مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مبادرة حظر المآذن.. الحملة انطلقت مبكرا وسط إشارات مُـتباينة

Keystone

قبل سبعة أسابيع من موعد التصويت على المبادرة الشعبية الداعية إلى حظر بناء مآذن جديدة في سويسرا، تحرّكت الساحة الإعلامية والسياسية على إيقاع نِـقاش متعدِّد الأبعاد، شمِـل مُـلصقات إشهارية مثيرة للجدل واستطلاعات رأي رافضة لها (بأغلبية محدودة) ومواجهات فكرية وسياسية بين رُؤيتيْـن متباينتيْـن لموقِـع الإسلام والمسلمين في سويسرا.

ومرّة أخرى، ينجَـحُ سياسيون شعبويون في فرض أجندتهم على الساحة الداخلية ويُرغمون رجال السياسة والقانون ووسائل الإعلام والرأي العام، على مناقشة القضايا التي يختارون مكان وزمان وكيفية طرحِـها، بفضل الآليات العديدة التي تُـتيحها الديمقراطية المباشرة، التي يعتزّ بها السويسريون.

ومثلما كان متوقّـعا، بدأت الحملة الإنتخابية الممهِّـدة للتصويت على المبادرة التي أطلقتها مجموعة من السياسيين ينتمي معظمهم إلى حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) والداعية إلى تحوير فصل في الدستور الفدرالي، بما يؤدّي إلى حظر بناء مآذن جديدة في سويسرا، بشكلٍ مبكِّـر وفي أجواء تُـنذِر بمواجهة قوية بين المؤيِّـدين والرافضين لها مع اقتراب موعد التصويت.

ضربة الانطلاق، كانت يوم السبت 3 أكتوبر في مؤتمر عقده مندوبو حزب الشعب في جنيف، وأوصوا خلاله بـ 288 صوتا مقابل 3 بالتصويت بـ “نعم” للمبادرة. وقد تميّـز الإجتماع بصدور تصريحات خطيرة عن عدد من رموز الحزب (من بينهم أوسكار فرايسينغر، عضو مجلس النواب عن كانتون فالي)، وصلت إلى حدِّ إجراء مقارنة بين المسلمين والنازيين. ونقلت صحيفة سونتاغس تسايتونغ (الصادرة يوم الأحد 4 أكتوبر في زيورخ) عن فرايسينغر، وهو أيضا عضو في اللجنة التي أطلقت المبادرة، قوله: “ما لم نحصُـل على ضمانة بأن حكومتنا وقوانيننا ستُـحترم من طرف المسلمين، فإن أيّـا من رموز قوتهم لا يجب أن يُـشيَّـد”.

وفي يوم الثلاثاء 6 أكتوبر، اتخذت مدينة بازل قرارا برفض الترخيص لتعليق ملصقِ إشهاري، أعدّته اللجنة التي أطلقت المبادرة، يُـظهر امرأة متنقِّـبة بلباس أسود، وهي تقِـف بجوار عَـلَـم سويسري أحمر وأبيض تخترقه مآذن سوداء في شكل صواريخ مُـنطلِـقة إلى السماء. وعلى الفور، بدأت حرب القرارات بين المُـدن السويسرية، والبيانات المؤيِّـدة والرافضة، بالتزامن مع إعلان اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية (يوم الأربعاء 7 أكتوبر) عن موقِـفها بخصوص المُـلصق الإشهاري المثير للجدل.

ثلْـبٌ للمسلمين وتهديد للسِّـلم الاجتماعي

اللجنة الفدرالية اعتبرت أن مُـلصقات أصحاب المبادرة الشعبية الرافضة لبناء المآذن، “ترسُـم بخصوص الإسلام سيناريو كارثيا، يُـهين الجالية المسلمة المسالمة لسويسرا”، وحذرت في البيان الذي أصدرته بالمناسبة من أن ذلك “يُـمكن أن يُـهدِّد الانسجام الاجتماعي والسِّـلم العمومي”.

اللجنة أوصت الأطراف المعنية (والمقصود هنا السلطات المسؤولة عن منح الترخيص لتعليق هذه الملصقات في الفضاء العمومي) بـ “إجراء موازنة دقيقة للمصالح (القائمة) بين حرية التعبير والحماية من التمييز وحماية المجتمع السويسري من اضطراب (أو توتر) يُـحفّز على الكراهية”.

ومن خلال التحليل الذي قامت به اللجنة، يتّـضح أن الملصقات “تُـغذي الأفكار المُـسبقة، كما تتسم بالتعميم وتقدِّم الإسلام عموما بطريقة سلبية، باعتباره تهديدا”، إضافة إلى ذلك، “تُـلمِّـح (الملصقات) إلى أن الأقلية المسلمة التي تعيش في سويسرا، قد تُـمثِّـل خطرا مثيرا للخِـشية”، كما أن “الرسالة التي تُـوجِّـهها (الملصقات) تتمثّـل في أنها (أي الأقلية المسلمة) قد تريد الهيمنة على السكان السويسريين وقد تقمَـع المرأة وقد تستهين بالحقوق الأساسية”، وهو ما يُـوازي بنظر اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية، “ثَـلْـبا للجالية المسلمة المسالمة لسويسرا”، كما أن “هذه الصورة تُـضِـرّ بالاندماج الاجتماعي والسِّـلم العمومي”.

وأضافت اللجنة في بيانها أنه، يجب احترام تحديد حرية الرأي “إذا ما أريدَ حماية أقلية ضدّ التمييز وحماية (أو وقاية) المجتمع السويسري من اضطراب يُـثير الكراهية”. واعتبرت اللجنة أيضا أن المجالس البلدية التي تتّـخذ قرارا بحظر تعليق هذه الملصقات في الفضاء العمومي، “تستجيبُ لإجبارية عدم التمييز”، المُـدرجة في الدستور الفدرالي ولمفهوم الوقاية (أو الحماية) الوارد في المعاهدة الدولية حول كافة أشكال التمييز العنصري.

تنديد المؤيِّـدين.. ومُـدُنٌ ترفُـض وأخرى توافق

قبل نشر توصيات اللجنة بقليل، انتقد شباب حزب الشعب السويسري الدور الذي تلعبه اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية، وأصدروا بيانا جاء فيه أن “هذه اللجنة الفاقِـدة للشرعية الديمقراطية (أي أنها غير مُـنتخبة)، تلعَـب دورَ جهاز رقابة شبيه بأجهزة الدول الشيوعية والرايخ الثالث”، كما اعتبروا أنه من المثير للدهشة أن تنتظر المُـدن السويسرية رأيها لاتخاذ قرار بخصوص الملصق المثير للجدل، لأنصار المبادرة المناهضة للمآذن.

في الوقت نفسه، تبايَـنت قراراتُ السلطات البلدية في المُـدن الكُـبرى بخصوص السماح بتعليق هذه الملصقات أو برفضها. فبعد مدينة بازل، اتّـخذت لوزان وإيفيردون وفريبورغ، قرارا بحظرها، لكن مدن جنيف ولوتسرن وزيورخ، سمحت بها باسم احترام حرية التعبير.

المُـدن الرافضة، استندت عموما إلى الحجج الواردة في توصيات اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية لتبرير قراراتها، لكن متحدِّثة باسم مدينة جنيف صرّحت للقناة الأولى للتلفزيون السويسري الناطق بالفرنسية، أن سلطات المدينة لم ترغب في “تحويل أصحاب الملصَـق إلى ضحايا للديمقراطية”، وقالت “إننا لن نخوض المعركة (الانتخابية) حول الشكل، بل حول المضمون”.

وفي برن، لم يكشِـف عُـمدة المدينة أليكسندر شابات عن موعِـد اتخاذ القرار، لكنه صرّح برغبته في إيجاد “خطٍّ مُـشترك” للمُـدن (تجاه هذه المسألة)، وأعلن أنه سيتقدّم بطلب في هذا الاتجاه إلى اتحاد المُـدن السويسرية.

الحزب الصغير يشرح موقِـفه

في لوزان، أطلق الاتحاد الديمقراطي الفدرالي، وهو حزب صغير ذو توجّـهات مسيحية يُـمثِّـله عُـضو واحد في اللجنة التي أطلقت المبادرة، يوم الأربعاء 7 أكتوبر، حملته المؤيِّـدة للمبادرة الداعية إلى حظر بناء المزيد من المآذن في سويسرا.

وفي ظل حِـرصِـه على النأي بنفسه عن حزب الشعب السويسري والتأكيد على أنه سيخوض حملته الخاصة بمُـلصقات أعدّها للغرض تشتمل على “بيوت تقليدية سويسرية” تعلوها مئذنة ضخمة، وجّـه الحزب نداءً إلى الناخبين للوقوف بوجه بناء المآذن التي بعتبرها “شعارا عموميا للغزوِ الإسلامي”.

وفيما حرص ماكسيمليان برنهارد، الأمين العام للحزب في سويسرا الروماندية (الناطقة بالفرنسية) على التأكيد بأن الإتحاد الديمقراطي الفدرالي، “يدافع عن الحريات الدينية”، إلا أنه اعتبر أن المآذن ليست لها “أية ضرورة دينية، فهي غير مذكورة في القرآن”، لكنها تُـمثِّـل في المقابل “رمزا للغزو الإسلامي” وتُـهدِّد، حسب زعمه، السِّـلم الديني في سويسرا.

السيد مارك فروه، وهو النائب الوحيد عن الحزب في مجلس النواب الفدرالي، ذهب من ناحيته إلى أن المآذن “مفروضة من طرف أقلية لديها رُؤىً سياسية عدوانية”، بل تصَـل إلى حدّ المطالبة بـ “تفكيك واختفاء بلادنا”، في إشارة إلى التصريحات الأخيرة المنسوبة للعقيد معمر القذافي. وشدّد النائب البرلماني على ضرورة “الردّ على استفزازات الدكتاتوريات الإسلامية”، على حد تعبيره.

إضافة إلى ذلك، لا يتردّد المسؤولون في الحزب عن الإشارة إلى أن المآذن ليست سوى الجزء الظاهر من عدم التسامُـح. وفي هذا السياق، حذّر ماكسيميليان برنهارد من أن البعض (من المسلمين) يريدون تطبيق الشريعة ووضعها فوق دولة القانون السويسرية. وحسب رأيه، فإن هناك “خطرا حقيقيا جدا” في رؤية تطوّر مطالب أخرى، مثل ارتداء الحجاب والفصول الدراسية غير المختلطة والذبح الحلال.

أكثر من 50% من الناخبين معارضون

يوم الخميس 8 أكتوبر، نشرت صحيفة تاغس أنسايغر نتائج سبر للآراء، أنجزه معهد Isopublic وكشف أن أكثر من نصف السكان السويسريين (51،3%) سيُـصوِّتون بالرفض للمبادرة المناهضة لبناء المآذن، لو أجري الاقتراع يوم الأحد القادم. في المقابل، حظي نص المبادرة بتأييد 34،9%، فيما أعرب 13،8% من المستجوَبين عن تردّدهم.

ومع أن نتيجة الإستطلاع أظهرت أن 52،3% من الناخبين المُـنتمين إلى حزب الشعب السويسري (الذي يشارك عدد من أعضائه في لجنة المبادرة) سيُـصوِّتون لفائدة النص المعروض على الناخبين، إلا أن المسؤول عن إنجاز سبر الآراء، تكهّـن بأن هذه النسبة سترتفع في الأسابيع القادمة، بعد أن أعلن حزب الشعب رسميا عن تأييده للمبادرة.

في المقابل، سُـجِّـلت أكبر نِـسب المعارضين للمبادرة في صفوف المؤيِّـدين للحزب الاشتراكي (72% سيُـصوِّتون بـ “لا”، مقابل 21،7% سيُـصوِّتون بـ “نعم”)، فيما أعلن 60،2% من الناخبين المؤيِّـدين للحزب الليبرالي الراديكالي عن رفضهم للمبادرة، مقابل 27،9% قالوا إنها سيوافقون عليها. أما في الحزب الديمقراطي المسيحي، فإن نسبة المعارضين بلغت 49،6% مقابل 36،5% قالوا إنهم سيصوّتون لفائدتها.

النتائج التي أسفر عنها سبر الآراء (وهو الأول من نوعه بخصوص المبادرة)، كشفت أن نسبة الرجال الرافضين لها (57%) تفوق نسبة النساء (44%)، كما أن حجم المعارضة لها في المناطق المتحدثة بالألمانية (52،4%)، أكبر مما هو مسجّل في الأنحاء المتحدثة بالفرنسية (48،7%).

من جهة أخرى، اتّـضح أنه لا توجد فوارق كبيرة في الموقِـف من المبادرة الداعية إلى حظر بناء مآذن جديدة في سويسرا بين أتباع المذاهب المسيحية، سواء كانوا كاثوليك (52،6% رافضون، مقابل 31% موافقون) أو بروتستانت (51،7% مقابل 35،1%) أو أتباع ديانات أخرى (50،4% مقابل 42،6%) أما الأشخاص الذين لا ديانة لهم (49،3% مقابل 41،6%).

يُـشار إلى أن الإستطلاع أجري في الفترة الفاصلة ما بين يومي 24 سبتمبر و3 أكتوبر 2009 وشمِـل 1007 شخصا يقيمون في المناطق المتحدثة بالألمانية والفرنسية من سويسرا.

swissinfo.ch مع الوكالات

هناك أربع مآذن في سويسرا، وهي مُشيّـدة حاليا في جنيف وزيورخ وفينترتور (Winterthur) وفانغن (Wangen)، بالقرب من مدينة أولتن.

المئذنة الرابعة توجد في فانغن Wangen، بالقرب من مدينة أولتن (Olten) وهي تتكون من هيكل من الحديد الصّلب بارتفاع ستة أمتار، وقد تَمّـت المُوافَقة عليها من طرف السلطات المعنية بعد فَترة طويلة من النِّـزاعات القضائية وتم تثبيتها على سطح مبنى المركز الإسلامي في فانغن في حفل أقيم في بداية شهر يناير 2009.

هناك مئذنة أخرى يُخطّـطَ لإنشائِها في مدينة لانغنتهال (Langenthal) في كانتون برن، لكنّ المعارضين لها يحاولون إسقاط المشروع. وفي بداية يوليو 2009، منحت سلطات المدينة ترخيص البناء، لكن لجنة تحمِـل اسم Stop Minarett تقدّمت باعتراض متعلّـلة بأن المبنى غير مطابِـق لتخطيط المنطقة وأن عدد الأماكن المقرر تخصيصها لوقوف السيارات، غير كافٍ. إضافة إلى ذلك، تعتبِـر اللجنة أن المئذنة تُـمثِّـل “تدخّـلا فِـكريا”، مُحيلة إلى قرار صادر عن المحكمة الفدرالية (أعلى سلطة قضائية في سويسرا)، التي رفضت منح ترخيص بناء لصليب مسيحي بارتفاع 7 أمتار في مدينة Gerlafingen في كانتون سولوتورن، مذكِّـرة بأن قمّـة المئذنة المُـزمع بناؤها، سيصل ارتفاعها إلى 9 أمتار.

من جهة أخرى، أعلِـن عن خُـطط لبناء مئذنتين، واحدة في إيمينبروك (Emmenbrücke) في كانتون لوتسرن، والثانية في منطقة فيل (Wil)، في كانتون سانت غالن، إلا أنه تَمّ التَخلّي عن كِـلا المشروعَين.

وِفقاً لِدراسة أعدها المكتب الفدرالي للأجانب، يوجد نحو 130 مركزاً ثقافياً وأماكن للعِـبادة للمسلمين في سويسرا، وتقع الأغلبية الساحقة لهذه المراكز المتواضعة في مبانٍ عادية أو مخازن ومصانع ومحلات مهجورة.

1 مايو 2007: أطلقت المبادرة الشعبية “ضد بناء المآذن” من قبل مجموعة من ممثلي التيار اليميني المحافظ والمتشدد. وتدعو هذه المبادرة إلى تضمين الدستور الفدرالي نصا يحظر بناء المآذن على التراب السويسري.

8 يوليو 2008: أُودعت المبادرة لدى المستشارية الفدرالية في برن بعد أن تمكن أصحابها من تجميع 113.540 توقيعا من مواطنين سويسريين.

27 أغسطس 2008: وجهت الحكومة السويسرية رسالة إلى غرفتيْ البرلمان (النواب والشيوخ) عبّرت فيها عن رفضها القاطع واستهجانها لفكرة حظر بناء المآذن في سويسرا، لكنها أوضحت أن المبادرة لا تنتهك القواعد الأساسية للقانون الدولي، وبالتالي فهي سليمة من الناحية القانونية.

4 مارس 2009: ناقش مجلس النواب نص المبادرة، وأوصى المجلس (129 صوتا مقابل 50 صوتا) برفض المبادرة من دون ان يقترح بديلا عنها.

5 يونيو 2009: أوصى مجلس الشيوخ السويسري (بأغلبية 36 صوتا مقابل 3 أصوات) برفض مبادرة حظر المآذن في البلاد، بسبب تعارضها مع مبدئيْ التسامح وحرية الإعتقاد الأساسيين.

3 أكتوبر 2009: حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) يُـقرِّر توصية الناخبين بالتصويت لفائدة المبادرة، لكنه يرفُـض تمويل الحملة الانتخابية. واندلاع جدل حول الملصَـق الإشهاري المثير للجدل، الذي أعدّته لجنة المبادرة.

29 نوفمبر 2009
: موعد التصويت الشعبي على المبادرة الداعية إلى حظر بناء المآذن في سويسرا.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية