مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل حانت ساعة الحسم؟

الرئيس السويسري جوزيف دايس مع وزيرة الخارجية مشيلين كالمي راي لدى الإعلان عن توحيد الرؤى حول الخطوات النهائية للعلاقة مع الاتحاد الاوربي Keystone

على الرغم من اختلاف وجهات النظر بين برن وبروكسل بشأن الجزء الثاني من الاتفاقيات بين الجانبين، إلا أن الحكومة الفدرالية عقدت العزم على التمسك بكل مطالبها.

وقالت المستشارية الفدرالية بأن توقيع الاتفاقيات الثنائية بين سويسرا والاتحاد الأوربي يجب أن يتم في وقت قريب بعد التغلب على جميع نقاط الخلاف.

قليلة هي نقاط الخلاف العالقة بين برن وبروكسل عدديا، ولكنها في الوقت نفسه كثيرة في محتواها، على الأقل بالنسبة للكنفدرالية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بحرية تنقل الأشخاص وسرية الحسابات المصرفية ومكافحة التهرب الضريبي.

يبدو أن سير المفاوضات على طريقة “شد الحبل” بين الجانبين قد وصلت إلى منتهاها من وجهة نظر برن، فقررت تكليف الوفد المسؤول عن المباحثات مع بروكسل بإعداد الصيغ النهائية للحزمة الثانية من الاتفاقيات الثنائية، متضمنة ما تراه سويسرا حلا نهائيا للنقاط العالقة بينهما.

ولتأكيد عزم الحكومة الفدرالية على إغلاق هذا الملف برمته، ستشهد برن وبروكسل في الأسابيع القليلة القادمة لقاءات مكثفة على أعلى مستوى دبلوماسي لوضع النقاط على الحروف وإغلاق هذه الملفات العالقة بين الطرفين بشكل ترغب برن في أن يكون نهائيا.

لا مساس بالسرية المصرفية

أما حجر الزاوية في المرحلة المقبلة من المفاوضات فسيتركز على نقطتين هامتين، تتمثل الأولى في الحفاظ على سرية الحسابات المصرفية في سويسرا وضمان عدم فتح هذا الملف على المدى البعيد، وتتركز الثانية على تعريف مفهوم التهرب الضريبي، إذ ترى سويسرا أن هناك فرقا بين من يقوم بمخالفة ضريبية في بلاده ويفر بثروته إلى بنوكها، وبين من يودع أمواله باختياره الحر في المصارف السويسرية.

ففي الحالة الأولى أعربت سويسرا عن كامل استعدادها للتعاون مع سلطات الاتحاد الأوربي، على اعتبار أن الكونفدرالية لا تؤوي أموالا مشتبها فيها، وفي الحالة الثانية لا ترى سويسرا نفسها ملزمة بالإفصاح عن ثروات عملاء بنوكها، وهنا يأتي الحديث عن سرية الحسابات التي لن تقبل سويسرا المساس بها بأي حال من الأحوال.

وإذا كانت الحكومة الفدرالية أعلنت عن عزمها في الانتهاء من مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي، التي تدور منذ سنوات في حلقة شبه مفرغة، فهي في الوقت نفسه تحاول ترتيب صفوفها من الداخل في الملفات التي يدور حولها الجدل، ومن أهمها الموافقة على الدخول في اتفاقية شنغن، التي تسمح بحرية تنقل الأشخاص داخل دول الاتحاد الأوربي، ومعاهدة دبلن المتعلقة بتبادل المعلومات حول طالبي حق اللجوء السياسي في أوروبا.

“الخصوصية السويسرية” قبل كل شيء

فحزب الشعب السويسري اليميني الذي حقق نجاحا باهرا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لا يريد الموافقة على اتفاقية شنغن بشكل كامل، بل يريد إضافة “خصوصية سويسرية” عليها، تخوفا من تدفق عدد غير محدود من الأجانب – وخاصة من شرق أوربا – على البلاد.

في المقابل، ترى بروكسل بأن الاتفاقية تسمح بمراقبة صارمة لحدود الاتحاد الأوربي الخارجية، كما أن الدول الأعضاء في الاتفاقية تتعاون في مكافحة الجريمة المنظمة بمختلف أشكالها مثل تهريب المخدرات أو الدعارة أو التجارة غير القانونية في الكحوليات ومنتجات التبغ، كما تقاوم أيضا عمليات الهجرة غير الشرعية، ومن ثم فليس هناك مبرر للمخاوف السويسرية التي يثيرها حزب الشعب السويسري

في نفس السياق، تتيح معاهدة دبلن تعاونا شاملا بين الدول الموقعة عليها في ملفات طالبي اللجوء سواء من خلال توحيد المعايير أو الاحتياطات والتدابير الأمنية المتعلقة بملاحقة الفارين من قرارات الترحيل، إضافة إلى تبادل المعلومات وبصمات الأشخاص الذين تقدموا بطلبات اللجوء منعا لتكرار التقدم بطلب اللجوء في أكثر من دولة، أي أن سويسرا ستكون مستفيدة من انضمامها للمعاهدة التي ستتيح لها إمكانية أكبر لتبادل المعلومات مع دول الجوار.

وقد نجحت سويسرا في الحصول على استثناء وحيد في تطبيق اتفاقية شنغن، لتضم قسمين، الأول يسري مفعوله مباشرة مع دول الاتحاد الخمسة عشر، والثاني يشمل الدول العشر الجدد من شرق أوروبا التي ستضطر للمرور بمرحلة انتقالية تستغرق سبع سنوات كاملة لا تتساوى فيها مع الدول الأعضاء الحالية.

وفي النهاية فإن اتفاقية شنغن ومعاهدة دبلن ترتبطان ببعضهما البعض بشكل أو بآخر، ولا يرى الأوروبيون أي مبرر للمخاوف السويسرية، طالما أن الدول الأعضاء تفي بالتزاماتها طبقا لنصوصهما.

أقلية معارضة .. وأغلبية مترقبة

وهنا تدخلت المعارضة لتسمع صوتها. فحزب الشعب السويسري برز مجددا ليطالب بالفصل بين الاتفاقية والمعاهدة، ولم يقنع بالاستثناء الوحيد الذي حصلت عليه سويسرا في معاهدة شنغن، بل وهدد الحزب بطرح الملفين على الاستفتاء الشعبي، مثلما جاء في تصريحات نائب المتحدث الإعلامي للحزب سيمون كلاوزر بعد ظهر الفاتح من إبريل الجاري.

من جهتها ضمت منظمة “حركة من أجل سويسرا محايدة ومستقلة” صوتها إلى صوت حزب الشعب السويسري اليميني لتعلن على لسان رئيسها هانز فير بأن موافقة الحكومة الفدرالية على شينغين ودبلن ليست سوى “خطوة أولى للالتحاق التام بالاتحاد الأوربي”، حسب رأيه.

وعلى عكس هذين الموقفين، انتقد حزب الخضر السويسري توجه الحكومة ولكن من وجهة نظر أخرى. فقد اعتبر بأن الحكومة الفدرالية تحاول بموقفها هذا أن تنزع الجانب الجميل في التعاون مع دول الجوار، ولن يؤدي هذا إلا إلى الدخول في طريق مسدود، بفضل تمسك الحكومة بـ”الاستثناءات” و”الخصوصية السويسرية”. ولا يرى الخضر إلا الالتحاق الكامل بالاتحاد الأوربي كمخرج لسويسرا من عزلتها وسط القارة.

في الوقت نفسه أعربت بقية الأحزاب السويسرية عن تأييدها لقرار الحكومة اعتزامها إنهاء المفاوضات مع الاتحاد الاوربي بشكل حاسم، فقال الحزب الاشتراكي بأنها خطوة ضرورية، تساهم بها الحكومة في منع استمرار عزلة سويسرا عن جيرانها، أما المسيحيون الديموقراطيون، فعبروا عن إعجابهم بالسياسة البراغماتية التي تنتهجها برن الآن مع الملف الأوروبي، وقال السكرتير العام للحزب ريتو ناوزه بأن تلك الخطوة ستقف أمام محاولات “اليمين المتطرف” لمنع استكمال المفاوضات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي.

في الوقت نفسه، رأي الحزب الراديكالي بأن إعلان الحكومة الفدرالية عزمها حسم المفاوضات مع الاتحاد الأوربي يتماشى مع برامجه وأفكاره، لكن الحزب احتفظ في الوقت نفسه بحق انتقاد ما يُـمـكن أن يُـسفر عن المفاوضات من نتائج.

ولم يتخلف الأعراف وأوساط المال والأعمال عن التعليق على التفاعلات الجديدة حيث أيدت رابطة أرباب العمل السويسريين التوجه الحكومي، أملا في الحصول على المزيد من الامتيازات لدعم القطاعات الصناعية والخدمية على حد السواء.

بروكسل لا ترى جديدا!

ومن خارج سويسرا جاء تعليق الاتحاد الأوروبي على قرار الحكومة السويسرية مفاجئا، إذ اعتبر أن قرار الحكومة الفدرالية لم يأت بجديد، لذا لن تغير بروكسل من استراتيجيتها مع سويسرا.

إن سعي سويسرا الدائم للخروج من الاتفاقيات الثنائية مع الاتحاد الأوربي بأكبر قدر من المكاسب واقل ما يمكن من الخسائر، من خلال محاولة فرض “الخصوصية السويسرية” في كل ما يمكن أن تراه سلبيا، قد أدى إلى نتائج عكسية. فقد اتضح اليوم أن الاتحاد الأوربي، أو بعض الدول الأعضاء فيه على الأقل، قد سئمت من هذا الأسلوب المماطل، واتجهت إلى التعامل مع سويسرا على أنها ليست جزءا من القارة الأوروبية.

وكانت أحدث صدمة من برلين التي شددت المراقبة على حدودها مع الكنفدرالية، وبدأت في التعامل مع أغلب المؤسسات المالية السويسرية على غرار مثلما تتعامل مع نظيراتها من خارج القارة الأوربية. لذلك لا يستبعد عدد من المراقبين أن تكون هذه التحركات قد ساهمت في دفع الحكومة الفدرالية إلى اتخاذ قرارها الحاسم بتعجيل انهاء المفاوضات مع الاتحاد الأوربي، بدلا من أن تجد نفسها لسنوات طويلة أخرى على قائمة الانتظار، مع ما قد يعنيه ذلك من مشاكل وعواقب.

تامر أبو العينين – سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية