مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

من “محور الشر” إلى “إمبراطورية إسلامية راديكالية”!

اثار الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي يوم 6 أكتوبر 2005 ردود فعل متوجسة ومنتقدة داخل الولايات المتحدة وخارجها Keystone

في ظل التدهور المستمر في شعبيته، وتصاعد نسبة المطالبين بإنهاء المأزق الأمريكي في العراق، لم يجد الرئيس بوش أمامه من خيار إلا أن يبرر التواجد الأمريكي في العراق بأنه لضرب الشر الذي تشكله "الراديكالية الإسلامية".

الخطاب أثار ردود فعل غاضبة ومنتقدة ومتوجسة في صفوف العرب والمسلمين الأمريكيين.

مع التدهور المستمر في شعبية الرئيس بوش، وانخفاض نسبة من يساندون سياسته في العراق من الأمريكيين إلى 32%، وتصاعد نسبة المطالبين بإنهاء المأزق الأمريكي في العراق، لم يجد الرئيس بوش أمامه من خيار إلا أن يبرر التواجد الأمريكي في العراق بأنه لضرب الشر الذي تشكله الراديكالية الإسلامية، التي صوّرها بأنها تهدِّد بالانطلاق من العراق للاستيلاء على الشرق الأوسط، وتشكيل إمبراطورية إسلامية تمتد من إسبانيا إلى إندونيسيا، تسعى في نهاية المطاف إلى بناء أسلحة الدمار الشامل واستهداف الشعب الأمريكي!

جاء هذا التنظير الفريد من نوعه في خطاب الرئيس بوش أمام مؤسسة الوقف الأمريكي من أجل الديمقراطية، حيث قال إن الإرهابيين يعتبرون العراق قاعدة مركزية لحربهم على الإنسانية، وأن الولايات المتحدة تتعامل مع الحرب في العراق على أنها معركة رئيسية في الحملة التي تشنُّـها على الإرهاب في العالم. واتهم الرئيس بوش المتشددين الإسلاميين بمحاولة السيطرة على العراق كخطوة نحو إقامة إمبراطورية إسلامية متشددة.

وعلى عكس خطاباته السابقة، ركّـز بوش على جعل أسامة بن لادن بؤرة للتهديد الإرهابي، بل وشبّـهه بهتلر وبول بوت، وأوجد علاقة تشابه بين أيديولوجية بن لادن والأيديولوجية الشيوعية، تتمثل في أن الاثنين أيديولوجيات نُـخبوية، بمعنى أن قادتها نصّـبوا أنفسهم طلائع افترضوا أنها تتحدث باسم الجماهير، وقال الرئيس بوش “إن بن لادن يرى أن دوره هو توجيه الجماهير الإسلامية إلى ما هو صحيح وما هو خطأ”.

أهداف ومبررات

وحاول بوش في خطابه لفت أنظار الشعب الأمريكي إلى وجود علاقة بين الحرب في العراق والحرب الأمريكية على الإرهاب، فقدم ثلاثة أهداف للجماعات الإرهابية الإسلامية المتطرفة:

أولا، إنهاء التأثير الأمريكي والغربي الذي يُـنادي بالحرية والديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط الكبير، باعتباره عائقا لطموحات أيديولوجية القتل والكراهية التي يعتنقها الإرهابيون.

ثانيا، استغلال الفراغ الذي سينشأ عن خروج الولايات المتحدة من أي بلد في تحويله إلى قاعدة لشن الهجمات ضد الحكومات الإسلامية المعتدلة مثل مصر والسعودية والأردن وباكستان، كما فعلوا من قبل في أفغانستان.

ثالثا، يعتقد الإرهابيون أن سيطرتهم على بلد ما، سيحشد وراءهم الجماهير الإسلامية، ويمكِّـنهم من الإطاحة بكل الحكومات المعتدلة في المنطقة، ومن ثَـمّ إقامة إمبراطورية إسلامية راديكالية تمتدّ من إسبانيا وحتى إندونيسيا، وبحشد الموارد الاقتصادية والعسكرية والسياسية الهائلة لمثل تلك الإمبراطورية الإسلامية، سيمضي هؤلاء الإرهابيون في بناء تِـرسانة من أسلحة الدمار الشامل لتدمير دولة إسرائيل، وترهيب الدول الأوروبية، وشن الهجمات على الشعب الأمريكي، وابتزاز الولايات المتحدة لتعود إلى قوقعة الانعزال عن العالم.

وكان من المُـلفت للنظر أن الرئيس بوش رفض في خطابه، المنطق القائل بأن الغزو الأمريكي للعراق، ووجود قوات التحالف على أراضيه قد أدّى إلى إثارة غضب المتشدَّدين الإسلاميين، وقال إنه لم يكن لأمريكا وجود على أرض العراق حينما شنّـت القاعدة هجومها على نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر 2001، ولكن الكراهية التي تملأ قلوب المتطرفين، كانت موجودة قبل غزو العراق وستبقى موجودة بعد أن تنتهي قضية العراق.

كما نفى الرئيس بوش وجود مظالم مُـحدّدة يمكن بمعالجتها وقف الإرهاب، وقال إن المتطرفين استخدموا لسنين طويلة قائمة من المبررات لتفسير لجوئهم إلى العنف، مثل الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية أو الوجود العسكري الأمريكي في السعودية أو هزيمة طالبان في أفغانستان أو الحروب الصليبية التي وقعت قبل أكثر من ألف عام، وأعرب بوش عن اعتقاده بأنه لا يوجد عمل قامت به الولايات المتحدة يمكن أن يكون سببا لحنق وغضب الإرهابيين القتلة – على حد وصفه – ولا يوجد تنازل يمكن أن يرضيهم أو يغيّـر من خُـططهم لممارسة العنف والإرهاب.

وخلّـص الرئيس بوش إلى أنه في مواجهة عدو كالتطرف الإسلامي الإرهابي، لا يوجد سوى ردّ واحد فعّال، هو أن الولايات المتحدة لن تقبل بأقل من الانتصار الكامل على أيديولوجية القتل التي ينتهجها المتطرفون الإسلاميون.

خطأ رئيسي وخلط

وفي مقابلة مع سويس إنفو، قدم الدكتور منذر سليمان، الخبير الاستراتيجي ومدير مكتب مجلة المستقبل العربي في واشنطن تحليله لخطاب الرئيس بوش، فقال “إن الرئيس استبدل الخطر الشيوعي بالخطر الإسلامي المزعوم، لتبرير استمرار المشروع الأمريكي للهيمنة على العالم، ولربط الحرب الفاشلة في العراق بالحرب الأمريكية على الإرهاب”.

وقال الدكتور منذر سليمان: “إن الخطاب يذكِّـرنا بأفكار صامويل هانتغتن، وبرنارد لويس، التي تتحدّث بصراحة عن صِـدام الحضارات، وخاصة العالم الإسلامي مع الغرب بوصف العالم الإسلامي ناقص القُـدرة على التحول نحو الديمقراطية، ولكن بوش حاول التأكيد على أن التدخّـل الأمريكي بالقوة في المنطقة هو الكفيل بتحقيق الديمقراطية في العالمين، العربي والإسلامي، التي تُـواجه عقبة رئيسية، هي التطرف الإسلامي”.

وأعرب الدكتور منذر سليمان عن اعتقاده بأن الرئيس وقع في خطأ رئيسي عندما خلط بين كلمة الإسلام وبين كلمات سلبية مثل الخطر والشر والتهديد، بل والفاشية، حيث أن التّـضخيم المُـتعمد الذي وقع فيه الرئيس بوش في خطابه بأن يقرن بين فئة لا تمثل الإسلام، وبين فكرة الخلافة الإسلامية لن يترك سوى أثر واحد في نفوس العرب والمسلمين، هو أن الرئيس يناصب الإسلام والمسلمين العداء، وكان الأجدَر برئيس أكبر دولة في العالم أن يكون محدّدا، فيصُـب اتهاماته على منظمات إرهابية بعينها، إذا كان يؤمن حقا بسماحة الدين الإسلامي، كما ذكر بطريقة عابرة بدلا من أن يقرن كل المخططات الشريرة بوصفها إسلامية.

وعلق الدكتور سليمان على تلويح بوش بخطر إقامة إمبراطورية إسلامية راديكالية تمتد من إسبانيا إلى إندونيسيا فقال: “إنها كذبة تحول الرئيس بوش إلى مجال الترويج لدعاية ديماغوجية مضللة، يحاول من خلالها إقناع الرأي العام الأمريكي بأنه يخوض حربا شِـبه مقدّسة ضد مجموعة، يدّعي بالمبالغة والتضخيم، أنها قادرة على أن تحكم العالم الإسلامي بأسره، فيما يُـدرك أي مواطن عادي أنه من المستحيل على تنظيم مثل تنظيم القاعدة أن تتوفّـر له قدرات تنظيم مشروع إمبراطوري، مثل تلك القدرات التي كان يتمتّـع بها الاتحاد السوفييتي، والتي كانت تشكل خطرا شيوعيا، فضلا على أن المواطن العادي يُـدرك تماما استحالة أن يقود العالم العربي أو الإسلامي أشخاص مثل الزرقاوي أو الظواهري أو بن لادن”.

رد المسلمين الأمريكيين

وقد تصدى مجلس الشؤون العامة للمسلمين الأمريكيين للرد على النظريات الأيديولوجية الجديدة التي طرحها الرئيس بوش في ذلك الخطاب المثير للجدل، فأصدر المجلس بيانا قال فيه:

أولا، فيما يتعلّـق بقول الرئيس، إن المتطرفين يريدون إنهاء النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، لأن الولايات المتحدة تُـنادي بالديمقراطية وتقف مع الغرب بذلك في طريق طموحات المتطرفين، كان يتوجّـب على الرئيس الأمريكي أن يميّـز بين من يروّجون لاستخدام العنف والإرهاب كوسيلة لإحداث التغيير في العالم الإسلامي، وبين من يساندون الانتخابات الديمقراطية في الدول الإسلامية، ولذلك، فإن خَـلط الرئيس بوش بين الاتجاهين، يدل على قِـصر النظر، بل وسيعوق أي تقدّم نحو رأب الصدع القائم بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي.

ثانيا، إن قول الرئيس أن انسحاب الولايات المتحدة من بلد في الشرق الأوسط سيتيح الفرصة للمتطرفين لاستغلال الفراغ الذي يمكن أن تتركه الولايات المتحدة، ويحوّلها المتطرفون إلى قاعدة للهجوم على الحكومات الإسلامية غير الراديكالية، ستفسره الشعوب العربية بأنه مؤشر إلى سعي الولايات المتحدة للهيمنة على المنطقة.

ثالثا، أما فيما يتعلق بقول الرئيس أن المتطرفين يسعَـون إلى إقامة إمبراطورية إسلامية تمتدّ من إسبانيا إلى إندونيسيا، فلم يعد حلم إقامة نظام للخلافة الإسلامية يضمّ الدول الإسلامية يُـراود إلا حفنة من الحالمين، وعندما يحوّل بوش ذلك الحلم البعيد المنال إلى قضية رئيسية في إستراتيجية الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب، فإنه يضفي هالة كبيرة للغاية على المتطرفين، كما أنه يُـسيء بشكل كبير إلى أكثر من مليار مسلم يعيشون في أراض تمتد من إسبانيا إلى إندونيسيا، حين يحاول تصويرهم بأنهم فراغ ويسعون للإطاحة بحكوماتهم.

رابعا، عندما يتحدث الرئيس بوش عن الولايات المتحدة كراية للحرية والديمقراطية، يتعين عليها أولا أن تضع قيّـم الحرية والديمقراطية موضع التنفيذ، وأن تصحح أوضاع التعذيب في السجون والمعتقلات الأمريكية في العراق وغوانتانامو.

خامسا، تحدث بوش عن حِـرمان المتطرفين من فُـرصة تجنيد المزيد من الشباب باستبدال الرفض والكراهية بالديمقراطية، والأمل في منطقة الشرق الأوسط الكبير، ولا تستطيع الولايات المتحدة الحديث عن الديمقراطية والسلام، طالما واصلت مساندتها لحكام دكتاتوريين في المنطقة، كما أن الحرب التي شنّـتها على العراق، مكّـنت المتطرفين من تجنيد المزيد من المقاتلين الراديكاليين.

رد العرب الأمريكيين

أما الدكتور جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأمريكي، فركّـز في رد العرب الأمريكيين على المبالغات والأخطاء في التحليل التاريخي التي انطوى عليها ما وصفه البيت الأبيض بخطاب بوش الرئيسي عن الحرب ضد الإرهاب:

أولا، تشبيه الحرب على الإرهاب بالحرب العالمية الأولي والثانية، وتشبيه القاعدة وأسامة بن لادن بخطر هتلر وستالين، يتنافى مع حقائق التاريخ. فبينما يُـدرك المرء خطورة وشرّ نوايا القاعدة، فإنه لم يكن باستطاعتها حتى عندما اتّـخذت من أفغانستان مقرا لها، أن تمتلك قوة متواضعة بالمقارنة مع القوى التي شبّـهها بها الرئيس بوش، ولا تخفى المخاطر التي ينطوي عليها رفع الرئيس بوش من قُـدرات القاعدة إلى مرتبة العمل على إقامة إمبراطورية!

ثانيا، محاولة الرئيس بوش التنصّـل من مسؤولية الدّور الذي لعبته الحرب التي شنّـها على العراق في إشعال جذوة التطرف والإرهاب العالمي بالقول، إنه لم يكن في تصرّفات الولايات المتحدة ما يبرِّر اللجوء إلى العنف والإرهاب.

ثالثا، بدلا من أن يقدّم الرئيس بوش استعراضا للحقائق بموضوعية، اختار خطا أيديولوجيا محفوفا بالمبالغات، ولم يقدم حلا إلا مواصلة المسلك الحالي حتى النصر، وهو ما لم يحدّد له معنى ولا تعريفا.

ولم يسلم خطاب الرئيس الأيديولوجي من انتقادات المحللين الأمريكيين أيضا. فقد علّـقت عليه صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحية لها قالت فيها “إن الرئيس بدا وكأنه يقرأ نص خطابه القديم بعد هجمات سبتمبر قبل أربعة أعوام لشحذ همم الأمريكيين لحرب طويلة على الإرهاب، ووعد فارغ بتعقب أسامة بن لادن وتقديمه للعدالة. ومع أن الخطاب الأصلي استحوذ على الاهتمام والاستماع بأذن صاغية، إلا أن الخطاب الأخير كان طنطنة دعائية استهدفت التغطية على الحقائق المرة التي تواجه أمريكا اليوم”.

وأعرب محللون آخرون عن امتعاضهم من نغمات المحافظين الجدد التي كانت واضحة في الخطاب، خاصة حين قال بوش: “إننا نواجه أيديولوجية متطرفة تستهدف استعباد الأمم كلها وترهيب العالم بأسره”. وقال المحللون “إننا بالفعل نواجه أيديولوجية متطرفة، ولكنها موجودة هنا في الولايات المتحدة، وتتمثل في مبدأ بوش للحروب الاستباقية بذريعة تحرير الشرق الأوسط من الطُّـغاة، بدءا من العراق، ومرورا بسوريا ثم إيران”.

أما البروفيسور مارك لافين، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث بجامعة كاليفورنيا، فيرى أن فكرة محور الشر التي جرى الترويج لها بعد هجمات سبتمبر، لم تكن لتوجد لولا وجود “محور الجهل والعجرفة” في الولايات المتحدة، ذلك المحور الذي يجهل ثقافة وتاريخ المجتمعات الإسلامية، ويريد فرض وصايته وقيّـمه وخبرته التاريخية على شعوب ومجتمعات لها ثقافاتها المختلفة.

محمد ماضي – واشنطن

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية