مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أبو مازن في “معركة البقاء الأخيرة”؟

محمود عباس (أبو مازن)، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية Keystone

هل يتقرر المصير السياسي لمحمود عباس (أبو مازن)، رئيس السلطة الفلسطينية في القمة الفلسطينية - الأمريكية المقررة ليوم الخميس 26 مايو.

يبدو أن الأمر سيكون كذلك. فما لم يقرر الأمريكيون إلقاء ثقلهم إلى جانب أبو مازن، سيجد هذا الأخير نفسه قريباً في العراء وسط ذئاب جائعة وضارية على يمينه كما على يساره.

على اليمين، هناك خطر تحلل “فتح” إلى سلسلة حركات متنافسة، بعد أن أنهكها فشل تسوية أوسلو، وتآكلت شعبيتها بفعل فساد السلطة ومؤسساتها، وأثخنتها جراح الضربات الماحقة التي تلقتها أولاً على يد الإسرائيليين إبان عهد ياسر عرفات.

وعلى اليسار، هناك الصعود القوي لـ “حماس” في الساحة الفلسطينية. فبعد بروزها الخجول مع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، باتت هذه الحركة الإسلامية، التي تنتمي إلى أحد فروع “الإخوان المسلمين”، قوة بارزة تبزّ شعبيتها شعبية “فتح” وباقي الفصائل الفلسطينية، (كما بدا في الانتخابات البلدية الأخيرة التي حصدت فيها حماس 60% من الأصوات)، وتبدو جاهزة الآن لوراثة دور “فتح” التاريخي بصفتها قائدة التحرر الوطني الفلسطيني، لا بل يشير العديد من التوقعات إلى أن “حماس” قد تكتسح الانتخابات التشريعية الفلسطينية المقبلة في يوليو المقبل، الأمر الذي يدفع “الفتحاويين” إلى التفكير جدياً بتأجيل هذه الانتخابات التاريخية.

إستراتيجية عباس

كيف يواجه عباس هذه التطورات؟ حتى الآن، إستراتيجيته تستند إلى الآتي:

– العمل على دمج حماس في المؤسسات الفلسطينية لهدفين إثنين: الأول، إقناعها بوقف العمل العسكري ضد إسرائيل وضم وحداتها المقاتلة إلى قوات الأمن الرسمية الفلسطينية. والثاني، دفعها إلى تحمل جزء من مسؤولية العمل السياسي الخاص بالتسوية مع إسرائيل.

– تعزيز مواقعه في السلطة وداخل “فتح”، من خلال الحصول على تنازلات من الدولة العبرية حول المعتقلين الفلسطينيين ومسألة الاستيطان وغيرها.

– وأخيراً، بذل الجهود لتحويل الدعم الأمريكي لشخصه إلى عامل لتعديل موازين القوى بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

هذه الإستراتيجية تبدو للوهلة الأولى، منطقية وعملية. لكن هذا للوهلة الأولى فقط. فحماس، وبرغم قبولها العملية الانتخابية في إطار السلطة الفلسطينية الحالية، لم تُـبد أي مؤشر حتى الآن لاحتمال تخليها عن إستراتيجيتها السابقة القائمة على مهادنة أبو مازن، بدون أن يعني ذلك قبول توجهاته الدبلوماسية إزاء إسرائيل أو الموافقة على اتفاقات أوسلو.

“حماس”، كما قال عن حق حسين آغا، الباحث البارز في جامعة اوكسفورد، وروبرت مالي، مستشار الرئيس الأمريكي السابق كلنتن، “لا تبحث الآن عن المسؤولية السياسية، وهي لا تريد أن تُـلام إذا ما فشل عباس، وترى الفائدة كل الفائدة في الترتيبات السياسية غير التقليدية التي مارسها حزب الله اللبناني، المتمثلة في العمل في آن كجزء من مؤسسات السلطة لكن بشكل مواز لها، وفي عدم تأييد القرارات. وفي الوقت ذاته، الالتزام بها، وفي التنديد بالخطوات الرسمية ثم العمل للإفادة منها”.

هذه السياسة مكنّت “حماس” من أن تكون (بعد مشاركتها في الانتخابات) داخل السلطة وخارجها في آن، كما مكّـنتها من ممارسة شكل من أشكال العمل السياسي عبر التنسيق مع السلطة الفلسطينية، بدون التخلي عن العمل العسكري.

بالطبع، عباس يُـدرك هذه الخطة ويعي مخاطرها الكبرى عليه وعلى “فتح”. لذا، فهو يبذل جهوداً كبرى لدفع “حماس” إلى الأتون السياسي والدبلوماسي بهدف “تلويثها” في معمعان التسوية مع إسرائيل.

لكن، هل سينجح؟ هذا وارد، بشرط أن يحظى بدعم أمريكي لخطته، وبتسهيلات إسرائيلية كبيرة لها.

بكلمات أوضح: إنه في حاجة ماسة إلى طوق نجاة أمربكي – إسرائيلي، ليس فقط لإنجاح هذه الخطة، بل حتى للمحافظة على البقاء. فهل ترمي له إدارة بوش بهذا الطوق؟

الانقسام

قمة واشنطن بين بوش وعباس ستُـجيب على هذا السؤال. لكن، يمكن القول من الآن أن الإدارة الأمريكية منقسمة على نفسها حيال هذا الأمر. فثمة أطراف فيها يؤيدون دعم عباس وإنقاذه، فيما أطراف أخرى تحذر من أن ذلك سيؤدّي إلى تعريض مواقع أرييل شارون المهتزة أصلاً في الداخل الإسرائيلي بفعل خطة الانسحاب من غزة، إلى الخطر، وهذا التطور الأخير من شأنه التأثير على المناورات الكبرى التي تقوم بها واشنطن حالياً لإعادة رسم خريطة الهلال الخصيب (الشرق الأدنى) العربي.

حصيلة هذا التنازع معروفة سلفا: الانحياز إلى حاجات شارون، وإبقاء عباس معلّـقاً في الهواء في منزلة بين المنزلتين: لا هو قادر على التقدم إلى الأمام لاحتواء صعود “حماس”، ولا في وُسعه التراجع إلى خلف، لأن ذلك سينسف مواقعه داخل فتح والسلطة الفلسطينية.

ثمة خطران من نوع آخر يتهددان أبو مازن: الأول، وجود أطراف قوية في الإدارة الأمريكية لم تعد تُـمانع في وصول حماس إلى السلطة عبر الانتخابات، بشرط أن تلتزم هذه الأخيرة مبدأي التسوية الدبلوماسية مع إسرائيل، وتداول السلطة مع الأطراف الفلسطينية الأخرى.

والثاني، موافقة شارون الضمنية، على الأرجح، على حلول حماس مكان فتح، لأن الأولى مثله لا تؤمن بالتسوية النهائية في الصراع العربي – الإسرائيلي، وتفضل عليه التسويات المؤقتة طويلة الأمد.

الآن، إذا ما أضفنا هذان الخطران النظريان إلى المخاطر العملية العديدة التي تتهدد عباس، فعلى ما سنحصل؟ على مرحلة خطرة يدخلها عباس ومعه حركة فتح، ستتحدد فيها المقادير والمصائر.

والأرجح، أن القمة الفلسطينية – الأمريكية قد تكون نقطة البداية الأولى لهذه المرحلة “الأخيرة”.

سعد محيو – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية