مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مخاوف في اليمن من انتقال عدوى شهوة القتل الجماعي إلى البلاد

جنود يمنيون يحرسون مبنى محكمة أمن الدولة في العاصمة صنعاء يوم 9 نوفمبر 2010 لدى تنظيم محاكمة غيابية لأنور العولقي، وهو ناشط أصولي راديكالي مولود في الولايات المتحدة، عُرف بتحريضه على شن هجمات ضد المصالح الأمريكية. Keystone

عزّز إعلان تنظيم القاعدة في اليمن، مسؤوليته عن استهداف تجمُّـعات للحوثيين الشيعة مؤخرا بسيارتيْـن مفخَّـختيْـن، مخاوف اليمنيين من أن تتحول بلادهم إلى ساحات إفراغ لشهوة القتل الجماعي بدوافع مذهبية وطائفية، على غِـرار ما يجري في العراق بين السُـنّـة والشيعة، يقضي على تعايُـشهم المذهبي الذي استمر لقرون.

فلأول مرة، تستهدِف عمليات انتحارية تجمُّـعات للسكان، دوافعها الأساسية مذهبِـية. العملية الأولى، هجوم انتحاري بسيارة مفخَّـخة، استهدف موكِـبا للشيعة الزيدية كانوا يتهيَّـؤون للإحتفال بيوم الغدير في منطقة الجُوف، أسفر عن مقتل 23 وجرح آخرين، ولحقه اعتداء انتحاري مُـماثل، استهدف موكِـبا لزعماء قبليِّـين كانوا متوجِّـهين للمشاركة في تشييع الزعيم الروحي للمتمرِّدين الحوثيين بدر الدّين الحوثي، وأدى إلى مقتل شخص وجرح ثمانية.

وأعلن ما يُسمى “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب واليمن” في بيان له، تنفيذ الهجوميْـن متوعِّـدا بتنفيذ المزيد ضدّ مَـن يُـسمّيهم بالروافض، مُردِفا ذلك بأنه شكل وِحدة خاصة لحماية إخوانهم من السُـنة وأن أعضاء تلك الوِحدة بصَـدد القيام بالمزيد من تلك العمليات.

“مرحلة التسامح المذهبي”

وتُـعدّ هاتان العمليتان، الأولى من نوعها والتي يُـعلن منفِّـذوها صراحة أن دوافعها مذهبية مَـحضة في بلدٍ عُـرف بتعايُـش مذاهبه الثلاثة، المذهب الشافعي سُـنّي (حوالي73% من السكان) والشيعي الزيدي (26% من السكان وحوالي 1% شيعة إسماعيلية). فلم تشهد البلاد منذ أمَـد طويل قتْـلا جماعيا على خلفيات مذهبية أو للدِّفاع عن المذهب، نظرا لضيق نِـقاط الخلاف بين المذهبيْـن، السُـنِّـي الشافعي والشيعي الزّيدي، التي تختلف عن بقية المذاهب الشيعية الأخرى، وحتى الأقلية الإسماعيلية، ظلّ أتباعُـها يمارسون شعائرهم دون أن يتعرّضوا لأي مضايقات فردية أو جماعية من قِـبل أتباع المذهبيْـن الآخريْـن، رغم التبايُـن الكبير بينهم وبين السُـنّة الشافعية والشيعة الزيدية في بعض المسائل، بل خلال حُـكم الدولة الصليحية الإسماعيلية، التي امتدّت فترة حُـكمها من 438 إلى 532 هجرية (1047 – 1138 ميلادية)، انتشرت كل المذاهب إلى درجة أن المؤرِّخين يصِـفون تلك الدولة بأنها سيطرت سياسيا ولم تُـسيطر مذهبيا، وغالبا ما يذهبون إلى نعْـت تلك المرحلة بمرحلة التسامُـح المذهبي.

وفيما يخص العلاقة بين المذهبيْـن الآخريْـن، السُـني الشافعي والشيعة الزيدية، فقد غلب عليهما التعايش والقبول المتبادَل، وإن شابهما في بعض المراحل التاريخية صِـراعات وتوتُّـرات بين الكيانات السياسية التي كانت تمثلها (دول وسلطنات). وتلك الصراعات كانت تحرِّكها وتغذِّيها، إما مطامح التوسُّـع أو المخاوف من العدوان. ويرصد المؤرِّخون طُـغيان الهَـمّ السياسي على المذهبي بين الدويلات المتعاقِـبة على البلاد، نتيجة لتعادل موازين القِـوى ونتيجة لعدم رفْـض الإمامة الزيدية لخلافة الصحابة عمر وأبوبكر وعثمان، على خِـلاف الفِـرَق الشيعية الأخرى.

فقد كرّست الزيدية مبدأ جواز تقديم المفضل (أبو بكر وعمر وعثمان) على الفاضل (علي)، وهذا لتفسير حسْـم الإمام زيد نظريا هذه النقطة الخلافية المركزية بين الشيعة والسُـنة، ما جعل مذهبه أقرب المذاهب السُـنية، كما يذهب إلى ذلك كثير من رجال الدِّين، وتَـكرَّس ذلك التقارب عمليا في الحالة اليمنية، التي عرفت على مَـرِّ العصور تعايُـشا مذهبِـيا، جنَّـبها الصِّـراع التاريخي، شيعة وسُـنة.

صراع اجتماعي لا مذهبي

وإذا ما كان يبرز بين فترة وأخرى صراع بين المُـكوِّن الاجتماعي اليمني، فإن باعثه في الغالب الأعَـم لم يكن مذهبِـيا، نظرا لمحدودية نقاط الاختلاف بين الفريقيْـن، التي ظلّـت تُـغذّي الإنقسام بين شيعة وسُـنة، لكن في الحالة اليمنية، غالبا ما كان الصِّـراع سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، ثم يتطوّر إلى استحضار البُـعد المذهبي تاليا، نظرا لحسم نقاط الخلاف الرئيسية التي ظلّـت تُـغذِّي توتُّـر العلاقات (سُـنّـة – شيعة) في الحقل الدِّيني في البلدان الإسلامية التي تُـعاني من هذه الإنقسامية الثنائية، والتي وصلت حدّ الفصْـل بين دور العِـبادة والحوزات والمساجد، فصلا واقعيا ومؤسسيا.

لكن في اليمن، وبسبب حسم النقطة الخلافية تلك، لم يظهر الفصل في دور العبادة وبقيت المساجد التي يتوجّـه إليها اليمنيون لأداء شعائرهم، واحدة على مَـرّ الزمن. غير أنه في العقود الثلاثة الأخيرة، حدث تحَـوُّل ضرب هذا التوازُن في الصميم، بعد دخول الوهابية السلفية إلى اليمن بحجّـة أنها تصحيح لتشوُّهات الممارسة الدِّينية، فيما كانت في الأساس تبلور توجّـها جديدا ضدّ كل المذاهب، ولقيت في الترويج لدعوتها تشجيعا ودعْـما إقليميا من المملكة السعودية.

وداخليا، حظيت برعايةٍ ساعدَت على انتِـشار الفكر السَّـلفي الوهَّـابي، الذي يزعم أصحابه أنه عودة إلى جوهر الإسلام النقِـي وتخليص له من كل الانحرافات التي شابَـته، وتعمَّـقت بذلك خلافاته مع جميع المذاهِـب، خصوصا أنها وجدت تجاوُبا داخليا، ليس من أجل تخفيف حدّة السيطرة المذهبية التي كانت تفرضها الفئة المُـهيْـمنة من الهاشميين على المجتمع، وإنما نتيجة لسَـطوة سيْـطرة هذه الفئة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا، فالتقت بذلك التطلّـعات السعودية لتعميم النموذج الوهّـابي مع رغبات داخلية، للتخلُّـص من تلك السيْـطرة.

شيعة “الإثنى عشرية”

من جهة أخرى، أدى وجود متعهِّـدين داخليين متعطِّـشين للمال وجمْـع الثروة، إلى توسيع قاعدة المشتغِـلين على الدِّين، بالطريقة التي تجلُـب أكبر قدْر من المنفعة والمردودية المادية والرمزية. وبذلك، فالتحول نحْـو الوهَّـابية في المجتمع اليمني، لم يُـخـلّ بالتعايُـش المذهبي بين الزيدية والسُـنة فحسب، بل أسّـس لبوادر صِـراع باستنفاره للشيعة الزيديين، الذين أخذوا يفتِّـشون لهم عن سَـنَـد خارجي، للحفاظ على مذهَـبهم، يحْـدوهم في ذلك خذلان السلطات اليمنية لهم، بتشجيعها انتِـشار الوهّـابية على حِـساب وجودهم التاريخي والثقافي، ولم يكن ذلك السَّـند سِـوى إيران، التي يبدو أنها داخلة بقوة من خلال تمثل كلّ دلالاتها ورموز تشيُّـعِـها من قِـبل زيدية اليمن، إلى الحدّ الذي دفع البعض إلى تصنيفهم، خاصة في ظل التوتر الشيعي السُـني، بقُـطبيْـه الإيراني والسعودي، على اعتبار أنهم من الشيعة “الإثنى عشريين”، عندما يقومون بتمثل وإحياء كل الطقوس التي لم تكُـن ضمن طقوس زيدية اليمن، كالإحتفال بعيد الغدير الذي استهدفه تنظيم القاعدة مؤخرا.

مشروعية الاحتفال!

يثور خلاف بشأن مشروعية الاحتفال بهذه المناسبة. فالمتشدِّدون يروْنَـه بِـدْعة ضالّـة، فيما المنظمات الحقوقية، ترى أنه حقّ من حقوق الطائفة الشيعية يكفله الدستور والقوانين، وهناك مَـن يرى أن الاحتفال بهذه المناسبة، لم يكن مألوفا في تاريخ الشيعة الزيدية اليمنية، وأنه وافد جديد يحمِـل بصمات تحوّل زيدية اليمن إلى الإثنى عشرية وأن إبراز هذه المناسبة، ليس إلا تأكيدا على رفض شرعية خلافة (أبوبكر وعمر وعثمان) وأنها انتُـزِعت من علي بن أبي طالب، وِفقا لما يُقال إنها وصِـية النبي محمد (ص) في غدير خم، الذي يحتفلون به في كل ما يُـعدّ تنكُّـرا للمبدإ الذي كرّسه الإمام زيد.

وفي هذا الإطار، يرصُـد المتابع منذ الاتجاه، لإحياء هذه الذكرى عند الشيعة خلال السِـت سنوات الأخيرة، ضيقا وتململا لدى العديد من الأوساط الدِّينية والمذهبية، لاسيما من الدلالات والمعاني التي تحاول إبرازها خلال الإحتفالية في هذه المناسبة من ناحية، ومن تكثيف الحشود المسلحة لأتباع الحوثي من ناحية أخرى، وكلها تُـعتَـبر من وجهة نظر مُـخالفيهم، استِـفزازا وتضمينا لأحقاد وضغائِـن يستدعونها ويستحضرونا للتحريض والتَّـعبِـئة ضد الآخرين في مظاهر يغلُـب عليها استعراض القوة، ما يؤدّي إلى بثّ المخاوف لدى الآخرين.

التجاذب المذهبي

الأمر الآخر، أن الظاهرة الحوثية عرفت في الفترة الأخيرة، وتحديدا منذ توقّـف الحرب السادسة، تمدّدا واضحا تعدّى النطاق التقليدي للزيدية في صعدة إلى محافظة الجوف، وتحديدا في بعض المناطق التي كانت تُـصنَّـف تاريخيا بأنها سُـنية أو أنها خلال العقود الثلاثة الأخيرة قد تحوّلت إلى الوهّـابية، نتيجة لانتشار السلفية المدعومة من السعودية ومن بعض الأطراف في السلطة اليمنية، ولذلك، فإن إعادة انتشار الزيدية بنُـسختها الجديدة الحوثية، وفي ظرفية تشهد استفحال الخلاف الشيعي السُـنّي في المنطقة العربية لابدّ أن يصطدم بمنطقة التماس، لاسيما في هذه الظرفية التي يطغى عليها التجاذب المذهبي منذ غزْو العراق وبروز إيران كدولة راعية وداعِـمة للتيارات الشيعية، التي استعادت حيويتها وحضورها في كثير من البلدان العربية.

تلك على ما يبدو، خلفية المشهد المذهبي اليمني بمؤثِّـراته الخارجية وتفاعلاته الداخلية التي عزّزت مخاوف الكثير من اليمنيين من مُـواجهات مذهبية مُـحتملة تقوم على القتل الجماعي، ولذلك، يرى المراقبون في استهداف الشيعة من قِـبل تنظيم القاعدة في هذه الظروف التي يغلب عليها الصِّـراع الطائفي المذهبي، سُـنّـة شيعة، نذير شُـؤْم لبداية حرب طائفية قد ينبري لها المتطرِّفون والمتشددون في كلا المذهبيْـن ويخوضونها باسمهما ونيابة عنهما من خلال استنفار كل موروثات الخلافات القديمة واستفزاز كل بواعِـث الصِّـراع، التي ظلّـت شِـبه مُـنعدِمة أصلا. وتزداد الخِـشية من أن تصبح جبهة الصراع المذهبي، ميْـدان رِهان سياسي للسياسيين، سواء كانوا في السلطة أو المعارضة أو للمستقلين منهم الذين يصدرون في التعاطي مع كل القضايا من مُـنطلقات وحسابات سياسية وأيدلوجية.

خطر القتل الجماعي

لكن مع ذلك، هناك من يقلِّـل من المراقبين والمتابعين من خطر القتْـل الجماعي، لأسباب مذهبِـية مثلما دشَّـنته “قاعدة الجهاد في الجزيرة واليمن” ويرون أن القاعدة قامت فقط بمجرّد عمل تحذيري للحوثيين، بعد أن قاموا في شهر نوفمبر الماضي بالقبْـض على خمسة من أعضاء التنظيم وسلَّـموهم للحكومة اليمنية.

ويذهب أولئك المحلِّـلون إلى أن القاعدة، ربما أرادت فقط بإقدامها على الهجوميْـن أن تذكِّـر السُـنة في اليمن بأنهم يخوضون حربا بإسمهم، بعد أن نَـسُـوهم أو تناسَـوْهم في الآونة الأخيرة، وأنهم بذلك أرادوا فقط كسْـب تعاطُـف بعض المتشدِّدين السُـنة وبعض القبائل التي كانت طَـرَفا في الحرب ضدّ الإرهاب أو ضدّ الحوثيين والتي تضرّرت من الحروب الستة مع المتمرِّدين.

ولذلك، يرى البعص أنهم بادروا إلى تنفيذ مثل تلك الأعمال، بعد أن زادت النِّـقمة والسّـخط عليهم وسَـط الرأي العام، جرّاء الأعمال الإرهابية التي يقومون بها والتي بدأت تعزِّز قناعات قِـطاع واسع من اليمنيين بأنها أعمال تلتقي وتخدِم مصالح بعض الأطراف الخارجية، التي تريد أن تبرِّر تواجُـدها في المنطقة بحجُـَّـة محاربة الإرهاب، فضلا على أنها نفذت في الفترة الأخيرة عمليات قتْـل ضدّ ضبّـاط وجنود داخل الأسواق العامة، واحتجزت عددا منهم وعذّبتهم بطريقة بَـشِـعة، ما وسَّـع من قاعدة السّـخط الاجتماعي عليهم.

وفي هذا الصدد يذهب أصحاب هذا التفسير إلى أن النِّـقمة على ممارسات هذه الجماعة تزايدت وسط القبائل المنتشِـرة في المناطق التي تتركز فيها مجاميع تنظيم القاعدة، بعد تعرّضها في الأشهر الماضية لضربات جوية وعانت من المواجهات المسلحة بين القوات الحكومية وعناصر القاعدة في محافظات “شبوة وأبين ومأرب”، وقد خلَّـفت بعضها أضرارا بالمُـمتلكات والأرواح، وأدّى ذلك إلى تشكيل هيئات شعبية لمُـطاردة وملاحقة المُـشتبه بأنهم أعضاء في الجماعات الإرهابية.

كما دعا زعماء العشائر والقبائل إلى ملاحقة الإرهابيين، وتشكّـلت في الآونة الأخيرة ملتقيات قبلِـية، قيل إن الحكومة اليمنية والسعودية والولايات المتحدة تقِـف وراء إنشائها بُـغيَـة محاصرة الأنشطة الإرهابية، لما يُـسمّـى بالقاعدة، على اعتبار أن السكان المحليِّـين هُـم أدرى بجغرافية مناطقهم وأقدر على ملاحقة قيادات القاعدة، التي يُعتقد أنها تتّـخذ من مناطقهم ملاذا ومركزا لإدارة أنشطتهم الإرهابية.

مخاوف قائمة

على خلفية كل ذلك، يربط المحللون بين تلك التطوّرات اللَّـصيقة بملف القاعدة وبين العمليتيْـن الأخيرتيْـن ضدّ الحوثيين، ويرون أنها محاولة لاستِـعطاف أتباع المذهب السُـني واستنفار الشوكة القبلِـية ضد الحوثيين، خاصة لجهة القبائل التي ما زالت تغلي نار النِّـقمة والثأر في نفوسها ضد الحوثيين جرّاء ما لحق بهم من قتل ودمار، ولذلك، فإنهم يقلِّـلون من اعتبارها “بداية لحرب مذهبية في البلاد”، ويرون فيها مؤشرا على تخبُّـط القاعدة وتراجعا لأولويات هذه الجماعة كلَّـما ضاق الخِـناق عليها، على غِـرار ما حصل في العراق، عندما تحوّلوا من محاربة مَـن كانوا يُـسمّونهم بالغُـزاة إلى محاربة بعضهم البعض.

مع ذلك، وبالرغم من التقليل من هذا الخطر، تبقى المخاوف من تدشين حرب طائفية حاضِـرة بقوة، خاصة عند النظر إليها من زاوية مصالح بعض الأطراف الداخلية والخارجية المُـستفيدة من توسعة رُقعة الحرب المذهبية. فداخليا، لم يعد الحديث عن “ضرب العدُو بالعدُو”، مجرَّد همْـس يدور في الخفاء، بل أصبح يُـطرَح في بعض المجالس والمُـلتقيات علانية، أي أن يترك المتشددون ليتصارعوا فيما بينهم حتى يجنِّـبوا السلطة عناء مواجهتهم ويريحوا المجتمع من شرورهم وأعمالهم، حسب ذلك الطرح.

وخارجيا، يُـخشى من أن أطرافا خارجية، هي التي تحرّك القاعدة لضرب عصفوريْـن بحجر واحدة بالنسبة للسعودية، التي لم تسلم من أذى الفريقيْـن وتعزيز علاقاتها بالقبائل بحجة تمكينها من ملاحقة الإرهابيين أو من أجل إبقاء الصراع السُـنّي الشيعي في المنطقة مستمِـرّا ومتجدِّدا بالنسبة لأمريكا وإسرائيل، اللتان تريا أنهما المستفيدتان من إشعال فِـتنة الصراع المذهبي والطائفي في اليمن والمنطقة. وعلى هذا النحو، قرأ البعض في اليمن البيان الصادر عن الحوثيين، الذي اتَّـهم فيه كُـلا من أمريكا وإسرائيل.

وفي كل الأحوال، ستبقى المخاوف من القتل الجماعي قائمة بعد العمليتيْـن الأخيرتين والتهديدات التي أعقبتهما، خاصة إذا ما أدركنا التحوّلات التي طرأت على العلاقة التي حكمت التعايش المذهبي بين السُـنة والشيعة في اليمن واستحضرنا احتمالات الحسابات السياسية الداخلية وحجْـم التنافس الإقليمي والدولي ، فجميعها تستثير مخاوف اليمنيين من أن تنتقل شهوة القتل الجماعي إلى بلادهم لتَـطال الأسواق والمساجد والتجمعات والإحتفالات، لاسيما أنها شهوة مدفوعة بحجّـة التفويض الإلهي، التي يرى كل طرف أنه المعبِّـر عنها والمختار لتجسيد الإرادة الربّـانية، كما يستمدها من مرجعياته ومن منطلقاته الفِـكرية والأيديولوجية.

دبي (رويترز) – حين ظهر أنور العولقي في تسجيل فيديو مؤخرا بنظارته المميزة وقد وضع خنجره اليمني في جراب لفّـه حول خِـصره، ربما كانت ثقته المفرطة في نفسه هي أكثر ما يلفت الانتباه.

وانتقد رجل الدين الأمريكي المولد، علماء الدين في بلاده اليمن وخارجها لطاعتهم لزعماء وصفهم بالخَوَنة وقال إنهم باعوا أنفسهم للمصالح الأمريكية والإسرائيلية.

وقال العولقي، وقد وضع على وجهه ابتسامة متكلفة إن هؤلاء الحكام والملوك والأمراء لا يستحقون قيادة الأمة ولا يستحقون حتى أن يقودوا قطيعا من الغنم، ناهيك عن أكثر من مليار مسلم.

وتقول حكومة الرئيس علي عبد الله صالح إن اليمن، البالغ عدد سكانه 23 مليون نسمة، يبذل أقصى ما في وسعه لإلقاء القبض على هذا الرجل الذي تصنفه واشنطن “إرهابيا دوليا”. لكن ما أبداه العولقي من غرور في التسجيل الذي نشر على مواقع يستخدمها متشددون إسلاميون على الانترنت قبل أيام، من أحدث محاولة لمتشدّدي القاعدة في اليمن لمهاجمة الولايات المتحدة يقول الكثير عن مدى التزام صنعاء بشنّ حرب على التشدد.

وقالت سارة فيليبس، المتخصصة في الشؤون اليمنية بجامعة سيدني “في حين أن تنظيم القاعدة يمثل تهديدا أمنيا حقيقيا للنظام اليمني، فإنه يبدو أن البعض لا يزال قلِـقا من القضاء على الجماعة تماما”. فالسلطات اليمنية لم تصدر أمرا بإحضاره حيا أو ميتا، وتبدأ محاكمته غيابيا بوصفه عُـضوا في عصابة مسلحة إلا بعد أن تم إرسال طردين ملغومين في أواخر أكتوبر من اليمن على متْـن طائرتين متجهتيْـن إلى الولايات المتحدة.

ويرى محللون أن أحد أسباب إحجام حكومة صالح عن كبح جماح شخصيات مثل العولقي، هو أن التحرك بناء على أوامر من واشنطن، تكون له آثار سلبية على الرأي العام في الداخل. وقالت السلطات للمواطنين اليمنيين، إنها هي التي تسيطر على العمليات ضد متشددي القاعدة المشتبه بهم هذا العام، غير أن برقيات دبلوماسية أمريكية نشرها موقع ويكيليكس هذا الأسبوع تشير إلى أن هذه كانت كذبة للتغطية على الغارات الجوية الأمريكية.

وقال حسن ابو طالب، المحلل المتخصص في الشؤون اليمنية بمؤسسة بحثية مصرية حكومية، إن الناس يتهمون الحكومة اليمنية دوما بالتخلي عن سيادتها واستقلالها، وهو ما قد يعطي الناس مبررا للانضمام إلى القاعدة.

لكن شعبية شخصيات مثل العولقي، تشير إلى مسألة جوهرية، وهي أن اليمن بجباله ووديانه وصحاريه الوعرة، لا يوفر بيئة مثالية للقاعدة من ناحية التضاريس وحسب، كما هو الحال بالنسبة لأفغانستان، وإنما يوفر لها أيضا مناخا أيديولوجيا مثاليا.

وفي الشهر الماضي، بدأ الداعية المصري عمرو خالد سلسلة من المحاضرات بدعوة من حكومة حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يتزعمه الرئيس اليمني، في محاولة جاءت متأخرة لمكافحة مشاعر التطرّف التي يقول منتقدون إن الحكومة أسهمت في تشجيعها.

ويقول خبراء إن نظام صالح الذي يدعمه الجيش يميل إلى تفضيل المحسوبية القبلية على القمع الصريح حتى يستمر في الحكم وله صلات بمجموعات من الجهاديين اليمنيين الذين يقدر عددهم بنحو 20 ألفا والذين قاتلوا السوفييت في أفغانستان بين عامي 1979 و1989 وأنه يستخدم هذه المجموعات كجنود في الصراعين في شمال اليمن وجنوبه.

وعلى الرغم من أنه يجري الآن التعامل بجدية مع تنظيم القاعدة باليمن، الذي نشط على مدى العامين الأخيرين، فإن تمرد الحوثيين الشيعة في الشمال وتهديد الانفصاليين في الجنوب، احتلا دائما موقعيْـن أكثر تقدّما على قائمة الأولويات الأمنية لصنعاء، وتحاول الحكومة تصوير الصراعين لحلفائها الأمريكيين على أنهما مرتبطان بالقاعدة.

وفي برقيات من دبلوماسيين أمريكيين، نشرها موقع ويكيليكس هذا الأسبوع، يشكو حكام دول خليجية من أن صالح يعتمد على دفع أموال لأشخاص لحلّ مشاكل اليمن، وأنه لا يعير اهتماما كافيا لتنظيم القاعدة.

ولجأ صالح للإسلاميين للحصول على دعمهم للمرة الأولى بعد أن اتحد شمال اليمن تحت قيادته مع جنوبه، الذي كان يقوده الاشتراكيون في عام 1990 وتمّت الاستعانة بالإسلاميين على اختلاف ميولهم لقتال العِـلمانيين في الجنوب في حرب أهلية قصيرة عام 1994.

وكان حزب الإصلاح الإسلامي المعتدل، حليف صالح في الحكومة لبعض الوقت، كما استقبل اليمنيون الذين شكّـلوا مجموعة كبيرة من المقاتلين المسلمين في أفغانستان في الثمانينات بالتِّـرحاب لدى عودتهم، باعتبارهم مصدر دعم للنظام. وأصبح وضع السلفيين قويا في المجتمع اليمني. وقال كريستوفر بوكك، المحلل بمعهد كارنيغي للسلام الدولي “استيراد السلفية السعودية المتشددة كان له أثر”.

وموّلت السعودية المعاهد الدِّينية وساندت رجال دين بعيْـنهم. كما طردت نحو مليون يمني خلال أزمة حرب الخليج في عامي 1990 و1991. وقال بوكك “حين عاد هؤلاء اليمنيون عادوا بتفسيرات سعودية للإسلام”.

وأظهرت حوادث متكررة لهروب سجناء من السجن في الأعوام الأخيرة، انتشار التعاطف في اليمن على نِـطاق واسع مع نوعية التشدد المناهض للغرب الذي يروّج له تنظيم القاعدة. وفرّ 23 رجلا من السجن عام 2006 بينهم رجال أدينوا في تفجير المدمرة الأمريكية كول، الذي نفذه تنظيم القاعدة عام 2000.

وتقول المعارضة الجنوبية، التي تشعر بخيبة أمل بسبب ما تصفه بسنوات من الحكم الاستغلالي من قبل صنعاء، إن عناصر القاعدة التي تقاتل الحكومة الآن في محافظات شبوة ومأرب وأبين في الجنوب، عاشت هناك طويلا في هدوء وبموافقة الحكومة.

وقال فيصل الصفواني، الكاتب في موقع عدن نيوز المعارض، إن النظام يريد القاعدة في الجنوب لأنه يواجه حركة شعبية هناك وأضاف أنه يريد إسكات صوت الرفض في الجنوب.

وتتهم وسائل إعلام حكومية الجنوبيين بالتحالف مع تنظيم القاعدة، وهو اتهام يقذف به أيضا الشيعة اليمنيون الذين يتمرّدون على الحكومة المركزية من وقت لآخر منذ عام 2004.

وكانت عمليات أمريكية يمنية مشتركة قد أسفرت عن سحق تنظيم القاعدة بعد هجمات 11 سبتمبر عام 2001. وبحلول عام 2008، أعادت القاعدة تنظيم نفسها كتحالف سعودي يمني تحت اسم القاعدة في جزيرة العرب، برغبة جديدة في استهداف الدولة اليمنية نفسها.

وقال بوكك “كان اليمن مكانا للتدريب والراحة بين فترات الجهاد لكن القاعدة في جزيرة العرب حولته إلى مكان للانخراط في جهاد ضد نظام ظالم وغير شرعي”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 2 ديسمبر 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية