مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

معادلة التعهدات العربية والوعود الأمريكية

قمة شرم الشيخ كرست المبادرة العربية اساسا لتسوية النزاع مع اسرائيل في انتظار المؤتمر الدولي الجديد Keystone

اثارت القمة الثلاثية المصرية السعودية السورية الكثير من التساؤلات حول عدد من ابرز المسائل مثل الالتزامات العربية الجماعية بشأن القضية الفلسطينية، والوعود الأمريكية والموقف السوري من عملية السلام ومن الانتفاضة الفلسطينية بكل وسائلها بما في ذلك العمليات الانتحارية.

هذه العمليات يسميها أنصارها بالاستشهادية، ويراها آخرون عربا وغير عرب عمليات انتحارية مُضرة بالقضية الفلسطينية، لاسيما في هذا التوقيت بالذات. وكما هو معروف فإن مثل هذه القضايا مطروحة على بساط البحث السياسي والدبلوماسي منذ اكثر من عام ونصف، لكنها اليوم وفي عرف الكثيرين تقتضي نوعا من الحسم وتحديد المواقف النهائية بشأنها، ليس من الجماعات الفلسطينية وحدها، وإنما أيضا من قبل الدول العربية الرئيسية.

الواضح أن دولا عربية رئيسية كمصر والسعودية والأردن وسوريا ترى ان الأمور الآن باتت ناضجة لعمل شيء ما، لكن تفاصيله لم تتضح بعد، ومن ثم فإن المطلوب هو البحث في هذه التفاصيل والاتفاق على أطر عملية تحفظ للموقف العربي قوته وتماسكه وتمنع عنه قدرا من المزايدات السياسية التي تضر الجميع ولا تنفع أحدا.

ولعل هذا المناخ “الذهني/ النفسي” يفسر كثيرا من الغموض أو لنقل التناقض الظاهري الذي قد يراه بعض المراقبين لما نتج عن القمة الثلاثية التي التأمت في شرم الشيخ المصرية في نهاية الاسبوع، خاصة بالنسبة لسوريا، لاسيما عبارة رفض العنف بكل أشكاله التي وردت في البيان الختامي الصادر عن القمة.

إدانة العنف والتناقض الذاتي

تضمن البيان ما يمكن وصفه بالخطوط العريضة التي باتت تجمع بين الدول الثلاث في هذه المرحلة الملتبسة على الجميع، منها ما هو معلن من قبل ولا خلاف بشأنه مثل التمسك بالسلام وبالمبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت نهاية شهر مارس الماضي، وأهمية تعزيز التضامن العربي انطلاقا من المصالح العليا للامة العربية وإيمانا بمبادئ ميثاق جامعة الدول العربية، ورفض الاحتلال الإسرائيلي، ومساندة القضية الفلسطينية والإشادة بالانتفاضة الباسلة للشعب الفلسطيني، وأهمية الضغط على إسرائيل لتطبيق القرارات الدولية.

ومنها ما هو جديد مثل رفض العنف بكل أشكاله، وهي العبارة المحايدة التي لا تفرق بين العدوان الإسرائيلي وبين حق المقاومة المشروع، والتي أيضا تعرف عالميا بأنها تشير الى كل أعمال القوة والعنف التي يمارسها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي معا، أي أنها تساوي بين الضحية والجلاد.

وبالنسبة للطرف الفلسطيني فإنها تعني مباشرة العمليات “الاستشهادية” التي تقوم بها عناصر من الجماعات الإسلامية، والتي تعرف إسرائيليا وأمريكيا بأنها عمليات انتحارية مرفوضة. وهنا يثار التساؤل، هل قبول سوريا ممثلة برئيسها بشار الأسد مثل هذا البيان فيه تراجع عن مواقف مبدئية سابقة، وهل يتضمن ذلك إدانة المقاومة الفلسطينية التي هي محل تأييد سوري قوي؟

بالرجوع الى البيان نفسه، يجد المرء إشارتين قد تساعدان على تفسير ما يمكن وصفه بالتناقض الداخلي في البيان، الأولى نبذ العنف بكل أشكاله، والتي تفهم من سياق الفقرة بأنها تعني العدوان الإسرائيلي بالأساس بدليل، وهذه هي الإشارة الثانية، أن الجملة التالية أشادت بالشعب الفلسطيني وجهوده ضد الاحتلال وانتفاضته الباسلة.

ومفهوم أن العمليات الاستشهادية أو الانتحارية هي جزء من الانتفاضة وأعمال المقاومة بصفة عامة ولكنها ليست كل الانتفاضة. وإذا تم الأخذ بالتفسير الظاهري الذي يُضمن عمليات المقاومة في فئة أعمال العنف المرفوضة والمدانة، يصبح البيان غير مفهوم ومتناقض في ذاته.

وإذا تم الأخذ بوجود فارق هيكلي ومحل اتفاق عربي بين العنف الإسرائيلي الُمدان أساسا، وبين جهود الانتفاضة التي تمت الإشادة بها في البيان يصبح الأمر خاليا من أي تناقض، خاصة وأن عمليات الانتفاضة الفلسطينية، كما ذكر أنفا، لا تقتصر فقط على العمليات الانتحارية أو الاستشهادية.

تكتيك الغموض البناء

وربما جاز القول أن واضعي البيان أرادوا استخدام التكتيكات التي باتت شائعة عن الجانب الأوروبي والأمريكي في بياناتهم السياسية، والتي تتضمن ما يمكن وصفه بصياغات الغموض البناء، والتي تعنى استخدام مفردات ذات مدلولات معينة، ولكن في سياق ينفى عنها ابرز ما في هذه المدلولات. فمن جانب يظل التعبير الأصلي مثيرا لدلالته المباشرة ولكنه في الوقت نفسه وفقا لسياقه المباشرة يكون اقل في الالتزام به.

ووفقا لهذا “التكتيك” تكون سوريا قد تكيفت مع السياق العام الجديد الذي يرضي مصر والسعودية والولايات المتحدة معا، ومن ثم تتجنب أي تهميش لدورها في اي عمل سياسي كبير يخص عملية السلام في المستقبل القريب، إذا ما اتفق على ذلك، ولكنها في الوقت نفسه متمسكة ـ على الصعيد المعلن على الأقل ـ بموقفها الإيجابي تجاه الانتفاضة الفلسطينية الباسلة حسب تعبير البيان، والذي هو أيضا محل إشادة مصرية سعودية اجمالية.

التزامات عملية متبادلة

لكن هذا التكتيك، وفي حال تفسيره للتناقض الظاهري الوارد في البيان بالنسبة لسوريا على الأقل، لن يلغي الالتزامات العملية المستقبلية، لاسيما التقليل من الترحيب الإعلامي الكبير بأي عملية “انتحارية” والذي يدخل في باب التحريض أمريكيا وإسرائيليا.

والثابت أن الصيغة التي توصل إليها الأمير عبد الله في مباحثاته مع الرئيس بوش في رحلته الأخيرة قبل أسبوعين تقضي، حسب تصريحات الأمير عبد الله نفسه، بأن تكون هناك التزامات عربية تصب في مساعدة السلطة الفلسطينية وإدانة العمليات “الانتحارية” والمساهمة في وقفها، وفي المقابل يطور الأمريكيون دورهم من خلال الضغط الجاد على إسرائيل لمنعها من أي عمليات عسكرية كبيرة ضد الفلسطينيين ووقف الحديث عن تغيير عرفات والمساهمة في إعادة بناء السلطة الفلسطينية وتجميع الجهود الدولية تحت مظلة عمل دولي كبير يمهد لقيام دولة فلسطينية.

والمعروف أن الأمريكيين بدءوا بالفعل جهودهم الدولية تحت ما يعرف بالرباعية، والتي تجمعهم مع الأمم المتحدة وكلا من روسيا والاتحاد الأوروبي، كما أن وقف الهجوم الإسرائيلى الكبير على غزة يمكن إعادته جزئيا إلى “نصائح” أو ربما ضغوط أمريكية، إلى جانب أسباب أخرى إسرائيلية وفلسطينية.

ومجمل هذه الصيغة يعني قيام الطرفين العربي والأمريكي بجهود معينة من أجل تبريد الأجواء تمهيدا للدخول في عملية سياسية شاملة، ووفقا لهذه الصيغة أيضا، فإن أي نجاح لها يتطلب توافقا عربيا اكبر من مجرد التوافق المصري السعودي، والذي يبدو انه متطابق الى حد كبير بشأن الالتزامات العربية تجاه القضية الفلسطينية في هذه المرحلة وتجاه السلطة وتجاه العمليات “الانتحارية”، ويهتمان بالتواجد داخل المعادلة الإقليمية والدولية والتأثير فيها.

لكن هذا التوافق المصري السعودي وحده لا يكفى. ومن هنا، كان الحرص على إدماج سوريا داخل هذه الصيغة، لان وجودها خارج السياق سيؤدى الى مشاكل كبرى، اقلها الدخول في تراشقات إعلامية غير مرغوبة، ومن شأنها أن تؤثر على حالة التوافق العربي العام المطلوب بناؤه في هذه المرحلة.

سوريا والخوف من التهميش

وإذا كانت مصر والسعودية لا تشعران بأي تهميش لدورهما، بل على العكس، فإن المطلوب أمريكيا في هذه المرحلة تعزيز هذا الدور وتنشيطه والتعاون معه، فإن الخوف من تهميش الدور السوري لعب دورا كبيرا في إقناع الرئيس بشار الأسد بأن يكون جزءا من المعادلة وليس خارجها.

والتبرير الذي أعطاه الإعلام السوري الُموجه حكوميا لهذا التحول وربطه بأولوية التضامن العربي في هذه المرحلة وحرص دمشق على ان تكون جزءا من هذا التضامن، له وجاهته السياسية، ولكنه لا ينف ان هذا التضامن وفي هذه اللحظة يعنى بالأساس بالتحضير الى مؤتمر دولي، ستكون له في حال انعقاده تأثيرات كبيرة على التوازنات الإقليمية وعلى طبيعة الحلول الدائمة أو شبه الدائمة، كما أن التحول الذي أصاب القضية الفلسطينية وتحولها مرة أخرى الى قضية عربية أو بالأحرى مسئولية عربية جماعية، بعد أن كانت في عهدة الفلسطينيين وحدهم مدة عقد كامل وانتهت إلى ما انتهت إليه من نقطة الصفر تقريبا، يوفر فرصة لمن يريد ان يشارك في توجيه وتشكيل “الحل المرتقب”، ولكن بعد ان يقدم مبررات تلك المشاركة، وهى أمريكيا نبذ العنف والإرهاب، وإلا كان البديل اكبر من مجرد تهميش. والسوريون ليسوا بعيدين عن الثمن الكبير الذي يمكن دفعه في ظل التحولات الكبرى التي أصابت السياسة الأمريكية عالميا بعد 11 سبتمبر الماضي.

د. حسن أبو طالب – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية