مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل الشركات الربحية قادرة على التعامل مع لاجئي الحرب المصابين بصدمة نفسية؟

أغراض
يترك اللاجئ كل شيء خلفه في الوطن، إلا ذكريات الحرب والاعتقال وأهوال الفرار، تبقى تلاحقه حتى في دول اللجوء. وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي نصف اللاجئين واللاجئات يعاني من أمراض نفسية. Keystone / Andrei Gryaznov

وصل عبيده خاطر إلى سويسرا في عام 2015 ضمن برنامج إعادة التوطين التابع للأمم المتحدة في مركز لجوء في بيبرست، وهو سجن قديم تم تحويله إلى مركز لجوء. بدايته في مركز اللجوء أدت إلى سوء حالته النفسية وتحويله من شخص يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة إلى وصمه بـ "مجنون عنيف"، كما يقول. اتهامات تنفيها الشركة المسؤولة عن إدارة مركز اللجوء. لكن وفق منظمات غير حكومية، فإن قصة عبيده ليست حالة فردية وتكشف عن نقاط ضعف في نظام اللجوء في سويسرا في التعاطي مع الفئات المعرضة للخطر. 

 “المكان في حد ذاته كان سببا في تدهور حالتي النفسية”، بهذه الكلمات يسترجع عبيدة تجربته عند وصوله في مركز اللجوء في سويسرا : “كانت الغرفة تذكرني بزنزانة السجن وفترة الاعتقال، كنت أعاني من اضطراب ما بعد الصدمة وأود أن أقضي يومي وحدي دون الاختلاط مع أي شخص، لكن هذا الأمر لم يتم مراعاته، حيث كان العاملون في مركز اللجوء يطلبون مني القيام بالترجمة لبقية اللاجئين وهذا ما أدى إلى وقوع خلافات بيني وبينهم. لم يتم مراعاة حالتي الخاصة وحاجتي للانعزال”.

 “مبنى العقار لم يبدو على الإطلاق كسجن سابق”، هكذا جاء رد شركة  “او ار اس” (ORS) المشؤولة عن إدارة مركز اللجوء والتي نفت في بيان لـ swissinfo.ch هذه الاتهامات بالكامل: “تم تجديدالمنزل الواسع بالكامل قبل استخدامه كمسكن للاجئين. كان المركز مزوداً بمطبخ كبير مع غرفة طعام مشرقة وشرفة كبيرة وكان العقار في وسط الطبيعة. بالإضافة إلى ذلك، وعلى عكس أماكن الإقامة الأخرى ، كان هناك “مرحاض خاص لكل غرفة”.

 “وُصمت بالمجنون العنيف، بدلا من أن يتم مراعاة حالتي كشخص يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة” اللاجئ عبيده خاطر

من الصعوبات الأخرى، التي واجهها عبيده هي عدم وجود اهتمام بحالته الخاصة من قبل العاملين في المركز، كما يؤكد “بعد ثلاثة أيام من نفاد دوائي ورغم مطالباتي بتحويلي إلى الطبيب النفسي، لم يتم التجاوب مع ندائي. ومع تدهور حالتي النفسية، طالبت المشرف المسؤول بالاتصال بالإسعاف، لشعوري بأنني على حافة الإصابة بنوبة هلع، لكن الأمر انتهي بوصول الشرطة واتهامي بمحاولة التعدي على الموظف المسؤول”. 

في المقابل تشدد الشركة على أن الرعاية الطبية لعبيده كانت “متوفرة في جميع الأوقات. عانى عبيده بانتظام من تدهور في حالته نفسية بسبب تجارب الحرب التي عايشها وكان من الضروري أحيانًا تحويله إلى عيادة الطوارئ وتم نقله إلى المستشفى عدة مرات من قبل المشرفين. رغم ذلك، تدهورت حالة عبيده أثناء إقامته في المركز”.

عبيدة خاطر
يلخص عبيدة خاطر تجربته في مركز اللجوء بالقول “وصمت بالمجنون العنيف، بدلا من أن يتم مراعاة حالتي كشخص يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة”. swissinfo.ch

التقرير الطبي، الذي أطلع عبيده خاطر swissinfo.ch عليه، يُفيد بأن العلاج النفسي ساهم آنذاك في تحسّن حالته، والتي كانت “تتدهور مرة أخرى مع عودته إلى مركز اللجوء”، حسب ما أفاد التقرير.

يلخص عبيده تجربته في مركز اللجوء بالقول: “وُصمت بالمجنون العنيف، بدلا من أن يتم مراعاة حالتي كشخص يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة. لم يكن هناك احترام ووعي في التعامل مع حالات خاصة مثلي”.

بعد ذلك، تحسنت حالة عبيده بسبب أمرين: تحويله إلى مركز علاج ضحايا التعذيب والحرب التابع للصليب الأحمر  السويسري في مدينة برنرابط خارجي وكذلك “بسبب تغيير المترجم”، وفق قوله.

الشركة المشغلة لمركز اللجوء تنفي الاتهامات وترد بأن اللاجئين “يعاملون دائمًا  باحترام وعلى قدم المساواة ، مع  منح اعتبار خاص للشكاوى الجسدية و / أو النفسية.” وتضيف “بفضل “العمل المكثف مع مقدمي الرعاية ، فإنه يتم الاعتناء بشكل خاص بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة مثل عبيده “لمنحهم أفضل رعاية ممكنة على طريق الشفاء من تجاربهم”.

“عانى عبيده بانتظام من تدهور في حالته النفسية بسبب تجارب الحرب التي عايشها، الرعاية الطبية كانت متوفرة لعبيده في جميع الأوقات” شركة “او ار اس” المسؤولة عن إدارة مركز اللجوء

“عُبيده ليس حالة فردية”

ماتياياس ريسلر، المسؤول في شبكة التضامنرابط خارجي في مدينة برن، يؤكد من جهته أنه تم رصد عدد من الحالات المماثلة لعبيده، حيث يعتقد أنه “توجد مشكلة منهجية” في التعامل مع المصابين بصدمات نفسية والفئات الضعيفة التي تحتاج إلى دعم خاص. 

يعزو ريسلر  هذه المشكلة إلى عدم وجود فحص منهجي لطالبي وطالبات اللجوء من أجل التعرف على ضحايا التعذيب والصدمات وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة وتلبية احتياجاتهم. ويوضح أنه “لا يُمكن التعرف على المرض النفسي أو الجسدي إلا عند زيارة الطبيب”.

بدورها، ترى ناومي فيبر ، المديرة التنفيذية في المرصد السويسري لقانون اللجوء والأجانبرابط خارجي أن قصة عبيده ليست حالة فردية. ففي سويسرا لا توجد إحصائيات حول هذه الفئة من طالبي وطالبات اللجوء، لكن وفقًا لعدد من الدراسات العلمية، فإن حوالي نصفهم على مستوى العالم يُعانون من أمراض نفسية. ذلك أن معظم التشخيصات ترصد إصابة 30٪ من اللاجئين واللاجئات المرضى بالاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة. “وانطلاقاً من هذه الأرقام يسود اعتقاد بأن عددًا كبيرًا من اللاجئين واللاجئات في سويسرا يُعاني أيضًا من هذه المشاكل النفسية”، وفق فيبر. 

من جهتها، خلُصت الأستاذة الجامعية كاميليا ألبيرتيرابط خارجي في دراسة الدكتوراةرابط خارجي التي أعدتها حول دور القطاع الخاص في اللجوء إلى  أن الرعاية النفسية للأشخاص المُصابين بصدمات نفسية هي بالفعل إشكالية جوهرية في نظام اللجوء. وكتبت أن  “عملية خصخصة سياسة الاستقبال هي أحد الأسباب، بالإضافة إلى الغموض، الذي يكتنف المعايير في هذا المجال. يُضاف إلى ذلك، عوامل هيكلية تهدف إلى تحقيق “الجودة” من خلال النجاعة الاقتصادية للنظام وليس من خلال طبيعة الخدمات (المقدمة)”.

وتشير الأستاذة المساعدة في جامعة نوشاتيل إلى أنه “في أغلب الأحيان، تقتصر التفويضات الخدمية على مستوى الكانتونات (باستثناء مسألة إعادة التوطين) على ذكر الالتزام بتوفير “علاجات طبية” – دون تضمين الصحة العقلية؛ ولا تُوجد في سويسرا إلا القليل – هذا إن وُجدت – من المعايير والمبادئ التوجيهية الدّنيا المُلزمة بتقديم الرعاية النفسية والاجتماعية للاجئين (باستثناء القُصّر)؛ أما المنظمات التي تم تفويضها (للقيام بهذه المهام من طرف السلطات المحلية) فهي ليست مُلزمة رسميًا بتقديم مثل هذه الخدمات، وإذا ما رغبت في ذلك واعتبرت أنه مناسب لها، فيجب عليها تحديد محتوى هذه الخدمات بنفسها. وفي معظم الأحيان، لا تسمح لهم الميزانية التي يتلقونها بفعل ذلك. تبعا لذلك، فإن شركة مثل “أو أر اس” ORS والتي تطبق التفويض “حرفيا” تعتبر بالتأكيد أنها تقوم بأداء عملها بشكل صحيح من خلال الاقتصار على توفير رعاية طبية (بمعنى: علاجات أساسية) لهؤلاء الأشخاص”.

في المقابل، تختار المنظمات الأخرى (على سبيل المثال الصليب الأحمر في كانتون تيتشينو) تحمّل هذه المسؤولية من خلال القيام مثلا بإنشاء متابعة متخصصة لضغوط ما بعد الصدمة أو إنشاء “شباك استماع” (بفضل أموال خاصة خارجية)، أو ببساطة عن طريق محاولة الانتباه بشكل يومي إلى سوء حالة طالبي اللجوء وتحويلهم بسرعة إلى الجهات الفاعلة ذات الصلة إذا لزم الأمر، كما توضح ألبيرتي.

دخول الشركات الربحية في مجال اللجوء

ماتياس ريسلر  ينتقد أيضاً عدم وجود إجراءات وقواعد موحدة على المستوى الفدرالي ككل حول كيفية التعامل مع اللاجئين المصابين بصدمات نفسية، ويضيف أن “ظروف الإقامة الحالية لا تلبي احتياجات هذه الفئة بأي شكل من الأشكال. فالأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة أو أمراض نفسية أخرى عادة ما يقيمون في سكن جماعي وهذا أمر  مُرهق جداً ويزيد من حدة مرضهم”.

مركز اللجوء
مركز اللجوء الذي أقام فيه عبيدة خاطر في عام 2015. swissinfo.ch

وينوه ماتياس ريسلر إلى وجود مشكلة أخرى ترتبط بإدارة الشركات الربحية لمراكز إيواء طالبي اللجوء، نظرًا لانتهاجها سياسات التوفير وسعيها إلى تحقيق الربح: “إنها مشكلة منهجية ناجمة عن استراتيجية الادخار وضيق الموارد المالية، وهذا هو السبب في أن منظمات مثل “أو إر إس”، تتلقى بانتظام توكيلات من القطاع العام لإدارة مراكز لجوء، ثم تقوم بتوفير التكاليف في الموظفين”.

ويوضح ماتياس أن عددا قليلاً جدًا من طاقم العاملين والعاملات في شركة “او ار اس” وفي منظمات أخرى معنيّة بتوفير الإقامة لطالبي وطالبات اللجوء لديه معرفة متخصصة في مجالات كالعمل الاجتماعي والتعليم الاجتماعي والمهن الطبية . بدلاً من ذلك، غالبًا ما يكونوا من مجالات مهنية مختلفة تمامًا”. 

بدورها، ترى ناومي فيبر عموماً إشكالية في انخراط القطاع الخاص الربحي في مجال رعاية اللاجئين، وتقول: “عندما تعمل شركة خاصة من أجل تحقيق الربح، يجب أن نسأل أنفسنا، كم من الأموال يمكن للشركة إنفاقها من أجل توفير رعاية جيّدة لطالبي وطالبات اللجوء”.

في السياق، ترفض فيبر أيضاً  تحويل مجموعة معرضة للخطر وقادمة في إطار برنامج أممي للحالات الإنسانية الخاصة إلى سجن سابق وتوضح أن “هذا أمر مثير للاستغراب وإشكالي للغاية. لا يمكننا تفهم إيواء مجموعة من اللاجئين واللاجئات معرضة للخطر في سجن سابق. هذا أمر إشكالي من وجهة نظر علم النفس، لأن هذا المكان قد يثير بعض المشاعر أو – في أسوإ الأحوال – يُمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالصدمة مرة أخرى».

وتختم ناومي فيبر بالقول: “هذه مشكلة معقدة. فمن ناحية، نطالب بتلقي الأطراف الفاعلة المختلفة تدريباً أفضل وأكثر تفصيلاً: أي الأشخاص في مجال الرعاية والأمن و جلسات الاستماع الخاصة باللجوء. ومن ناحية أخرى، يحتاج الأشخاص المصابون بصدمات نفسية إلى مزيد من الدعم”.

لا يمكن للمكتب الحديث عن حالة لاجئ بعينه حماية لخصوصية الحياة الشخصية والبيانات.

بالنسبة لبرنامج إعادة التوطين

في سبتمبر 2013 ، قررت الحكومة الفدرالية استقبال 500 لاجئ معرض للخطر بشكل خاص في إطار برنامج إعادة التوطين. كان هؤلاء ضحايا الصراع السوري ولا سيما من فئة المعرضين للخطر وكذلك النساء. في سويسرا  تم توزيع الأشخاص الذين شاركوا في المشروع التجريبي على الكانتونات الثمانية. كان كانتون سولوتورن هو الكانتون التجريبي. كان جزء من البرنامج التجريبي لإعادة التوطين برنامج تكامل خاص بناءً على تدابير وأهداف حددتها الحكومة الفدرالية. تلقت الكانتونات مبلغاُ أكبر من الأموال لتنفيذ عملية الاندماج.
في الأساس ، يجب أن تكون نفس الإجراءات والعروض الخاصة ببرامج الاندماج في الكانتونات متاحة لإدماج اللاجئين المعاد توطينهم كما هو الحال بالنسبة للأشخاص الآخرين اللاجئين. لكن في البرنامج التجريبي ، استُكملت التدابير والعروض بتدابير تكامل محددة. على سبيل المثال ، تلقى اللاجئون تدريباً للاندماج لمدة عامين.

 كيفية تنفيذ البرنامج في كانتون سولوتورن

يوجد في كانتون سولوتورن نموذج من مرحلتين في نظام اللجوء. في المرحلة الأولى ، يتم قبول الأشخاص المحولين من قبل الحكومة الفدرالية في مراكز اللجوء في الكانتونات. خلال هذه الإقامة ، يتم تعريف الأفراد بالمبادئ الأساسية للغتنا ونظامنا القانوني وطريقة حياتنا. في المرحلة الثانية، يتم استكمال برنامج الاندماج من قبل البلدية. تم تكثيف هاتين المرحلتين امتثالاً لأهداف أمانة الدولة للهجرة في خطتها لإعادة توطين اللاجئين. وهذا يعني أن الاندماج قد بدأ بالفعل بشكل مكثف في مراكز اللجوء في الكانتونات وأن التدريب على الاندماج تم تنفيذه على مدار عامين.

في كانتون سولوتورن، تم توفير الرعاية والإقامة في سكن اللجوء في الكانتونات ، أي في المرحلة الأولى من قبل شركة او ار اس بناء على عقد التكليف. مع تنفيذ برنامج إعادة التوطين حصلت شركة او ار اس على تكليف بتقديم الرعاية والإقامة لهذه المجموعة الخاصة من اللاجئين وفقًا للوائح الفدرالية. كانت رعاية الأشخاص المصابين بصدمات نفسية جزءًا من المهمة في المرحلتين الأولى والثانية. يتحقق كانتون سولوتورن وتحديداً مكتب الضمان الاجتماعي، من استيفاء تنفيذ التكليف من حيث النوعية والكمية.

كجزء من البرنامج التجريبي لإعادة التوطين، تم إنشاء البرامج الجديدة الضرورية أو تحسينها وتطويرها بشكل أكبر. على سبيل المثال، عبر برنامج تكامل العمل للأشخاص المصابين باضطراب ما بعد الصدمة ، والتنسيق مع الرعاية الصحية المعنية واكتساب المزيد من المترجمين متعددي الثقافات وتدريبهم وتوفير التدريب التربوي النفسي في مراكز اللجوء في الكانتونات. كما تم تكييف متطلبات التدريب الإضافي للمشرفين في المرحلتين الأولى والثانية مع الوضع الجديد. وهذا يشمل أيضًا، على وجه الخصوص، تمكين موظفي الدعم للمجموعات الخاصة من اللاجئين. يتم استخدام الأخصائيين الاجتماعيين الحاصلين على التدريب المناسب لرعاية ومرافقة الأشخاص المعرضين للخطر بشكل خاص في مؤسسات اللجوء في الكانتونات.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية