مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مجلس حقوق الإنسان يُدين بشدة الإنتهاكات المرتكبة في كوت ديفوار

سفير كوت ديفوار في جنيف جي ألان إيمانويل، أثناء الاستماع لتدخلات الدول في الدورة الخاصة لمجلس حقوق الإنسان بخصوص الأوضاع في كوت ديفوار Keystone

أسفرت الجلسة الخاصة التي عقدها مجلس حقوق الإنسان في جنيف يوم الخميس 23 ديسمبر عن مصادقة أعضائه بالإجماع على مشروع قرار يدين انتهاكات الإنسان في هذا البلد الإفريقي لكن دون الإشارة بوضوح إلى لب المشكلة، أي احترام خيار الشعب في الإنتخابات الرئاسية.

وكان الإجتماع الطارئ الذي عقده المجلس لمناقشة الأزمة الخطيرة التي اندلعت في كوت ديفوار عقب الإنتخابات الرئاسية التي جرت يوم 28 نوفمبر 2010 قد تمت الدعوة له في بادرة مشتركة (غير معهودة في محافل حقوق الإنسان) من قبل المجموعة الإفريقية والولايات المتحدة وبمساندة واحد وثلاثين دولة غربية وأمريكية لاتينية وعدد قليل من الدول العربية، قد تميز بالكثير من الأخذ والردّ حول بعض الفقرات الواردة في مسودة مشروع القرار المعروض للتصويت.

الاجتماع الذي انعقد طيلة يوم الخميس، سمح باستعراض وجهات نظر الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان والمراقبين بخصوص المواجهة القائمة حاليا في هذا البلد الإفريقي إثر الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية والتي ترتب عنها تمسك الرئيس السابق لوران غباغبو بالمنصب في الوقت الذي أعلنت فيه لجنة مراقبة الإنتخابات الدولية أن منافسه الحسن واتارا هو الفائز الشرعي بالإقتراع.

صيغة أولية أثارت تفاؤلا واسعا

إذا كانت الدعوة لعقد الجلسة الخاصة قد جمعت هذه المرة طرفين لا يلتقيان عادة عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان، فلأن نص مشروع القرار الأوليّ المعروض على المجلس قد أعطى لكل طرف ما يريد. فالجانب الإفريقي الذي عادة ما يحرص على مناصرة الدول الأعضاء فيه، قد حصل على تجنب إدانة أي طرف من الأطراف المتصارعة على الأقل بالإسم، فيما حصل الجانب الأمريكي (والمعسكر الغربي عموما) على إدانة الإنتهاكات التي حصلت ودعوة الأطراف إلى احترام إرادة واختيار الشعب في كوت ديفوار.

في مداخلته، عرض ممثل نيجيريا – الذي تحدث باسم المجموعة الإفريقية – الأسباب التي دفعت المجموعة إلى المشاركة في الدعوة لعقد هذه الدورة الخاصة، وشدد على “ضرورة التزام المتدخلين بالتقيد بما تمليه مهام وصلاحيات مجلس حقوق الإنسان”. ولعل هذا ما يفسر تضمن نص مشروع القرار في صيغتيه الأولية والنهائية “إدانة قوية لانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في كوت ديفوار”، وأن يكتفى – عند توجهه بالخطاب إلى الجهات المعنية بالأزمة – بدعوة كل الأطراف إلى “الإحجام عن ارتكاب الإنتهاكات”، دون تمييز بين هذا المعسكر أو ذاك.

  

وفي السياق نفسه، أسهبت الدول الإفريقية عند تدخل مندوبيها أمام المجلس في الدعوة إلى “تجنب التشهير” وحث المجموعة الدولية على “مساعدة كوت ديفوار على الخروج من المأزق الذي وقعت فيه”.

“إشارة قوية”

الولايات المتحدة لم تكتفي بالمشاركة في الدعوة لعقد الجلسة الخاصة لمجلس حقوق الإنسان حول كوت ديفوار، بل لعبت دورا هاما استمر حتى آخر لحظة في المفاوضات الخاصة بتحرير مشروع القرار. وفي هذا الصدد، اعتبرت السفيرة بيتي كينغ أن “المجموعة الإفريقية بتزعمها الدعوة لهذه الدورة قد أرسلت إشارة قوية لضمان احترام حقوق الإنسان ولمناقشة موضوع الانتهاكات الخطيرة”.

المفوضة السامية لحقوق الإنسان كانت غائبة عن جنيف، لكنها تحدثت في خطابها الذي قرأته نائبتها عوضا عنها، بالتفصيل عن هذه الإنتهاكات مشيرة الى أن “أنصار لوران غباغبو هم الذين مارسوا ضغوطا لمنع التظاهرات والمسيرات، وارتكبوا عمليات الحبس التعسفي والتعذيب والإختفاء والقتل خارج نطاق القانون”.

وبلغة الأرقام، أشارت المفوضة السامية في خطابها أمام الدورة الخاصة للمجلس إلى أن “مراقبي انتهاكات حقوق الإنسان في كوت ديفوار رصدوا 173 حالة قتل و90 حالة تعذيب ، و471 حالة اعتقال و24 حالة اختفاء قسري، وأن حوالي 6000 مواطن من كوت ديفوار فروا الى ليبيريا وحوالي 200 الى غينيا منذ 3 ديسمبر”.

وفي سياق تدخلها، تحدثت السفيرة الأمريكية عن “وجود مقابر جماعية”، كما هاجمت جماعة لوران غباغبو بسبب “سيطرتها على وسائل الإعلام في البلاد وفبركتها لأخبار خاطئة ومزيفة”، على حد قولها.

أما سويسرا، التي كانت من بين الدول التي ساندت عقد الدورة الخاصة، فقد “أدانت بقوة الإنتهاكات التي ارتكبت منذ الإنتخابات الرئاسية في 28 نوفمبر 2010″، وعبرت عن القلق “للأخبار التي مفادها أن قوات مسلحة  وميليشيات قامت باختطاف أشخاص من منازلهم  واقتادتهم الى مراكز اعتقال سرية”. من جهة أخرى، طالبت برن بـ “ضرورة الافراج عن هؤلاء المعتقلين”، وأعربت عن القلق لكون “موظفي الأمم المتحدة تعرضوا للمضايقة”، كما شددت على “ضرورة القيام بتحقيق مستقل في هذه الإنتهاكات في أقرب وقت لتقديم مرتكبيها للمحاكمة”.

انتقادات روسية صينية

الدول الغربية أسهبت في الإعراب عن ترحيبها بمسارعة المجلس إلى معالجة ملف حقوق الإنسان في كوت ديفوار، وخصص سفراؤها حيزا من تدخلاتهم للتأكيد على شرعية تولي واتارا الرئاسة في البلاد على غرار الولايات المتحدة التي أشارت سفيرتها بكل وضوح إلى أن “الرئيس الحسن وتارا هو الرئيس الشرعي المنتخب في كوت ديفوار”، أو بريطانيا التي حذر مندوبها أمام المجلس من أن “إصرار الرئيس غباغبو على الوقوف في وجه إرادة الناخبين في كوت ديفوار يهدد البلاد بالعودة الى الصراع المسلح”، أو ممثل فرنسا (الذي كانت كلمته منتظرة بقدر كبير من الإهتمام) الذي اعتبر أن “مجلس حقوق الإنسان هو المحفل الذي عليه أن يقوم بدور المنذر عندما تكون أوضاع حقوق الإنسان مهددة بشكل خطير في بلد من البلدان” وشدد على “ضرورة احترام الإرادة التي عبر عنها الشعب من خلال الإنتخابات”.  

في المقابل، انتقدت دول أخرى بشدة تطرق المجلس إلى هذه الوضعية القائمة في كوت ديفوار وخاصم ما يتعلق بتحديد هوية الرئيس الشرعي للبلاد. إذ اعتبر المندوب الروسي أن “المشاكل الناجمة عن انتخابات في بلد من البلدان يجب أن تعالج عبر القوانين الوطنية في ذلك البلد، وليس من حق مراقبين خارجيين، بما في ذلك مجلس حقوق الإنسان أن يعلنوا من هو الفائز ومن هو الخاسر”، واكتفى بالتعبير عن “الأمل في إيجاد حل سياسي من خلال وساطة إفريقية”.

غير بعيد عن هذا الموقف، تحدثت الصين عن “ضرورة احترام السيادة الوطنية لكوت ديفوار”، ووجهت نداء إلى الطرفين السياسيين في كوت ديفوار من أجل “ضبط النفس”، كما عبرت عن الأمل في “دعم جهود الوساطة الإفريقية”. من جهتها، عبرت كوبا بوضوح أن “ما يجري في كوت دويفوار هو أمر داخلي ومسألة تهم القارة الإفريقية”.

ويبدو أن هذه الإعتراضات (التي أملتها مخاوف البعض من أن يقوم مجلس حقوق الإنسان باتخاذ حالة كوت ديفوار “سابقة” للتدخل في الشؤون الداخلية لبلد ما، وأن تتكرر لاحقا في مناطق أخرى من العالم)، هي التي أدت الى تعطيل التصويت على مشروع القرار طيلة النصف الثاني من يوم الخميس المخصص لانعقاد الجلسة الخاصة للمجلس.

وبعد مفاوضات مطولة، تم حذف ما كان يبدو جريئا من قبل مجلس حقوق الإنسان في مسودة مشروع قراره الأولي، أي الإشارة في الفقرة الثانية إلى “دعوة الأطراف المعنية إلى احترام تام لإرادة الشعب وكذلك استعادة الديمقراطية وحكم القانون”، في إشارة صريحة إلى احترام النتائج التي أسفرت عنها الإنتخابات الرئاسية. وفي الأخير تم الإكتفاء في نص القرار النهائي بــ “دعوة كل الأطراف المعنية لوضع حد للعنف ولكل انتهاكات حقوق الإنسان في كوت ديفوار واحترام تام لكل حقوق الإنسان والحريات الأساسية ولحكم القانون”.

   

في المحصّلة، شهد مجلس حقوق الإنسان هذه المرة تحولا في تركيبة الدول التي دعت إلى انعقاد الدورة الخاصة حول كوت ديفوار، وتمكن – رغم التأخير والخلافات – من اتخاذ قراره بالإجماع بدل اللجوء إلى التصويت، إلا أن المناقشات التي كان مسرحا لها أظهرت مُجددا استمرار الإنقسام التقليدي القائم داخله بين الكتل الجغرافية رغم أن تشكيلتها عرفت بعض التغيير هذه المرة.

جرت العادة داخل مجلس حقوق الإنسان، أن تعطى الكلمة لممثل البلد المعني من أجل عرض وجهة نظر حكومته في الموضوع المطروح للنقاش.

هذه المرة لم يُسمح لممثل كوت ديفوار بإلقاء كلمته أمام مجلس حقوق الإنسان نظرا لأنه محسوب على تيار الرئيس لوران غباغبو الذي لا زال متمسكا بالسلطة رغم إعلان لجنة الانتخابات المستقلة عن فوز منافسه الحسن واتارا.

تبعا لذلك، قامت الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان بمناقشة الملف واتخذت قرارها دون الإستماع لموقف الممثل الحالي للبلد المعني. وهي سابقة لم يشهدها مجلس حقوق الإنسان منذ تأسيسه في عام 2006.  

الفقرة 1 (لم تتغير في النصين):

“إدانة صارمة لانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في كوت ديفوار، بما في ذلك إزهاق الأوراح، وتحطيم الممتلكات التي شهدتها بعض مناطق كوت ديفوار في أعقاب الانتخابات الرئاسية لعام 2010”.

الفقرة 2

كما وردت في النص الأولي:

دعوة الأطراف المعنية بوضع حد فوري لانتهاكات حقوق الإنسان في كوت ديفوار واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ، وإرادة الشعب واستعادة الديمقراطية وحكم القانون. 

أما في النص النهائي فقد أصبحت:

“دعوة كل الأطراف المعنية بوضع فوري لكل انتهاكات حقوق الإنسان في كوت ديفوار واحترام كل حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحكم القانون”.

الفقرة 3 (لم تتغير في النصين):

“مطالبة كل الأطراف وبالأخص قوات الأمن للتخلي عن استخدام العنف واحترام كل حقوق الإنسان  والحريات الأساسية  والقيام بمسئولياتها في حماية السكان المدنيين”.

الفقرة 4

كما وردت في النص الأولي

مطالبة كل وسائل الإعلام للتوقف عن التحريض للعنف عبر حملات دعائية وخطب كراهية قد تعيد إشعال الصراع الداخلي.

أما في النص النهائي فقد أصبحت:

“مطالبة كل وسائل الإعلام للتوقف عن التحريض للعنف وعن الحملات الدعائية وخطب الكراهية والدعوة لوضع حد للقيود المفروضة على مصادر الإعلام”.

الفقرة 7 (لم تتغير في النصين):

“تشجيع المقررين الخاصين على الاهتمام كل في مجال تخصصه، بأوضاع حقوق الإنسان في كوت ديفوار وفي علاقة بما تم منذ الانتخابات الرئاسية  في عام 2010 بغرض إطلاع المجلس على الحقائق”.

الفقرة 8

كما وردت في النص الأولي

التذكير بأن المسئولية الأولية لحكومة كوت ديفوار هي من أجل بذل كل الجهود لحماية السكان المدنيين وللقيام بتحقيقات وتقديم مرتكبي انتهاكات حقوق الانسان والقانون الانساني الدولي للمحاكمة. ودعوة المجموعة الدولية لدعم ومساندة حكومة كوت ديفوار في فرض استقرار الأوضاع في البلاد.

أما في النص النهائي فقد أصبحت:

“التذكير بأن المسؤولية الأولية للحكومة الشرعية في كوت ديفوار….”

الفقرة 11

كما وردت في النص الأولي:

مطالبة المفوضة السامية لحقوق الإنسان بتقديم تقرير لمجلس حقوق الإنسان خلال دورته 16 حول الانتهاكات التي ارتكبت في كوت ديفوار منذ الانتخابات.

أما في النص النهائي للقرار فقد أصبحت:

مطالبة المفوضة السامية لحقوق الإنسان بإطلاع المجلس وتقديم تقرير عن الانتهاكات والتجاوزات في مجال حقوق الإنسان التي ارتكبت في كوت ديفوار والتي لها علاقة بالإنتخابات الرئاسية لعام 2010.

تمت إضافة الفقرة 12 في النص النهائي التي تشير إلى أن المجلس:

“قرر البقاء مهتما بالموضوع ولاتخاذ الإجراءات الضرورية وفقا للقرار 5/1 في حال تدهور الأوضاع في الميدان”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية