مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

معارضون ليبيون: “مفاوضات سرية لترتيب نفي القذافي إلى صربيا أو أبو ظبي”

العقيد معمر القذافي في صورة التقطت له في شهر نوفمبر 2009 Keystone

تتكثّـف المفاوضات بعيدا عن أضواء الإعلام بين العقيد معمر القذافي وعواصم القرار الدولي، لترتيب مغادرته ليبيا، فيما دعا معارضوه إلى "جمعة التحدّي" في طرابلس بعد غد للتخلص من نظامه على ما قال لـ swissinfo.ch الشيخ علي الصلابي، إحدى الوجوه الحالية للمعارضة الليبية.

لن يُقتل العقيد معمر القذافي في قلعته المُحصَّـنة بباب العزيزية ولن ينتحر، مثلما توقع مُحلِّـلون كُثر قبل إلقاء القبض عليه، وإنما سيأخذ عصا التِّـرحال ليستقر في المنفى، بعد استكمال المفاوضات الجارية بينه وبين واشنطن بالإشتراك مع عواصم أخرى، من بينها برلين ولندن وباريس. هذا ما أكّـدته لـ swissinfo.ch  قيادات ليبية معارضة تُقيم حاليا في الدوحة، التي تحوّلت هذه الأيام – ودون سابق إنذار – إلى أكبر تجمّـع لفصائل المعارضة الليبية، استعدادا لانهيار النظام الذي سيفتح لهم طريق العودة إلى بلدهم.

وقال زعيم، رفض الكشف عن هويته، إن المفاوضات الجارية ترمي لإعطاء الضمانات للقذافي وأفراد من عائلته ومعاونيه المقرّبين للإنتقال إلى المنفى في صربيا، التي أبدت حكومتها ترحيبا باستقباله، أو أبوظبي. وأوضح المصدر أن الوسيطيْـن اللذين يُديران هذه المفاوضات، هما وزير الخارجية الأسبق عبد الرحمان شلقم، الذي تولى منصب مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة قبل أن ينشقّ أخيرا عن القذافي في جلسة تاريخية ومؤثرة بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، وأبو زيد عمر دوردة، رئيس الإستخبارات الخارجية، وهو الذي شغل أيضا منصب مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة خلال فترة الحظر الدولي على بلاده (1992 – 1999).

وأضاف المصدر أن خيار الضربة العسكرية الجوية للتخلّص من القذافي، كان أحد الخيارات القوية المطروحة في مرحلة سابقة، إلا أن الأمريكيين تخلوا عنه أمام إصرار غالبية المعارضات الليبية في الداخل والخارج على “عدم تلويث الثورة بأي تدخّـل من الخارج وإبقائها صفحة ناصِـعة تُفضي إلى نصر يتحقّـق بقوة المقاومة الداخلية وحدها، أسوة بالثورتيْـن، التونسية والمصرية”.

استبعاد الضربة الجوية

وأفاد سياسيون ليبيون أن مشروع القرار الخاص بليبيا، الذي عُرض على مجلس الأمن، كان مستوحىً من هذه الأجواء، إذ أنه استند على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يُبرِّر اللجوء إلى استخدام القوّة، إلا أنه حصر الأمر في الفقرة 41، التي تتحدث عن استخدام جميع وسائل الضغط عدا الوسائل العسكرية، مما دلل على استبعاد سيناريو توجيه ضربة جوية لقوات القذافي داخل مربّـعه في ثكنة العزيزية.

وعلى رغم إصرار وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون على الإسراع باتخاذ موقف حازم يصدر عن مجلس الأمن ورفض فرنسا التجاوب مع هذا “التجييش”، بحسب تعبير أحد المعارضين الليبيين، رأى مراقبون أن الموقف الأمريكي كان في الأساس رسالة إلى القذافي لحسم أمره من خلال التلويح في وجهه بخيارات أخرى، يعرف أن أمريكا قادرة عليها، وخاصة بعد حركة إعادة نشر الأسطول الأمريكي في المتوسط حول السواحل الليبية.

اختلال ميزان القوى

وتحدث علي زيدان، الناطق الرسمي باسم الرابطة الليبية لحقوق الإنسان (مقرّها في ألمانيا) لـ swissinfo.ch عن ميزان القوى الرّاهن، فأكد أن القوات المناهضة للقذافي تفتقد إلى الذخيرة، وأشار إلى أن الكتائب الموالية له تمتلك أفضل تسليح وأحدث مُعِـدّات في الجيش الليبي، مما يجعل أي معركة بين الطرفيْـن لاقتحام الثكنة المحصنة بثلاثة أسوار، صراعا غير متكافئ سيُـوقع خسائر جسيمة بين المهاجمين من دون ضمان استسلام القذافي. وشدد علي زيدان على أن الحسم لن يكون إلا بضمان التفوق الجوي، من دون أن يُوضح مَـن يُمكن له تأمين تلك التغطية الجوية.

وأفاد معارض آخر، أكّـد أنه على إطِّـلاع على فحوى المفاوضات الجارية حاليا، أن الأمريكيين والغربيين عموما رفضوا أن تشمل الضمانات بالإمتناع عن الملاحقة القضائية رئيس المخابرات الليبية عبد الله السنوسي، وهو عديل القذافي، بسبب فظاعة الجرائم المنسوبة إليه، وفي مقدمتها إعدام 1200 من معارضي نظام القذافي في مجمع سجون أبو سليم القريب من العاصمة طرابلس في 1996. وقد يكون القذافي، الذي وافق على استبعاد السنوسي من الصفقة، خشي من رد فعل الأخير فعزله من رئاسة المخابرات وعيّـن في مكانهم نصور ضو القحص، الذي ينتمي إلى فخذ معمر القذافي في قبيلة القذاذفة.

وأكد مصدر مطلع، أن السنوسي الذي يرفض أن يكون كبش فداء،  بدأ يُحرِّك خيوطه في كل مِـن سرت في الشرق وسَـبها في الجنوب، حيث يوجد مركز ثقل قبيلة المقارحة التي ينتمي إليها السنوسي نفسه، لارتكاب مجازر ضد المحتجين على القذافي، من أجل تعقيد ملف الأخير الجنائي وتعسير خروجه من ليبيا إلى المنفى.

وأوضح المصدر أن الرئيس الجديد للمخابرات لا يملك شبكة مماثلة من الولاءات، وإنما مصدر قوته الوحيد هو ولاءه للقذافي. غير أن المعارض اسماعيل مصطفى أكد لـ swissinfo.ch أن المقارحة يتبرّؤون من السنوسي ولا يتحمّـلون وِزْر جرائمه، مُعدِّدا أسماء معارضين كُثرا برزوا من هذه القبيلة. ولم يستبعد معارضون عمِـلوا مع القذافي سابقا، أن تتطور الصراعات داخل المربّـع المحيط به إلى معارك بالسلاح بين الطرفيْـن، قبيل التوصل إلى صيغة لتأمين مغادرة القذافي وأسرته وكبار مساعديه بضمانات دولية.  

مجلس ثورة وفاقي؟

على الناحية الأخرى من المشهد الليبي، تبدو المعارضة مهمومة بمرحلة ما بعد القذافي، إذ نشأ واقع جديد بعد سيطرة المنتفضين على مدن رئيسية، بينها المدينة الثانية بنغازي والثالثة مصراتة، بالإضافة لعدة موانئ نفطية وقواعد جوية أسْـوة بقاعدة بنينة الجوية القريبة من بنغازي. وطُـرح أمام المعارضين خيار صعب يخصّ حماية تلك المكاسب وإدارة شؤون المناطق والمدن المحررة ومخاطبة العالم الخارجي، لتسريع إسقاط القذافي. وعلمت swissinfo.ch أن نحو عشرة أشخاص اجتمعوا في الأيام الماضية في بنغازي، بمشاركة وزير العدل المستقيل مصطفى عبد الجليل، وتداولت في موضوع تشكيل حكومة مؤقتة، تمثل كل ليبيا وتساهم في تحرير المنطقة الغربية، وفي القلب منها العاصمة طرابلس.

وأفاد قيادي مقيم في الخارج، أن الإجتماعين اللذين عقدهما المشاركون، لم يُسفرا عن اتفاق واضح، لأن المفاوضات كانت ما تزال مستمرّة مع المدن المحررة الأخرى. غير أن عبد الجليل “أعلن عن تكوين حكومة مؤقتة بشكل متسرّع، ما أدى إلى سيل من الإحتجاجات”، حسب قوله. واعتذر عبد الجليل لاحقا، مؤكدا أن الأمر يتعلّـق بمشروع مجلس مؤقت، وليس حكومة، وأن الهدف من مبادرته كان ملء الفراغ، متعهدا بتوسيع المشاورات إلى جميع فصائل المعارضة وشخصياتها.

لكن النزاعات بين تيارات المعارضة والمشاحنات الشخصية التي طبعت أربعة عقود من حكم القذافي المطلق، ستُـلقي بظلالها بالتأكيد على كتابة مسار المرحلة المقبلة، وربما تُؤثر في الجهود التي ستُبذل لبناء ليبيا الديمقراطية، التي ستنضم إلى مصر وتونس لتُشكل ثالث ثورة عربية تـُقوض نظاما عتيقا وعنيدا وتفتح آفاقا لبناء دولة حديثة، بعدما يئِـس الليبيون من إصلاح النظام الذي حكمهم بالنار والحديد على مدى جيلين.

بنغازي (ليبيا) (رويترز) – أدى النزوح الجماعي للعاملين الاجانب من ليبيا هربا من انتفاضة ضد حكم الزعيم معمر القذافي الى ترك المصانع خاوية ومراكب الصيد عاطلة وأعمال الانشاءات متوقفة.

فقد فرت أعداد كبيرة من المصريين والصينيين والبنغلاديشيين والبريطانيين وغيرهم من الاحتجاجات التي كانت دامية في أغلبها مما أدى الى نقص في امدادات الغذاء ودفع أعمالا كثيرة لاغلاق أبوابها.

وتوقف الانتاج بالكامل في مصنع أبوبكر البلاح في بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية بعد أن غادر العمال السوريون والمصريون الذين يمثلون أكثر من نصف العمال في المصنع. وينتج المصنع مسحوق الخبز ( الخميرة) والفلفل وغيرهما من المواد الغذائية.

وقال فراج البلاح ابن صاحب المصنع وهو يشير الى غرفة التخزين وكانت أرففها خالية الا من بضعة أجولة من السكر وأوعية الخل “في الايام العادية لا تبدو (الحجرة) هكذا”. وكانت ساحة المصنع خالية والاضواء مطفأة والابواب موصدة وصناديق فول السوداني تنتظر النقل.

ويقوم العمال المصريون بالكثير من اعمال الزراعة في ليبيا والمنتجات الطازجة محدودة للغاية في المحال التي مازالت تعمل مما دفع الخبراء الى توقع نقص في الغذاء خلال أسابيع.

كانت سفن الصيد قابعة قرب الشاطيء دون عمل في احد موانيء بنغازي. وقال الصيادون الباقون أن الاخرين الذين عملوا هنا كانوا أغلبهم من المصريين والسوريين وانهم فروا بعد اندلاع الاحتجاجات. وقال الصياد سمير السوري “كان ألوف الصيادين يعملون في هذه المنطقة والان لم يتبق سوى خمسة او ستة.”

والعمالة الاجنبية حيوية بالنسبة لاقتصاد ليبيا التي يبلغ عدد سكانها 6.4 مليون. وتقول وزارة الخارجية المصرية ان أكثر من مليون مصري يعملون في ليبيا.

ولم يغادر جميع العمال الاجانب ليبيا وفي محطة كهرباء في الزويتينة قال عمال من كوريا وبنغلادش انهم يشعرون بالامان بعد أن تطوع شبان محليون بالعمل على حراستهم. وقال نام كيم القائم بأعمال مدير الموقع الذي يعمل لدى شركة دايو الكورية الجنوبية “أريد أن أبقى هنا. سكان الزويتينة يدعمونا تماما ويوفرون لنا الطعام والامان.”

لكن حراس أمن في ميناء الزويتينة القريب لتصدير النفط قالوا أن العاملين لدى شركات الخدمات النفطية الاجنبية تركوا البلاد. ومزقت صورة ضخمة للقذافي كانت معلقة في بوابة الميناء وتطايرت قصاصاتها في الهواء.

وتنتج ليبيا العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) 1.6 مليون برميل يوميا من النفط وهي المصدر الثاني عشر على مستوى العالم لكن الاضطرابات السياسية أوقفت الصادرات من بعض المناطق وتعطلت التدفقات من أماكن أخرى.

وقال يوسف جريو المدير في شركة الخليج العربي للنفط (اجوكو) في شرق ليبيا لرويترز “يمكنني القول أن بالامكان ادارة الامور لمدة شهر أو شهرين لا أكثر من ذلك. لكن اذا احتجنا الى زيادة الطاقة القصوى الحالية سنحتاج لمساعدة عاملين من الخارج.”

وفي طريق خارج بنغازي تشير اعلانات الى بناء شبكة قطارات سريعة جديدة في البلاد لكن شاهدا قال ان البناء توقف بعد خروج العمالة الاجنبية. وعلى الطريق نفسه بلدة بها مبان سكنية متماثلة تماما تمتد لمسافة بعيدة. وتبدو صفوف المباني المتتالية خالية بعد أن غادر العمال الصينيون المشروع الذي يهدف الى بناء 20 الف وحدة سكنية.

وتولى متطوعون مواقع حول المشروع يتناوبون العمل على حمايته من النهب. وسرقت بالفعل بعض الاشياء لكن الحفارات القيمة والشاحنات وغيرها من المعدات مازالت موجودة. وقال محمد عبد الله أحد المتطوعين “نحن هنا لحماية معدات الشركة حتى تعود. علاقاتنا بالصينيين طيبة للغاية ونريدهم ان يعودوا ليكملوا المشروع”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 2 مارس 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية