مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مَـن يُـحارب مَـن في الأراضي الفلسطينية؟

بنت فلسطينية في أحد شوارع غزة بعد توقف مؤقت للقتال بين مسلحين من فتح وحماس يوم 19 مايو 2007 Keystone

بينما كان ما اصطلح الفلسطينيون على تسميته "الدم الحرام" يسيل بغزارة في شوارع غزة، كانت أنباء تتطاير حول أدوار لأطراف خارجية، بدا وكأنها تحرّك الأحداث أو تشارك فيها، لدرجة أثارت سؤال: من الذي يحارب من في حقيقة الأمر على أرض فلسطين؟

لكن الإجابة كانت تعود دائما إلى أرض الواقع، فالطرفان المتحاربان في الأساس، هما تنظيم فتح وحركة حماس، وأن ما يحدث ببساطة، صراع على سلطة في دولة لم تقم بعد.

إن العامل الخارجي لم يكن بعيدا في أي مرحلة عن المسيرة الفلسطينية، فقد عمل كثيرٌ من دول المنطقة على دعم فصائلٍ بعينها، وتمكَّـنت إسرائيل من اختراق بعضها، وحاول بعض الفلسطينيين تقديم خدمات خارجية، ولا يزال من المُـمكن حتى تاريخه، أن يتم تقديم إجابات موثَّـقة، بشأن من يُـموِّل مَـن؟ ومن يوجِّـه مَـن؟ أو ما إذا كانت عمليات محدّدة قد تمَّـت لاعتبارات غير فلسطينية أو حرَّكتها عوامل إقليمية، وبدون حاجة إلى التوثيق، فإن أي سائق تاكسي في غزّة يعرف كل شيء.

المثير، أن “الشعب الفلسطيني” تعامَـل مع هذه المسألة بأفُـق شديد الاتِّـساع، فلم يكن كل ذلك يؤدّي – باستثناء مشكلة العملاء في فترة ما – إلى إدانات وطنية أو أخلاقية متشنَّـجة، لإدراك الجميع أن الضرورات تُـبيح المحظورات أحيانا وأن “أحكام المُـضطر” تعمل في بعض الأوقات، لكن الأهم هو المسكوت عنه، وهو أن تلك الارتباطات كانت وظيفية أو “بيزنس” سياسي في معظمها، وأن معظم الأطراف لم تتجاوز خطا مرسوما على الرمال لكي لا يفقد شرعيته، وأنه يصعب تطويع الشعب الفلسطيني، وهناك نظريات بهذا الشأن.

أدوار الخارج

إن كل علامات الاستفهام حول الارتباطات الخارجية قد طُـرحت مرّة واحدة، عندما انفجر القتال بين فتح وحماس في مايو الجاري. فقد بدا كل شيء مختلفا هذه المرة، إذ كانت كل ملامح القِـتال تُـشير إلى حرب صغيرة تدفعها كراهية مُـقلقة، وكان الأسلم بالنِّـسبة لبعض المحلِّـلين أو المسؤولين، أن تتِـم الإشارة إلى “تلك الأطراف” مجهولة الهوية، التي تريد أو تدفع أو تدبِّـر، مع اللجوء إلى نظرية المستفيد، التي تكرِّر فكرة أن إسرائيل هي الطرف المستفيد ممَّـا يدور، وكأن أحدا من مقاتلي الشوارع يهتَـم بذلك.

لكن المسألة لم تتوقف عند حدِّ محاولة القفز في الفراغ. فقد بدأت أخبار محدَّدة تُـشير إلى وقائع تجري بشأن علاقة خارجية بما يدور، أهمها:

1. أن قوات عددها 450 مقاتلا تابعا لفتح، عبَـرت من مصر إلى غزة بموافقة إسرائيلية، تبعتها تحليلات في بعض الصحف الإسرائيلية حول قلق مصر من تنامي قوة حماس في غزة، مع التَّـأكيد على أن مصر تَـميل تقليديا لتأييد حركة فتح، وأن الرئيس مبارك عبَّـر عن شعور حكومته بالقلق على مستقبل قِـطاع غزة، مؤكِّـدا في الوقت نفسه، أن مصر تبذل جهودا كبيرة لإنهاء حكومة حماس ودعم الرئيس محمود عباس.

2. دخول إسرائيل على خط العنف المسلَّـح بعد قيام حماس بقصف سيدروت بالصورايخ، واستهداف إسرائيل القوة التنفيذية لحماس، مع تصريحات لشيمون بيريز قال فيها إنه “إذا طلب السيد عباس مساعدة معيَّـنة فسنوفِّـرها”، كما ذكر التلفزيون الإسرائيلي أن إسرائيل تقدم العلاج لأفراد الأمن الوقائي والأجهزة الأمنية، الذين أصيبوا خلال الإحداث.

3. سيطرة توجَّـه بشأن خُـطة تأمين قِـطاع غزة، يصفها بأنها “أمريكية”، وأنها تركز على تعزيز قوات حرس الرئاسة وتزويدها بالسلاح والذخيرة، كما تطلب من الأمن الرئاسي وضع خطة لوقف إطلاق صواريخ القسام ووقف تهريب الأسلحة إلى القطاع وإعادة بناء قوات التنسيق والارتباط في الضفة، في مقابل أن تخفِّـف إسرائيل من قُـيودها على المعابِـر وتسهِّـل حركة الأفراد والبضائع الفلسطينية بين الضفة والقطاع.

النار الفلسطينية

إن ذلك يشير إلى وجود أدوار خارجية فيما يحدث، لكن بعيدا عن السؤال الذي ينبِّـه إلى أنه: متى لم تكن هناك أدوارا خارجية؟ فإن الدول المشار إليها، هي الدول التي تمارس دورا تقليديا في التعامل مع مشكلات الصِّـراع في تلك البقعة، كما أن تلك الوقائع لا تؤكِّـد أن تلك الأطراف كانت تقف وراء اندلاع الصراع أو أن التحركات المشار إليها تمثل دعما حاسما يؤدّي إلى تغلب طرف على طرف في صِـدام أسلحة خفيفة يدور في مناطق ضيقة ولا تنقصه العناصر البشرية، ويصعب أن يُـحقق طرف فيه نصرا على طرف آخر.

بالتأكيد، فإن لبعض تلك الدول مُـيولها المعلنة، فإسرائيل تعتبِـر حماس “عدوا” والولايات المتحدة تتعامل معها كمنظمة إرهابية، لكن الجانب الآخر من الصورة، أن كل تلك الأنباء كانت تسير في اتجاه واحد، هو أن هناك من يدعَـم فتح ضِـد حماس المتفوِّقة نِـسبيا في قطاع غزة، الذي يخضع معظمه لنفوذها، إلا أنه كما يقول أحد قادة فتح، فإنه بافتراض أن هناك من يدعم فتح، فإن هناك أيضا من يدعم حماس، فهناك خالد مشعل في دمشق وهناك العلاقة الإيرانية، فالدائرة الخارجية تمس الطرفين.

لقد ردّ المسؤولون المصريون في الصفحة الأولى لصحيفة الأهرام بشكل صارم على “التقارير الإسرائيلية” لنفي ما قيل حول دور مصر، واعتبر البعض أن تلك الأنباء تهدف إلى التأثير على مساعي القاهرة لوقف القتال، والمثير أن التصريحات الإسرائيلية الخاصة بدعم عباس ذاتها كانت تؤثر مباشرة على شرعية الرئيس، وقد صورتها حماس وكأنها تواجه محور إسرائيل – فتح، خاصة بعد أن قررت إدخال إسرائيل إلى المعركة بقصف الصواريخ، فقد كان هناك بالفعل من يصب الزيت على النار، لكن التنظيمين هما اللذين أشعلا النيران.

إنها جولة أخرى

إن تفسير ما حدث ليس صعبا، فهناك مشكلة مزمنة لم تُـحل ولم تؤثر فيها التوافقات السياسية التي جرت في القاهرة أو تقاسُـم الحِـصص الذي جرى في مكة، فلا تزال فتح غير قادرة على ترك السلطة، ولا تزال حماس غير قادرة على تسلّـم السلطة، ويحتفظ كل طرف بقواته الخاصة لموازنة قوة الآخر، سواء الأجهزة الأمنية أو القوة التنفيذية، ويرغب أحدهما في السيطرة على الأجهزة الأمنية، ويستميت الآخر لحل القوة التنفيذية.

وقد تم التوصُّـل إلى حل وسط اسمه “القواسمي”، وزير الداخلية، الذي لم يتمكن من السيطرة على أجهزة الأمن بفعل اعتراضات قيادات فتح، ولم تكن التجاذبات قد انتهت (قبل أن يستقيل القواسمي)، حتى بدأت عملية تنفيذ الخطة الأمنية التي مثلت الشرارة التي فجَّـرت الصراع المُـلتهب أصلا بين الطرفين، إذ وضح أن فتح تريد تنفيذها بطريقتها، واتجهت حماس إلى إفشال ذلك، ولم يكن المسلحين أصلا قد غادروا الشوارع.

المهم أن ما بدا أنه خطَّـة لضبط الأمن تحوّل إلى صِـدام مسلَّـح آخر، فقد اعترضت حماس على ما أسمته تطبيقا مفاجئا للخطّـة الأمنية وانتشار سريع لفتح، دون استعدادات أو توافقات كافية، وبررت فتح بعض أعمال الانتشار بأنها اجتهادات لبعض الضباط، وحدث الصِّـدام على الأرض بتلك الصورة الدموية.

المشكلة الآن هي أنها المرة رقم 14 التي يتم فيها عقد هُـدنة بين الطرفين، وكان مآل الهدنة هو الفشل في كل مرة، ولا تزال هناك قضايا معلَّـقة دون حسم، قبل أن يتم الحديث عن إمكانية تطبيق مثل تلك الخطة مستقبلا مرة أخرى، وإلى حين يتم ذلك، تظل احتمالات الانفجار مرة أخرى واردة، إذا قرر أي منهما القيام بأي “لعبة خشنة”.

كارثة غَـزة

إن الدرس الذي يبدو أن تلك الجولة قد أفرزته، هو الأكثر خطورة من إراقة “الدّم الحرام”، فهناك مؤشرات خطرة – مضافة إلى صراع السلطة وانقسام الأمن وانتشار السلاح – تُـفيد بأن المشكلة تتَّـجه لأن تكون “تماسك قطاع غزة” وليس أمن القطاع، بفعل تطورات هيكلية تدفع في اتِّـجاه تفاقُـم الوضع بأكثر مما يحدث، وهي:

• أن غزة أصبحت مقسَّـمة فعليا إلى مناطق نفوذ بين الفصائل الرئيسية، وتعلن المنازل عن انتماءاتها بعلم على السطح، فهناك كانتونات تابعة للفتحاوية وللحماسيين، وبمجرد وصول التناقضات إلى مرحلة ما، تتحول غزة إلى مسرح عمليات واضح المعالم، أي أن القطاع تتم صوملته.

• أن القيادات السياسية بدأت تفقد السيطرة على الأجنحة العسكرية، وهذا ما أعلنه بوضوح رئيس الوفد الأمني المصري برهان حماد، قبل توقف القتال، بتأكيده على أن القادة الذين يعقدون الاجتماعات لبحث الفوضى الأمنية والاقتتال الداخلي، لا يملكون القدرة على توجيه الأوامر للمتقاتلين في الشوارع بوقف إطلاق النار.

• أن هناك تنظيمات تكفيرية شديدة العنف، بعيدا عن الفصيلين الرئيسيين بدأت تنتشر في غزة وتمارس عمليات خطف غير معتادة وإطلاق نار فوق رؤوس السياسيين وضغط على السكان في اتجاهات “طالِـبانية”، وبعض عناصر الفصائل الرئيسية تجدها أحيانا مفيدة.

• أن تناقضات الطرفين قد وصلت إلى حدود تهدد الكيان الفلسطيني، بعد أن هددت مصداقيته، ولم تعد المسألة تقتصر على حقائق مزرية تؤكد أن حوالي 400 فلسطيني قد قتلوا بفعل الاشتباكات الداخلية منذ انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005.

والبداية هي مواجهة الذات بدون استدراكات، إذ كان المناضلون والمجاهدون هما اللذان يطلقان الرّصاص في شوارع غزة، ويدرك الطرفان منذ البداية أن معظم الأطراف الخارجية لن تسهل لهما مهمة إقامة الدولة المستقلة.

فإذا لم يضعا حدّا لما يدور، فإن النِّـيران لن تكون حتى في حاجة إلى من يصُـب الزيت عليها في المرة القادمة.

د. محمد عبد السلام – القاهرة

رام الله (الضفة الغربية) (رويترز) – تراجعت حدة القتال بين حماس وفتح منذ أن بدأت إسرائيل غاراتها الجوية على قطاع غزة، لكن أعضاء في الحركتين الفلسطينيين المتنافستين قالوا يوم الاثنين 21 مايو، إن إنتهاء المواجهة بينهما أمر مستبعد.

وتلاشت كل بوادر حسن النية بين شريكي حكومة الوحدة الفلسطينية بعد تسعة أيام من اقتتال في الشوارع دفع المنطقة صوب هاوية الحرب الأهلية.

ولم يتمكن الطرفان من التراجع عن تلك الهاوية، إلا بعد أن بدأت إسرائيل حملة قصف لأهداف تابعة لحماس الأسبوع الماضي، فاتفق زعماء حماس وفتح على هدنة جديدة.

لكن الوضع ما زال متوترا بشدة وسط اتهامات من حماس بأن الحملة الإسرائيلية تهدف لمساعدة فتح، بقدر ما تهدف لمنع المسلحين من إطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل.

وقال زياد أبو عين، المسؤول الرفيع في فتح، إن كل ما ستفعله “الاعتداءات الإسرائيلية، أنها ستؤجل الاقتتال الداخلي ولن توقفه”، وأضاف أنه طالما كان هناك الكثير من الأسلحة في الشوارع، فمن السهولة بمكان “تجدد الاقتتال الفلسطيني- الفلسطيني”.

ووافق على ذلك إسلام شهوان، المتحدث باسم القوة التنفيذية التابعة لحماس، وقال إنه رغم “الهجمات الصهيونية”، لم يتوقف القتال، وأضاف أن القتال لن يتوقف لأن لدى فتح مخططا لتدمير القوة التنفيذية.

وحتى مع قيام أهالي غزة بدفن قتلاهم الذين سقطوا جراء الغارات الجوية الإسرائيلية والذين بلغ عددهم حتى الآن 34 على الأقل، تبادل أعضاء حماس وفتح اللوم بشأن المسؤولية عن إشعال فتيل الجولة الأخيرة من الاقتتال الداخلي، التي راح ضحيتها حوالي 50 شخصا.

ولا يعول الفلسطينيون كثيرا على الهدنة الأخيرة، التي تم التوصل إليها يوم السبت الماضي برعاية مصرية. وخلال الشهور الأخيرة أبرمت أكثر من 14 هدنة كان مآلها جميعا إلى الفشل.

ومن وجهة نظر فتح وجماعات أخرى، يقع اللوم على قوة حماس التنفيذية، وتنحي حماس باللائمة على فتح بخصوص إشعال الجولة الأخيرة من الاقتتال من خلال نشر قوات الأمن، التي تُـهيمن عليها فتح في شوارع غزة، دون التنسيق مع حركة حماس الحاكمة.

ودعت حركة فتح التي يتزعمها الرئيس محمود عباس مرارا إلى حل القوة التنفيذية ودمجها في سائر الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، والتي تسيطر عليها فتح.

ورفض رئيس الوزراء إسماعيل هنية وسائر زعماء حماس دعوات لحل القوة المؤلفة من 5600 فرد، والتي يُـنظر إليها على أنها قوة موازنة لقوات الأمن القائمة، بما في ذلك حرس عباس الرئاسي، الذي تدعمه الولايات المتحدة والذي يضم نخبة من المقاتلين.

وأبلغ أحمد يوسف، مستشار هنية وكالة رويترز أنه لكي تدوم أي هدنة، لا بد من مشاركة طرف ثالث، وقال “نحن بحاجة إلى مراقبين عرب.. من السعودية والأردن ومصر.. لمراقبة انتهاكات وقف إطلاق النار.”

ويعتقد بعض الفلسطينيين أن الحل الوحيد الدائم، سيكون عبر إجراء جولة جديدة من الانتخابات.

وقالت حنان عشراوي، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني المستقلة، التي شاركت في مؤتمر عقد في مدينة رام الله بالضفة الغربية عن التوتر “نحتاج إلى حل الخلافات عبر الوسائل الديمقراطية، وليس من خلال المحاصصة بين فتح وحماس”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 21 مايو 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية