مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ماذا لو امتلكت إيران أسلحة نووية؟

صورة التقطت من طرف قمر اصطناعي تظهر تطور سير الأشغال في مفاعل بوشهر جنوب إيران (تاريخ الصورة: يناير 2002) swissinfo.ch

على الرغم من أن أحدا لايطرح مثل هذا السؤال علنا فى المنطقة العربية، إلا أنه يمكن بسهوله اكتشاف وجوده داخل مساحة تحليل تعرف عادة بـ "التوجهات المسكوت عنها"، والتى بدأت إشارات خافتة تصدر بشأنها.

فهناك قلق حقيقى من احتمالات امتلاك إيران أسلحة نووية لدى عدة دول، رغم عدم وجود تقديرات محددة حول ما إذا كان ذلك ممكنا من الناحية الفنية أم لا.

على الرغم من أن أحدا لايطرح مثل هذا السؤال علنا فى المنطقة العربية، إلا أنه يمكن بسهوله إكتشاف وجوده داخل مساحة تحليل تعرف عادة فى المنطقة بـ “التوجهات المسكوت عنها”، والتى بدأت إشارات خافتة تصدر بشأنها، حيث هناك قلق حقيقى من احتمالات امتلاك إيران أسلحة نووية لدى عدة دول، على الرغم من أنه لاتوجد تقديرات محددة عما إذا كان ذلك ممكنا من الناحية الفنية أم لا.

إن العواصم العربية لاتزال تحتفظ بموقفها التقليدى، وهو عدم التعليق على ما يجرى بشأن نشاطات إيران النووية، على الرغم من وصول الأزمة إلى حافة الهاوية، وكأن المسألة لا تعنيها، أو كأن وقائعها تجرى فى إقليم آخر، أو كأنها مشكلة ثنائية بين طهران وواشنطن، ولا علاقة لها بأمن الإقليم، أو أمن دوله وشعوبه، أو هذا ما يبدو على السطح على الأقل.

مدخل خاص

على مستوى التقديرات العربية، لا يوجد ما يوحى بأن أية دولة عربية لديها تقدير محدد “يمكن رصد ملامحه” لطبيعة النوايا أو القدرات المتعلقة بالنشاطات النووية الإيرانية، والمقصود هنا تقديرات الدول التى تعتمد على مصادر معلومات خاصة بها، وتتم من خلال اجتماعات لمجموعات عمل منظمة متعددة التخصصات تستند على تصور بأن هناك مشكلة أمن من نوع ما فى المنطقة، وليس مجرد تقديرات تحليلية عامة أو تقارير متابعة من النوعية التى تعدها “الجهات المعنية”، فهذه موجودة قطعا.

الاحتمالات هنا تمثل مشكلة، فإما أنه لا يوجد قلق مما يحدث أو أنه لا يوجد اهتمام كاف، أو كأن أحدا لا يريد أن يبدو وكأنه يدخل على خط الأزمة، أو يتصور أنه لا علاقة له بها أصلا طالما أنه ليس طرفا فيها، أو أن إيران فى النهاية لن تستهدفه، وبالتالي لا داعي للظهور المجانى فى الصورة.

لكن الأرجح أن هناك بعض الدول العربية المهتمة، والتى تدرك بصفة عامة وجود أبعاد أمنية أو سياسية لما يدور، بحكم الجيوستراتيجيا على الأقل، وهى على الأرجح قلقة مما يدور، لكن الاهتمام المعلن بنوايا وقدرات إيران سوف يشير بوضوح إلى طبيعة مدركات التهديد لديها، على نحو يفرز ما يسمى فى العلاقات الدولية نبوؤات محققة لذاتها، وعادة ما يؤدى ذلك إلى عدم إعلان المواقف، فالدول لا تريد أن تبدو وكأنها تشعر بتهديد حتى لا يؤدى ذلك إلى سلسلة تفاعلات تؤدى إلى تهديدها بالفعل.

شعوب وحكومات

رغم ذلك يمكن فهم مايدور نسبيا من خلال التمييز بين توجهات الرأى العام (وضمنه جماعات المثقفين والنخب عموما) وبين التوجهات الرسمية للحكومات، والصورة هنا معقدة إلى حد كبير، بحيث يمكن رصد نقطتين:

الأولى، تتصل بالرأى العام الذى يتخذ موقفا بسيطا ومتوقعا ذا طابع غرائزى، فهو يؤيد ما تقوم به إيران، ويرفع صوته بالتشجيع لها، وحسب استطلاع ألكتروني سريع قام به مؤخرا موقع إحدى المحطات الفضائية العربية، كان حوالى 85 فى المائة ممن أدلوا برأيهم يؤيدون استمرار إيران فى برنامجها النووى، والمقصود هنا امتلاك السلاح النووى.

والتفسير بسيط للغاية فكل ما يبدو وكأنه ضد إسرائيل والولايات المتحدة يتم تأييده باعتباره آليا فى مصلحة العرب، ولا يفكر أحد هنا فى درس عام 1990، عندما بدت القوة العراقية وقتها خيارا استراتيجيا عربيا يوازن مالدى إسرائيل قبل أن يتجه هذا الخيار الاستراتيجى نحو الكويت، كما أن لدى إسرائيل ما يمكن أن تردع به إيران عن استهدافها نوويا، فالمشكلة هى من ليس لديهم رادع فى ظل علاقات إقليمية شديدة الضراوة والبرودة.

لكن على أى حال هذا هو ما اعتاد عليه الرأى العام، وما اعتادت التيارات اليسارية والقومية والإسلامية على التفكير فيه، ويتمثل الجزء المنطقى هنا هو أن محاولات إيران النووية موجهة بالفعل إلى الولايات المتحدة، لكن الجانب الآخر هو أنه لايتم التفكير فيما إذا كان ذلك لايتضمن مساسا سلبيا بأمن دول عربية، حتى لو تعلق الأمر بآثار جانبية أو تداعيات تالية.

أما الثانية فتتصل بالحكومات، التى يصعب عادة إدراك ما تفكر فيه، لكن ثمة مؤشرات محددة بشأن وجود قلق خليجى مما تقوم به إيران، ورغبة فى التوصل إلى تقديرات محددة حول ما يدور داخلها، فى ظل إدراك لحقائق الصورة.

فإيران حتى لو امتلكت السلاح النووى لن تتمكن من ضرب إسرائيل أو تهديد الولايات المتحدة فيما يتجاوز “ردعهما” عن مهاجمتها عسكريا أو محاولة التفكير فى تغيير نظامها بالقوة كما فعلت بالعراق، لكن يمكنها أن تستعرض بتلك الأسلحة فى مواجهة الدول المجاورة، أو تكتسب شعبية لدى الرأى العام الداخلى فيها، بفعل نجاحها فيما فشلت فيه نظم العرب، ووقتها قد تظهر مرة أخرى تعبيرات “القنبلة الإسلامية”، دون أن يقول أحد أنها قنبلة فارسية أو شيعية.

استدراكات واقعية

بالطبع فإن بعض الحكومات العربية، وهى قليلة جدا على أي حال، ربما تفكر على غرار الرأى العام، وإذا تم قبول منطق أن من حق كل دولة أن تحدد بنفسها كيفية التصرف فيما يتصل بأمنها، فإن من حق دولة مثل سوريا أن ترى ما تراه، وبالفعل قد تكون تقديراتها مستندة على بعض الأسس الواقعية، باعتبار أن سوريا مستهدفة كذلك من الولايات المتحدة، أو تشعر بضغط متصاعد على حالتها الأمنية، وسوف تؤدى القدرات الإيرانية إلى تخفيف الضغط، أو إتاحة ما يبدو أنه بديل، كما حدث عندما تصاعدت وتيرة التعاون العسكرى بين إسرائيل وتركيا.

كما أن هناك جانب حقيقى فى الصورة، فربما لا تتجه نوايا إيران بالفعل نحو الدول العربية، إذ أن المؤكد هو أنها لا تفكر حاليا سوى فيما ما كانت تعتبره “الشيطان الأكبر”، الذى أصبح يتواجد على حدودها من الشرق والغرب، لكن هناك ما يؤكد أيضا أن الشاه قديما كان يفكر فى الخليج والمنطقة عندما أطلق البرنامج النووى عام 1974، وأن الجيوستراتجيا قد تعود للعمل، كما أن السلاح يخلق استخداماته حيث يكون ذلك متاحا، وبالتالى عندما يتم امتلاك السلاح قد يتم النظر نحو ” الجوار”، وربما الدول البعيدة أيضا التى قد يتأثر دورها رغم عدم تأثر أمنها، ففى المنطقة العربية يكتسب استعراض القوة – أو حتى مجرد وجودها – أحيانا نفس مستوى أهمية التهديد باستخدامها.

لكن الأهم من كل ذلك على مستوى الاستراتيجية العسكرية هى أنه حتى لو كانت الولايات المتحدة هى الهدف، فإن إيران ليست لديها القدرة على ضرب الأراضى الأمريكية، وإنما تهديد مصالحها فى المنطقة، يتضمن ذلك قواتها فى داخل العراق وحقول النفط فى الدول العربية المجاورة والقطع البحرية الكبرى فى مياه الخليج، كما أن أية ضربات “نظرية” متصورة ضد إسرائيل سوف تجتاح الفلسطينيين أمامها، وهنا تدخل الدول العربية إلى مسرح العمليات.

دول ” ساكتة” .. إلى متى؟

النقطة المثيرة هنا هى أنه يوجد فى المنطقة من يفكر فى انه يمكن توظيف الوضع النووى الجديد، كحقيقة أخرى سيئة يجب التعامل معها، عبر إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية، وهى فكرة عملية، لكن التوظيف هذه المرة قد لايعمل.

فتجربة العراق أثبتت أن من الصعب توظيف سلاح لا تمتلكه، ولا تتحكم فى تصورات استخدامه، ولايمكن التنسيق مع مالكيه إلا بثمن سياسى ضخم، وبالتالى فإنه – حسب أحد المسئولين العرب – بدلا من تصور أن المشكلة القائمة بشأن إسرائيل قد تحل بتلك الطريقة، فإن مشكلة أخرى سوف تنشأ فى واقع الأمر، وهنا قد يكون مجديا أن يتم التفكير فى حالة شرق أسيا، فالمشكلة الثانية لن تحل المشكلة الأولى وحدها، وإنما عبر تحركات تطرح صيغة عملية لمثل هذا الحل.

إن السياسات الفعلية للدول العربية لا تشير إلى أن شيئا يحدث بجدية فى هذا الاتجاه، فلم يقم أحد بزيارة إيران كما فعلت دول أوروبية للتفاهم معها حول مخاوفها ومطالبها أو ما إذا كانت تفكر فى “الربط” مع إسرائيل، ولم تتم زيارة واشنطن لبحث مخاطر الموقف على المنطقة كلها أيضا، ولم يقم أحد بالمساعدة على إيجاد الحل ، بتقديم فكرة أو إجراء اتصال أو عقد مؤتمر أو إطلاق تهديد، والمعنى العملى الوحيد لذلك أنه لا توجد سياسة، فتوصل واشنطن مع طهران إلى حل ينهى المشكلة بوقف المسار نحو امتلاك السلاح النووى لا يختلف – بالنظر للموقف العربى – عن تصاعد الأزمة إلى حد تتجه إيران فيه إلى امتلاك الأسلحة النووية بالفعل.

إن دول شرق آسيا قد اتخذت موقفا محددا تجاه مشكلة البرنامج النووى لكوريا الشمالية، وأصبحت منذ اللحظة الأولى أطرافا فى المعادلة، فالمحادثات التى تجرى كل فترة فى بكين تشمل أربعة أطراف هى بينها الصين واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية إلى جانب الطرفين المباشرين، ويقوم موقف تلك الدول على صيغة محددة، فهى كلها ترفض امتلاك كوريا الشمالية للأسلحة النووية، ليس لأنه يهدد أمن الولايات المتحدة ولكن لأنه يهدد أمنها هى، ولا مجال هناك للخلافات الثنائية، فالصين ليست سعيدة للغاية بما يحدث لمجرد أنه يقلق اليابان والولايات المتحدة.

لكن فى نفس الوقت فإن تلك الدول جميعا ترفض أن يتم تهديد كوريا الشمالية باستخدام القوة المسلحة، أو أن يتم التفكير فى تغيير نظامها بالعنف، وتدفع فى اتجاه إيجاد صيغة محددة لتأمين بيونغ يانغ، وتلبية مطالبها المختلفة، حتى تشعر بالاطمئنان، كما أنها على استعداد للمشاركة فى دفع جزء من ثمن التسوية التى يتم التوصل إليها، على الرغم من أن بعضها – بالمناسبة – يمتلك القدرة على حيازة أسلحة نووية كحل سهل إذا قرر ذلك.

لكن تظل هناك تعقيدات تواجه مثل تلك التصورات، فالدول العربية ذاتها ليست لديها تقديرات محددة حول اتجاهات تأثير تلك المسألة على أمنها خارج الخليج، ولا يبدو أن إيران ذاتها قد حسمت أمورها فى اتجاه أهداف محددة بصورة تسهل التفاهم معها، كما تبدو غير مستعدة لتقبل تدخلات من أطراف أخرى، فى ظل رغبة فى حل المسألة مع “الآخرين” مباشرة أو فى مواجهتهم.

وهكذا يبدو فى النهاية أن الصمت قد يظل عربيا سيد الموقف، لفترة أخرى، رغم وجود كل تلك المخاوف من السلاح المحتمل أو الأزمة القادمة.

د. محمد عبد السلام – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية