مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

واشنطن تـنـقِــذ “منتدى المستقبل” وتفرِض على جميع الأطراف تغيير حساباتها

AFP

يُـمكن اختِـزال منتدى المستقبل السادس، الذي احتضنه المغرب مؤخرا للمرّة الثانية، في ثلاثة مشاهد معبرة.

انطلق المشهد الأول في مدينة الدار البيضاء، بانعقاد اجتماع منظمات المجتمع المدني لمدّة يومين، وكان حصاده ضعيفا بشكل غير مسبوق. أما المشهد الثاني، الذي استقطب الأضواء، فقد كان أبطالُـه ممثِّـلو الحكومات، وفي مقدِّمتهم وزيرة الخارجية الأمريكية، التي بالرغم من أن حضورها في أشغال المؤتمر لم يتجاوز الساعة، إلا أنها حدّدت مسارَه وأعطَـته دفْـعا جديدا.

آخر محطة كانت في اللِّـقاء الذي جمع هيلاري كلنتون مع عدد من نشطاء المجتمع المدني والذي أرادت من خلاله أن تُـبلغ رسالة إلى أكثر من طرف وجِـهة، بعد أن كثُـرت التساؤلات حول الموقِـف الحقيقي لإدارة الرئيس أوباما تُـجاه دعْـم الديمقراطية في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط عموما.

المنتدى.. في غرفة الإنعاش!

كاد المنتدى المُـوازي لمنظمات المجتمع المدني، أن يتبخّـر هذه المرة أو أن لا يتمكّـن من الإنعقاد أصلا. فالمشاركون تلقَّـوا الدّعوات قبْـل يومين فقط من موعِـد الإجتماع، وهو ما حال دُون حُـضور العديد منهم، كما فوجئ الذين حضروا بتغيير عُـنوانه الذي لم يعُـد المُـنتدى الموازي بل أصبح يُسمى “الإجتماع التحضيري لمُـنتدى المستقبل”، وتبيّـن أن بعض الحكومات العربية، هي التي وقفت وراء هذا التغيير الأساسي لدور المنتدى ووظيفته، بحجّـة أن كلمة “المُـوازي” تُـوحي بالمُـعارضة للأنظمة وتتناقض مع مبدإ “الشراكة”.

مع ذلك، استعرض المشاركون في اجتماع الدار البيضاء ما تمّ الاتفاق حوله في الورَشات الثلاثة التحضيرية، التي سبقت انعقاد المنتدى. عُـقدت الأولى بالرباط، حيث تناولت جوانِـب الإصلاح السياسي، وناقشت الثانية، التي تمّـت في بيروت، المِـحور الاقتصادي والاجتماعي، وأخيرا، احتضنت الدوحة ورشة “الأمن الإنساني”.

وبالرغم من مشاركة مُـمثِّـلي الحكومات في أشغال هذه الورَشات، وهو ما بدا مُـحاولة منهم لفهْـم ما تُـطالب به منظمات المجتمع المدني، لكن ما حدث لاحقا تمثل في رفْـض الجانب الحكومي مُـعظم التوصِـيات التي صدَرت عن اللِّـجان وتمّ استبدالُـها بنصوص توفيقية عامة، وهي النُّـصوص التي اعتُـمدت فيما بعدُ خلال المنتدى الرسمي.

تراجُـع الأمل والحماس

وقد دار جدلٌ واسعٌ بين المشاركين حول كيفِـية تفعيل الحِـوار مع الحكومات واعتبروا أن تجربة السنوات الخمس الماضية، لم تُـسفِـر عن شراكة حقيقية بين الطرفين، وهو ما جعلهم هذه المرّة ينتهِـجون مُـقاربة مُـختلفة، فقلّـلوا من عدد المطالِـب وتقدّموا بمُـقترحات ومشاريع محدودة قابِـلة للتنفيذ، عسى أن يتِـمّ قَـبولها من المنتدى الرسمي.

لكن بالرغم من ذلك، فإن نشطاء المجتمع المدني بدَتْ عليهم علامات تراجُـع الأمل والحماس، وعبّـر الكثير منهم عن شكِّـه في إمكانية التوصّـل إلى “شيء ما” مع الحكومات.

بدأ المشهد الثاني في مدينة مراكش بتجمّـع محدود، نظّـمته الأطراف السياسية والمدنية المغربية المناهضة لمنتدى المستقبل، والتي أشاعت بأن وفْـدا إسرائيليا يُشارك في أشغال المنتدى الرسمي. وقَـف العشرات قرِيبا من الفُـندق الذي يُـقيم به زملاؤهم من المجتمع المدني، الذين رفضوا مبدأ المقاطعة، رافعين شِـعارات مُـندِّدة بالإمبريالة ورافضة للتطبيع.

وفي فندق النخيل الجميل، انطلقت صباح يوم الثلاثاء 3 نوفمبر جلسة افتِـتاح الدّورة السادسة لمنتدى المستقبل. وبالرغم من المساعي التي يبدو أن الخارجية الأمريكية قد قامت بها لدى أصدقائها في المنطقة، إلا أن عددا لافِـتا من وزراء الخارجية العرب تغيبوا عن الإجتماع، وفي مقدِّمتهم مصر، التي قرّرت أن يكون تمثيلها على مستوى سفير.

الكلمة الوحيدة السياسية التي لفَـتت الاهتِـمام، كانت كلمة السيدة كلنتون، التي استعرضت المقاربة الجديدة للإدارة الأمريكية لمسألة دعْـم الإصلاح فيما تُـسمِّـيه بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

هذه المقارَبة تعتمِـد بدرجة أساسية على تقديم المساعدات لإنجاز مشاريع مَـيْـدانية، تتعلّـق بالتعليم ورفع مهارات الشباب وخلْـق مواطِـن عمل ودعْـم النساء، وهو ما من شأنه، حسب اعتقاد وزيرة الخارجية في إدارة الرئيس أوباما، أن يوفِّـر الشروط والبِـيئة المُـناسبة للإصلاح السياسي، كما أنه في المقابل، يُـمكِّـنها من تجنّـب الاصطِـدام مع أنظمة الحُـكم الذي أربَـكتها وأخافتها مقاربة الرئيس بوش السابقة عندما أكّـد أكثر من مرة على أن “الإصلاح السياسي هو المدخَـل لفَـرض الديمقراطية”.

“حوار الطرشان”

أما ممثِّـلو الحكومات العربية والغربية، فقد قرأ كلُّ واحدٍ منهم نصّ خطاب دافَـع فيه عن سياسة بلاده، وأكّـدوا على أنهم سائِـرون في طريق الإصلاح. وفي المقابل، وجَـد ممثلو المجتمع المدني أنفسَـهم محاصَـرين بالوقت، إذ بعد أن تمّ وعدُهم بأنهم سيُـمنحون نصف ساعة لمداخلاتهم، تمّ إعلامهم عشية انعقاد المؤتمر، بأن حصّـتهم قد تراجعت إلى حدود 15 دقيقة.

ومع ذلك، تمكّـن بعضهم من عرْض عددٍ من الأفكار والمطالِـب السريعة، ومنها كلمة د. سعد الدين إبراهيم، الذي طالب بأن تُـجرى الانتخابات القادمة في كلٍّ من مصر والعراق، بحضور مراقبين دوليين، حتى تكون النتائج “مقبولة على الصعيديْـن، المحلي والدولي”، كما طالب الحكومات الغربية بالكفِّ عن دعْـم “الطُّـغْـيان والاستِـبداد في المنطقة”.

لكن مع ذلك، ظل مُـعظم الرسميين يتحدّثون عن إنجازات حكوماتهم، ولم يعقِّـب السفير المصري على كلِـمة سعد الدين إبراهيم، مكتفِـيا بالحديث عن الأزمة الاقتصادية العالمية، وهو ما جعل أحد نشطاء المجتمع المدني يصِـف الوضع بأنه “حوار الطّـرشان”، هذه العبارة التي أغضبت البعض وأثارت ردود فِـعل ممثِّـل دولة البحرين والرئاسة المغربية، ممثّـلة في وزير الخارجية الفاسي الفهري.

في المشهد الثالث، تقِـف وزيرة الخارجية الأمريكية داخل قاعة مُـنفصلة بين تِـسع شخصيات من المجتمع المدني وتُـعلن في هذا اللِّـقاء، الذي دام قُـرابة ثلاثين دقيقة، عن دعم الإدارة الأمريكية لنُـشطاء المنطقة، الذين يتعرّضون للإضْـطِـهاد والتّـهميش، وأضافت بأنها “أرادت من خِـلال هذا اللِّـقاء، التأكيد على أن الحريات والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، قضية ذات أولوية لدى الرئيس باراك أوباما”.

المنتدى لم يمُـت بعدُ

وعندما سُـئلت عن سبب عدم تعرّضها لمسألة الإصلاح السياسي في خِـطابها الذي ألقته أمام ممثلي الحكومات، ذكرت بأنها أشارت إلى ذلك بمقاربة أكثر شُـمولا. فالعِـبرة، كما قالت، ليست بكلام عام وحماسي يُـثير التّـصفيق، مؤكِّـدة بكلِّ وُضوح من خلال لقائها بمُـمثلي المجتمع المدني، سعْـيَـها نحو توفير بِـيئة تشريعية مُـساعدة للعمل الجمْـعياتي بالمنطقة.

كانت تلك المحطّـات الثلاث الرئيسية لمنتدى المستقبل بالمغرب، وكان واضحا أن إدارة الرئيس أوباما قد اختارت بعد تردُّدٍ، أن تدْعَـم آليّتيْـن من بقايا مرحلة الرئيس بوش، وهما مؤسسة “ميبي” MEPI المختصّـة في تمويل مشاريع منظمات المجتمع المدني بالمنطقة، وثانيا، المحافظة على منتدى المستقبل وتفعيله، وهو ما جعل عديد الحكومات العربية تعيد حساباتها، بعد أن ساد التوقُّـع بأن اجتماع المغرب سيكون بمثابة إطلاق لرصاصة الرّحمة على هذا المسار الذي انطلق عام 2004.

وفي هذا السياق، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن استعدادها لتوفير نِـصف ميزانية مشروع إنشاء مركز للجندرة، الذي أعدّت مشروعه منظمة غير حكومية تُـركية تعمل على تحقيق المساواة بين الجنسيْـن، كما أبدَت قَـطر استعدادها لاحتضان منتدى المسقبل السابع، وذلك بالإشتراك مع كندا، وهذا يعني أن المنتدى لم يمُـت، لكن المحصّـلة جاءت هذه المرة ضعيفة، كما أن أطرافا عديدة قد نجَـحت في مسْـعاها لتحجيم مشاركة المجتمع المدني في اشغاله.

فهل تكون دورة الدوحة أفضل حالا؟ الجواب في موعد العام المقبل.

صلاح الدين الجورشي – مراكش – swissinfo.ch

أكّـد ميكائيل أمبوهل، كاتب الدولة السويسري للشؤون الخارجية ورئيس الوفد السويسري في الكلمة التي ألقاها أمام المشاركين في الدورة السادسة لمنتدى المستقبل، على أن بلاده “دعمت هذا المسار منذ انطلاقته” وأكد أن “سويسرا عمِـلت على أن تتفاعل مع الأوضاع الحرِجة في العالم”.

وأشار في هذا السياق إلى “بيان جنيف” الذي وقّـعت عليه 138 دولة، كما أكّـد أيضا على حِـرص الحكومة الفدرالية على توفير الدّعم لتطوير قُـدرات الحكومات المحلية، باعتبار أن ذلك يمثل “عامِـلا حاسما في تقوية الأنظمة الديمقراطية”، مشيرا في هذا السياق، إلى المساعدات التي قدّمتها سويسرا لرفع الكفاءات، في كل من مصر واليمن ولبنان وغيرها من دول المنطقة.

كذلك، أبرز السيد ميكائيل أمبوهل في كلمته، الدّعم الذي تقدِّمه سويسرا إلى مؤسسة المستقبل، التي تتولّـى تمويل منظمات المجتمع المدني. وعلى هامش الاجتماع الرّسمي، التقى رئيس الوفد السويسري بالسيدة نبيلة حمزة، المديرة التنفيذية لمؤسسة المستقبل، التي أطلَـعته على الجُـهود التي تقوم بها المؤسسة، شاكِـرة الدولة السويسرية على مساعداتها، باعتبارها أحد الشركاء الأساسيين التي تعتمد عليها المؤسسة.

وفي تصريحات خاصة بـ swissinfo.ch من مراكش، اعتبر السيد جون بيير ريمون، نائب رئيس الوفد السويسري ونائب المدير العام للدائرة السياسية المعنية بشمال افريقيا والشرق الأوسط بوزارة الخارجية السويسرية أنه من الضروري “السعي إلى تجسيد مشاريع مع المجتمع المدني، تساعد على إدماج المرأة وتشجِّـع على حرية التعبير بشكل عام، إضافة إلى مشاريع في المجال التربوي وفي مكافحة الفقر”.

وأضاف السيد ريمون أن “سويسرا تدعم بشكل ملموس مؤسسة المستقبل، وهي ممثّـلة فيها من طرف السيد كورنيليو سومّـاروغا، الرئيس السابق للجنة الدولية للصليب الأحمر، كما منحت سويسرا مليون فرنك لهذه المؤسسة التي تدعَـم مشاريع ملموسة في منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط الأوسع”.

وفي ردٍّ على سؤال يتعلّـق باهتمام سويسرا بدعم الديمقراطية وعمليات الإصلاح السياسي في معظم بلدان المنطقة، أجاب السيد جون بيير ريمون: “نعم، بالتأكيد، وبكلمة أخرى، تعزيز قِـيم من قبيل حرية التعبير وحرية التجمّـع والتنظّـم، وهي قـيم نشترك فيها جميعا، إلا أن الأساليب التطبيقية يُـمكن أن تختلف بالتأكيد من مكان إلى آخر”.

وأضاف يقول: “في مثل هذا النوع من المنتديات، يُـمكن فعلا إجراء حوار، وهنا يُـمكن أن نشترك جميعا وبآليات ملائمة في تعزيز القِـيم التي تدعمها جميع البلدان المشاركة”.

وفي الختام، أكّـد المسؤول في وزارة الخارجية السويسرية على أن “الإصلاحات تحتاج، مثلما هو الحال في كل مكان، إلى شيء من الصبر والإستمرارية”.

(أجرى الحوار مع السيد جون بيير ريمون عبر الهاتف من برن الزميل مارك – أندري ميزري (من القسم الفرنسي) مساء 3 نوفمبر 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية