مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مستقبل المِـنطقة ينتظِـر مصير “انحِـسارية” أوباما..

صورة جماعية لقادة مجموعة العشرين في القمة التي عقدوها في مدينة بطرسبورغ الروسية في سبتمبر 2009 Keystone

تساءلنا في المقال الأول: أي مُـضاعفات لهذا الذي يجري في الداخل الأمريكي على الشرق الأوسط وبقية أنحاء العالم؟ أسهل الأمور، المُسارعة إلى إطلاق الأحكام الصارمة على أداء الرؤساء أو أصحاب القرار أو السياسيين. فهذا مُـريح لكل من المقيّم وللناس الذين يحبون التبسيط الواضح والوضوح الصريح.

الرئيس أوباما يُـمكن أن يكون الآن نموذجاً لهذه القاعدة. فالكل يجمع هذه الأيام على أنه حصد في سنته الأولى فشلاً ذريعاً، وهذا على كافة الأصعدة. فعلى الصعيد الاجتماعي الأمريكي، خاض معركة، يبدو الآن أنها غير مدروسة لإصلاح قطاع العناية الصحية، فوقع بين براثِـن حِـيتان شركات الأدوية والتأمين والأطعمة السريعة (التي “تُسمّن” الأمريكيين، تمهيداً لإسقامهم برأي البعض)، ومعها الحزب الجمهوري، الذي لا يزال يرفض أي شكل من أشكال التعاوُن مع الإدارة الديمقراطية الجديدة.

وفي المجال الاقتتصادي، كانت الحصيلة أسوأ. فقد سنحت لأوباما الفرصة خلال قذفه طَـوق النجاة في شكل تريليون دولار للبيوتات المالية الكبرى، كي يفرض على البنوك الإنتقال من اقتصاد الكازينو والمضاربات، إلى الاقتصاد الانتاجي، لكنه لم يفعل وأضاع فرصة ذهبية يُـحاول الآن استعادَتها عبْـر “إعلان الحرب” على وول ستريت، لكنه سيفشل حتماً. فـ “الذِّئب” (أي المصارف) تَـعافى حسبما يبدو، وهو لن يكون في وارد الرّأفة بـ “الخراف” (الطبقة الوسطى).

الفشل نفسه، يمكن تسجيله في السياسة الخارجية. فأوباما لا يزال “رئيس حرب”، على رغم نيله جائزة نوبل للسلام، و”مبادرته التاريخية ” للعالم الإسلامي، التي أطلقها من اسطنبول والقاهرة، دخلت سريعاً متاحف التاريخ، في حين أن جهوده لتحقيق التسوية في فلسطين ومع إيران اختنقت بأنفاسها قبل أن تخنقها إسرائيل. وكذا الأمر بالنسبة إلى قضية تغيّـر المناخ وخفض الأسلحة النووية ومنع انتشارها وتعزيز عمليات الانتقال إلى الديمقراطية.

تغيير وجه أمريكا

النطق بالحُـكم المُبرم على أوباما إذن، يبدو سهلاً، لكن، وعلى رغم هذه الوقائع التي لا يُـمكن إنكارها بالطبع، ثمّـة نقطة كُـبرى لصالح هذا الرئيس الشاب، نقطة تاريخية في الواقع. فهو يحاول ولا يزال تغيير وجه أمريكا ودوْرها في العالم بشكل جِـذري: من إستراتيجية القوة والمجابهة، التي مارستها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، (والتي استندت إلى مثلَّـث التفوّق العسكري والاقتصادي الكاسِـح وسياسة الأحلاف والقواعد العسكرية وتغيير الأنظمة)، إلى ما أسمته هيلاري كلينتون “إستراتيجية الانخِـراط البنّاء مع دول العالم”.

فلسفة هذه الإستراتيجية الجديدة تستنِـد إلى الاعتراف بأن أمريكا باتت “قوة مُنحدِرة” في العالم، قياساً بالقوى الدولية الأخرى الصاعدة. وانطلاقاً من هذا الاعتراف الشُّـجاع، تتِـم الآن صِـياغة سياسات تدعو إلى إعادة هندسة النظام العالمي على أسُـس جديدة، تتوزّع بمُـوجبها السلطة العالمية على دول مجموعة العشرين، بدل مجموعة السبعة الكِـبار، وتتحوّل في إطارها الوظيفة الدولية للولايات المتحدة من دَور الطرف إلى دَور الحَكَمْ، وهذا في حدّ ذاته، انقلاب إستراتيجي هائل كفيل بأن يُدشّـن النهاية الرسمية لمرحلة الحرب الباردة، والبداية الرسمية (وإن الأولية للغاية) للسلطة العالمية الجديدة: إمبراطورية العولمة. بيد أن مثل هذا الانقلاب لا يزال في بداياته الأولى، وتعترضه كما تدّل تعثرات إدارة أوباما في سنتها الأولى عقبات كأداء في الداخل الأمريكي كما في العالم.

ومع ذلك، إذا ما اعتبرنا هذا التوجّه الإستراتيجي معياراً لقياس نجاح أو فشل أوباما، سنعطي هذا الأخير درجة “ممتاز”، حتى وهو يتعثّـر بفشل تِـلْـو الآخر! بيد أن هذا لا ينفي الحقيقة بأن أوباما يتربّـع على عرش قوّة عُـظمى متجهة إلى الانحدار، وهذا كما قلنا، ما كشف عنه خطاب أوباما عن “حال الأمّـة” الأمريكية، الأمر الذي سيُـجبر الإدارة على الانغِـماس كلياً تقريباً في الشأن الداخلي الأمريكي، ربما طيلة ما تبقّـى من ولايتها.

لكن هذا ليس كل شيء، إذ تترافق هذه الأزمة مع بدء الانحِـدار النِّـسبي التاريخي للولايات المتحدة، قياساً بالقوى الدولية الأخرى الصاعدة، وهذا ما تحاول إدارة أوباما الاعتراف به أولاً، ثم الانطلاق منه لصياغة سياسات تدعو إلى إعادة هندسة النظام العالمي على أسُـس جديدة تتوزّع بمُـوجبها السلطة العالمية على دُول مجموعة العشرين، بدل مجموعة السبعة الكبار، وتتحوّل في إطارها الوظيفة الدولية لأمريكا من دَور الطرف إلى دَور الحَكَمْ.

هذا التطور التاريخي الكبير جعل أجراس الإنذار تقرع بقوة في كلّ أنحاء الشرق الأوسط، بصفتها المنطقة الرئيسية التي تركّـز فيها جلّ التوجهات الإستراتيجية الأمريكية منذ نهاية الحرب الباردة وحتى الآن. أولى العواصم التي دوّت فيها الأجراس، تل أبيب، ليس لأنها تضرّرت من سياسة نفض اليد “الأوبامية” من مشروع تسوية القضية الفلسطينية ومصالحة بليون ونصف البليون مسلم مع 4 ملايين يهودي، (فهذا ما أرادته الدولة العِـبرية أصلاً)، بل لأنها تخشى أن ينحسِـر دور أمريكا في الشرق الأوسط، قبل أن تُعيد هي إحكام سيْـطرتها على المنطقة.

الخطاب الرسمي لحكومة نتانياهو لا يعكس مُـباشرة أو عَـلناً هذا القلق، لكنه مبثوث في ثَـنايا الحَـملات العنيفة التي يشنّها اللّـوبي اليهودي الأمريكي بالتنسيق مع الجمهورييين والمحافظين الجُـدد الأمريكيين، والتي يتّـهمون فيها إدارة أوباما بالعمل على نسْـف أسُـس الزعامة الأمريكية في العالم.

ماذا يريد هؤلاء؟

ليس أقلّ من التّـراجع عن سياسة الاعتراف بالانحدار وتقليص الدّور العالمي الأمريكي والعودة إلى تقارير الأمن الإستراتيجي، التي صدرت إبّـان عهدَيْ بوش، التي ركّـزت كلّـها على استخدام القوة المُـطلقة والعارية، لضمان استمرار الزّعامة الأمريكية في العالم، هذه هي المعركة الحقيقية الآن في أمريكا: بين طرف عقلاني ديمقراطي، يريد إنقاذ الزعامة الأمريكية عبْـر الاعتراف بحدود قوّتها وبمَـحدُودية القُـدرة الاقتصادية الأمريكية على تمويلها، وبين طرف جمهوري – يهودي متطرِّف، يرى المَـخرج من الأزمة الداخلية الأمريكية بحروب ومُـجابهات خارجية.

في الشهور الستة الأولى من ولاية أوباما، كانت الكفّـة تَـميل إلى الطرف الأول، لكنها بدأت الآن ترجح بالتّـدريج لمصلحة الطّـرف الثاني، وهو أمر يمكن أن تُسرّع إسرائيل الخُـطى فيه، إذا ما ورّطت أمريكا، على سبيل المثال، بحرب مفاجِـئة مع إيران أو بحرب في المشرق العربي، تتطوّر إلى مُـجابهة إقليمية.

تركيا وإيران

هذا عن إسرائيل، أما الدول الإقليمية الأخرى، وهي أساساً تركيا وإيران (بسبب استمرار “الغيبوبة” العربية)، فهما تسيران في عكْـس الاتِّـجاه الإسرائيلي، إذ هما تشجِّـعان، كلّ واحدة لدوافعها الخاصة، الانحسار الأمريكي وتنشطان لملء أي فراغ قد ينشأ: تركيا عبْـر ما يُسمى بـ “العُـثمانية الجديدة”، التي تسعى إلى إعادة احتِـضان لاإمبراطوري للمنطقة العربية على أسُـس التعاون الاقتصادي والتكامل الثقافي والترويج للطبعة التركية من الإسلام الليبرالي – الديمقراطي، وإيران من خلال توطيد نفوذها الإقليمي، نووياً وفلسطينياً (القضية الفلسطينية) وترقية الدّعوة إلى الإستقلال الإسلامي عن الهيمنة الغربية – الإسرائيلية.

أي حصيلة مُـحتملة يُمكن أن تتأتّـى عن هذه التمخّـضات الدولية – الإقليمية الزلزالية في الشرق الأوسط؟ كل شيء سيعتمد على مصير إستراتيجية أوباما “الإنحِـسارية” الجديدة: فإذا ما كان نصيبها الفشل، سيعود الجمهوريون بقوّة لمواصلة سياسة العُـنف وفرض الزّعامة الأمريكية بالقوّة في العالم، وإذا ما نجح، ستتحوّل أمريكا إلى دولة عُـظمى “عادية” ومحدودة النّـفوذ، وسيشهد الشرق الأوسط حينها تغييرات انقِـلابية وتاريخية لم يرَ لها مثيلاً منذ 100 عام.

سعد محيو – بيروت – swissinfo.ch

واشنطن (رويترز) – جدّد الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم السبت 30 يناير الماضي تعهُّـده بإعطاء الأولوية لخلْـق الوظائف في 2010، لكنه قال إنه من المهِـم أيضا كبْـح عجز قياسي في الميزانية يهدِّد التعافي الاقتصادي.

واستغل أوباما خطابه الأسبوعي عبر الإذاعة والإنترنت لتذكير الأمريكيين بالمقترحات العديدة التي قدمها الأسبوع الماضي، لتحفيز نمو الوظائف وترويض عجز يبلغ 1.4 تريليون دولار.

ويقول البيت الأبيض، إن أوباما ما زال مُـلتزما بوعد قطعه على نفسه العام الماضي لخفض العجْـز بمقدار النِّـصف بنهاية فترته الرئاسية في 2013، لكن خطابه الإذاعي يوم السبت، لم يتناول سوى “كبْـح” العجز.

ويكشف أوباما يوم الاثنين 1 فبراير الجاري عن ميزانيته المُـقترحة للسنة المالية 2011، التي تبدأ أول أكتوبر ويقول إنها ستتضمّـن تجميد الإنفاق لمدّة ثلاث سنوات في بعض البرامج المحلية.

وأظهرت دراسة لمعهد بيو للأبحاث، نشرت الأسبوع الماضي، أن 60% ممّـن شملهم الاستطلاع، يضعون خفض عجز الميزانية على رأس أولويات 2010 ارتفاعا من 53% في 2009. وأقر أوباما بتلك المخاوف في خطابه قائلا “بينما نعمل لخلق الوظائف، من المهِـم أن نكبَـح مستويات عجز الميزانية التي تفاقَـمت لفترة طويلة جدا.. إنها مستويات عجْـز لن تُـثقل كاهل أبنائنا وأحفادنا فحسب، لكن قد تُـلحق الضّـرر بأسواقنا وترفع أسعار الفائدة وتهدِّد تعافينا الحالي”.

وحجم العجز، قضية سياسية ساخِـنة في عام انتخابي، إذ يسعى الجمهوريون إلى تصوير أوباما بمظهر المبذِّر، بينما يقول البيت الأبيض إن الرئيس ورث عجْـزا قيمته 1.3 تريليون دولار عندما تسلَّـم المنصِـب. ويواجه الديمقراطيون أوقاتا عصيبة للحِـفاظ على أغلبيتهم في مجلسَـي الشيوخ والنواب في نوفمبر. ويقول المحلِّـلون إن ارتفاع البطالة، التي تبلغ الآن 10% وحجم العجْـز، قد يضرّان بجهودهم.

وأشار أوباما إلى بيانات جديدة صدرت يوم الجمعة 29 يناير الماضي وتُـظهر نمُـو الاقتصاد 5.7% في الربع الأخير من العام الماضي قائلا، إنها علامة على إحراز تقدّم ودليل على أن سياسته لتنشيط الاقتصاد تُـؤتي ثمارها.

وقال “لكن، عندما يُـواجه هذا العدد الكبير من الناس مصاعب.. عندما يكون هناك واحد من بين كل عشرة أمريكيين لا يستطيع العثور على وظيفة والملايين يعملون بجِـد أكبر ولفترات أطول بمقابل أقل.. فإن مهمّـتنا لا تقتصر على تحقيق النُـمو في الاقتصاد”.

وأضاف أنه لهذا السبب، اقترح إعفاءات ضريبية لمُـساعدة الشركات الصغيرة على تعيين المزيد من الموظّـفين والاستثمار في مُـعدّات جديدة بالإضافة إلى إلغاء كل ضرائب المكاسِـب الرأسمالية على استثمارات الشركات الصغيرة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 30 يناير 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية