مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مسار برشلونة: صفحة انطوت من التاريخ؟

حاول المفوض الأوربي جو بورغ (من مالطا) طمأنة محاوريه في تونس مؤكدا أن توسيع الإتحاد لا يشكل رسم حدود جديدة للاتحاد Keystone

تعتقد أوساط واسعة من النخب المغاربية بأن مسار برشلونة أصبح جزءاً من التاريخ.

هذا ما أكده أكثر من متدخل في أعمال الندوة التي بادر بتنظيمها عدد من السفراء الأوروبيين العاملين بتونس بالتعاون مع مكتب المفوضية الأوروبية.

كانت هذه الندوة التي انتظمت يوم 9 يوليو بالعاصمة التونسية تحت عنوان “الاتحاد الأوروبي الموسع وتونس” مناسبة لمحاولة الإجابة عن عدة تساؤلات أصبحت مطروحة بحدة خلال الفترة الأخيرة.

من تلك الأسئلة: هل أن توسع الاتحاد نحو شرق أوروبا سيقلل من اهتمامه بالجيران المتوسطيين من الضفة الجنوبية؟ وهل ستتركز الاستثمارات الأوروبية الخاصة والأموال العامة حصرا في الدول الأعضاء الجدد؟ وهل ستستحوذ صناعة أوروبا الوسطى بكل الاهتمام ؟

تغير المعطيات

في مداخلته، أكد وزير خارجية تونس السابق الباجي قائد السبسي على أن المعطيات الإقليمية والدولية التي أفرزت مسار برشلونة تغيرت، مشيرا على سبيل المثال إلى الإسرائيليين هم الذين ألغوا اتفاقية أوسلو وهم حاليا بصدد تصفية ما تبقى من الوجود الفلسطيني، كما أن الواقعية تقتضي الاعتراف بأنه لم تعد هناك إمكانية لتحقيق حل سلمي ومقبول للقضية الفلسطينية.

وأضاف بأن مسار برشلونة انتهى، والمطلوب حاليا هو التركيز على الحوض الغربي للمتوسط. لكنه اعتبر في المقابل بأن علاقة التونسيين بأوروبا تعتبر مسألة هامة ومصيرية، مؤكدا على أن “مستقبلنا يظل مع أوروبا رغم أن الصيغة المقدمة لنا لا تستجيب لكل طموحاتنا”.

سياسة “تعويم السمكة”؟

متدخلون تونسيون آخرون أطنبوا في نفس السياق، واعتبروا أن “سياسة الجوار الجديدة” ليست سوى “خطابا لبث الطمأنينة، وأنها نوع من تعويم السمكة، ومحاولة لتغطية تخلي أوربا عن جيرانها الجنوبيين”.

في المقابل دافع المشاركون الأوروبيون على سياسة الاتحاد الجديدة للجوار، وألحوا على اعتبارها استمرارا لمسار برشلونة الذي انطلق منذ عام 1995.

وقال المفوض الأروبي جو بورغ إن التوسيع لا يشكل رسم حدود جديدة للاتحاد بقدر ما هو فرصة وحاجة أوروبية للانفتاح على جيران جدد، وأن سياسة الجوار الجديدة “تهدف إلى إيجاد إطار سياسي موحد يرتكز على تحقيق السلم والاستقرار والرفاه والقيم المشتركة “. كما دعا الاتحاد إلى مضاعفة حجم مساعداته لشركاء الجنوب بداية من سنة 2007.

وإذ أكدت كاتبة الدولة التونسية سيدة الشتيوي على أن تونس تعتبر توسيع الاتحاد “عاملا مهما لدعم الاستقرار”، إلا أنها أضافت بأن هذا التوسيع “أثار مخاوف مشروعة، خاصة لدى الدول المغاربية”، التي تواجه حاليا – رغم الإصلاحات الاقتصادية التي أقدمت عليها خلال السنوات الأخيرة – تحديات بسبب توجيه الاستثمار نحو الدول المنضمة حديثا للاتحاد، مما ساعدها على دعم قدراتها التنافسية.

أبعاد أخرى للشراكة!

أما الخبير الاقتصادي الشاذلي العياري فهو يعتقد بأن تونس ليست في حاجة إلى سوق أوروبية أوسع لتسويق إنتاجها، بقدر ما هي في حاجة إلى تنويع صادراتها نحو آفاق جغرافية أخرى.

بُعدٌ آخر تناوله بعض المعقبين مثل الناشط الحقوقي خميس الشماري الذي تساءل عن الدوافع التي تكمن وراء محاولات عزل السياسي عن الاقتصادي في مشروع الشراكة، وسعي حكومات الجنوب إلى تهميش دور المجتمع المدني في حماية حقوق الإنسان والحريات العامة وتكريس الديمقراطية.

وقال إنه يعتقد بأن الفكرة الجديدة والقوية التي تمخض عنها مسار برشلونة تتمثل في عدم اختزال المبادرة ضمن صيغة إقامة منطقة تبادل حر، وتوسيعها لتشمل البعدين السياسي والثقافي.

وهي الفكرة التي لامسها أيضا الباجي قايد السبسي، الذي أكد بدوره على ضرورة أن تتجاوز الشراكة بين الطرفين فلسفة السوق، ودعا إلى إكسابها “أبعادا سياسية واجتماعية أكثر شمولا”.

نقاط الظل

وقد وسع رجل القانون الدكتور عياض بن عاشور دائرة الطرح عندما تساءل: “هل يمكن أن يحقق الاقتصاد والسياسة التقارب المنشود دون الاستناد على العامل الثقافي؟”

وهو إذ لم ينكر دور التاجر والبحار، لكن جهودهما “لا تستطيع ردم الهوة الثقافية بين الشعوب” على حد قوله. واعتبر أن السياسة الخارجية التي لا تعتمد على الثقافة هي سياسة عرجاء وعاجزة.

وأكد على أن المشكلة في تونس تكمن في التضحية بالثقافة من أجل الأهداف السياسية العاجلة. وأشار إلى أن المواطن الأوروبي يشعر بأنه متفوق على العرب والمسلمين، وهو يجهل دورهم التاريخي والحضاري. وفي المقابل يمر العرب والمسلمون بمرحلة سلبية على جميع الأصعدة، متهما المسلم بأنه في انتظار عودة التاريخ، وهو مستعد لتبرير كل الوسائل بما في ذلك الإرهاب الذي “يجد الدعم الضمني من كل الشرائح الاجتماعية” حسب اعتقاد الدكتور عياض بن عاشور.

ونبه الأوروبيين إلى أن الأجيال الجديدة في تونس أصبحت أبعد عن أوروبا من جيله، الذي كان أكثر اطلاعا على ثقافة والتاريخ وأكثر تمكنا من اللغة الفرنسية.

من جهته، حذر السينمائي فريد بوغدير من خطر تنامي الخطاب العنصري في أوروبا، واعتبر أن الدائرة العربية الإسلامية أصبحت “كبش فداء منذ انهيار الاتحاد السوفيتي”.

وفي المحصلة، كشفت ندوة تونس عن وجود نقاط ظل كثيرة في العلاقات الأوروبية المغاربية، وعن حقيقة أن المسكوت عنه قد يكون أكثر أهمية من الخطابات الديبلوماسية المعلنة المفعمة بالتفاؤل، والبعيدة عن الواقع وآمال الشعوب.

صلاح الدين الجورشي – تونس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية