مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

وجهٌ جديد لتسوية نزاع قديم

هل سيتمكن الهولندي بيتر فان فالسوم من تحقيق الآمال الأممية المعلقة عليه لتحريك ملف الصحراء الغربية؟ Keystone

بعد تعيين كوفي أنان لمبعوثه الشخصي الجديد إلى الصحراء الغربية، يبقى ملف النزاع الصحراوي، على الأقل في المرحلة المنظورة، يتنقل في أروقة الأمم المتحدة.

وتُضاف للملف أوراق بمقاربات جديدة أو قديمة تتجدد، والنزاع يشتد أو يخفت دون أن تحمل تطوراته آمالا بتسوية تشعر كل أطرافه أنها حققت بعضا مما سعت إليه طوال 30 عاما.

وقع اختيار الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان على الدبلوماسي الهولندي بيتر فان فالسيوم لشغل منصب مبعوثه الشخصي المكلف بالنزاع الصحراوي. وجاء التعيين -الذي أعلن عنه يوم 26 يوليو الماضي- بعد مداولات طالت بين أعضاء مجلس الأمن الدولي أو الدول المعنية والمؤثرة في تطوراته، ليس خلافا على شخصية المبعوث، بل لأن أطراف النزاع ترى في المبعوث لاعبا أساسيا في تقديم النزاع وتطوراته إلى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ القرار الدوري حول النزاع.

الدبلوماسي بيتر فان فالسيوم يتولى منصبا استحدث 1997 على مقاس وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر، إشارة للاهتمام العالمي في بداية عهد كوفي عنان أمينا عاما للأمم المتحدة بالنزاع الذي -وإن كان متحكما في العلاقات بين دول الإقليم ويحول دون تعاونها، إلا انه لا يهدد الأمن الإقليمي أو الدولي.

ولم تكن الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، تنظر في تعطيل تسويته إلا من زاوية ما يحمّله لميزانية الأمم المتحدة من أعباء مالية (حوالي 50 مليون دولار سنويا) تحتاج إليها بنود صرف أخرى أو مناطق تعاني من ويلات الحروب أو المجاعة أو الأوبئة.

خلفية ..

استحداث منصب المبعوث الشخصي واختيار جيمس بيكر لإشغاله، جاء بعد أكثر من سنتين من جمود مسلسل تسوية النزاع الذي كانت تشرف عليه المنظمة الدولية، وبعد وصول الدبلوماسية الأمريكية، مع أطراف النزاع مباشرة وخارج إطار الأمم المتحدة، إلى خطوط عريضة لتحديث التسوية في إطار المسلسل.

واعتبر المنصب وشاغله، إشارة على اقتراب تطبيق التسوية وإنهاء النزاع، دون إدراك الفاعلين بالتسوية على الصعيد الدولي تعقيدات النزاع وشروط تسويته وتشابكاته مع حساسيات دول الإقليم وعلاقاتها التنافسية المتوترة.

وخلال الشهور الأولى من توليه منصبه، نجح جيمس بيكر من خلال تحركاته في الإقليم أو العواصم المؤثرة بالنزاع أن يجمع ولأول مرة تحت راية الأمم المتحدة، وفي مفاوضات علنية، المغرب وجبهة البوليزاريو الساعية لإقامة دولة مستقلة في المنطقة المتنازع عليها والتي يقول المغرب إنها جزء من ترابه الوطني.

والتقى ممثلو الطرفين بالإضافة إلى ممثلي الجزائر وموريتانيا كأطراف معنية في كل من لشبونة ولندن وبرلين. وتوج نجاحه في اتفاقية “هيوستن” في سبتمبر 1997 التي أخرجت تسوية النزاع من غرفة الإنعاش دون أن تخرجها من المصحة، ولتعود بعد ذلك بشهور قليلة إلى غرفة الإنعاش مرة أخرى. ولازالت منذ ذلك الحين وهي راقدة على سريرها في حالة موت سريري، دون أن تجرؤ الأمم المتحدة أو أطراف النزاع على الإعلان رسميا عن موتها وبالتالي دفنها.

توهان الصحراء وسط التوترات العالمية

كان جيمس بيكر يحظى لدى تعيينه مبعوثا خاصا بدعم واشنطن الديمقراطية التي كانت تأمل دفع النزاع نحو تسوية مؤقتة، تقوم على مزج اتفاقية أوسلو الفلسطينية الإسرائيلية من زاوية الحكم الذاتي المؤقت واتفاقية دايتون لتسوية النزاع في البوسنة من زاوية حق تقرير المصير، كانت دبلوماسيتها حققت فيها -خلال السنتين اللتان سبقتا تعيين بيكر بمهمته- تقدما دون أن تصل إلى صياغته على الورق، على أمل أن ينجز بيكر هذه المهمة.

وأضافت واشنطن الجمهورية بعد 2000 دعما لبيكر بحكم دوره في الحملة الانتخابية للرئيس جورج بوش. لم تكن واشنطن تقدم دعمها لبيكر تلويحا بالعصا لأطراف النزاع التي كانت تستجيب، وان كان التواء أو التفافا على مطالبها، بل بالجزرة أحيانا والتجاهل أحيانا أخرى بعد أن بدأت توترات عالمية أخرى تأخذ المزيد من الاهتمام الأمريكي خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر، وما تبعها من احتلال لأفغانستان والإعداد للحرب على العراق واحتلاله ثم التورط في الاحتلال وتبعاته.

جيمس بيكر حاول خلال سنوات مهمته الانتقال من البحث عن تسوية دائمة إلى تسوية مؤقتة تؤدي إلى الدائمة، وأعاد سنة 2000 الروح إلى الحكم الذاتي المؤقت، التي لا زالت مقبولة من أطراف النزاع، لكن تراوح مكانها دون الاتفاق على تفاصيل أحكامها وعلى مآلها النهائي.

فالمغرب يصر على أن يكون الحكم الذاتي هو هذا المآل، في حين تصر جبهة البوليزاريو على أن الحكم الذاتي يجب أن يكون مؤقتا لفترة محدودة يتبعها استفتاء يقرر من خلاله الصحراويون مصيرهم في دولة مستقلة أو الاندماج بالمغرب، وفق ما تقره التسوية منذ أن بدأت قرارات بمنظمة الوحدة الإفريقية 1979 وانتقالها للأمم المتحدة منذ 1985 حتى الآن، وما أصدره مجلس الأمن من قرارات وافق عليها أطراف النزاع علنا ورسميا، بغض النظر عن مدى رغبتهم الحقيقية في تطبيقها.

مهام متوقعة للمبعوث الجديد

جيمس بيكر قدم منتصف 2004 استقالته كمبعوث شخصي للامين العام للأمم المتحدة للتفرغ لحملة الرئيس بوش الانتخابية للدورة الرئاسة الثنائية على أمل أن يتولى رئاسة الدبلوماسية الأمريكية خلفا لكولين باول الذي كان واضحا تلاقي رغبته ورغبة الرئيس بوش في ترك المنصب.

لكن يبقى الدافع الرئيسي لاستقالة بيكر انه وجد أن البحث عن تسوية لنزاع لا تريد أطرافه الوصول إلى ما هو مقبول لكليهما، وان الولايات المتحدة والأمم المتحدة لم تصلا إلى الاقتناع بإستخدام الإلزام على أطراف النزاع في تطبيق القرارات ذات الصلة.

الدبلوماسي الهولندي فان فالسيوم عُين مبعوثا لتسوية نزاع الصحراء الغربية في وقت تتمسك فيه أطرافه بموقفها ومقاربتها للنزاع وتسويته، مدركة أن الأمم المتحدة ونيويورك ليست في وضعية تسمح لها بفرض تسوية أو مقاربة على أطراف، وان الاهتمام بالنزاع وتسويته قد تراجع كثيرا ما دام الفاعلون في تسويته مشغولين في ملفات أخرى من جهة، ومن جهة ثانية، أن النزاع لن يصل إلى مرحلة تهديد السلام الإقليمي أو العالمي لان الأطراف، رغم ما تعلنه بين فينة وأخرى من تهديدات، لن تعود إلى العمل المسلح في التعاطي مع الملف.

لذلك ستكون مهمته خلال المرحلة القادمة والى أن تتغير مقاربات ورؤى وحسابات الأطراف المتنازعة أو الأطراف الدولية الفاعلة، في تدبير الملف والتجول في عواصم الإقليم والاجتماع مع المسؤولين هنا أو هناك، ومتابعة وضعية جنود الأمم المتحدة وبعثتها في المنطقة وإعداد التقارير للامين العام يمهد فيه لقرارات جديدة لمجلس الأمن تتخذ بمناسبة التجديد للبعثة الدولية في الإقليم المتنازع عليه.

محمود معروف – الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية