مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مفاوضات إسرائيلية فلسطينية مباشرة من أجل.. “شـراء الوقت”!

الرئيس الامريكي باراك أوباما مستقبلا رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في البيت الابيض يوم الاربعاء 1 سبتمبر 2010 في واشنطن Keystone

تتبايَـن سقوف التوقّـعات وتختلِـف في تقدير النتائج المتوقّـعة والمترتِّـبة على إطلاق المفاوضات المباشرة في واشنطن، بحضور الرئيس أوباما والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري محمد حسني مبارك، ومُـمثِّـلين عن اللجنة الرباعية.

المُـفارقة، أنّ التبايُـن في التوقّـعات، يُـصيب أغلب المراقبين، سواء في واشنطن أو في تل أبيب أو رام الله، وحتى في عمّـان والقاهرة، وفي داخل الأوساط الرسمية نفسها. فهنالك مَـن يرى أنّ المفاوضات لن تأتي بنتيجة ملموسة وأنّها تفتقِـر إلى الآليات التي تكفل بتجنُّـب تعثُّـرها خلال العقود السابقة، والتي تضمن ممارسة الضّـغط على الحكومة اليمينية الإسرائيلية للإلتزام بالمرجعيات الدولية لعملية السلام.

وهناك مَـن يرى أنّ هنالك إصراراً من طرف الرئيس أوباما على نجاحها خلال مدة محدودة، وأنّ الطرفيْـن، الفلسطيني والإسرائيلي، قد توصّلا بالفعل سابقاً إلى أجوِبة على أغلَـب القضايا المُـثارة في مرحلة الحلّ النهائي.

“طبخة إقليمية”؟

في المقابل، ثمّـة مَـن يرى أنّ المفاوضات تُـمثِّل جزءً من “طَـبخة إقليمية” أكبر، بهدف التعامُـل مع مشكلة البرنامج النووي الإيراني والملف اللبناني والعراقي، وإيجاد تسوية نهائية للقضية الفلسطينية، ذات بُـعد إقليمي يأخذ بالاعتبار ملف اللاجئين وما يمكن أن ينجُـم عنه من توطين لهم في دول أخرى.

السبب الرئيسي الذي أدّى إلى هذا التبايُـن الشديد في قراءة مسار المفاوضات المباشرة وما يمكن أن يُـسفر عنه من مخرجات ونتائج، يكمُـن بـ “الغموض الشديد”، الذي يُـحيط باللحظة الراهنة. فقد سبقته نتائج غيْـر مُـعلنة ولا واضحة في “المفاوضات غيْـر المباشرة”، إذ كان يُـفترض أن يُـقدّم الطرف الأمريكي إعلاناً بنتائج تلك المرحلة، مع تحميل المسؤوليات المحدّدة للأطراف المعنِـية في الإخفاق، وهو ما لم يحدُث، بل تمّ الدخول إلى المفاوضات المباشرة من دون صورة واضحة عما حدث في المرحلة السابقة.

غموض وحيرة

ما يُـثير الغموض والحيْـرة أيضاً، أنّ الطرفيْـن المعنييْـن، الفلسطيني والإسرائيلي، لم يفتَـآ يقدمان تصريحات مُـتناقضة، لا تدفع إلى وجود مقدِّمات لحلٍّ نهائي. فالرئيس الفلسطيني محمود عباس بقِـي مُـصرّاً على عدَم الدخول إلى المفاوضات المباشرة، إلا حين يُـعلن نتانياهو تجميد الإستيطان. ولم يتردّد عباس بالإعلان عن رفض الذّهاب إلى واشنطن، بالرغم من الضغوط العربية والدولية، ومع ذلك خالف نفسه وانطلق إلى هناك، رغم عناد نتانياهو ورفضه للتجميد وحتى لمجرد إعلان تمديد تجميد بعض المستوطنات، التي وافقت إسرائيل في الأصل، على تجميدها.

نتانياهو هو الآخر، يواجِـه اليمين المتطرِّف في حكومته ولا يملك تقديم أيّ تنازُل يؤثِّـر على وضعه في الكنيسيت، ولم يُـقدّم أيّ تنازُل أو إشارة في هذا السياق، فيما يخُـص الاستيطان أو القدس أو الحدود، وهو يذهب إلى واشنطن بالخطاب السياسي نفسه.

الدعوة الأمريكية نفسها لم تتضمَّـن أيّ إيضاحات حول مسار المفاوضات. وبيان اللجنة الرباعية، تمّ تعديله وتغييره في رُبع الساعة الأخيرة، وِفقاً لمصدرٍ رسمي أردني، كي لا ترفُـضه إسرائيل، فلم يتعرّض للمرجعيات المفترضة، إلاّ بصورة عرضية، من دون التأكيد على نتائجها.

إذن، ومع هذا الغموض وعدم وجود أيّ ضمانات حقيقية لنجاح المفاوضات والخروج بأجوبة على أسئلة الحلّ النهائي، فما الذي يدفَـع الأطراف جميعاً إلى الذهاب إلى واشنطن وتحمّـل مخاطر جديدة من فشَـل المفاوضات؟ الجواب يكمُـن في عبارة تلخص كل الموقف وهي: “شراء الوقت!”.

“اتفاق إطار”

ويوافق الدكتور حسن البراري، المحلِّـل السياسي المختص في الشأن الإسرائيلي في تصريح خاص بـ swissinfo.ch على أنّ أغلب الأطراف تُـمارس لُـعبة “شراء الوقت”، لكنه يرى أن الطَّـرف الأقوى على الأرض، وهو إسرائيل، سيكون المُـستفيد الأول والأكبر من ذلك.

فوِفقاً للبراري، فإنّ نتانياهو لا يريد الوصول من هذه المفاوضات إلى أكثر من “اتِّـفاق إطار”، من دون التورّط بمناقشة قضايا الحلّ النهائي. أما بخصوص الإستيطان، فسوف يعمل على تقديم صِـياغة فضفاضة تُـرضي الأمريكان وحُـلفاءهم في الحكومة الإسرائيلية معاً.

ويذهب البراري إلى أنّ نتانياهو يشتري الوقت ويريد مدّة عام، إلى حين انخراط الإدارة الأمريكية في مسابقة الإنتخابات الداخلية، ذلك أنه لا يملك تقديم تنازُلات للفلسطينيين تهدِّد مصير حكومته مع وجود خصوم متربِّـصين به، مثل وزير الدفاع إيهود باراك ووزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني، ما يجعله في مرحلةٍ أضعَـف من عقد اتفاق سلام تاريخي.

خياران.. أحلاهما مُـرّ!

فمن جهته، يعود الرئيس الفلسطيني محمود عباس مُـضطرا إلى طاولة “المفاوضات المباشرة” وقد منح رئيس الوزراء الإسرائيلي نصْـراً سياسياً داخلياً وصلّب عوده أمام خصومه، بعد أن صمَـد في وجه الضغوط الأمريكية والدولية، وعاند الرئيس أوباما جهاراً نهاراً. وقد أدّت سياساته ومواقِـفه إلى تنامي شعور إسرائيل بالعزلة الدولية، لأول مرة منذ قيامها.

عباس يعود إلى المفاوضات المباشرة بعدَ أن وُضِـع أمام خياريْـن، أحلاهُـما مُرّ، إمّا الموافقة على العودة إلى المفاوضات، بلا ضمانات حقيقية أو شروط مُـسبقة أو مواجهة تخلِّـي الأمريكان عن الضغوط الحالية والدخول في معمعة الحِـيَـل والألاعيب الإسرائيلية والصِّـراع مع حركة حماس، بلا أي أفُـق في العملية السِّـلمية، التي تُـمثل شرَيَـان المستقبل لسلطة عباس.

“نصيحة واضحة بلا لُـبس”

النصيحة الرسمية العربية، وِفقاً لمصادر رسمية أردنية مطّلعة، في تصريح لـ swissinfo.ch كانت واضحة لا لُـبس فيها: “الأمريكان لن يُـقدّموا أكثر مما هو موجود حالياً” ولا يبدو الرئيس أوباما مُـهيَّـأً الآن للضغط على إسرائيل، بقدْر ما هو معني باسترضائها، لإعادة التوازُن لوضعه السياسي الداخلي، مع وجود انتقادات له، حتى داخل صفوف الحزب الديمقراطي.

المفارقة، أنّ النصيحة التي قُـدّمت للطرف الفلسطيني من أقطاب إسرائيليين، كما سرّبت الصحافة العِـبرية، تكمُـن في عدم الذهاب إلى المفاوضات المباشرة، لأنّ نتانياهو لن يُـعطي الفلسطينيين شيئا، وكل ما يقوم به هو “شراءً للوقت”.

“تكتيكا مرحليا”

لُـعبة شراء الوقت تتجاوز الطرف الإسرائيلي إلى الطرف الفلسطيني، الذي يفتقِـد القدرة على المناورة، وقد تخلّـى بنفسه عن أي خيارات أو بدائل أخرى. وبالنسبة له، المسألة لا تتعدّى “تكتيكا مرحِـليا” لرفع الحَـرج مع الأمريكان والغربيين وإبقاء كُـرة “الملامة” على الحكومة الإسرائيلية، بدلاً من تحميل الفلسطينيين مسؤولية تعثر “التسوية المفترضة”.

الأمريكان يشترون الوقت أيضا مع العرب والإسرائيليين، في محاولة لتجنُّـب انفِـجار حروب إقليمية، في وقت ما يزال الجيش الأمريكي ينسحب من العراق ولا زال عالِـقا في أفغانستان، مع الشعور بالقلق لتداعِـيات أي مواجهة عسكرية بين إسرائيل وإيران أو حلفائِـها في المنطقة.

ابتزاز إسرائيلي للإدارة الأمريكية

يمكن ملاحظة الابتزاز هذه من خِـلال حرب التسريبات الإعلامية بيْـن أنصار إسرائيل، الذين يدفعون باتِّـجاه توجيه ضربة لإيران، والطرف الأمريكي الآخر، الأقرب إلى الإدارة الحالية، والذي يتحدّث عن حاجة طهران إلى عامٍ قبل أن تتمكّـن من تصنيع السلاح النووي، ولعلّ ذلك يدعو إلى التساؤل فيما إذا كانت صُـدفة أن تربِـط المفاوضات المباشرة بمدة عام أيضاًَ.

التزامُـن والترابُـط بين هذه الملفّـات الإقليمية، يدفع بمحلِّـلين إلى القول، أنّ ثمة “شيء ما يُطبَـخ” على مستوى المِـنطقة، لكن معالِـمَـه قد لا تكون واضحة للجميع أو مكشوفة للإعلام، بقدْر ما تُـشبه إلى درجة بعيدة “لُـعبة البُّـوزل Puzzle”، التي يحتاج معها المُـراقبون والمحلِّـلون إلى تركيب مجموعة من الأجزاء، لالتقاط الصورة الكلية، وهذا ما يُـمكن الخروج به من التحركات الأخيرة، وقد تخلَّـلتها صفقة “سعودية – سورية”، لترتيب المواقِـف في العراق (تأييد علاّوي على حساب المالكي) وفي لبنان، لتجنُّـب اشتعال الحريق الطائفي هناك، على خلفية قرار الاتِّـهام المتوقَّـع للمحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال الحريري.

من الواضح أنّ الطرف الفلسطيني هو الأضعف في المعادلة الإقليمية والمرشّح الأكبر للتأثر بها. ففي حال تمّ فرض حلول معيَّـنة، فسيكون هو الأكثر عُـرضة للتنازُلات، في ظل غِـياب أي ميزان من موازين القِـوى والتخلِّـي طوعاً عن البدائل والخِـيارات الأخرى، في حال تعطّـلت عملية السلام.

محمد أبو رمان – عمان – swissinfo.ch

واشنطن (رويترز) – يجتمع زعماء اسرائيليون وفلسطينيون وأمريكيون في واشنطن هذا الأسبوع لاطلاق أول جولة من محادثات السلام المباشرة في الشرق الاوسط منذ نحو عامين.

وبالنسبة لكل الاطراف هناك الكثير على المحك خاصة بالنسبة للرئيس الامريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس.

لكن المحللين أبدوا تشككهم في أن تحدث المحادثات انفراجة كبيرة في الصراع المستمر منذ نحو 60 عاما.

وقالت ميشيل ديون من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي “السيناريو الاقل ترجيحا هو أن تنجح المحادثات.”

وفيما يلي قائمة بالنتائج المحتملة للعملية التي تستأنف يوم الخميس 2 سبتمبر 2010:

– التقدم
رغم أن احراز نجاح كبير في قضايا ساخنة غير مرجح قال محللون ان من الممكن احراز قدر من التقدم.

وكبداية يمكن للزعماء الاتفاق على اجراء محادثات مرة أخرى وسيعتبر ذلك تقدما.

كما أن وضع أساس وجدول لكيفية مواصلة المحادثات سيعتبر خطوة للامام.

ومن الممكن أن تساعد أي اجراءات يتم الاتفاق عليها للتخفيف من القبضة الامنية لاسرائيل في الضفة الغربية في تمهيد الطريق لتحقيق المزيد من النجاح مع استمرار المحادثات.

وقال ستيفن سايمون من مجلس العلاقات الخارجية ان خطوات تحسين حياة الفلسطينيين يمكن أن تساعد على “جعلهم يستمرون في اللعبة.”

وأشار الى اجراءات منها خفض القوات الاسرائيلية أو اعادة نشرها بعيدا عن المدن الفلسطينية في الضفة الغربية كأمثلة على الاجراءات المحتملة من جانب الاسرائيليين.

وقالت ديون ان المحادثات يمكن أن تؤدي أيضا الى اتفاق حول حدود الدولة الفلسطينية والتي سيكون التفاوض حولها أسهل نسبيا بعد تقدم تم احرازه في جولات سابقة من المفاوضات.

– الانهيار
تجرى محادثات واشنطن قبل 26 سبتمبر 2010 وهو موعد انتهاء حظر مؤقت فرض على اقامة منازل جديدة في المستوطنات اليهودية.

واذا رفض نتنياهو تمديد الحظر أو كانت شروط التمديد غير مقبولة بالنسبة لعباس فان الرئيس الفلسطيني يمكن أن ينسحب وربما تنتهي المحادثات.

كما أن هناك قوى أخرى قد تسبب انهيار المحادثات اذ قد يتصاعد العنف في المنطقة. وربما تشن حركة المقاومة الاسلامية (حماس) المزيد من الهجمات لافساد العملية. وقتلت الجماعة أربعة مستوطنين يهود قرب الخليل يوم الثلاثاء 31 أغسطس كما أصابت في هجوم لاحق اثنين من المستوطنين شرقي رام الله بالضفة الغربية المحتلة.

وقال أوباما انه يجب عدم السماح لمثل تلك الممارسات باخراج المحادثات عن مسارها لكن أي تصعيد ربما يجبر الزعماء الفلسطينيين والاسرائيليين على أن يغير كل منهم موقفه.

وقال سايمون “ما من شك سيحدث المزيد من العنف لان هذا هو النمط السائد.”

كذلك فان المحادثات يمكن أن تنهار تحت ضغط القضايا الكبرى التي لا يتفق عليها الطرفان.

– أزمة الوقت

ترغب الولايات المتحدة في أن تشهد التوصل الى اتفاق في غضون عام رغم أن محللين قالوا ان هذا الاطار الزمني رمزي أكثر منه أمر مؤكد.

وقال انتوني كوردسمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية “سيكون الجميع سعداء جدا باحراز تقدم حقيقي في غضون عام.. ناهيك عن أي شكل من اشكال التسوية النهائية.”

ومن المتوقع أن تستمر المحادثات -ما لم تسفر عن نتائج في غضون عام- الى ما يمكن ان يكون بداية مبكرة لموسم انتخابات الرئاسة الامريكية المقبلة سواء كان هذا التكهن واقعيا أو لا.

ويمثل هذا الوضع أزمة وقت بالنسبة لاوباما. اذ يرغب الرئيس الامريكي في أن يظهر للناخبين والاوساط اليهودية ذات الاهمية احراز قدر من التقدم بحلول ذلك الوقت أو أن يكون في موقف يسمح له بتقديم خطة بديلة لدفع العملية قدما.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 2 سبتمبر 2010).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية