مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ليبيون في سويسرا: “التغيير السلمي لنظام القذافي أفضل وقاية من الحركات العنيفة”

محتجون ليبيون وعرب وسويسريون يرفعون علم الإستقلال عن إيطاليا سنة 1951، خلال مظاهرة عامة شهدتها جنيف يوم 26 فبراير 2011. Keystone

مع إستمرار "معركة التحرر" على التراب الليبي، وتأخّر لحظة الحسم النهائي مع النظام القائم هناك، تتفاقم معاناة الشعب الليبي، وتتأرجح مشاعر الليبيين المقيمين في سويسرا بين أمل لا ينقطع في بزوغ فجر عهد جديد، وألم يعتصر أفئدتهم لما يشهده أقربائهم من تقتيل، وما يحيق بمكتسبات بلادهم من حرق وتدمير.

ومع تكثّـف المفاوضات بعيدا عن أضواء وسائل الإعلام بين رأس النظام الليبي وعواصم القرار الدولي، لترتيب مغادرته، تزداد المخاوف من إجهاض هذه الثورة، ومن الالتفاف على أهدافها في الإنعتاق والتحرر.

وعن الكيفية التي يتابع بها الليبييون المقيمون في سويسرا الأحداث في بلادهم، يشدد سليمان عبد القادر، ناشط سياسي، وإسلامي معتدل على أن “كل ليبي هنا هو جزء لا يتجزّأ من الشعب الليبي، وبالتالي يحدوه أمل كبير في نجاح هذه الثورة، وانقشاع نير الظلم والفساد والإستبداد عن سماء ليبيا”.

غير أنه يشير إلى صعوبة التواصل مع الداخل بسبب رداءة الإتصالات، واعتمادها بالأساس على شركات الهواتف النقالة التي يملكها أحد ابناء القذافي، ويضيف السيد عبد القادر: “أحدثك عن نفسي، بلغني قبل أيام، وأنا هنا في زيورخ، أن أحد أشقائي أصيب في المواجهات، ولم أتمكّن من الاطمئنان على بقائه على قيد الحياة إلا بعد أزيد من أسبوع”.

اما الدكتور عمر الزنتاني، والذي يقيم في سويسرا كلاجئ سياسي منذ عام 1995، فيشير أيضا إلى صعوبة المرحلة التي يمر بها الرعايا الليبيون المقيمون في الكنفدرالية بسبب أن “نظام القذافي لا يُمكن توقّع ما يمكن أن يصدر عنه، والجميع هنا يخشى على أقربائه في الداخل من الأعمال الانتقامية التي يمكن ان يرتكبها أنصار القذافي، لأن هدر الدماء مألوف لديهم”.

تحرير المبادرات

مع ذلك، يترافق هذا الشعور بالخوف أيضا مع الشعور بالأمل في الخلاص القريب، مما حرّر إرادة المغتربين الليبيين، ودفعهم إلى العمل من أجل مساعدة أبناء وطنهم في هذه المرحلة الصعبة. وللتأكيد على هذا الأمر، يقول الدكتور الزنتاني: “قبل دقائق كنت مع شباب ليبيين يريدون العودة الآن إلى ليبيا عن طريق مصر.. هؤلاء الشباب ولدوا في المهاجر، وافتقدوا طيلة عمرهم لدفء الوطن وحضنه، لكن هؤلاء لما شاهدوا علم الثورة الجديد (علم الإستقلال) قرروا تقديم العون والمساعدة لمواطنيهم”.

ومنذ اليوم الأول لإنطلاق ثورة 17 فبراير، يقول أحمد قصير، وهو لاجئ سياسي وناشط حقوقي، وعضو بمنظمة “التضامن الإنسانية”، ومتعاون مع منظمة العفو الدولية منذ 15 سنة: “قررنا، نحن مجموعة من الليبيين المقيمين بأولتن السويسرية أن نتفاعل إيجابيا مع الاحداث، وقمنا برصد الاخبار الواردة من ليبيا، عبر ربط الإتصال بالداخل، مما ساعد على ملء الفراغ الإعلامي بعد رفض النظام الليبي إصدار تصاريح عمل للصحافيين الأجانب”.

لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، إذ شهدت كل من مدينتي برن وجنيف تظاهرات حاشدة منددة بالعنف المسلط على الشعب الليبي، وقام ليبيون في سويسرا بجمع تبرعات وأغذية وأدوية، ونظموا قوافل إغاثية عن طريق مصر وتونس. كذلك انبرى منهم عدد من الناشطين للتواصل مع المؤسسات والمنظمات الدولية سواء لحثها على تقديم الدعم الإنساني لبلدهم، أو من أجل توثيق الجرائم المرتكبة من طرف أعوان النظام هناك.

وكما هو الأمر في تونس، ومصر، يسعى الشباب الليبي اليوم إلى لعب دور رائد في الحراك الذي يشهده وطنهم، والمقيمون منهم في بلدان أخرى يرقبون من بعيد بألم شديد الأخبار المؤلمة والمناظر الفظيعة الواردة من هناك.

ويتحدث الأب أحمد قصير عن إبنته، فيقول: “انقطعت ابنتي منذ الأسبوع الأوّل من الأحداث عن الدراسة أسبوعا كاملا، وكان للأحداث تأثير نفسي كبير عليها. وهناك شبان ليبيون غادروا سويسرا الأسبوع الماضي إلى المناطق المحررة بالشرق الليبي للمشاركة في جهود الإغاثة وإعادة الأعمار، وتوزيع الأدوية والأغذية على المحتاجين إليها”.

شكر وعتاب  

أما عن الموقف السويسري من القضية الليبية، عبّر الليبيون الذين تحدثت إليهم swissinfo.ch عن امتنانهم وشكرهم للسلطات السويسرية التي فتحت أراضيها خلال العقدين الماضيين لنشاط وإقامة المعارضين لنظام القذافي، وفي هذا السياق يقول السيد سليمان عبد القادر: “لسويسرا فضل علينا لن ننساه أبدا، فهو البلد الذي وفّر لنا الأمن والأمان عندما كان النظام يلاحقنا، ويلاحق أسرنا”، ويثنّي على ذلك عبد القادر فيقول: “الحر كما يقولون من راعى وداد لحظة، فكيف إذا كان ذلك لسنوات طويلة”.

كذلك يشيد الناشط السياسي والحقوق أحمد قصير بالموقف السويسري، ويقول: “لقد سبقت سويسرا المجتمع الدولي في اتخاذ قرار تجميد الأصول المالية لحاكم ليبيا وأقاربه، لكننيّ أتمنى أن يتعزز هذا الموقف عبر إعتراف الكنفدرالية بالحكومة الإنتقالية أو الحكومة المؤقتة عندما يتم الإعلان عنها”.

يبقى السؤال: هل تحظى السياسة الخارجية السويسرية فعلا بالمصداقية في هذا المجال؟ هذا الأمر على المحك اليوم بحسب سليمان عبد القادر الذي يشير إلى أن “وسائل الإعلام تناقلت بالأمس فقط (1 مارس 2011) تقريرا يفيد بتحويل أموال من طرف احد العملاء السويسريين لصالح نظام القذافي. فهل كانت السلطات السويسرية على علم بذلك؟”.

إن العالم ينظر إلى القذافي على أنه شخصية مزاجية تتصرف بشكل اعتباطي، ويأخذون كلامه على مأخذ الجد في كل ما يقول..”ورغم أن سويسرا في الحقيقة – كما يقول الدكتور الزنتاني- ترحّب بالتحوّل في ليبيا، وتشجّع الدبلوماسيين الليبيين الذين هم على ترابها في الإنقلاب على النظام الذي يخدمونه كما حدث في جنيف أو في برن، لكن سويسرا تتجنّب الإفصاح عن ذلك علنا خوفا على مصالحها”.

ويضيف الدكتور الزنتاني: “رغم ما تقوله سويسرا من إلتزام بالحياد، فإنه لا يمكننا القبول بذلك بالنسبة للقضية الليبية، بل هو خوف على مصالحها، واتقاء لكل مفاجأة محتملة”.

شبح الإرهاب

هذا الحرص الذي يُبديه الليبيون في سويسرا على توفير الدعم الدولي لثورتهم يقابله خوف من التدخّل الخارجي، لأنهم يرون أنه سوف يعقّد الأمور، ويخلط الأوراق، ويُستغل من طرف القذافي وأتباعه لوصم الداعين إلى التغيير بالعمالة والإرتهان إلى الخارج، كما يشوّه الطابع السلمي والحضاري لحراك الشعب الليبي.

وفي هذا السياق، يشير الناشط السياسي والحقوقي أحمد قصير إلى أنه “إذا ما حدث تدخّل عسكري أجنبي في ليبيا سوف يوجـد وضع ملائم للحركات العنيفة، والتي سوف تبرر عملها بكون البلاد تتعرض لعدوان خارجي، يقتضي منها مقاومة وردا عنيفا”. هذا في الوقت الذي أثبتت فيه “ثورتا تونس ومصر أن المجتمع بإمكانه، وعن طريق التظاهر السلمي تغيير الواقع”، على حد تعبير السيد قصير.

وفي انتظار تغيّر الوضع في ليبيا نهائيا وكليا، بدأ عدد من العائلات الليبية المقيمة في سويسرا منذ عقديْن تقريبا حزم حقائبها لعودة تدريجية للوطن. وقد يتطلب الأمر بعض الوقت بالنسبة لعائلات أخرى خاصة أولئك الذين لديهم أبناء في مراحل متقدمة من الدراسة. ولم يستبعد مصدر مطّلع ان تكون هذه العودة نهائية “لأن دواعي الإقامة في سويسرا قد زالت”.

تسيطر المعارضة الليبية على عدد من المناطق الشرقية والغربية من ليبيا ومن بينها مدينة بنغازي وعدد من المنشات النفطية.

وتعرضت سيطرة القذافي على العاصمة طرابلس لاختبار بعد دعوات المعارضة للتجمع في احتجاجات عقب صلاة الجمعة، طبقا للعديد من المجموعات على موقعي فيسبوك وتويتر التي يديرها ليبيون في الخارج.

وتحدثت انباء عن ان التلفزيون الرسمي الليبي دعا الى تظاهرات ضد اي تدخل اجنبي في ليبيا، الا انه لم ترد تاكيدات فورية لذلك.

وجرت العديد من التظاهرات في طرابلس يوم الجمعة السابق، الا ان قوات الامن فتحت النار بشكل عشوائي على المصلين الخارجين من المساجد مما ادى الى مقتل واصابة العديدين.

وحذرت المفوضية العليا للاجئين الجمعة من ان الحدود بين تونس وليبيا خاضعة لسيطرة “قوات موالية للنظام ومدججة بالسلاح”.

وكان الهلال الاحمر التونسي اعلن ان قرابة المئة الف شخص عبروا الحدود التونسية الليبية منذ 20 شباط/فبراير.

ومن اصل 12500 شخص لا يزالون عالقين على الحدود التونسية بانتظار ان يتم اجلاؤهم، هناك اكثر من عشرة الاف اصلهم من بنغلادش، بحسب فليمنغ.

والخميس اعلن مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو في مقابلة مع صحيفة ايل باييس الاسبانية انه سيفتح تحقيقا بحق 10 الى 15 مسؤولا ليبيا يشتبه في ارتكابهم “جرائم ضد الانسانية” وقيامهم باعمال “خطيرة جدا بحق السكان المدنيين”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية