مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نحو توافق أوروبي أمريكي جديد

يأمل الأوروبيون في أن تكون زيارة الرئيس بوش المقبلة إلى بروكسل (في 22 فبراير) بداية عهد جديد في العلاقات مع الولايات المتحدة swissinfo.ch

في أول زيارة لها إلى الخارج، توجهت وزيرة الخارجية الأمريكية يوم 3 فبراير إلى أوروبا حيث يتطلع شركاء واشنطن في "العالم القديم" إلى طور جديد في مسيرة العلاقات الثنائية.

ويبدو أن الطرفين قد اقتنعا بأن الهوة التي فرّقت بينهما، جرّاء الحرب على العراق، حالت دون اضطلاع كل منهما بدور أكبر على الساحة الدولية وفي “الشرق الأوسط الكبير”.

من المقرر أن يشارك الرئيس بوش في اجتماع القمة الاستثنائية لحلف شمال الأطلسي، الذي يمثل في نظر الشركاء الأطلسيين “عماد العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا”.

ويوفر الحلف منذ عدة أعوام سندا كبيرا للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في أنحاء متفرقة من العالم. فهو يضطلع بدور تأمين الوضع في أفغانستان، في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة مُـطاردة فُـلول حركة طالبان، كما يحاول مساعدة قوات التحالف في العراق عبر توفير دعم محدود، لا زال مقتصرا، إلى حد الآن، على تدريب القوات العراقية.

ومن المنتظر أيضا أن يجتمع الرئيس بوش مساء يوم 22 فبراير مع “الترويكا” الأوروبية في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل. وهو اجتماع قد يتحول إلى “لقاء صُـلح” بين الاتحاد والولايات المتحدة، وسيتم التمهيد له بعشاء عمل يعقده الرئيسان جورج بوش وجاك شيراك في العاصمة البلجيكية. ويبدو أن قضايا الشرق الأوسط والرؤى المطروحة لتخفيف التوتر فيها، ستشكّـل المادة الدّسمة للوفاق المنشود من الجانبين.

تفاهم وتعاون بين الجانبين

ويعتقد دبلوماسيون أوروبيون في وجود “استعداد من الجانبين، الأمريكي والأوروبي، للعمل معا” في المرحلة المقبلة، لأن المعطيات السياسية الجديدة توفّـر أرضية التفاهم.

فالرئيس بوش قد يكون معنيا في ولايته الثانية بالضغط من أجل حلّ الأزمات التي أربكت النظام الدولي في الأعوام الماضية، إذ أعلن في خطاب افتتاح ولايته الثانية، عن استعداده للعمل مع الاتحاد الأوروبي.

وتساعد التغيرات السياسية الكبيرة في أراضي السلطة الفلسطينية والائتلاف الحاكم في إسرائيل، وانطلاق مسار سياسي جنيني في العراق، رغم استمرار دوامة العنف والمواجهات، على تعزيز مبادرة التفاهم والتعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذي يضطّـلع بدور كبير في ترويض إيران، وبالتالي استبعاد مخاطر المواجهة المسلحة بينها وبين الولايات المتحدة.

من جانبه، يستعجل خافيير سولانا، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، ومسؤول السياسة الخارجية، “إحياء روح التعاون” بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إذ نصح في خطاب ألقاه أمام “مؤسسة كونراد ايدينهاوير” في موفى شهر يناير الماضي في بروكسل “وجوب أن يستعيد الأوروبيون والأمريكيون تقليد التنازلات المتبادلة”.

وأضاف سولانا بأن الزيارة التي سيقوم بها الرئيس بوش إلى الاتحاد الأوروبي، وهي الأولى التي يؤديها رئيس أمريكي إلى مقر الاتحاد الأوروبي، “توفّـر للأوروبيين فرصة إبراز استعدادهم المشاركة في العديد من القضايا، وأن بإمكانهم تقديم قيمة مُـضافة ملموسة”، للمساعدة على حل المشاكل القائمة في الساحة الدولية. وقال سولانا، إن الأوروبيين “يتطلعون أيضا لأن تتحوّل العلاقات، الأمريكية الأوروبية، إلى شراكة متوازنة”.

وتتجسد القيمة المضافة التي يُـمكن أن يقدّمها الاتحاد في العلاقات الاقتصادية والسياسية الوثيقة التي تربطه بكل من الأطراف المعنية بالمبادرة الأمريكية المعروفة باسم “الشرق الأوسط الكبير”، وهي المنطقة الممتدة من موريتانيا إلى إيران وأفغانستان.

اقتسام للأدوار

على صعيد آخر، يتفق خبراء أوروبيون وأمريكيون على أن مشاكل الشرق الأوسط الكبير وحلول معالجتها، توفّـر مادة للوفاق والتعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

فقد ذكّـر هيلمار بورك، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأوروبي، في ندوة مشتركة عبر الأقمار الاصطناعية عقدت مؤخرا بين خبراء وأكاديميين أوروبيين وأمريكيين، بأن التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد “يمثل إحدى شروط المساعدة على تقدم مسيرة السلام في الشرق الأوسط”، حيث تمتلك الولايات المتحدة القدرة على إقناع إسرائيل، ويُـقيم الاتحاد من ناحيته، علاقات متوازنة مع الإسرائيليين والفلسطينيين.

من جهته، تحدّث باتريك كلاوسن، نائب المدير التنفيذي لمعهد واشنطن حول سياسات الشرق الأدنى، عن القُـدرات المتوفرة لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لـ “اقتسام الأدوار والعمل” في منطقة الشرق الأوسط الكبير.

وفي هذا السياق، تمثل أزمة التكنولوجيا النووية في إيران أنموذج التعاون الجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، واقتسام الأدوار بينهما. فالأولى تلوح بالتهديدات العسكرية، والثاني ينصح إيران بالتجاوب مع طلبات التخلي عن برامج التزود بالسلاح النووي، ويعرض عليها مزايا التعاون الاقتصادي والتجاري.

لذلك لم يتردد باتريك كلاوس، الخبير الأمريكي في القول بأن “الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يحتاجان كلاهما للآخر”، كما يرى بأن “الاتحاد الأوروبي يمتلك بعض أدوات الدبلوماسية والمزايا الاقتصادية لإقناع القيادة الإيرانية، مثلما تمتلك الولايات المتحدة الوسائل التي تمكّـنها القيام بدور أكبر وأكثر تأثيرا في حل النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين”.

فالولايات المتحدة لا ترتبط بعلاقات سلمية مع إيران، لكنها في المقابل، تتجاوز الأوروبيين في قدرات التأثير على إسرائيل بفعل الضمانات الأمنية التي بإمكانها توفيرها للإسرائيليين”.

ويشترك الجانبان، الأمريكي والأوروبي، في القناعة بحظر امتلاك إيران والبلدان الأخرى في المنطقة، أسلحة الدمار الشامل. وتتحدث مصادر دبلوماسية عن تشدّد موقف الجانب الأوروبي، وبالذات البلدان الثلاثة (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) التي تقود المفاوضات مع إيران التي تصر على مطالبة طهران بتأكيد تخلّـيها نهائيا عن برنامج تخصيب اليورانيوم.

وفيما ترصد الولايات المتحدة تطور المفاوضات، يعتقد محللون أنها سوف تستفيد من كل السيناريوهات المحتملة. فإذا نجح الأوروبيون وتخلّـت إيران عمليا وبشكل دائم عن برامجها، فإن واشنطن ستقول بأن التهديد العسكري الأمريكي كان العُـنصر الرّادع لإيران. وإذا أخفقت الدبلوماسية الأوروبية، فإن المحافظين الجُـدد، الذين خططوا للحرب على العراق، سيُـبرزون قناعاتهم بضرورة إطاحة النظام في إيران.

من الخلافات إلى التنسيق

من جهة أخرى، يبلغ التعاون بين الطرفين مستويات متقدمة في مجالات مكافحة الإرهاب، إذ تتعاون أجهزة الأمن الأوروبية بشكل وثيق مع الأجهزة الأمريكية من أجل رصد الشبكات وتبادل المعلومات حول التهديدات المحتملة، وموارد تمويل نشاطات المجموعات المشتبه فيها من أجل قطعها وتجفيف منابع تمويل أعمالها.

وما بين محاولات إحياء المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين من ناحية، وفي انتظار نتائج المفاوضات الأوروبية الإيرانية من ناحية أخرى، من المحتمل جدا أن تعثر واشنطن وبروكسل على أرضية مشتركة للتفاهم حول مستقبل العراق.

وكان خافيير سولانا قد تطرق أمام النواب، أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأوروبي، إلى ضرورة طي صفحة الخلاف مع الولايات المتحدة حول الأزمة العراقية، وتحدّث في الأسبوع الأخير من يناير الماضي في بروكسل عن “وجوب التزود بنظرة براغماتية، وعدم الوقوف عند اختلاف المفاهيم”.

ومن المتوقع أيضا أن يؤكد الجانب الأوروبي في القمة المرتقبة مع الرئيس بوش، استعداد الاتحاد للمساهمة في تدريب قوات الأمن العراقية خارج ميدان العراق، وفي برامج إعادة إعمار البلاد.

من جهتها، استبقت المفوضية الأوروبية نتائج الانتخابات العراقية (التي جرت في ظروف أمنية استثنائية، وقاطعها السكان في العديد من المحافظات)، وأعلنت مقترحات بتقديم معونات مالية بقيمة 200 مليون يورو خلال العام الجاري من أجل دعم جهود الحكومة العراقية في مجالات التعليم والصحة والطاقة، وتدريب القدرات العراقية، وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني.

وقد تختلف طروحات الأوروبيين والأمريكيين حول صيغ الإصلاحات السياسية ووسائلها، ووتيرة تنفيذها في منطقة الشرق الأوسط الكبير، إلا أنها تلتقي حول الحاجة لتغيير الأوضاع السياسية، وإعادة صيغ المصالح المشتركة على أسس جديدة، لا تُـغيب دور المجتمع المدني والديمقراطية، مثلما كان أمر السياسات الخارجية الأمريكية والأوروبية إلى وقت قريب.

وقد تشهد الفترة المقبلة المزيد من التنسيق بين الجانبين للإفادة من تجربة الاتحاد الأوروبي في التعاون والشراكة مع البلدان العربية والمتوسطية، وتنفيذ بعض جوانبها (التعليم، وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني) في نطاق سياسة الشرق الأوسط الكبير، التي تبحثها دورات “منتدى المستقبل” السابقة في المغرب، والمقبلة في شهر مايو في الأردن.

نورالدين الفريضي – بروكسل

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية