مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مجرد سحابة صيف أم رأس جبل الجليد؟

اختلاف وجهات النظر بين الحليفين قد ينعكس على سياسة واشنطن الخارجية في الشرق الأوسط swissinfo.ch

الخلاف الذي نشب علانية بين رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون وإدارة الرئيس بوش الأسبوع الماضي على خلفية التصريحات التي أدلى بها شارون وحذر فيها إدارة بوش من مغبة "استرضاء العرب على حساب اسرائيل" كما فعلت بريطانيا مع ألمانيا النازية بسماحها لها عام 1938 باحتلال تشيكوسلوفاكيا، لم ينته بعد وإن كانت الحكومتان قد سارعتا إلى إظهار العكس.

التبادل الكلامي العلني الجاف بين الناطق باسم البيت الأبيض الذي وصف تصريحات شارون بأنها “غير مقبولة” وبين شارون الذي اعتذر عما قاله وادعى بأنه “أسيء فهمه” يكشف عن مستوى القلق الذي تشعر به حكومة شارون فيما تواصل الولايات المتحدة مساعيها لاصطفاف الدول العربية والإسلامية في التحالف الذي تبنيه من أجل شن حرب على الإرهاب. ويقول المراقبون السياسيون إن ذلك التبادل يشير إلى الحبل الدقيق الذي ستسير عليه الإدارة في الأيام والأسابيع القليلة القادمة فيما تسعى إلى حشد التأييد لحملتها في الوسطين العربي والإسلامي لحملتها ضد الإرهاب مع الاحتفاظ بعلاقاتها التاريخية الحميمة مع اسرائيل.

ويشير المراقبون إلى أنه سيكون من الصعب على إدارة بوش أن تبني ذلك التحالف الذي تريده في العالم العربي والإسلامي من دون الإصغاء الى “همس المسؤولين العرب وصراخ الشارع العربي” بشأن ما يجب على واشنطن أن تقوم به من تعديل على سياساتها الخارجية، وخصوصا تجاه الصراع العربي الاسرائيلي، من أجل حشد الدعم المطلوب في هذه المنطقة لحملتها ضد الإرهاب.

ويقول هؤلاء إن المسؤولين الأميركيين يدركون ما عليهم فعله تماما من أجل تحسين صورة الولايات المتحدة في المنطقة ووضع خط فاصل واضح بات متماهيا وضبابيا بصورة متزايدة في أعين الكثيرين في العالم العربي والاسلامي بينها وبين اسرائيل.

حيث أن أي تغيير في النهج الذي اتبعته إدارة الرئيس بوش حتى الآن في تعاطيها مع القضية الفلسطينية تحديدا لا بد أن يكون في اتجاه التعاطي الأعمق مع هذه القضية وفي اتجاه لعب دور أكثر حيادية في محاولة حل هذه القضية.

فإذا كان ما أعلنته الإدارة الأميركية الأسبوع الماضي بشأن خطة كانت تعد لها لطرح مبادرة جديدة في الشرق الأوسط تقوم على تأييد اقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة مؤشرا على ذلك التغير المرتقب في سياستها، فإن ذلك سيدق أجراس الخطر في ديوان رئيس وزراء اسرائيل. ويضيفون أن ذلك سيعني الضغط على حكومة شارون من أجل وقف اطلاق النار والعودة الى المفاوضات السياسية بهدف حل المشكلة الفلسطينية، وهو ما سيضع حكومة شارون لأول مرة أمام اختبار عسير بصدد رغبتها في السلام مع الفلسطينيين.

هل هي فقط سحابة صيف؟

قد لا يكون الأمر كذلك باعتقاد المراقبين والمحللين السياسيين إذا دفعت إدارة الرئيس بوش بخطتها السياسية الجديدة في الشرق الأوسط. ولكن ذلك لا يعني، برأي هؤلاء، الإساءة الى العلاقات الأميركية مع اسرائيل نفسها، وإنما مع حكومة شارون. ويعني هذا في المحصلة النهائية الدفع باتجاه موقف أميركي رافض لسياسات شارون، وهو ما سيؤدي بدوره الى دفع التصدع في ائتلافه السياسي الحاكم الى مرحلة التفسخ وإرغام شارون على الدعوة الى انتخابات مبكرة أخرى في اسرائيل.

أما بالنسبة لموقف اليهود الأميركيين فالمراقبون يقولون إن تصريحات شارون قد وضعت قيادة الجالية اليهودية الأميركية في حرج شديد، وهو ما اتضح من الاتصالات المحمومة التي أجراها أعضاء هذه القيادة مع كبار أركان إدارة بوش للتفسير والاعتذار والتوضيح. ويضيف هؤلاء أن القيادة اليهودية الأميركية لا تستطيع أن تؤيد شارون إذا ما تصاعدت المواجهة بينه وبين إدارة الرئيس بوش، خصوصا في هذا الوقت الذي تحظى فيها الإدارة بكل تأييد ممكن من قبل الشعب الأميركي والكونغرس الأميركي على حد سواء.

وقال أحد الخبراء السياسيين في شؤون اللوبي الاسرائيلي بواشنطن: “ليس من الحكمة السياسية لأحد أن يقف قبالة الرئيس بوش في هذه المرحلة التي يتهدد فيها الأمن القومي الأميركي خطر حقيقي. هذه مجازفة كبيرة، خصوصا إذا كان من سيقف ضد الرئيس بوش يمثل دولة أجنبية.” واضاف المراقب السياسي أنه حتى الحزب المعارض في الكونغرس “لم يجد ذلك حكيما، فما بالك بجماعة لوبي تمثل مصالح دولة أجنبية؟ إن ذلك سيفسر فورا بأنه انفصام في الولاء، وهو أمر لا يريد الأميركيون اليهود بحال أن يكونوه خصوصا في هذه المرحلة الدقيقة من التاريخ الأميركي.”

مفيد عبد الرحيم – واشنطن

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية