مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مصر .. حوار النخبة حول تعديل الدستور

في 26 فبراير 2005، استقبل أعضاء مجلس الشعب المصري (الصورة) إعلان الرئيس مبارك عن مقترحه بتحوير الفصل 67 من الدستور المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية بترحاب واضح Keystone Archive

كل الدول تقريبا لديها وثائق دستورية تنظم الحكم فيها وتحدد المسؤوليات على نحو أو آخر، ومصر - بطبيعة الحال - ليست استثناء من هذه القاعدة.

الفارق هو أن نخبتها السياسية والفكرية بكل اتجاهاتها، بما فيها المنضوين تحت عباءة الحزب الحاكم، ليست راضية عن الدستور القائم (صدر عام 1971)، لذلك جاءت دعوات التغيير والتعديل.

كل الدول تقريبا لديها وثائق دستورية تنظم الحكم فيها وتحدد المسئوليات على نحو أو آخر، مصر ليست استثناء من هذه القاعدة، ولكنها تزيد على غالبية الدول فى أن نخبتها السياسية والفكرية بكل اتجاهاتها، بما فيها المنضوين تحت عباءة الحزب الحاكم، ليست راضية عن الدستور القائم والذى يعود إصداره إلى العام 1971، ومن هنا تجئ دعوات التغيير والتعديل.

شق من النخبة السياسية بمعناها العريض ينادى بتغييره كلية وإصدار دستور عصرى جديد يفتح الطرق أمام دولة ديمقراطية حقيقية قوامها تعددية حزبية بضمانات غير تعسفية تحول دون قيام دولة دينية وتعزز انتقال السلطة سلميا.

وشق آخر ينادى بتعديل بعض مواده التى تجاوزها الزمن، وعلى اعتبار أن الدستور القائم به فصول رائعة تدعم الحريات بكافة أنواعها ومستوياتها، والخشية أن لا يأتى دستور جديد بما هو قائم فى هذا المجال.

اتجاهان أم أكثر

الاتجاهان السابقان السائدان فى النقاش النخبوى العام، والذى ارتفعت وتيرته مؤخرا وزادت منتدياته بشكل ملحوظ، يعنيان أن لا توافق بين النخبة حول المطلوب تحديدا.

بل الأكثر من ذلك يمكن أن نضيف أن هناك اتجاها ثالثا يرى الأمر بعين أخرى، فتعديل الدستور ليس أولوية بالنسبة له، بل الأولوية هى لإصدار تشريعات قانونية جديدة أو تغيير بعض القائم فعلا وبالأخص ما يتعلق بتنظيم الحياة السياسية من قيام الأحزاب وإجراء الانتخابات وإنشاء المنظمات المدنية، بحيث تتوافق مع الدستور نفسه الذى يؤكد تلك الحقوق والحريات، ولتحل القوانين الجديدة كثيرا من الإشكاليات السياسية والعملية الموجودة فى الواقع الفعلى.

كل من هذه الاتجاهات يعكس بالفعل رؤية مستقبلية معينة، فالداعون إلى دستور جديد بالكلية يرون أن الدستور القائم لم يعد يناسب دورة الزمن ولا طموحات المصريين، وان فلسفته التى قام عليها سواء فى النظام الاقتصادى الاشتراكى أو النظام الرئاسى فائق الصلاحيات للرئيس والمتغول على باقى السلطات، بات عتيقا، بل وضارا للتطور الديموقراطى.

وحتى التعديلات التى أدخلت على الدستور وعددها يفوق الثمانية تعديلات طوال العقدين الماضيين، لم تفعل سوى إرباك نصوص دستور 1971 وبعضها البعض. فكيف يمكن مثلا وصف النظام السياسى بأنه “يقوم على التعددية الحزبية” بما تعنيه من تعدد الرؤى والفلسفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وضرورات التنافس السلمى، والدستور يلزم الجميع بأن النظام القائم هو “اشتراكى يقوم فيه القطاع العام بدور رائد فى التنمية”؟؟.

ثم إن الواقع نفسه قد تجاوز مسألة الاشتراكية والتخطيط المركزى، فهناك خصخصة وبيع لوحدات القطاع العام، وهناك تسيد لدور رجال الأعمال الجدد، وتراجع لحقوق العمال، وهم المحرومون دستوريا وقانونيا من حقوق الإضراب مثلا أو التفاوض الجماعى أو تشكيل نقاباتهم العمالية المستقلة التى تدافع عن حقوقهم فى مواجهة سطوة رأس المال المتصاعدة، كما هو الحال فى النظم الليبرالية.

مشكلة مركبة وحوار نخبوي

المشكلة لدى هؤلاء مركبة ومتعددة المستويات، فالدستور القائم لا يتضمن وسيلة لتغييره كليا، ولا يشير مثلا إلى دور البرلمان فى ذلك، أو إلى ما هو متعارف عليه من تأسيس جمعية وطنية منتخبة تقوم بصياغة دستور جديد يطرح للاستفتاء ثم يتحول إلى عقد اجتماعى سياسى ينظم حركة المجتمع.

من هنا تأتى محاولات منظمات مدنية منفردة أو مجتمعة لوضع تصور لمسودة دستور لتنزل به إلى الشارع وتقيم حوله حوارا عاما، تطلعا إلى اكتساب زخم شعبى قد يقنع السلطة الحاكمة بتبنى الوثيقة أو الدخول بالفعل فى عملية لتغيير الدستور.

واستطرادا فإن الحوار حتى اللحظة ما زال نخبويا، وفى داخل هؤلاء الذين يتطلعون إلى وثيقة دستورية جديدة تماما لا يوجد اتفاق على طبيعة النظام السياسى المرغوب، هل هو رئاسى أم برلمانى، أم مختلط كما هو الحال فى دستور 1971 القائم ولكن بدون تناقضات هيكلية بين مواده.

وغياب الاتفاق هذا يقود بدوره إلى ضعف المسعى، لاسيما وان التخوفات من قيام دولة دينية التى يركز عليها تيار مهم تجعل الأمر يميل إلى تبنى نظام رئاسي يضمن من وجهة نظرهم ألا تخطف جماعة الإخوان السلطة فى يوم وإلى الأبد.

تعديل جزئى ومحدود

فى المواجهة يبرز أصحاب دعوة التعديل الجزئى لبعض البنود من اجل فك الالتباس الداخلى. لكن الخلاف هنا يتعلق بما هى المواد التى يجب أن تخضع للتعديل وفى أى اتجاه، خاصة وأن المواد المطلوب تعديلها كثيرة جدا تصل إلى 80 مادة من بين 211 مادة هى مجمل مواد دستور 1971.

والحق هنا أن هناك مواد تعد محل توافق عام، وأخرى ليست كذلك. فالمادة الثانية مثلا التى تقول أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسى للتشريع، تجد ثلاثة اتجاهات أولها يطرح إبقاءها على ما هى عليه دون حذف أو إضافة، وثانيها يرى إضافة عبارة أخرى تفيد بأن هناك مصادر أخرى مثل المعاهدات الدولية الجماعية ومبادئ القانون الدولى وهكذا، وثالثها يرى عدم الإشارة إلى الشريعة كمصدر أساسى للتشريع، وإنما كأحد المصادر وحسب من بين أخرى توصف على سبيل المثال وليس الحصر.

وقس على ذلك الحوار حول مواد أخرى من قبيل النص على أن “يُمثل العمال والفلاحون بنسبة 50% فى البرلمان”، فهل يبقى هذا الحق أم يزال، ثم كيف يكون هناك توازن بين الطبقات والفئات الاجتماعية منصوص عليه فى الدستور.

فى إطار التعديل أيضا تبرز دعوات بأن تضاف مواد ولو لمدة محددة تعنى بالتمييز الإيجابي للمرأة والأقباط أيضا، وبحيث تزال تلقائيا بعد هذه المدة، التى يحدث فيها ما يوصف بتمكين هاتين الفئتين فى الوجدان والضمير الجمعى للامة. لكن هذه الدعوة للتمييز الإيجابى، لاسيما بالنسبة للأقباط تجد معارضين أكبر بكثير من الداعين لها.

تعديلات الحزب الحاكم

الحزب الوطنى الحاكم ليس بعيدا عن مسعى تعديل الدستور، وموقفه هنا حاسم من زاوية أنه يملك الأغلبية البرلمانية التى تتيح له تبنى تعديل مادة أو اكثر وفقا لما يراه يعزز دوره فى الحياة السياسية من جانب، ويصب فى اتجاه انفتاحى إصلاحى من جانب آخر.

وفى الحزب نشاط تقوم به بعض اللجان الأساسية، قوامه التعرف على رؤى الأعضاء فى المواد واجبة التعديل وفى أى اتجاه. ولا تعنى الحصيلة أن قيادة الحزب قد تأخذ بها فلعل فذلك متروك لتقديرها.

ووفقا لما جاء على لسان أمينه العام المساعد جمال مبارك بأن الدستور يحتاج إلى تعديل ليتحقق التوازن فى الحياة السياسية، وأن يشمل صلاحيات رئيس الجمهورية ويعزز صلاحيات رئيس الوزراء ويعطى سلطة أكبر للمحليات. وهو موقف يصب عمليا فى تعزيز الاتجاه القائل بضرورة الحفاظ على صيغة النظام المختلط القائمة مع بعض التعديل من خلال توضيح كامل لصلاحيات كل مؤسسة فيه، وفض التداخل الموجود فى الدستور الحالى بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.

ويلفت النظر هنا أن بعض الاجتهادات الداعية إلى الفصل بين صلاحيات رئيس الجمهورية باعتباره رأس الدولة ككل، وبين صلاحيات رئيس الوزراء باعتباره رأس السلطة التنفيذية وحسب، تقوم ضمنا على أساس أن رئيس الدولة سيقوم بتكليف الحزب الفائز فى الانتخابات بتشكيل الحكومة، على أن يقوم البرلمان بمراقبة عملها وأن يكون حرا فى العملية التشريعية ككل.

وهنا يتفق فقهاء القانون الدستورى على أن تطبيق تعديل كهذا، وعلى نحو سليم يتطلب عمليا نظاما حزبيا غير مقيد على خلاف الحال فى الوقت الراهن، كما يتطلب إعادة النظر فى مضمون العملية التشريعية ككل، وفى فلسفة النظام الاقتصادى للبلاد.

وهكذا يحدد الحزب الحاكم “حجم” التعديل، فهو – حسب ما رشح لحد الآن – جزئى ويمس فقط صلاحيات داخل المؤسسة التنفيذية، ويغيب بالتالى تنظيم السلطة القضائية، وأسس التشريع والنظام الاقتصادى وإزالة القيود عن الحياة الحزبية، وباقى ما يطمح إليه الكثيرون من بناء دستورى متكامل ومتجانس بين أجزائه.

وهنا تطرح أصوات قليلة رأيا بأنه ما دام الحوار الوطنى الشامل لم يستقر بعد على طبيعة التعديل المطلوب وحجمه، فلماذا التسرع فى إجراء تعديلات قطاعية ومجتزأة، سوف يشوبها حتما العوار والنقصان، ولن تكون سوى إعادة لمشهد تعديل المادة 67 الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية، والتى تمثل اغرب مادة دستورية فى العالم كله.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية