مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نقاش في جنيف حول تأثيرات “ما بعد حرب غزة” على مسار السلام

رفح، جنوب قطاع غزة، 26 يناير 2009: تلاميذ فلسطينيون يتابعون الدروس في ساحة مدرستهم التي دمرت في الحرب Keystone

شهدت الدورة السابعة لمهرجان الفيلم والملتقى الدولي حول حقوق الإنسان في جنيف، نقاشا حول التأثيرات المحتملة حرب غزة على مسيرة السلام بمشاركة فلسطينية وإسرائيلية، وذلك في سياق ندوة ساهم فيها الجمهور بشكل فعال، وتطرقت إلى دوافع الحرب الأخيرة المعلنة والخفية وإلى تاثيراتها المحتملة على مسار السلام أو ما تبقّـى منه بالأحرى.

وتابع الجمهور في جنيف النقاش المطول بشكل مكثف، محاولا معرفة تأثيرات ما حدث في الحرب التي استمرت 22 يوما على عملية السلام وموقف الأطراف المختلفة المعنية مباشرة أو الخارجية منها، وعما إذا كان هناك بصيص أمل يمكن التمسّـك به على ضوء المتغيرات الحالية ووصول اليمين المتطرف إلى السلطة في إسرائيل، واحتمال تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة حماس في الأراضي الفلسطينية..

النقاش الذي كان هادئا في معظمه، نظرا لاختيار المشاركين من معسكر المعتدلين من الطرفين، لم يخلُ من فترات مشادّات وغضب، إن لم تكن من قِـبل المتحدثين، فإنها كانت تأتي من الجمهور المعترض على أقوال البعض والمشجِّـع لطروحات البعض الآخر.

حرب غزة نقطة تحول؟

السيدة ليلى شهيد، ممثلة السلطة الفلسطينية لدى الإتحاد الأوروبي اعتبرت أن الحرب التي عرفها قطاع غزة تمثل “نقطة تحول خطيرة، نظرا لكوننا لم نعرف حربا بهذا العنف وفي فترة زمنية ضيقة منذ 41 عاما من الاحتلال وبأسلحة من مختلف الأنواع، كما يعرف الجميع”، وما تراه غريبا في تصرّف السلطات الإسرائيلية أثناء هذا القصف هو “دعوتها للسكان بمغادرة المنطقة قبل القصف، مع أنها تُـدرك جيدا أن الكل محاصر وأن المعابر مغلقة”.

إيلي برنافي، المؤرخ والسفير الإسرائيلي السابق ورغم اعترافه بأن ما حدث في غزة “كان عنيفا وقويا من الناحية الإنسانية ومن منطلق حقوق الإنسان”، فإنه يقر أيضا بأن هذا العنف “كان مقصودا وأن الإدارة العسكرية الإسرائيلية أقرت بذلك”، وشرحه لهذا الإصرار على تعمّـد العنف آت من كون أن “الجيش الإسرائيلي متّـهم منذ أشهر بالتقصير، ولذلك، توجب القيام بضربة ما، تُـكسبه الارتياح في نظر الرأي العام الإسرائيلي”.

وإذا كان السفير الإسرائيلي الأسبق يعتبر أن “ذلك كان خيارا خاطئا”، فإنه يعترف بأن “القيام بعملية ما، كان أمرا محتوما لأسباب سياسية وانتخابية، نظرا لإطلاق أكثر من 80 صاروخا على إسرائيل في يوم واحد بعد إنهاء الهدنة”.

وعما إذا كان يخشى – كسفير سابق لإسرائيل – من تلطيخ سمعة بلاده بعد ارتفاع أصوات منادية بمحاكمة مسؤوليها بسب ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، أثار برنافي غضب الحضور عندما رد بالقول “إنه نفاق غير مقبول ولا أقبل محاكمة إسرائيل بسبب جرائم حرب، ليس لأنها لم ترتكب جرائم حرب، ولكن ما لم تتم محاكمة كل مرتكبي جرائم الحرب في كل مكان من العالم”.

ولتبرير إقدام إسرائيل على القيام بما قامت به في غزة، تحدث إيلي برنافي “عما يشعر به الشعب الإسرائيلي، سواء عن حق أو عن خطإ، بأنه محاصر من قِـبل حماس في الجنوب وحزب الله في الشمال وإيران في الخلفية”، وهو ما لم تتقبله غالبية الجمهور الحاضر حيث عبرت عن اعتراضها على هذا التحليل.

وعندما طُـرح التساؤل “ألم تقم حركة حماس باحتجاز سكان غزة كرهائن عند إثارة حرب كانت تعلم جيدا أنها ستكون عنيفة؟”، ردّت السيدة ليلى شهيد بالقول “إن حماس لم تكن في حاجة لاحتجاز سكان غزة كرهائن، لأنها جزء من هذا الشعب، وليست جيشا نظاميا بثكنات عسكرية وبحدود معروفة”، وأضافت “مَـن يعتقد بأنه بإمكانه الفصل بين أفراد حماس وسكان غزة، فإنه مخطئ. ومن يعرف ذلك أكثر من غيره، هو الجيش الإسرائيلي الذي احتل القطاع على مدى أكثر من أربعين عاما”.

أما عن أسباب ودوافع هذه الحرب، فقد استشهدت الممثلة الفلسطينية بما أوردته صحيفة هاآريتس الإسرائيلية من أن “التخطيط للحرب تمّ قبل ستة أشهر، وهذا حتى قبل إنهاء الهدنة التي انتهكتها إسرائيل قبل أن تعلن حماس رفض تمديدها”، ويعود السبب في ذلك حسب السيدة ليلى شهيد إلى “الرغبة في الانتقام لهزيمة حرب جنوب لبنان عام 2006 وإعادة الهيبة للجيش الإسرائيلي على أساس أنه لا يُقهر”، والسبب الثاني “سبب وضيع، وهو إدراك إيهود باراك بأن نسبة التعاطف الانتخابي معه ضعيفة، وبالتالي، يجب تقوية مكانته الانتخابية، وهو ما حدث بالفعل”، على حد ثعبيرها.

الحرب حسب الجزيرة أو حزب التلفزة الإسرائيلية

نقاش حرب غزة في مهرجان الفيلم والملتقى الدولي حول حقوق الإنسان، تطرق أيضا للتغطية الإعلامية لهذه الحرب والتنافس بين “صورة منقحة للحرب” من الجانب الإسرائيلي، وصور قناة الجزيرة بكل ما حملته من دماء ودمار ومآس.

ويرى إيلي برنافي أن “المشاهد الإسرائيلي قُـدِّمت له صيغة منقحة لما يحدث في غزة، متمثلة في قوافل دبّـابات متّـجهة للمعركة، ولم يعبأ لمأساوية ما يحدث في غزة، إلا عندما شاهد الطبيب الفلسطيني الذي كان يُجري حوارا مع التلفزة الإسرائيلية، والذي تلقّـى على المباشر نبأ مقتل أطفاله بسبب القصف الإسرائيلي”، وهذا ما ترى فيه السيدة ليلى شهيد “سياسة النعامة” أو تأثيرات “ماسادا”، التي تركت اليهودي يشعر بأنه وحده الضحية الأبدية ولا ضحية غيره، وقالت “إن الإسرائيليين يعتريهم شعور بأنهم انسحبوا من جنوب لبنان فتعرضوا للإختطاف، وانسحبوا من غزة فتعرضوا لصواريخ القسّـام، ولكنهم يتناسون أنهم يحتلون أرضا منذ أكثر من أربعين عاما”..

أما الصحفي بيرنار غيتّـا، فنقل تعليلات رجل الشارع الإسرائيلي الذي كلما وجِّـه له السؤال: لماذا هذا القصف؟ كان يرد “ألا تدري كم استمر قصف الصواريخ ضدّنا؟ وتصور لو قصفت منطقة فرنسية بالشكل الذي قُـصِـفنا به، ألا يكون ردكم مماثلا؟”

هذا المنطق ترى فيه السيدة ليلى شهيد “خطة دعاية الخارجية الإسرائيلية، التي حضّـرت نفسها لهذه الحرب، إذ أنها المرة الأولى التي تابعنا فيها تصريحات الناطقين باسم الحكومة والسفراء، بل حتى رجل الشارع يردد نفس الجمل ونفس العبارات، مثل التي قيلت للسيد بيرنار غيتا”، ونوجهت بالخطاب إلى زميلها في المنصة قائلة: “يمكن أيضا توجيه التساؤل: لو تعرّضت فرنسا للإحتلال أربعين عاما، ألا ترى أن من حقها أن تطلق صواريخ القسام ضد محتليها؟”

هل يوجد ضوء في آخر النفق؟

أجمع المشاركون في النقاش على ضرورة العودة الى ما قبل أحداث غزة لفهم الدوافع، وهو ما لخصته السيدة ليلى شهيد بوضوح بـ “فشل محاولات التسوية السياسية”.

وقد ذهب مستشار مسؤول السياسة الخارجية الأوروبية جون غات روتر، الى أبعد من ذلك بالتوضيح بان “لا أحد يملك اليوم إستراتيجية لقطاع غزة، لا إسرائيل ولا السلطة الفلسطينية ولا الاتحاد الأوروبي، وأن كل ما تم تجريبه لحد اليوم، لم يحقق النتائج المرجوة وأن الحل العسكري أظهر اليوم حدوده ولا مفر من العودة الى الحل السياسي”.

ورغم إجماع المتدخلين على أن الأوضاع تتميز الآن بوصول اليمين المتطرف للسلطة في إسرائيل والتردد في قيام حكومة وحدة فلسطينية بمشاركة حماس، يرى الصحفي والمحلل الفرنسي بيرنار غيتا أن “هناك أملا في رؤية نور في نهاية النفق”.

ودلائل هذا “النور في نهاية النفق”، يراها في “أن من كان بالأمس أقصى اليمين، أي نتانياهو، أصبح اليوم وسط اليمين بقدوم ليبرمان”، ويقول عن نتانياهو “إنه متضايق لمشاطرة الحكم مع أقصى اليمين، نظرا للتحول الحاصل على الساحة الدولية بعد نهاية حكم جورج بوش المتميز بتزكية كل السياسات الإسرائيلية بتبريرات الحرب ضد الإرهاب”.

أما الدليل الثاني، فيتمثل في تكرار وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كيلنتون، الإعلان أثناء زيارتها الأخيرة للشرق الأوسط، عن وقوف الإدارة الأمريكية الجديدة وراء حل الدولتين وترديدها بنصف صوت، بضرورة وقف توسيع المستوطنات اليهودية.

وذكر بيرنار غيتا بأن “الشخصيات الإسرائيلية التي خاضت الحرب ضد غزة، تسيبي ليفني وإيهود باراك وإيهود أولمرت، كلهم ساندوا حل الدولتين”.

وحتى في الجانب الفلسطيني، وبالأخص في صفوف حماس، يرى الصحفي بيارنار غيتا أن “هناك تطورا في العقلية وفي احتمال قبول وجود إسرائيل منذ الفوز في الانتخابات، بحيث تظهر من حين لآخر تصريحات متضاربة بهذا الخصوص”، ويرى أن “هناك انقساما كبيرا بين نظرة قيادة حماس في دمشق وبين نظرة القيادة في غزة”، والحل الذي يقترحه المحلل السياسي الفرنسي هو “ضرورة ممارسة ضغوط على الشركاء في هذا الصراع، سواء من قِـبل الإدارة الأمريكية أو الدول العربية أو الاتحاد الأوروبي، لدفعهم نحو قبول الحل المتمثل في حل الدولتين، على أساس أنه هو الحل ولا بديل عنه”.

وقد تعرض ممثل الاتحاد الأوروبي لبعض الانتقادات، حتى من قِـبل المشاركين في النقاش وعلى رأسهم السفير الإسرائيلي الأسبق إيلي برنافي، عما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيقوى أخيرا على الخروج من وهن موقفه ويتّـخذ موقفا واضحا ويمارس الضغوط المطلوبة على إسرائيل؟ إسرائيل التي قالت عنها ليلى شهيد “إنها تُعامل وكأنها في عزلة عن باقي العالم وأنها فوق القانون”.

سويس إنفو – محمد شريف – جنيف

“غزة: وما بعد”، هذا هو العنوان الذي اختاره مهرجان الفيلم والملتقى الدولي حول حقوق الإنسان المنعقد في جنيف من 6 إلى 15 مارس، لمعالجة الحرب التي خاضتها إسرائيل ضد قطاع غزة وما خلفته من دمار وقتل.

ولوضع المشاهدين في الصورة لجانب من جوانب هذا الصراع المزمن، تم عرض فيلم “غزة – سديروت، يوميات ما قبل الحرب”، الذي ساهم في إنتاجه كل من سيرج غوردي وروبي المالياح وخليل المزين.

وقد تلا عرض الفيلم، نقاش مطوّل ساهمت فيه كل من ممثلة السلطة الفلسطينية لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل السيدة ليلى شهيد والسفير الإسرائيلي الأسبق والمؤرخ وعضو حركة السلام الآن إيلي برنافي، الى جانب مساعد مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جون غات روتر والصحفي الفرنسي بيرانرد غيتا.

عن هذا الفيلم، قالت السيدة ليلى شهيد “إن الجميل فيه، أنه يعكس حياة أناس عاديين من الطرفين. فقد ابدع الفريقان اللذان صورا الفيلم من الجانبين، في إظهار واقع الناس العاديين الذين يبدون بعيدين عن بعضهم البعض ومتقاربين في نفس الوقت، نظرا لكون المسافة لا تتجاوز كيلوميتر ونصف، ولو أن ذلك كان قبل الحرب على غزة”، كما ناشدت منتجي الفيلم “لعرضه في غزة وسديروت”، لأنه كما قالت “من المهم أن يشاهده أبناء المنطقة، لأن كلا منهم بحكم انغماسه في واقعه، لا يدرك أن الآخر من الجانب الثاني يعاني أيضا، وبالتالي، يعتقد أنه الوحيد المتضرر”.

أما إيلي برنافي، فقد ذكّـره الفيلم “في الأيام التي كان يختلط فيها بالفلسطينيين، بدون خوف قبل الانتفاضة، وهي وضعية تغيّـرت مع تغيّـر الأوضاع الأمنية”، حسب قوله.

الصحفي بيرنارد غيتا قال إن الذي أثار انتباهه في هذا الفيلم هو “قِـصَـر المسافة الفاصلة بين الشعبين، أي مجرد 2 كلم”، أي بين سديروت وغزة، كما يرى أن الجميل في هذا الفيلم، أنه استطاع أن يعرض ربورتاجا بلمسة إنسانية”.

أما جون غات روتر فيرى أن “الفيلم سمح للمشاهد بمعرفة خلفية الدوافع التي أدّت، سواء في هذا الجانب او في الجانب الأخر، الى هذه الحرب التي اندلعت في نهاية العام”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية