مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

يجب معالجة الأسباب الحقيقية

الصادرات المصرية قد تنتعش نتيجة لخفض سعر الجنيه المصري مقابل الدولار swissinfo.ch

القرارات الحكومية المصرية التي صدرت مؤخرا لإعادة تنظيم سوق وسعر الصرف تمثلت في تخفيض سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار بنسبة 6.4% دفعة واحدة، لتصل نسبة انخفاضه إلى نحو 21.5% خلال الإثني عشر شهرا الماضية، وزيادة هامش حركة سعر الدولار في البنوك وشركات الصرافة عن السعر الذي يعلنه البنك المركزي من 1.5% إلى 3%. لكنها لا تبدو كافية على الرغم من أهميتها

ومن البديهي أن هذه القرارات سوف يكون لها آثار مهمة على الاقتصاد المصري ومن المنتظر أيضا أن تنعكس على مؤشرات أدائه وعلاقاته الخارجية. ولكن ما هي الآثار المتوقعة لهذه القرارات ؟ وهل تتطابق هذه الآثار المتوقعة مع الأهداف الحكومية المعلنة منها؟

أول أثر مباشر للقرارات الأخيرة، سيتمثل في ارتفاع أسعار الواردات المصرية عند تقديرها بالجنيه المصري في السوق المحلية، بما يؤدي إلى انخفاض الطلب على الواردات. وبالمقابل فإن الصادرات المصرية غير التقليدية ( لا تشمل النفط والغاز والقطن) سينخفض سعرها مقدرا بالدولار والعملات الحرة الأخرى بما يساهم في زيادتها، لتكون نتيجة انخفاض الواردات وتزايد الصادرات، تحسن الميزان التجاري المصري المختل بشدة والذي وصل العجز فيه إلى نحو 10.5 مليار دولار في عام 2000 بما يوازي نحو 11% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر في العام المذكور. وهذا التحسن في الميزان التجاري هو هدف رئيسي معلن للإدارة الاقتصادية المصرية.

لكن هذه النتيجة نظرية ويمكن أن تتحقق أو أن لا تتحقق، لأن الواقع الحالي يشير إلى أن الواردات المصرية التي بلغت قيمتها 17.6 مليار دولار عام 2000، يمكن أن تستمر كما هي أو حتى تتزايد، سواء لأن الجانب الضروري منها مثل الحبوب ومستلزمات الإنتاج والسلع الوسيطة والآلات، لا يمكن تخفيضه، أو لأن واردات السلع الكمالية لن تنخفض لأن الفئات التي تستهلكها سوف تستمر في استهلاكها حتى لو ارتفعت أسعارها. وفي هذه الحالة سيكون الأثر الأساسي لتخفيض الجنيه على الواردات هو رفع أسعارها وربما خلق موجة من ارتفاع أسعار السلع المحلية المناظرة لها، وذلك إذا لم تقترن الإجراءات الأخيرة بترشيد الواردات أي وقف استيراد العديد من السلع الكمالية.

وعلى الجانب الآخر فإن تزايد الصادرات هو أمر ممكن لكنه غير مضمون، وهو يتوقف على قدرة الجهاز الإنتاجي المصري على زيادة الإنتاج من السلع القادرة على المنافسة من زاويتي الجودة والسعر، ويتوقف أيضا على وجود طلب خارجي على الصادرات المصرية وهو أمر يتحدد بناء على الظروف الاقتصادية للشركاء التجاريين لمصر.

ارتباط غير مأمون العواقب

ومن ناحية أخرى، فإن ربط الجنيه بالدولار ، وتحرك سعر صرف العملة المصرية مقابل العملات الحرة الرئيسية بشكل تابع لحركة الدولار مقابل هذه العملات، يمكن أن يفسد الآثار الإيجابية لتخفيض الجنيه، لأنه لو ارتفع الدولار مقابل العملات الأوروبية والآسيوية ، فإن الجنيه المصري سيرتفع أمام هذه العملات وسيرتفع بالتالي، سعر الصادرات المصرية في بلدان هذه العملات، مما يعني تدهور القدرة التنافسية لهذه الصادرات وانخفاضها، مقابل تراجع أسعار الواردات المصرية من هذه البلدان وتزايد الاستيراد المصري منها، مما يضر بالميزان التجاري المصري.

كذلك فإن البنك المركزي المصري، عليه –وفقا للقرارات الأخيرة- أن يلبي الطلبات المتراكمة للدولار والتي وصلت إلى 1.2 مليار دولار قبل القرارات الأخيرة. وهذا يعني أنه سيتم استنزاف المزيد من الاحتياطيات الدولية لمصر من العملات الحرة، علما بأن هذه الاحتياطيات تشكل عنصرا مهما في تحديد الجدارة الائتمانية لمصر، والتي ما تزال في مستوى معتدل حتى الآن.

ومن ناحية أخرى فإن القرارات الأخيرة تستهدف تشجيع تدفق الاستثمار الأجنبي إلى مصر، لأنها تعني أن العملات الحرة أصبحت قادرة على شراء أصول مصرية أكبر من تلك التي كان من الممكن أن تشتريها من قبل. لكن فعالية تخفيض الجنيه المصري في زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى مصر، تتحدد أساسا من خلال الانطباع السائد عن مصر لدى الشركات الكبرى المسئولة عن ضخ الجانب الأعظم من الاستثمارات المباشرة في كل أنحاء العالم.

معالجة الأسباب الحقيقية

وعلى صعيد آخر فإن الحكومة المصرية أعلنت أن قراراتها الأخير لضبط سوق الصرف ستنهي الانفلات فيه، وستقضي على السوق السوداء المحدودة حتى الآن. لكن النتيجة المتوقعة قد تكون على غير ما تشتهي الحكومة، لأن حصيلة النقد الأجنبي في السوق السوداء تستخدم في تمويل تهريب المخدرات من الخارج أو تهريب الأموال الناتجة عن نشاطات غير مشروعة للخارج سواء ارتبطت بالاقتصاد الأسود عموما أو بالفساد كجزء منه. ومن أجل القضاء على السوق السوداء في النقد الأجنبي، لا بد من القضاء على المنافذ التي تصرّف من خلالها حصيلتها من النقد الأجنبي والتي أشرنا إليها أعلاه.

وإذا كان العجز التجاري المصري الكبير هو المسئول الرئيسي عن اضطرابات سوق الصرف، وإذا كان ربط الجنيه المصري بالدولار هو مصدر لاضطراب التعاملات الاقتصادية الخارجية لمصر ولتزايد العجز في الميزان التجاري وللضغط على سعر صرف الجنيه المصري، وإذا كان خروج النقد الأجنبي من مصر كآلية لتهريب الأموال الناتجة عن نشاطات غير مشروعة، أو لتمويل تهريب المخدرات لمصر، هي الأسباب الرئيسية للضغوط على استقرار سوق وسعر الصرف في مصر، فإن تحقيق استقرار طويل الأجل لسوق وسعر الصرف في مصر يتطلب معالجة هذه الأسباب الحقيقية بالأساس.

أحمد النجار – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية