعلى نحو مُتزامن، يقول عبدالله النسور، رئيس وزراء الأردن المكلّف، إن تدفّق اللاجئين يشكِّـل تهديدا للأمن الوطني الأردني، بيْد أن المُفارقة العجيبة هي إصرار الرئيس المكلّف على أن الأردن سيُـبقي أبوابه مفتوحة لمَن يريد من السوريين القُدوم للأردن.

الشمال منطقة منكوبة؟

يشكو الأردن الرّسمي من أن الحكومة غيْر قادرة على توفير كلّ الاحتياجات الأساسية لهذا الكمّ الهائل من اللاجئين، الذين اقترب عددهم من حاجز النِّصف مليون، وهو مرشّح لأن يتجاوَز المليون مع نهاية هذا العام، إن بقي اللجوء بنفس المعدّلات الحالية.

فقد فاق عدد اللاجئين السوريين عدد سكان بعض المحافظات في الشمال، وهنا الحديث يدور حول مدينة المفرق، التي تعجّ باللاجئين، ما يخلق منافسة شديدة لأبناء المنطقة في الحصول على فُـرص عمل، نظرا لرُخَص العمالة السورية، كما أن هناك الكثير من الشكاوى التي تدور حول انتشار بيوت الدّعارة التي تعمل بها لاجِئات سوريات، دفعتْهُـن الحاجة والعوْز إلى التوجّه لهذه الممارسات التي تصطدِم مع تقاليد المجتمع الأردني المحافِظ.

رئيس الحكومة المكلف الدكتور عبدالله النسور عبّر عن يأْس الأردن وإحباطه من تخلّي المجتمع الدولي ودول الخليج على وجه التحديد عن الأردن في مواجهة هذه الأزمة، وأعلن عن عزْم بلاده التوجّه إلى مجلس الأمن.

ويقول الكاتب الصحفي المطّلع ماهر أبو طير، إن الأردن سيُعلِن مناطق محافظات الشمال، كمنطقة منكوبة “توطِئة للذهاب إلى مجلس الأمن، والمناطق المقصودة هي المفرق إربد والرمثا، وربما عجلون، خصوصا مع الاختلال الديموغرافي في هذه المناطق. وتفوق عدد السوريين كما في المفرق على عدد المواطنين”. والهدف من التوجّه إلى مجلس الأمن، على حدّ تعبير الكاتب أبو طير، هو أن “الأردن يعجز عن إدارة الأزمة، بسبب الضغط على موارده، وهو أيضا يتخوّف من هجرة ثلاثة ملايين سوري حتى نهاية العام الجاري، وفقا لمنطوق مسؤولين، وهذه هجْرة لها تداعِيات اقتصادية واجتماعية وأمنية”.

واشنطن (رويترز) – قال وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاجل يوم الأربعاء 17 أبريل 2013 إن الولايات المتحدة سترسل مخططين عسكريين إلى الأردن مع احتدام الصراع في سوريا المجاورة لكنه أشار إلى شكوك عميقة في إمكان قيام الولايات المتحدة بتدخل عسكري مباشر في الحرب الأهلية في سوريا. وقال هاجل في جلسة لمجلس الشيوخ إن الولايات المتحدة عليها التزام بدراسة عواقب أي تحرك عسكري أمريكي في سوريا وأن تكون صادقة في الالتزامات المحتملة على الأجل الطويل.

وكانت تصريحاته احدث مؤشر على ان حكومة الرئيس باراك أوباما مازالت تخطط لمختلف الاحتمالات في سوريا لكنها لاتزال تحجم عن تدخل قد يجر امريكا في حرب بالوكالة.

وقال هاجل “ينبغي أن تكون على يقين تام أن تكون على يقين قدر استطاعتك قبل أن تدخل في شيء. لأنك إذا ما دخلت في شيء لن يكون هناك مجال للتراجع سواء أكان منطقة طيران محظور أم منطقة آمنة … أيا كانت”. واضاف قوله “ما أن تتدخل لن يمكنك التراجع ولا يمكنك أن تقول حسنا الأمور لا تسير كما كنت أحسب ولذا فإنني سأخرج.”

وقال هاجل إن البنتاجون سيرسل وحدة من مقر قيادة الجيش الأمريكي إلى الأردن لتعزيز الجهود التي بدأت العام الماضي للتخطيط لحالات الطوارئ المتصلة بالأسلحة الكيماوية في سوريا ولمنع امتداد العنف عبر الحدود إلى الأردن. وقال مسؤول أمريكي إن العدد الإجمالي للمخططين الأمريكيين في الأردن سيبقي حوالي 200 لأن الفريق الموجود حاليا سيتم سحب معظمه.

وفي عمان قال وزير الدولة الاردني للاعلام محمد المومني ان الولايات المتحدة سترسل 200 جندي الى الأردن في الأسابيع القادمة لتعزيز دفاعاته مع تصاعد العنف في سوريا. وقال المومني لرويترز “ستصل خلال الاسابيع القليلة القادمة… لزيادة مستوى الاستعداد والقدرات الدفاعية للمملكة في ضوء التدهور المستمر في الوضع السوري.”

ومن المتوقع أن تكون سوريا على رأس جدول الأعمال حينما يسافر هاجل يوم السبت 20 أبريل 2013 في رحلة إلى الشرق الأوسط سيزور خلالها الأردن وكذلك إسرائيل والسعودية ومصر والامارات العربية المتحدة.

وقال جون مكين السناتور عن أريزونا وأحد المدافعين عن تدخل أمريكي في سوريا “سيدي الوزير هناك اجماع إقليمي ستلمسه في اعتقادي خلال رحلتك على أنهم يريدون دورا أمريكيا رائدا”. وأضاف قوله “واعتقد أنك إذا زرت أحد مخيمات اللاجئين أو التقيت بالمعارضة – وهو ما أرجو أن تفعله – فإنك ستجد انهم غاضبون يشعرون بالمرارة لأننا لم نساعدهم”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 18 أبريل 2013).

مناطق عازلة في جنوب سوريا

مؤخّرا، يتداول الأردنيون مسألة اللاّجئين، بعد أن انتبه إليها البرلمان الأردني، وتحوّلت قضية اللاجئين إلى قضية رأي عام أردني – وإن كان يهم مناطق الشمال أكثر من غيرها من المناطق في الوسط والجنوب – وقد كشف الاستطلاع المُشار إليه أن الغالبية الأردنية لم تعُد تطيق ذِرْعا باللاّجئين، وبخاصة وأن العدد مرشّح للارتفاع.

ويتوقّع مفوض شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة أنتونيو غوتيريس أن يصل عدد اللاجئين السوريين إلى أربعة ملايين في عام 2013، ربما يكون نصيب الأردن من هذا الرقم النّصف! وهذه الأرقام مُرعبة. ويقول الكاتب الصحفي فهد الخيطان “في غضون أسابيع قليلة، تحوّل مخيم الزعتري إلى مدينة كبيرة، يصعب السيطرة عليها. ومع التوجّه إلى فتح مخيّميْن إضافييْن بالقرب منه، تبدو مناطِق واسعة في شمال المملكة وكأنها جُزء من الأراضي السورية. ولا يتوقّف الأمر عند هذا الحد. فالأغلبية الساحقة من اللاجئين السوريين يتواجدون خارج المخيّمات. وفي بعض البلْدات الأردنية، يُناهزون عدد السكان”.

وفي ظلّ العجز الدولي عن مساعدة الأردن وتقديم مساعدات مالية أصبحت ضرورية لمعالجة الخلل والعجْز في الموازنة العامة، فإن الأردنيين باتوا يفكّرون جِديا في سيناريو، وصفه فهد الخيطان، بأنه “يقوم على مبدإ التدخّل الوِقائي لغايات إنسانية”. يقضي السيناريو المقترح، تأمين شريط حدودي داخل الأراضي السورية وبعمق 40 كيلومترا، ليكون بمثابة ملاذات آمنة يُعاد فيها تجميع اللاجئين السوريين من مختلف المناطق، وخاصة المتواجدين في مخيم الزعتري. وتخضع هذه المناطق لإدارة مُشتركة من جانب الأمم المتحدة والجيش السوري الحر، الذي بات يُسيْطر على أجزاء واسعة من المناطق الحدودية مع الأردن”.

طبعا، تنفيذ هذا السيناريو هو أقرب إلى إعلان إغلاق حدود الأردن في وجه اللاجئين، لكن دون الإعلان عن الاغلاق بحدّ ذاته. لكن خيارا كهذا يتطلّب موقفا دوليا مختلفا، ولا يمكن إغفال أهمية توافُق أمريكي – روسي على مثل هذا السيناريو. فدرء المخاطِر المُترتّبة على استمرار تدفّق اللاجئين، يتطلّب نشاطا دبلوماسيا أردنيا أكثر كثافة مما هو مُشاهد حاليا.

متى يعود الاستقرار لسوريا؟

يتوقّع الخبراء الاستراتيجيون أن ينطوي سقوط النظام دون انتقال سياسي للسلطة، التأسيس لحرب داخلية سيندلع لَهِـيبها لتَحرق أصابع دول مجاورة، من بينها الأردن. وسيناريو كهذا، يمكن أن يترك أثرا سلبيا كبيرا على استقرار الدولة الأردنية، وبخاصة في الجوانب الأمنية. ويرى الكاتب جهاد المومني أن تقوم الدولة الأردنية “بإجراءات فورية، قبل استفحال الأمر وقبل دخول اللاجئين مرحلة الاستقرار المعيشي داخل الأراضي الأردنية، بالحصول على العمل أو بالمشاركة في مشاريع صغيرة يعتاشون منها”.

الدكتور محمد أبو رمان، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والكاتب الصحفي المعروف، يرى بأن المواطنين الأردنيين غير راضين عن تساهل الدولة مع موضوع اللاجئين، ويقول إن “الأردنيين يعانون ضغوطات اقتصادية كبيرة، نتيجة وجود هذه الأعداد الكبيرة من السوريين. ومن الطبيعي، أن تزداد نِسبة مَن يعارضون وجودهم… الأردنيون قلِقون جدا من التزايُد المُضطرد لأعداد السوريين ومن طريقة تعامُل الحكومة مع هذه القضية، خصوصا أن المملكة لم تتلقّ مساعدات كافية للتعامل مع الأزمة، ما استفزّ الأردنيين”.

وهناك مُشكلة مُستعصية، تتمثل بوجود متنفذين، مثل بعض النواب يقومون بإخراج عدد من اللاجئين عن طريق كفالات لتقديمهم لسوق العمل، وبعضهم يهرب من المخيم ليُقيم في المدن الكبيرة، وهذه الفئة تمكّنت من الحصول على آلاف الوظائف من دون تصريح للعمل، ما يخلق ضغطا آخرا على الإقتصاد الأردني الذي لا يلبي حاجيات المُواطنين أنفسهم.

ناهيك عن المخاطر الأمنية التي قد تنتُج عن تسلّل بعض العناصر الخطِرة، التي قد تعبث باستقرار الأردن والتي يُمكن للنظام السوري توظيفها في الوقت الذي يشاء، لرفع الكلفة على سياسة الأردن، التي بات النظام السوري ينظر إليها وكأنها تخدم التوجّهات الأمريكية في المنطقة بشكل عام، وفي الأزمة السورية بشكل خاص. وقد حذّر الرئيس السوري قبل أيام قليلة من أن أيّ تورط للأردن في الأزمة، سينتج عنه لهيب سيَطال الأردن، على حد تعبير الأسد. لكن الأيام القادمة ستكون حبْلى بالمفاجآت، وبخاصة في أعقاب نشر الولايات المتحدة لعدد من جنودها في شمال الأردن، وهو خبر أكّدته الحكومة الأردنية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية