مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

محمد سحنون.. تجسيد لفـنّ الدبلوماسية الهادئة (1 من 2)

swissinfo.ch

تميز الدبلوماسي الجزائري المعروف الذي كُلف بعدة ملفات ساخنة على مستوى القارة الإفريقية والمغرب العربي، بحسن إدارته لملفات أوكلتها له الأمم المتحدة في صراعات مزمنة لكن كتابه "الذكريات الجريحة" سلط بعض الضوء عن دوره في ثورة التحرير في بلاده وعن معاناة الشعب الجزائري تحت الاستعمار.

عندما يُذكر اسم محمد سحنون، سرعان ما تأتي إلى الواجهة مهامه الكبرى التي كُلف بها من قبل الأمناء العامين المتعاقبين لمنظمة الأمم المتحدة سواء في الصومال أو في منطقة البحيرات الكبرى أو على رأس لجان متخصصة لمعالجة قضايا معقدة مثل موضوع الحق في التدخل الإنساني وقضية سيادة الدول.

ولكن عند إمعان النظر في الأشواط التي قطعها هذا الدبلوماسي المحنك، نجد أنه عايش وأثر وتأثر بأغلب الأحداث التي شهدها النصف الثاني من القرن الماضي، بل إن هذا العطاء مازال متواصلا إلى يوم الناس هذا في محافل دولية ومؤسسات فكرية تحاول تقويم وتعزيز العمل الأممي والتفاهم الإنساني مثل مؤسسة “مبادرات وتغيير” التي يرأسها حاليا بسويسرا وخلف فيها كورنيليو صوماروغا، الرئيس السابق للجنة الدولية للصليب الأحمر.

“ذكريات جريحة”: شهادة لابد منها

لكن ما هو غير معروف بما فيه الكفاية عن هذا الرجل الذي تعود العمل بصمت بعيدا عن الأضواء، هو دوره أثناء حرب التحرير الجزائرية. ومن هذا المنطلق يبدو إصداره لكتاب “ذكريات جريحة لجزائر 1945” عملا أتى لاستكمال هذا النقص وتسليط الأضواء على فترة من حياة هذا الرجل المتواضع الذي اختار الأسلوب القصصي ليكشف بطريقة غير مباشرة عن مجريات طبعت مساره اللاحق.

ولم يختر محمد سحنون الحديث عن هذه الحقبة إلا بعد أن بالغ عدد من المثقفين الفرنسيين في محاولات تحسين صورة الاستعمار كعامل حضاري، إذ يقول في حديثه لسويس إنفو “إن هذا الكتاب ما هو إلا شهادة عن واقع الاستعمار، وكرد على قرار الطبقة السياسية في فرنسا التي أرادت أن تعطي للاستعمار دورا إيجابيا ومشاركة إيجابية في الحضارة الإنسانية”.

ويرى محمد سحنون أن الواجب كان يملي عليه فضح تلك الذرائع الفرنسية، ولكنه – ودون أن يتحدث عن سيرته الذاتية – لخص على لسان بطل كتابه “سليم” ما عاشه عند اندلاع ثورة التحرير في نوفمبر 1954 من إضراب الطلبة الى تعزيز اتصال جبهة التحرير الوطني بالأوساط اليسارية والمسيحية الفرنسية المتعاطفة مع تطلعات الشعب الجزائري.

عودته للجزائر في عام 1957 ونشاطه لتعزيز شبكات اتصال جبهة التحرير أديا به إلى الاعتقال على أيدي الأمن الفرنسي ومعايشة واقع الاعتقال والتعذيب بشتى أنواعه في مختلف مراكز الحجز والاعتقال بما فها مراكز اعتقال مظليي الجنرال “ماسو” وفيلا التعذيب الشهيرة فيلا “سوزيني”. ويشكل هذا الوصف لما عانى منه مع بقية الأصدقاء في السجن من تعذيب وسوء معاملة لُب المادة المنشورة في كتاب “ذكريات جريحة لجزائر 1954”.

و عن هذه الشهادة يقول: “إنه واجب لشرح واقع ما عاشه الشعب الجزائري من ظلم تحت الاستعمار، ولإيصال تلك الشهادة للعالم وللطبقة السياسية الفرنسية بالخصوص التي قد تجد في الكتاب ما يجرح مشاعرها ولكنه الواقع”، ويضيف مستدركا “لكن الحديث عن هذا الواقع وجد استحسانا من بعض الوسائل الإعلامية الفرنسية نفسها مثل جريدة لوموند وغيرها”.

لكن محمد سحنون لم يُغفل في كتابه تثمين عمل الأوساط الفرنسية والمسيحية التي كانت تدعم مطالب الشعب الجزائري في الحرية والاستقلال، بل يؤكد أن “بعضا من هؤلاء تعرضوا للاعتقال بل حتى للتعذيب بسبب تعاطفهم مع مطالب الشعب الجزائري”.

وسعيا منه إلى تعميم الفائدة وتمكين الجمهور الذي لا يُتقن الفرنسية من الإطلاع على تفاصيل هذه الشهادة التاريخية عن فترة عصيبة من فترات حرب التحرير الجزائرية، يشير السيد محمد سحنون إلى أنه تبذل جهود حاليا لتعريب الكتاب.

شاهد ساهم في اغلب التحولات بالمنطقة

بعد الاستقلال مباشرة، تولى محمد سحنون المتخرج في العلوم السياسية من جامعتي السوربون في فرنسا وجامعة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، مناصب دبلوماسية عديدة كسفير للجزائر في دول مثل ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة والمغرب. كما تقلد منصب ممثل الجزائر لدى الأمم المتحدة في نيويورك. وتميز أيضا بشغله لمنصب المستشار الدبلوماسي للرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين لفترة من الزمن.

وقد تولى سحنون هذه المناصب الدبلوماسية في مرحلة يصفها بأنها كانت “فترة إعادة بناء بلد عانى كثيرا من الاستعمار ومن الحرب”، كما يقول “إنها فترة كانت الدبلوماسية الجزائرية تلعب فيها دورا هاما جدا للتعريف بمشاكل العالم الثالث والدفاع عن بعض الأهداف مثل استقلال الدول التي مازالت تعاني من الإستعمار مثل أنغولا وموزمبيق، أو التي تعاني من التمييز العنصري مثل جنوب إفريقيا”.

ومن أهم الانجازات التي تحققت حسب وجهة نظره في فترة السبعينات من القرن الماضي “تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية”، الذي يعتبره “أهم إنجاز سمح بتوحيد الشعوب الإفريقية وبالدفاع عن المصالح والأهداف سواء في المجال الاقتصادي أو من أجل تحرير الشعوب المستعمرة”. ويرى السيد سحنون الذي تولى منصب الأمين العام المساعد لمنظمة الوحدة الإفريقية في الفترة الفاصلة ما بين عامي 1964 و 1973 أن “الجزائر لعبت دورا مهما جدا في ذلك”.

الخبرة التي اكتسبها فيما يتعلق بقضايا القارة السمراء أثناء قيامه بمهامه على رأس منظمة الوحدة الإفريقية، استمرت بتوليه منصب مساعد الأمين العام للجامعة العربية المكلف بالحوار العربي الإفريقي منذ عام 1973. ويؤكد محمد سحنون اقتناعا ترسخ لديه بأن “القارة الإفريقية قادرة على تجاوز مشاكلها لأن الأجيال الجديدة من الحكام في إفريقيا واعية بمشاكل القارة”، لكنه يعتبر أن النجاح يظل مرهونا “بتحقيق تضامن دولي مع الدول الإفريقية للنهوض بالاقتصاد لأنه بدون نهضة اقتصادية ستستمر محاولات الانقلابات لتغيير الحكم بالقوة، ولا يمكن تحقيق الديمقراطية أو الحكم الرشيد”.

اتحاد مغاربي متعثر.. وضروري!

محمد سحنون شارك أيضا في وضع اللبنات الأولى لعملية تأسيس اتحاد المغرب العربي بحكم أنه كان يتولى منصب سفير الجزائر في المغرب وسكرتير الاتحاد (1989 – 1990) الذي لم يُكتب له – إلى حد الساعة – أن يحقق تطلعات شعوب المنطقة في الوحدة والتكامل مثلما كان مؤملا.

مع ذلك لا زال محمد سحنون مؤمنا بضرورة قيام هذا الاتحاد في يوم من الأيام لأن “الدول المتعاملة مع دول المغرب العربي سواء في الاتحاد الأوروبي أو سويسرا لديها رغبة كبيرة في التعامل مع منطقة موحدة”. ومن هذا المنطلق يرى أن “تحقيق اتحاد مغاربي فعلي سوف يعطي دفعا قويا لنهضة اقتصادية بالمنطقة”، لذلك يحث السيد سحنون على ضرورة “الإستمرار في محاولة إقناع حكام المنطقة بضرورة تحقيق هذه الوحدة في اقرب الآجال”.

ويرى محمد سحنون أيضا أن الجالية المغاربية المقيمة في الخارج بإمكانها أن تُسهم في التسريع بقيام هذه الوحدة انطلاقا من الواقع الذي تعيشه في بلدان أوروبية استفادت كثيرا من فتح الحدود وتوحيد العملة وتحقيق وحدة فعلية رغم الاختلافات والتباينات.

علاقة قديمة بسويسرا

لقد اختار محمد سحنون أن يكون مكتبه كممثل للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في عدد من الصراعات الإفريقية، في مدينة جنيف السويسرية وليس في نيويورك.

وإذا كان القرب الجغرافي من القارة السمراء يبرر هذا الإختيار، فإن للسيد محمد سحنون أسبابا أخرى من بينها علاقة تربطه بسويسرا يعود تاريخها إلى بداية الخمسينات، ويقول مستذكرا تلك الفترة: “عند وقوع زلزال مدينة الأصنام، المدينة التي أنحدر منها في الجزائر تعرفت على فريق إنقاذ سويسري أتى للمساهمة في نجدة المتضررين من الزلزال”.

ومن خلال المشاركة في عمليات الإنقاذ مع هذا الفريق السويسري الذي يُسمى “الخدمة المدنية الدولية”، استطاع محمد سحنون وهو طالب أن يصبح عضوا في هذه المنظمة التطوعية، وأن توجه له الدعوة في الخمسينات لحضور اجتماعات المنظمة في سويسرا وأن تربطه بعدد من السويسريين علاقات صداقة.

وكانت لمحمد سحنون فرصة ثانية للقدوم إلى سويسرا كلاجئ بعد أن أفرج عنه من السجن من قبل قوات الاحتلال الفرنسية في نهاية الخمسينات بحيث مرّ من جنيف قبل أن يتوجه إلى الولايات المتحدة لمواصلة دراسته في بداية الستينات.

وعندما طلب منه الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة كوفي أنان تولي مهام الممثل الأممي في عدد من الصراعات الإفريقية، طلب محمد سحنون أن يكون مقره في جنيف للإستفادة من الإتصال بعدد من المنظمات والوكالات الأممية العاملة في القارة السمراء مثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة الصحة العالمية وغيرها.

في الحلقة القادمة سنتعرف على دوره كممثل للأمم المتحدة في عدد من الصراعات الإفريقية بداية بالصومال ثم منطقة البحيرات الكبرى وأخيرا السودان. وسنحاول الإستفادة من معرفته لخبايا هذه الصراعات لفهم أسباب تحول بعض منها الى صراعات مزمنة، وحقيقة خلافه مع بطرس غالي حول كيفية إدارة دور الأمم المتحدة في الصومال. كما نتطرق معه لموضوع إصلاح الأمم المتحدة في زمن الحق في التدخل الإنساني والحروب الإستباقية، قبل أن ننتهي الى توليه منصب مدير منظمة “مبادرات وتغيير” التي ترجح الحوار بين الأديان والثقافات لترسيخ السلم والأمن في العالم.

سويس إنفو – محمد شريف – جنيف

شارك كطالب في فرنسا في إضراب الطلبة بمناسبة اندلاع ثورة التحرير الجزائرية في نوفمبر 1954

عمل على تعزيز شبكات اتصال جبهة التحرير الوطنية مع الأوساط الفرنسية اليسارية والمسيحية الداعمة لمطالبة الشعب الجزائري.

اعتقل في الجزائر من قبل قوات الاحتلال الفرنسي وتعرض للتعذيب وسوء المعاملة في عام 1957 وأفرج عنه في بداية الستينات.

التحق بسويسرا كلاجئ ومنها توجه للولايات المتحدة لإكمال دراسته والتخرج في العلوم السياسية.

تولى عدة مناصب كسفير للجزائر المستقلة نذكر منها المانيا (1975-1979)، فرنسا (1979-1982)،الولايات المتحدة (1984-1989)، المغرب (1989 – 1990).

شغل عدة مناصب في منظمات اقليمية مثل منصب الأمين العام المساعد لمنظمة الوحدة الإفريقية (1964-1973)، ومنصب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية والمشرف على الحوار العربي الإفريقي في عام 1973.

كما تولى منصب سكرتير اتحاد المغرب العربي للفترة ما بين 1989-1990، وممثل الجزائر لدى الأمم المتحدة في نيويورك في الفترة ما بين 1982-1984.

من المناصب الأممية التي شغلها محمد سحنون، منصب ممثل الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في الصومال للفترة الممتدة من أبريل إلى نوفمبر 1992. وفي يناير 1997 عينه الأمين العام كوفي أنان ممثلا خاصا للأمم المتحدة عن منطقة البحيرات الكبرى لدى منظمة الوحدة الإفريقية.

ابتداء من يناير 2007 تم تعيينه رئيسا للمنظمة الدولية “مبادرات وتغيير” التي تحث على الحوار لدعم السلم والتي يوجد مقرها في كُـو Caux قرب لوزان بسويسرا، ليصبح أول عربي ومسلم يشغل هذا المنصب الذي خلف فيه كورنيليو صوماروغا، الرئيس الأسبق للجنة الدولية للصليب الأحمر.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية