مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مكافحة السرطان في سويسرا.. 100 عام من العمل والكفاح والتوعية

أحدث التجهيزات لمواجهة مرض قديم وخطير RDB

بمناسبة الذكرى المائوية لتأسيسها، نشرت الرابطة السويسرية لمكافحة السرطان كتابا بعنوان "من الصَّـمت إلى الصّـيت؟" للمؤرِّخ دانيال كاوس، تمّ تقديمه في منتصف شهر نوفمبر 2010، يروي لأول مرة مسيرة مائة عام في مكافحة السرطان في سويسرا.

لقد مضى قرْن من الزمان، والحرب سجال مع هذا المرض العضال. وفي البداية، كان مجرّد تشخيص المرض، بمثابة إصدار حُـكم بالإعدام على المريض وكانت الوسائل العلاجية بِـدائية والإمكانات العلمية والطبية مُـتواضعة، إلا أننا أصبحنا اليوم، وبفضل نضال الرابطة السويسرية لمكافحة السرطان – وبالرغم من الضراوَة التي يتسم بها المرض – شاهدين على التقدّم الذي تمّ إحرازه في الميدان، لاسيما وأن أعداد الأشخاص الذين يبقون على قيْـد الحياة لسنوات بعد اكتشاف إصابتهم بالمرض، باتت في تزايُـد مستمر.

تفاؤُل مبكّـر

يذكر المؤرخ ومؤلف الكتاب، بأنه في وقت مبكّـر وفي حدود عام 1900، ساد عالَـم الطب تفاؤُل كبير، حيث توهَّـم الناس بأن علاجا ما لمرض السرطان بات مُـمكنا، وساهم التقدّم العلمي في حينها، حيث تم اكتشاف التخدير والتعقيم والأشعّـة، إلى تعزيز مثل هذا الإعتقاد، وظنّ الكثيرون بأن الأوْرام السرطانية مُـنِـيت بالهزيمة، شأنها شأن كثير من الأمراض المُـعـدية.

في هذه السنوات بالتّـحديد، بدأت الرابطة السويسرية لمكافحة السرطان نشاطها بمجموعة صغيرة من الأطباء المتخصِّـصين، وركَّـزت جهودها أول الأمر في مهمّـة التعريف بهذا المرض، الذي لا يزال يكتنِـفه الغموض وتتوجَّـس منه غالبية الناس، حتى تصَـوَّروا بأنه مرض الآلام المُـتواصلة التي لا تنتهي إلا بالموت المحقّـق وأطلقوا عليه عدة تسميات، كلها تعبِّـر عن حالة الهَـلع المُـسيطِـرة على الأذهان، فنعتُـوه بالسرطان كما نعتوه بالمرض العُـضال والمرض الخبيث ومرض العَـصر والمرض الذي لا يَغفِـر أو لا يهادن. في حين، لم يكُـن المرض خافيا على الأطباء، وليست هذه هي المرة الأولى التي يُطِـلّ فيها على الدنيا. فقد عرفه الأطباء منذ زمن طويل يعود إلى عام 400 قبل الميلاد وكان أول من وصفه أبقراط، الذي وُلِـد عام 460 قبل الميلاد، الذي يُعَـدّ أشهر الأطباء الأقدَمين وأول مَـن دوّن كُـتُـب الطب.

من جانب آخر، سعت الرابطة السويسرية لمكافحة السرطان، من خلال الفيلم الذي أنتجته في عام 1945 بعنوان “السرطان قابل للشفاء”، إلى إِذْكاء رُوح التفاؤل ومحاولة إقناع الرأي العام بحصول تقدّم كبير في المجال الطبِّـي بخصوص السرطان، من أجل دفع المرضى إلى الإقبال على التَّـطبّـب والمعالجة، وهو ما قال عنه كاوس بأنه يُـعتبَـر “اليوم ضرباً من الوَهم، وبعيدا عن التصوّر”، لاسيما وأن الأورام السرطانية تضُـم أكثر من 230 نوعا مختلفا، وبالرغم من التقدّم العِـلمي الهائل في التصدّي للمرض، إلا أن القطْـع بأنه قابل للعلاج، لا يزال أمرا متعسِّـرا.

الكِـتمان أم التَّـرْويع؟

ومع مرور قرن من الزمان، يتساءل المرء حول النقاش الذي طالما دار بين الأطباء حول ضرورة إخبار صاحب المرض بمرضه أم أن الأجْـدر إخفاء الأمر عنه، خِـشية عليه من الإرتعاب والجَـزع؟ وبدوره قال كاوس بأن “العديد من الأطباء كانوا يخشَـوْن من تفشِّـي ظاهرة الفزع من غُول اسمه السرطان”.

وفي هذا الخِـضمّ، بدا واضحا الدّور المِـحوري الذي لعبته الرابطة السويسرية لمكافحة السرطان، إذ عمِـلت على إيجاد حلٍّ وسط بين الخياريْـن. وحتى عام 1932، أي الحِـقبة التي لم تكُـن تتوفَّـر فيها إمكانات وظروف الوِقاية، دأبَـت الرابطة على تنظيم معارض مُـتنقلة تضُـم العديد من الصور والشرائح والرُّسومات والأشكال والنماذج والنصوص التوضيحية، بهدف “رفع مستوى الوعْـي بين الناس وإيقاظ مشاعرهم وتحريك ضمائرهم وتعريفهم بالأعراض الأولية للمرض، وحثِّـهم على ضرورة استشارة الطبيب منذ الوهْـلة الأولى”، وِفقا لما ذكره  كاوس في كتابه.

وخلال النصف الأول من القرن العشرين، اقتصَـر عمل الرابطة على الجانب المتعلِّـق بالإعلام والتعريف، وأصبح فيما بعد مُركَّـزا بشكل خاص على المنشورات التي تستهدِف المدخِّـنين والنساء الحوامِـل والمُجنّـدين وعمَّـال المناجم وغيرهم. ثم بعد الحرب العالمية الثانية، اتَّـجهت الرابطة السويسرية لمكافحة السرطان نحْـو العمل، وبشكل أكبر، في المجال الوِقائي والمجال الإعلامي بوسائله المُـختلفة.

العلاقة بين الطبيب والمريض

وبحسب كاوس، فإن العلاقة بين الأطباء والمرضى تطوّرت أيضا لصالح هذا التوجّـه الأخير، ولنا أن نتصوَّر كيْـف كان المرضى في أعوام الخمسينات يُصوّب أحدهم نظَـره إلى الطبيب من أسفل إلى أعلى، وكأن مجرّد اقتراب الطبيب من أحدِهم، يثير لديه الرُّعب، وبالتالي، يكاد يكون الحِـوار والتفاهم بين الطبيب والمريض مَـعدوما.

وبعد مرحلة طويلة من النِّـضال، أي في أواخر الستينات، بدأت تنْـفكّ عن المرضى عُـقدة الوجوم شيئا فشيئا وأصبح لديْـهم الحق في الحصول على المعلومات والتوضيحات بشأن خيارات واحتمالات العلاج. وأضاف كاوس قائلا: “ومن ثَـمَّ تَـمَّ تقدير الدّور الذي يقوم به الأطباء في النُّـهوض بالعلاقة بين الطبيب والمريض. كما كان لجمعيات الدَّعم المتبادل، دورٌ هامٌّ في دفْـع مسيرة النِّـضال”.

ومع مرور السنين، تبيّـن بأن السرطان لا يُـمثِّـل مشكلة طبية فحسب، بل أيضا مشكلة اجتماعية، فكان أن وُلِـدت في مدينة زيورخ في الخمسينات من القرن الماضي، أولى المراكز التي تُـعنَـى بتقديم الدعم الاجتماعي، فضلا عن الرعاية النفسية والعَـوْن اللوجستي للمرضى وذويهم.

من مجهول إلى معلوم

وبالعودة إلى عنوان الكتاب “من الصمت إلى الصيت”، نجد اليوم بأن المعلومات متوفِّـرة في كل مكان: في الإنترنت وعبْـر النشريات وفي الكتُـب والمجلات والمطويات ووسائل الإعلام وغيرها إلا أن كاوس يرى بأنه “من الصَّـعب الاكتفاء بها، ولذلك تبقى الحاجة ماسّـة إلى جهود الرابطة السويسرية لمكافحة السرطان”، كما أن هنالك حاجة ماسّـة أيضا لتوطيد العلاقة بين المرضى والأطباء الذين يقومون بدورهم في تقديم الاستشارة وإعطاء التعليمات والأخذ بيَـد المريض في تنقُّـله عبْـر المراحل المختلفة للمرض.

ووِفقا لما يراه كاوس، فقد تمّ بالفعل كسْـر حاجز الصَّـمت، وإن كُـنّـا نجد في بعض الحالات “من الأطباء مَـن لا يُفصح لمريضه ومِـن المرضى أو ذويهم مَـن يؤثرون التكتُّـم”، وهو أمر مرتبِـط في غالب الأحيان بالخلفية الثقافية. وعلى كل حال، لا يزال السرطان موجودا بأشكال متعدِّدة مع قدرته على التحوّر والتشكل وتغيير دورة حياته، مما يصعّب على العلماء التعرف عليه والتعامل معه ويبقيه محاطا بهالة من الغموض والتنكّـر والترويع.

منظمة مرافق عامة، تأسست في عام 1910، مهمَّـتها مكافحة السرطان في سويسرا، وتسعى من أجل الكشف المبكّـر عن المرض والوقاية منه وتشجع البحث العلمي في المجال، وتقديم الدعم لمرضى السرطان ولذويهم.

يوجد مقرها الرئيسي في مدينة زيورخ، وتتألف من 20 رابطة مُـنتشرة في سويسرا، على مستوى الكانتونات والأقاليم.

تقوم الروابط المنتشرة في الكانتونات المختلفة بتقديم الدعم المباشر والاستشارة اللازمة لمرضى السرطان على المستوى المحلّي، في حين يزيد عليها المركز الرئيسي بمهمّـة تشجيع الدراسات والبحوث وتطوير البرامج المتعلقة بالنواحي الاجتماعية والنفسية.

كل سنة، يتم تسجيل حوالي 35000 حالة سرطان جديدة في سويسرا.

ويقدَّر بأن ثُـلث السكان في سويسرا، يصابون بالسرطان بمعدّل مرة واحدة خلال فترة حياتهم.

تبلغ وفيات السرطانات بأنواعها المختلفة، ما يقرب من 15000 في السنة، ومن بين الأنواع الأكثر شيوعا، هناك سرطان الرئة وسرطان البروستاتا لدى الرجال وسرطان الثدي وسرطان القولون لدى النساء.

(المصدر: موقع الرابطة السويسرية لمكافحة السرطان)

تختلف مسألة الإفصاح للمرضى عن المَـرض من منطقة إلى أخرى في سويسرا. فبينما يجري الإفصاح عن المرض والتحدّث مع المريض وذويه بصراحة مُـطلَـقة في المناطق المتحدثة بالفرنسية من البلاد، تميل المناطق الناطقة باللغة الألمانية إلى التلميح والتورية، دون التصريح، بل حتى في بعض الأحيان، إلى الصمت التام.

وبينما كانت الأنحاء المتحدثة بالألمانية تُـبدي معارضتها، افتتحت في عام 1924 في المناطق الناطقة باللغة الفرنسية، أولى مراكز علاج السرطان.

وفي الوقت الذي كانت تنتشِـر فيه العيادات المتخصِّـصة في البلدان الأوروبية وفي الولايات المتحدة، كانت سويسرا لا تزال تعتبِـرها من المحرَّمات.

يشار إلى أن المؤرخ كاوس تطرَّق في كتابه أيضا إلى الموضوع المتَّـصل بالنظام الفدرالي السويسري، حيث يوجد تبايُـن واضح ودائم بين أنصار مركزية الدراسات والأبحاث، وبين الذين يميلون إلى جعلها محلية، أي من اختصاص الكانتونات والبلديات.

بعد مرور السنوات الأولى على إنشاء الرابطة المركزية السويسرية لمكافحة السرطان، بدأت تنشأ في البلاد روابط أخرى مستقلّـة على مستوى الكانتونات، كانت أولاها رابطة مكافحة السرطان في كانتون تيتشينو (جنوب سويسرا) في عام 1937.

النسخة الألمانية

دانيال كاوس: من الصمت إلى الصيت؟
مرور 100 عام – من 1910 إلى 2010 – على مكافحة السرطان في سويسرا.
267 صفحة، ومعه قرص دي في دي، وسِـعره 58 فرنكا سويسريا.
ISBN 978-3-7965-2671-8
الناشر: شفابي – Schwabe – فيرلاغ

النسخة الفرنسية:

Du tabou au débat? Cent ans de lutte contre le cancer en Suisse 1910-2010
ISBN 978-2-940418-16-9
الناشر: Editions Attinger SA

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية