مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

منظمات سويسرية غير حكومية على خَط المواجهة في حرب جنوب السودان المَنسية

المنظمات غير الحكومة تقول إن المشكل الاساسي في جنوب السودان هو المجاعة
بحسب المنظمات غير الحكومية، يمثل الجوع المشكلة الكبرى في جنوب السودان، لا سيما منذ اندلاع المواجهات المسلحة في عام 2016 في جزء البلاد الجنوبي الغني بالموارد الطبيعية. Keystone

في الوقت الذي كان فيه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يستمع إلى تقرير جديد بشأن الإنتهاكات المروعة في جنوب السودان في دورته السابعة والثلاثين الأخيرة، قامت swissinfo.ch بتسليط الضوء على إصرار منظمتين سويسريتين غير حكوميتين على العمل هناك رغم كل الصعاب، وما تقدمه من مساعدات لتخفيف حدة مُعاناة السكان هناك.

ناقش مجلس حقوق الإنسان يوم 13 مارس 2018 تقريررابط خارجياً أعدته لجنة الأمم المتحدة، يوثق مجموعة جديدة من الانتهاكات ضد المدنيين في جنوب السودان، بضمنها عمليات اغتصاب جماعي وقطع رؤوس واقتلاع الأعين.

“نحن نتحدث عن جريمة ضد الإنسانية وعن نمط من الاضطهاد ذي البعد العرقي”، كما قال أندرو كلافام، أستاذ القانون الدولي في معهد الدراسات العليا في جنيف. وكما أضاف: “لقد أشعرتنا تلك الحالات بوجود محاولة مُتَعمدة لإذلال الأشخاص بسبب عرقهم، ودفعهم على التحرك أو الخروج [من مناطق تواجدهم].

وبحسب اللجنة، تتوفر هناك أدلة كافية لفتح تحقيقات قضائية ضد أكثر من 40 عسكرياً ومسؤلاً كبيراً من جنوب السودان بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية (للمزيد من المعلومات انظر المقابلة مع أندرو كلافام في الحاشية).

وخلال نفس اليوم، وفي معرض حديثها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قالت سويسرا إنها تشعر بالصدمة إزاء النتائج التي توصلت إليها لجنة الأمم المتحدة بشأن الجرائم المحتملة ضد الإنسانية، ودَعَت حكومة جنوب السودان إلى التوقيع على الاتفاق الخاص بتشكيل محكمة مختلطة [تضم قضاة من جنوب السودان ودول أفريقية أخرى] مدعومة من قبل الاتحاد الإفريقي للنَظَر في الجرائم الخطيرة المُرتكبة في البلاد.

وكانت جمهورية جنوب السودان المُصَنَّفة من ضمن الدول الاكثر تَدنيا في مؤشر التنمية البشرية التابع للأمم المتحدةرابط خارجي قد خاضت حربين ضد الخرطوم (الأولى بين عامي 1955 و1972، والثانية بين عامي 1983 و2005)، قبل أن تستقل عن السودان في عام 2011، وتصبح أحدث دولة في العالم. بيد انَّ التفاؤل الذي رافق هذا الاستقلال لم يَدُم طويلا، مع تحول المنافسة السياسية بين الرئيس سلفا كير المنتمي إلى قبيلة الدينكا، ونائب الرئيس السابق رياك مشار، المنتمي لقبائل النوير إلى حرب أهلية. وقد حصد هذا الصراع أرواحاً لا حَصر لها، وأرغم ملايين الأشخاص على الفرار من منازلهم.

ووفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر التي تتخذ من جنيف مقرا لها، والتي تعمل في البلاد منذ فترة طويلة وقبل استقلالها عن السودان “شهدت السنة الرابعة من الحرب الأهلية في جنوب السودان تدهوراً حاداً في الأوضاع الإنسانية في جميع أنحاء البلاد” . وكما جاء عن المنظمة، شهد عام 2017 قتالاً عنيفاً رافقه تحول في خطوط المواجهة، كما تضاعف عدد الجرحى الذين قامت اللجنة الدولية بإخلائهم جواً لتقديم الرعاية الطبية والجراحية بالمقارنة مع عام 2016 (تم إجلاء 834 مصاباً بجروح ناجمة عن أسلحة، ومُعالجة 1685 شخصاً في مستشفيات مدعومة من قبل اللجنة الدولية).

“هذا جانب هام من عملنا الطبي”، كما يقول روبين واودو منسق الاتصالات في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنوب السودان لـ swissinfo.ch من العاصمة جوبا. “لقد أدت العمليات القتالية إلى وجود جرحى في مناطق مختلفة، وهذا ناجم عن الصراع السياسي أحياناً، لكنه قد يرتبط في حالات أخرى بعمليات الإغارة على الماشية، عندما تريد إحدى المجموعات الإستيلاء على ماشية الجانب الآخر، الأمر الذي يسفر عن إصابات بالتالي”.

 مجاعة

لكن، ووفقاً للمنظمات غير الحكومية، تتمثل المشكلة الكبرى في هذه المنطقة بالمجاعة، ولا سيما منذ توسع رقعة الصراع في عام 2016 إلى جزء البلاد الجنوبي الغني بالموارد الطبيعية. “باستثناء اليمن، لا أعتقد أن هناك العديد من الأماكن الأخرى في العالم التي تعاني من مثل هذه الحالة الإنسانية المُتردية بسبب الصراع”، كما يقول مارتين موران من منظمة “أرض الإنسانرابط خارجي” (Terre des Hommes) غير الحكومية السويسرية التي تركز في نشاطها على الأطفال، والتي تعمل في جنوب السودان منذ عام 2014. “لقد حصلنا مؤخراً على المزيد من المعلومات حول آفاق 2018، وهي تظهر احتمال مواجهة أكثر من سبعة ملايين شخص لخطر المجاعة، وبأن انعدام الأمن الغذائي سوف يؤثر على 90% من السكان.”

وتركز منظمة “أرض الإنسان” التي تعمل في الجزء الجنوبي للبلاد في الغالب على مجالات الصحة والتغذية وحماية الأطفال والأمن الغذائي. وكما يقول موران، يُعاني الأطفال بشكل أكبر من جميع المشاكل التي تؤثر على السكان، والتي تشمل إمكانية الحصول على الغذاء والتعليم والصحة. بالإضافة إلى ذلك يقع الأطفال فرسية للاتجار بالبشر، والبغاء القسري، ويُجبرون على القتال مع الجماعات المسلحة. وكما أوضح: “تصل نسبة النساء والأطفال في مخيمات اللاجئين إلى 90%”.

من جانبها، تعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جميع أنحاء جنوب السودان. ويعد حجم عملياتها الإنسانية في هذا البلد هو الثالث عالمياً بعد سوريا والعراق، الأمر الذي يعكس حجم الاحتياجات في تلك المناطق، بحسب المنظمة. وبالإضافة إلى تقديم الخدمات الطبية، تعمل المنظمة أيضاً على توفير الغذاء والمياه النظيفة، وزيارة المحتجزين، والمساعدة في لم شمل الأسر المُشتتة بسبب النزاع. كما تشمل أنشطتها الطبية إعادة التأهيل البدني لضحايا الحرب.

وكما يقول واودو: “نحن نقوم بتوفير أجهزة للتنقل أو كراسي متحركة، أو أطراف صناعية لبعض الذين بُتِرَت أعضاؤهم بسبب النزاع لكي يتمكنوا من التنقل مرة أخرى، كما نقوم بنقل الأشخاص جواً إلى جوبا حيث يحصلون على العلاج، ثم نعيدهم إلى ديارهم ثانية”.

مجموعة من التحديات

مع ذلك، فإن ما تواجهه المنظمتان أثناء عملها في جنوب السودان ليس بالقليل. “يمثل الأمن مشكلة كبيرة في هذا البلد”، يقول واودو. “نحن نعمل في حالات صراع. ولكي نكون قادرين على العمل، نحتاج للحصول على ضمانات أمنية تكفل الدخول والخروج الآمن لفرقنا لمساعدة المدنيين”.

وكان أحد سائقي بعثة اللجنة الدولية قد لقي مصرعه في ولاية غرب الاستوائية إثر إطلاق مهاجمين مجهولين النار على قافلة مساعدات تابعة للّجنة الدولية في شهر سبتمبر الماضي. وقد أدى ذلك إلى تعليق اللجنة معظم أنشطتها في المنطقة، وعدم استئنافها إلّا بعد شهر على الحادث، و”بعد تلقي تأكيدات أمنية من الأطراف المعنية”. ولكن المنظمة تؤكد في الوقت نفسه استمرارها في التحاور مع جميع أطراف النزاع بوصفها طرف محايد.

من جانبه يقول مارتين موران من منظمة ‘أرض الإنسان’ إن المشكلة الرئيسية تتمثل بوصول المساعدات الإنسانية، الأمر الذي يعود لعدة أسباب، يقع الصراع الدائر في مقدمتها. “إنه صراع يصعب التنبؤ به، لذا فإن التفاوض حول الوصول إلى مناطق معينة ليس بالأمر السهل”، كما قال لـ. swissinfo.ch. “أنت مرغم على التفاوض مع أشخاص، ولكنك لا تعرف مَن هم بالضرورة أو كيفية الوصول إليهم”.

وكما حدث مع المنظمات غير الحكومية الأخرى، عانت منظمة ‘أرض الإنسان’ من السطو والنهب وقطع الطريق. ويشكل الافتقار إلى البنية التحتية في جنوب السودان، وهي منطقة مترامية الأطراف، تحدياً كبيراً مضافاً. وبحسب موران، فإن هذا البلد “واحد من أقل البلدان نمواً في العالم على الأرجح، لذا فإن شبكة الطرق القائمة سيئة جداً”. وكما. يضيف: “الطريقة الوحيدة [للوصول إلى المناطق المستهدفة] هي باستخدام طائرة مروحية أو طائرة، خاصة في موسم الأمطار عندما تتحول نصف البلاد إلى مستنقع ويختفي كل أثر للطرقات”.

وبالإضافة لما سبق، هناك الوضع الاقتصادي الكارثي لجنوب السودان، على الرغم من ثروتها النفطية المُحتملة. وبسبب استشراء التضخم، فإن من الصعب على أي شخص يعمل هناك إعداد ميزانية كفوءة وفعالة. وأخيراً، يلاحظ هناك فتور في همة المانحين. “لقد تعب المانحون بعض الشيء من تمويل العمليات في جنوب السودان، لأنك لو قمت بإعادة تأهيل مركز صحي على سبيل المثال، فإنه قد يتعرض بعد عام إلى النهب والتدمير وسرقة كل محتوياته، مما سيحتم عليك إعادة إصلاحه المرة تلو الأخرى”، على حد قول موران.

ويختتم عضو منظمة ‘أرض الإنسان’ حديثه بالقول:”إن نقص التمويل يؤثر على عملنا بشكل جدي. لكن الوضع هناك مأساوي. ان مجرد التفكير بمعاناة 90% من السكان من الجوع هو أمر مرعب”.

العدالة لجنوب السودان؟

 ​​​​​​​swissinfo.ch: بحسب مفوضية الأمم المتحدة، هناك أدلة كافية للتحقيق مع أكثر من 40 عسكرياً ومسؤلاً في جنوب السودان بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. من هو الطرف الذي يتعين عليه التحقيق في هذا الأمر؟

أندرو كلابهام: تقتضي التوصية أن يتولى المدعي العام للمحكمة المختلطة الجديدة هذه المهمة. ومن المقرر أن تنشيء سلطات جنوب السودان بالشراكة مع الاتحاد الأفريقي هذه المحكمة قريباً. هناك قانون تم الاتفاق عليه بالفعل، كما اعتمد مجلس وزراء جنوب السودان هذه القانون وقام بتمريره إلى الحكومة والاتحاد الأفريقي للتوقيع عليه. ونحن الآن في إنتظار تشكيل هذه المحكمة. 

swissinfo.ch: بدأ الحديث عن هذه المحكمة منذ عدة شهور. هل يوجد هناك شعور حقيقي بتحقيق ذلك بالفعل؟

 أندرو كلابام: صحيح إن الناس يتحدثون عن هذه المسألة منذ شهور، لكننا قد نكون الآن وصلنا إلى مرحلة يتعين فيها إتخاذ بعض الإجراءات الفعالة. نحن نأمل أن يوضح الزخم المتولد عن التقرير ضرورة تحقيق ذلك الآن، لعدة أسباب ليس أقلها لأن الأدلة التي جمعناها، والتي طُلِبَ منّا الحفاظ عليها مُرتبطة بعامل االوقت. وعلى سبيل المثال، قد لا تبقى النساء اللواتي أدلين بشهادتهن حول ما رأينه أو تعرضن له في نفس المكان بالضرورة، وقد يصبح العثور عليهن صعباً لاحقاً. لذا يجب القيام بذلك الآن، ليس من أجل استعادة السلام والشعور بالمساءَلة فحسب، ولكن أيضا لأسباب عملية تتعلق بعدم السماح باختفاء آثار الأدلّة التي تم جَمعها. 

swissinfo.ch: ما الذي تتأمله من حيث الإجراءات المُتَّخذة من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة؟

 أندرو كلابام: تتضمن توصياتنا ضرورة دَعم المجلس لفكرة المحكمة المختلطة [التي اتفق الاتحاد الأفريقي وحكومة جنوب السودان على تشكيلها في اتفاق السلام الصادر عام 2015]، بالإضافة إلى توصيات أخرى تتعلق بدفع تعويضات للضحايا، حتى قبل إنشاء المحكمة، في عملية مصالحة متوازية. ولا بد أن يسود هناك شعور واضح بإدانة الحكومة لهذه الانتهاكات، وضروة وضع حدّ لها، وبوجود عواقب خطيرة ما لم يتحقق ذلك.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية