مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ما بين الرياض وواشنطن .. غضب وعتب

تصريحات وزير الداخلية السعودي الاخيرة أكدت عدم رضى الرياض عن الوضع الراهن Keystone

تمر العلاقات السعودية الأمريكية في الوقت الراهن بمرحلة جديدة، إذ بدا مدى اختلاف وجهة النظر بين الطرفين واضحا للمرة الأولى في تاريخهما، وهو ما يمكن أن يكون بداية مرحلة جديدة لتقييم علاقة كل طرف بالآخر.

الموقف السعودي الرسمي بدا واضحا في نبذه للإرهاب والتنديد بهجمات الحادي عشر من سبتمبر ثم أعقبه رفض لاستخدام أرض المملكة كمركز لقيادة العمليات العسكرية ضد أفغانستان وارتفعت نبرة الموقف السعودي بتصريحات الأمير نايف بن عبد العزيز منددا بتعرض المدنيين الأبرياء للقصف الأمريكي المتواصل.

فهذه التصريحات كانت أكثر المواقف الرسمية السعودية وضوحا والتي استقبلها الكثير من المحللين السياسيين الغربيين بالدهشة، لكن الموقف السعودي يصبح واضحا متي ما تم التمييز بين إعتبارات المصالح الداخلية والإقليمية للمملكة ومكانتها العربية والإسلامية وبين تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق إثر حرب الخليج عام 1991.

ويأتي الموقف السعودي في الوقت الذي إتهمت صحف الولايات المتحدة الرياض بأنها تدعم الأرهاب بسبب ألاموال التي تقدم من قبل المملكة ورعاياها لجمعيات ومؤسسات خيرية منتشرة في مختلف أنحاء دول الخليج العربي، واختلط في أذهانهم الفرق بين أنشطة الجمعيات الخيرية ذات الطابع الإسلامي وبين منظمات ذات أهداف مشبوهة يعج بها الغرب، كما أغفلوا الأوضاع الداخلية في المملكة وتأثير التيارات الإسلامية المختلفة على الرأي العام.

علاوة على ذلك اعتبر الرأي العام السعودي إلقاء القبض على مائة وسبعين من مواطنيهم في الولايات المتحدة وتوجيه التهم لهم دون أية دليل إساءة لهم، أعقبه إهمال واشنطن لما طالبت به الرياض من أدلة على تورطهم وإغفال الإعلام الأمريكي لحقيقة أن بعض من أعلنت أسمائهم لم يغادروا المملكة أو وافتهم المنية من قبل، ثم جاء بعد ذلك رفض عمدة نيويورك لتبرع الأمير وليد بن طلال لصالح ضحايا الهجوم على مركز التجارة العالمي بعدما أنتقد الأمير الشاب السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط مذكرا بضرورة حل المشكلة الفلسطينية.

ما لم يكن في الحسبان

وبسبب حسابات السياسة الداخلية السعودية يصعب توقع دعم غير مشروط من المملكة كأقوى حليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة لضرب أفغانستان مثل ذلك الذي قدمته لضرب العراق، أو مثل الدعم الذي قدمته دول حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوربي في هذه الازمة. وليس من المستبعد لذلك، كما يرى بعض المراقبين، أن تبدأ الولايات المتحدة وبريطانيا في إعادة حساباتهما مرة أخرى بشأن القوى الحليفة المتواجدة في المنطقة العربية.

اهتمامات الرأي العام السعودي

المراقب للسياسة الخارجية السعودية في العقد الأخير يلاحظ أن المملكة حرصت على تقوية العمق الإقليمي لعلاقاتها مع دول الجوار العربية والإسلامية، ففتحت بابا جديدا في علاقاتها مع إيران وسعت إلى تشكيل رؤية مستقلة للمشاكل المتعلقة بأوضاع المسلمين في البلقان والقوقاز، إضافة إلى موقفها الداعم للقضية الفلسطينية، كما أن الرأي العام لم يعد يتقبل استمرار الحصار على العراق بعد الآثار الفادحة التي يعاني منها الأبرياء هناك، على الرغم من عدم وجود إحصائيات موثوق بها تظهر موقف الرأي العام في الرياض من تواجد قوات أجنبية على أراضيه.

أما اهتمام الشارع السعودي بالأحداث الحالية فهو ليس فقط لأنها تقع في المنطقة بل وإنما لأن من تشير إليه أصابع الاتهام سعودي ولأن الضحية هو شعب أعزل أنهكته حروب متواصلة وجفاف وإهمال دولي على مدى عقود، لذا فليس مستبعدا أن تؤدي هذه المرحلة إلى ظهور أسامة بن لادن جديد بعدما تحول إلى حديث الرأي العام في العالمين العربي الإسلامي، وكما يشار إليه في بعض دوائر الساحة السعودية العامة على أنه الفتى الذي اقلق مضاجع القوة العظمى الوحيدة في العالم وأصابها في مقتل، سيشير إليه آخرون على أنه من تسبب في مأساة جديدة للأفغان وأنه يقف وراء سوء معاملة الغرب للمسلمين.

تامر أبو العينين

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية