مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مصر وحماس والسلطة.. والمأزق الثلاثي!

معبر رفَـح بين مصر وقطاع غزّة.. صورة التُـقِـطت يوم 10 أغسطس 2008 Keystone

في تعقيبه على مطالِـب حماس بالفتح الفوري لمعبر رفح الحدودي بين قطاع غزة والأراضي المصرية، قال المتحدث الرسمي للخارجية المصرية حسام زكي، إن موقف مصر معروف، فهي تفتح المعبر بين الحين والآخر لتلبية المطالب الإنسانية، من علاج وسفر للطلاب الفلسطينيين، ولكنها لا تفكِّـر في فتح المعبر بصورة دائمة، ما لم يكن هناك وجود مباشر لقوات السلطة الوطنية الفلسطينية على الطرف الآخر من المعبر. وطالما أن هذه القوات غير موجودة، فسيكون من العسير فتح المعبَـر بصورة دائمة.

وبالطبع، فإن هذا لا يُـفيد حماس كثيرا، بل تَـراه ضارّا بإستراتيجيتها في السيطرة على القِـطاع، تمهيدا لشيء ما في الضفة، حين تَـحين ظروف مناسبة.

موقف مُـعلن ومعروف

هذا الموقف المصري ليس جديدا وسبق إعلانه، ولكن في صِـيغ أقل وضوحا عمّـا قاله حسام زكي على الملأ مؤخّـرا، والذي أضاف أن هذا القول سبق التّـأكيد عليه في العلن، كما في الغُـرف المغلقة، وذلك في اللحظة التي قام فيها بعض أنصار حماس في القطاع بالتجمّـع بالقرب من المعبر وأقاموا ما يُـشبه احتفالية علنية تدعو إلى الفتح الفوري للمعبر، ومطالبين الأشقاء في مصر أن لا يكونوا جزءا من الحِـصار، وإنما جزءا من فكّـه.

بمعنى آخر، ومن وجهة نظر مصر الرسمية، فإن فتحَ معبر رفَـح بصورة دائمة وروتينية لن يحدث، طالما أن وضع غزّة على ما هو عليه الآن، أي تحت سيطرة حماس بمُـفردها، في حين تغِـيب السلطة عن القطاع تماما.

فالمسألة ليست مفارقة بين مشاعِـر النفس المتعاطفة مع مُـعاناة الفلسطينيين، وقرار العقل السياسي البارد الذي يتغاضى عن المشاعر، مهما كانت درجة حرارتها، وإنما المتطلّـبات الإستراتيجية التي تبدو معاكسة، طالما استمرّ وضع غزة تحت سيطرة حماس واستمر الانقسام الفلسطيني، وزادت وتيرة المطالب الأمريكية بأن يُلحق القِـطاع بمصر.

ولما كانت عودة السلطة إلى القطاع مرهونة بقبول من حماس، التي تسيطر الآن على كل كبيرة وصغيرة في القطاع، لاسيما بعد أن حاصرت كل منتسبي فتح وتخلّـصت من كِـبار العائلات المناصرة لها تاريخيا، وآخرهم عائلة حلّـس الشهيرة، ومرهونة أكثر بنجاح حوار وطني فلسطيني شامل يُـعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل يونيو 2007، وهو أمر يبدو أكثر صعوبة من ذي قبل.

والصعوبة هنا، ليست مقصورة على حماس أو فتح أو أي طرف فلسطيني آخر، بل شاملة للوسيط المصري الذي يُـجاهد في سبيل إنجاح مثل هذا الحوار، ولكنه يفتقِـد اليقين من أن البيئة الإقليمية والفلسطينية نفسها مؤهّـلة لمثل هذا الحوار، الذي سيكون قطعا أكثر صعوبة من حوارات فلسطينية سابقة جرت تحت الرعاية المصرية أيضا.

مأزق حماس واليقين المفقود

لقد كان التجمّـع الأخير ذي الطابع السلمي بالقُـرب من معبر رفح، مؤشِّـرا على أن حماس تعيش مأزقا كبيرا. فبالرغم من نجاحها في إبعاد كلّ رموز فتح عن القِـطاع والتزامها بأهَـم شرط في التهدئة مع الجانب الإسرائيلي، وهو عدم القيام بعمليات إطلاق صواريخ على المستوطنات الإسرائيلية شمال القطاع، فإنها ليست على يقين بأن الحِـصار المضروب عليها وعلى الشعب الفلسطيني في غزة قابل للرفع، ولو الجزئي، الذي يتيح مزيدا من أسباب التمسّـك بالتّـهدئة من جانب، ويتيح القول أن صمود حماس قد أتى بثِـماره على ساكني القطاع من جانب آخر.

عدم اليقين هذا يرتبط ببُـعدٍ آخر، يتمثل في عدم الرّغبة بالتضحية بالعلاقة مع مصر، والتي تبدو حتى اللّـحظة الخِـيار العملي الوحيد ـ بحُـكم الجغرافيا والدور ـ أمام أي حوار مع فتح ومع السلطة، وأمام التّـواصل مع إسرائيل من أجل تثبيت التّـهدئة واستمرارها بأقَـل قدر من المنغِّـصات، وهي أيضا ـ أي مصر ـ المعبَـر الأرضي الوحيد الذي يمكن أن يكون فاتِـحة خير، وإن بشروط معيّـنة، يبدو أن حماس ليست بعدُ على استعداد لتلبِـيتها.

مأزق مصري مُـقابل

هذا المأزق الذي تعيشه حماس، يقابله مأزق مصري، ولكن من نوع آخر. وليس غريبا أو جديدا القول أن مصر الرسمية لديها حساسية عالية جدا من نجاح أي قوّة ذات مرجعية دينية في الحُـكم بالقرب من حدودها، خاصة إذا كانت هذه القوة محسوبة بشكل أو بآخر على حركة الإخوان المسلمين أو على فكرها أو لديها روابط ظاهرة وغير ظاهرة مع الجماعة المصرية، التي تُـحسب محظورة قانونا رغم وجود 80 نائبا مرتبِـطون بها تنظيميا في البرلمان، نتيجة انتخابات عنيفة جدّا جرت وقائِـعها في شهر نوفمبر 2005.

هذه الحساسية المُـعلنة تجعل الاقتراب من حماس له طابَـع خاص، فهي قوة أمر واقع في القطاع الذي لا يُـمكن لعين الأمن المصرية أن تغفل عنه، لأسباب إستراتيجية بعيدة المدى، ومن ثمّ فالتّـعامل معها لا يُـمكن الفِـرار منه، لكنه تعامل واقعي وله مرام محدّدة، أبرزها السيطرة على الحدود المشتركة ومنع التجاوزات بحق مصر أو حدودها، وتأمين الوضع الداخلي في غزة. وفي المقابل، تعمل مصر على تثبيت التّـهدئة وفتح حِـوار فلسطيني وإعادة اللحمة مرّة أخرى إلى الأراضي الفلسطينية، ومتابعة الجهود في قضية الأسرى الفلسطينيين، مقابل الأسير الإسرائيلي لدى الفصائل الفلسطينية.

التجاوب البعيد

هذه الصيغة التي تعمل عليها مصر، تتطلّـب تجاوُبا مُـريحا من قيادة السلطة الوطنية وقيادة فتح معا. والظاهر، أن الأبعاد النفسية والسياسية التي تتحكم في العلاقة بين فتح وحماس، باتت من التّـعقيد والتوتّـر، ما يتجاوز قُـدرة الجهود المصرية في الوساطة أو في رعاية حوار فلسطيني شامل يضُـم كل الفصائل الفلسطينية، وليس فقط فتح وحماس، وهو الشرط الأساسي الذي يتمسّـك به الرئيس محمود عباس، جنبا إلى جنب تطبيق بنود المبادرة اليمَـنية، التي نالت تأييد قمّـة دمشق، ولكنها محلّ مُـجادلة من قِـبل حماس، والتي ترى في بنود المبادرة خطّـة طريق تتطلّـب المزيد من التفاوض حول التفاصيل، وليس التطبيق الفوري، كما تقول أوساط السلطة الفلسطينية.

شروط عباس وقناعته

ومن شروط الرئيس عباس أن تتوقف حماس عن دِعايتها السّوداء، التي تبثُّـها في حقه، تتهمه فيها بالتّـفريط والخِـيانة والتّـنازل عن الحقوق الفلسطينية وممالأة الإسرائيليين والانصياع للأمريكيين.

وكان عباس إبّـان زيارته الأخيرة إلى القاهرة فى نهاية شهر يوليو الماضي، قد وفّـر مُـعطيات تفصيلية للجِـهات المصرية، لِـما يصفه بمحاولة اغتياله التي أعدّتها حماس وكانت بعِـلم مباشر من خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس.

ووفقا لرُؤية الرئيس عباس، فعلى مصر أن تقوم بالإعداد للحوار الفلسطيني مع كل فصل على حِـدَة، ثم بعد ذلك، تتحوّل إلى إدارة حِـوار شامل، وصولا إلى مخرج مُـتكامِـل، قد يتضمّـن الإعداد لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكّـرة، ولو قليلا عن موعِـدها، وهي الانتخابات التي يراها فرصة لكي تستعيد حماس شعبيتها ووضعيتها كفصيل فلسطيني قائد، يتمتّـع بشعبية كبيرة ومناسبة.

في ضوء هذه الأولويات الفلسطينية المُـختلفة، تبدو مصر في سباق مع الزمن، لاسيما إذا وضعنا في الاعتبار حالة الجمود التي وصلت إليها اللِّـقاءات الفلسطينية الإسرائيلية، والأزمة السياسية الحكومية في إسرائيل على خلفية الانتخابات المبكّـرة في حزب كاديما لاختيار زعيم بدل اولمرت، الذي يُـواجَـه باتهامات فساد لم تتحوّل إلى حالة رسمية بعد، ولكنها تؤثر على وضعه ووضع حكومته، ناهيك عن دخول إدارة بوش دائرة السّـكون بسبب الانتخابات الرئاسية.

ولذا، يظل السؤال: ماذا يُـمكن لمصر أن تفعل؟ ورغم أنه لا توجد خِـيارات كثيرة، فليس هناك مفَـرّ، سوى متابعة الاتصالات مع كل أطراف اللُّـعبة لعلّـها تُـسفر لاحقا عن تحوّل جزئي هنا يُـقابله تحوّل جزئي هناك، وبما يُـمهد إلى حوار وطني فلسطيني يُـفرز نتائج أكثر صمودا في مواجهة المتغيِّـرات المعاكِـسة، وما أكثرها.

وفي كل الأحوال، يبدو أن بقاء وضع غزّة الراهن ليس مقبولا مصريا، لأنه ببساطة يُـمثل عِـبئا استراتيجيا كبيرا على القضية الفلسطينية برمّـتها، وعلى مصر أيضا.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

غزة (رويترز) – قالت حركة المقاومة الإسلامية حماس يوم الاثنين 11 أغسطس 2008 إن مصر مسؤولة عن مقتل ثمانية فلسطينيين لأنها استخدمت المياه والغاز والمتفجرات لإغلاق شبكة أنفاق أسفل حدودها مع قطاع غزة.

وانتقد ايهاب الغصين المتحدث باسم وزارة الداخلية في حكومة حماس الاساليب المصرية لمواجهة التهريب ووصفها بأنها خطرة.

وقال مسعفون ان ثلاثة فلسطينيين قتلوا سحقا يوم الاثنين 11 أغسطس عندما انهار نفقهم المقام اسفل الحدود. ومات خمسة آخرون خنقا في أول اغسطس اب 2008.

وحفر المهربون عشرات الانفاق لنقل الناس والسلع المحظورة ومنها الاسلحة والذخيرة بين مصر وقطاع غزة الذي تفرض اسرائيل حصارا عليه.

وقال الغصين ان القاهرة “تشترك في المسؤولية” عن الحصار مع اسرائيل بابقائها المعبر الحدودي الوحيد للقطاع الساحلي مع مصر مغلقا.

واكدت سلطات الامن المصرية ان مصر ضخت الغاز في الانفاق في الشهور الاخيرة قبل ان تغلقها تماما.

وقالوا ان الغاز لم يكن مضرا وانه استخدم لمنع الفلسطينيين من محاولة معاودة دخول الانفاق.

وقالت المصادر ان السلطات المصرية ابلغت السلطات الفلسطينية عند اغلاقها الحدود.

ولم يتسن الحصول على تعليق فوري من وزارة الداخلية المصرية.

وفجرت حماس معبر رفح الحدودي في يناير كانون الثاني 2008 مما مكن مئات الالاف من الفلسطينيين من التدفق الى مصر لشراء كميات كبيرة من الامدادات لتخزينها. واعادت مصر اغلاق المعبر وكثفت من دورياتها لمنع حدوث انتهاك اخر.

وقد ضغطت الولايات المتحدة واسرائيل على مصر لإغلاق الانفاق لمنع النشطاء من تهريب الاسلحة. ويساعد خبراء أمريكيون قوات الامن المصرية في البحث عن انفاق.

وقال الغصين “نحن نتفهم الضغوط الامريكية والاسرائيلية على مصر ولكن هذا لا يبرر قتل الناس بهذه الطريقة”.

ودافع عن شبكة انفاق غزة قائلا انها نتيجة للحصار، وأضاف “عندما يفتح معبر رفح وينتهي الحصار فان موضوع الانفاق سينتهي ايضا”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 11 أغسطس 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية