مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل تُمثل بعض القنوات العربية فعلا تهديدا للأمن القومي الأمريكي؟

في القاهرة وفي مدن وقرى العالم تعلو الصحون اللاقطة أسطح المنازل والعمارات في الأحياء الشعبية والراقية على حد السواء

من أحدث التناقضات في السياسة الأمريكية أن يؤكد الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته على "ضمان حرية التعبير ورفع القيود المفروضة على حرية الصحافة بل والإنترنت"، ثم يقر مجلس النواب الأمريكي بأغلبية كبيرة مشروع قانون يلوح بفرض العقوبات التي تطبق على المنظمات الإرهابية على القنوات الفضائية العربية التي تحرض على معاداة الولايات المتحدة بحجة أنها تشكل "تهديدا للأمن القومي الأمريكي"؟!

فقد وافق مجلس النواب الأمريكي بأغلبية أعضائه (395) نائب مقابل رفض ثلاثة في الثامن من ديسمبر 2009 على مشروع قانون تبناه النائب الجمهوري جوس بيليراكيس والنائبة المجاهرة بمساندتها المطلقة لإسرائيل إيلينا روس ليهينين يطلب من الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” أن يقدم للكونجرس الأمريكي كل ستة أشهر تقريرًا عن مؤشرات معاداة الولايات المتحدة والتحريض على معاداة الولايات المتحدة وممارسة العنف ضد الأمريكيين في منطقة الشرق الأوسط، وبموافقة مجلس النواب على مشروع القانون الذي حمل رقم 2278 انتقل إلى لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي لمناقشته إذا ما تبناه عدد من أعضاء اللجنة وطالبوا بالتصويت عليه.

ويركز مشروع القانون على أربع قنوات فضائية يدّعي أنها تحرّض على العنف والإرهاب ضد الولايات المتحدة هي “الأقصى” التابعة لحركة حماس التي تبث من غزة ومحطة “المنار” التابعة لحزب الله الشيعي اللبناني و”الزوراء” و”الرافدين” العراقيتين، وادعت صياغة القرار أن تلك القنوات “تساعد على الترويج لأفكار المنظمات الإرهابية وتجنيد نشطاء جدد وجمع التبرعات لها” ومن ثم يطالب مشروع القانون بإجراءات عقابية بحق شركتي الأقمار الفضائية نايل سات وعرب سات بحجة سماحها ببث محطات تلفزيونية ذات طابع “إرهابي” ومعاد للولايات المتحدة.

ويطالب القانون باتخاذ إجراءات عقابية من بينها فرض عقوبات اقتصادية، ضد مالكي الأقمار الفضائية الذين يسمحون لمحطات تلفزيونية يعتبر الكونغرس أنها “تحرض على العنف ضد أمريكا والأمريكيين”، واعتبار مالكي الأقمار الصناعية التي تبث تلك القنوات من أقمارها داعمين للإرهاب وبالتالي يطالب الإدارة الأمريكية باتخاذ عقوبات وإجراءات ضد الجهات المالكة لتلك القنوات باعتبار أن “من يملكها أو يديرها إرهابيون”، من جهة، كما يحث مشروع القانون أن “تربط الولايات المتحدة علاقاتها والمساعدات المالية للدول الشرق أوسطية بمراقبة وسائل إعلامها”، من جهة أخرى.

دور اللوبي الإسرائيلي

وينتمي النائب الجمهوري جوس بيليراكيس عضو لجنة الأمن الوطني الأمريكي إلى مجموعة من نواب الكونجرس المحافظين الذين لا يُجاهرون بمعاداة العرب أو المسلمين ولكنهم يقايضون مساندتهم لطلبات اللوبي الإسرائيلي بتأمين إعادة انتخابهم والحصول على ما يزيد على مائة ألف دولار لفائدة حملاتهم الانتخابية، وهي مجموعة من النواب أصبح اللوبي يحبذها لتمرير قوانين تصب في صالح إسرائيل تحت غطاء حماية الأمن القومي الأمريكي.

والجديد المذهل في كيفية تمرير هذا القرار هو أن الذي قام بإجراء وإعداد الأبحاث التي تبرر طرحه للمناقشة والتصويت ليس طاقم مساعدي النائب بيليراكيس كما هو التقليد المعمول به في لجان الكونجرس الأمريكي، ولكن معظم مهمة التبرير تم إسنادها إلى “معهد أبحاث إعلام الشرق الأوسط” المعروف اختصارا باسم “ميمري” الذي يديره في واشنطن ضابط سابق في الموساد الإسرائيلي يدعى ييجال كارمون وهو يتقن اللغة العربية ويتفنن في إمداد أعضاء الكونجرس ووسائل الإعلام الأمريكية ومراكز الأبحاث بترجمات انتقائية لمقاطع مأخوذة خارج السياق الذي قيلت فيه مما تبثه قنوات التليفزيون العربية بهدف الترويج للمزاعم الإسرائيلية المتكررة القائلة بأن العرب غير مُحبين للسلام ويحرّضون على العنف والإرهاب.

وفي جلسة طرح مشروع القرار عرض معهد “ميمري” لقطات فيديو تضمنت ترجمة لتصريحات السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله ينتقد فيها الممارسات الإسرائيلية في المنطقة والمساندة الأمريكية لإسرائيل. ووصف البروفيسور نورمان فينكلستاين، الأستاذ السابق للعلوم السياسية بجامعة ديبول في شيكاجو ما يقوم به معهد “ميمري” بأنه إعادة استخدام لأساليب النظام النازي في البروباجندا. كما أكدت البروفيسور آن بيلوني أستاذة السياسات المقارنة بالكلية البحرية للدراسات العليا في كاليفورنيا بأن المتابع لفقرات تليفزيون المنار التابع لحزب الله سيجد أنها لا تطابق ما حاول القانون تعريفه بالتحريض على معاداة الولايات المتحدة وارتكاب أعمال عنف ضد الأمريكيين، وقالت إن القانون يرتكز إلى دوافع سياسية ضد حزب الله وما يدعو إليه من ثقافة المقاومة.

منظمة فريدم هاوس تقول لا

توجهت سويس إنفو إلى الدكتورة كارين كارليكر رئيسة تحرير تقرير “حرية الصحافة في العالم” بمنظمة فريدم هاوس التي تعني بالدفاع عن حرية الصحافة ونشر الديمقراطية في العالم لمعرفة رأي المنظمة في قرار مجلس النواب الأميركي فقالت: “تشعر المنظمة بقلق عميق إزاء هذا القرار لأنه يتناقض مع كل ما تدعو إليه الولايات المتحدة من ضرورة تأمين حرية التعبير وحرية الصحافة، ولعل أكثر ما يدعو إلى القلق هو التعميم الواسع في تعريف القانون للتحريض على معاداة الولايات المتحدة والذي يمكن أن ينطبق على كل الآراء التي يعبر عنها أصحابها في مقابلات أو برامج على القنوات الفضائية العربية إذا انطوت على انتقادات للسياسة الأمريكية في المنطقة، وبذلك يمكن تطبيقه على قناة الجزيرة وأي قناة عربية أخرى في غمار تغطياتها الإخبارية أو برامجها الحوارية”.

وترى الدكتورة كارليكر أنه “لو أجاز مجلس الشيوخ الأمريكي مثل ذلك القرار فإن الولايات المتحدة تكون بذلك قد أسهمت في إعاقة حرية الإعلام في العالم العربي بعد أن تمكنت بعض القنوات الفضائية العربية من تغيير المناخ الإعلامي في المنطقة وتوفير أجواء من الحرية والإنفتاح غير مسبوقة وكان على الكونجرس الأمريكي مساندة ذلك الانفتاح وليس محاربته”.

وقالت مسؤولة منظمة فريدم هاوس “إن المنظمة ستطلع لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ على معارضتها لذلك القرار وستنبه اللجنة إلى أن تمرير القانون قد ينطوي في نهاية المطاف على وقف بث قناة الحرة الأمريكية الموجهة للعالم العربي إذا تعرضت الشركات المالكة لقمري الاتصال عرب سات ونايل سات للعقوبات التي يلوح بها القانون حيث تبث قناة الحرة برامجها على هذين القمرين”.

بلد الحرية يقيد الحريات

ويرى الدكتور إدموند غريب أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية في واشنطن والمتخصص في تحليل الإعلام العربي والأمريكي أن الولايات المتحدة “ترسل بذلك القرار الرسالة الخاطئة إلى العالم العربي فبينما تطالب وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الصين باحترام حرية الصحافة ورفع القيود المفروضة على الإنترنت والسماح للمعارضة بممارسة حقها في حرية التعبير تنضم الولايات المتحدة إذا تم تمرير القرار في مجلس الشيوخ أيضا إلى أنظمة الحكم السلطوية في تكميم حرية التعبير في العالم العربي بينما يتركز ما تبقى من إعجاب عربي بالتجربة الأمريكية في قدر الحرية والديمقراطية التي يوفرها الدستور الأمريكي ولذلك سيكون من أكبر المفارقات أن تحاول دولة الحريات كبت حرية التعبير في العالم العربي.

وردا على سؤال لسويس إنفو عن عواقب تمرير مشروع القرار في مجلس الشيوخ ليعرض على الرئيس أوباما للتصديق عليه قال الدكتور إدموند غريب: “سيسفر ذلك عن تقويض واحدة من أبرز نقاط قوة الولايات المتحدة بل وسيلحق الضرر بصورتها في العالم وبجهود دبلوماسيتها العامة التي تحاول تحسين صورتها، كما سيمكن للعالم العربي تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل مع الإعلام الأمريكي بفرض رقابة أو حجب القنوات الأمريكية التي تصل إلى المنطقة لأن بعضها سمح باستضافة شحصيات أمريكية تناهض العرب والمسلمين وتحرض على معاداتهم وكراهيتهم، كما أن القانون سيرسخ صورة الولايات المتحدة كمن يكيل بمعايير مزدوجة حيث توجه أصابع الاتهام للقنوات الفضائية العربية بالترويج للإرهاب والتحريض على العنف ضد الولايات المتحدة، إذا أجرت مقابلات مع زعماء حماس أو حزب الله باعتبارهما حزبين سياسيين مشاركين في الحكومة بينما تعتبرهما الولايات المتحدة منظمات إرهابية، بينما تنقل شبكات التليفزيون الأمريكية تصريحات خالد مشعل وحسن نصر الله دون اتهامها بنفس التهمة”.

وخلص الدكتور غريب إلى أن مواجهة ما تراه الولايات المتحدة تحريضا على الكراهية والعنف “لا يكون بحجب القنوات العربية التي تناهض السياسات الأمريكية وإنما بمقابلة الفكر بفكر آخر من خلال إتاحة الفرصة لتنوع الأفكار وتعزيز المزيد من الانفتاح في مناخ الإعلام العربي وإظهار تقبل الولايات المتحدة للآراء المعارضة وإلا انضمت الولايات المتحدة إلى منظومة الرقابة على الإعلام التي تمارسها منذ عقود الأنظمة السلطوية العربية على حرية التعبير”.

محمد ماضي – واشنطن

هناك حاليا 696 ‏قناة عربية
تطلق بثها عن طريق 17 قمراً ‏صناعياً (أشهرها عرب سات ونايل سات ونور سات وهوتبرد)
515 قناة منها ناطقة بالعربية ويتوزع الباقي على عدد من اللغات الأخرى.‏
هناك 97 محطة حكومية، منها 49 جامعة، أي ‏منوعة و48 متخصصة، 599 هي قنوات خاصة، من بينها 161 قناة ‏جامعة و438 قناة متخصصة.
115 قناة ‏متخصصة بالموسيقى
، وحوالى 96 قناة تتخصص في الدراما من سينما ‏ومسلسلات،
يبلغ عدد القنوات الرياضية 56.
وصل عدد القنوات ‏الإخبارية إلى 34 قناة،
عدد القنوات الدينية 39. ‏

تعود ملكية معظم القنوات إلى “عمالقة البث الفضائي العربي”، ‏وهم:
«شبكة راديو وتلفزيون العرب» (88 قناة)
وشبكة «شو تايم» (48 قناة)
وشبكة ‏‏ «أوربيت» (33 قناة)
وشركة «المجد» (13 قناة)،

هناك أيضا مجموعات إم بي سي وروتانا وشبكة الجزيرة‏ القطرية التي تبث عددا كبيرا من القنوات العامة والمتخصصة.

(المصدر: التقرير السنوي حول البث الفضائي العربي 2009، نشر في يناير 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية