مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أخيرا.. بدأ الأوروبيون ينصتون للإسلاميين

تتجه أوروبا شيئا فشيئا للنظر بجدية في إمكانية التحاور والتعاطي مع الحركات الإسلامية المعتدلة في البلدان العربية Keystone

في تطور ملفت، شرعت "المفوضية الأوروبية" منذ الخامس والعشرين من شهر سبتمبر في عقد سلسلة من المنتديات الداخلية، التي تضم عددا من موظفي الاتحاد الأوروبي، وذلك للتعرف على ما يُـسمى بالإسلام السياسي.

وقد احتضنت العاصمة البلجيكية بروكسل أولى هذه اللقاءات التي التأمت مؤخرا، وحضرها ما بين أربعين وخمسين موظفا، وخصص السيمينار الأول للإطلاع على نماذج من دول المغرب، وشملت كلا من الجزائر والمغرب، حيث تم تأجيل النظر في الحالة التونسية إلى اللقاء الموالي.

سيتم الاستماع في هذه اللقاءات إلى خلاصات أبحاث سبق وأن أعدها فريق من الخبراء والمختصين في قضايا الحركات الإسلامية بطلب من مركز للدراسات السياسية مقره في بروكسل.

وقد حاولت هذه الأبحاث، التي ستصدر في كتاب باللغة الأنجليزية خلال الأسابيع القليلة القادمة، الإجابة عن سؤال محوري يتعلق بمدى استعداد هذه الحركات للشروع في التعاون مع الاتحاد الأوربي خلال المرحلة القادمة.

وإذا كان هذا النقاش قد بدأ في ورشة مغلقة قبل حوالي عشرة أشهر في مدينة إشبيلية الإسبانية، إلا أن الجديد هذه المرة هو دعوة بعض ممثلي هذه الحركات، لسماع وجهات نظرهم بشكل مباشر حول المسائل التي تهم الطرفين.

خطوات محتشمة نحو حوار اضطراري

تعتبر هذه المرة الأولى التي تقرّر فيها مؤسسات الاتحاد الأوروبي فتح حوار مباشر مع الحركات الإسلامية، دون أن يعني ذلك أن الاتحاد قد حسَـم نهائيا هذه المسألة، إذ أنه لا يزال في مرحلة التحسّس والتعرف على ما تفكر فيه الأطراف المقابلة.

وقد وصف أحد الذين حضروا جلسة “بروكسل” بالمفيدة، وأضاف بأنها وفّـرت للمشاركين فِـكرة أولية هامة، ولم يكن من باب الصُّـدفة أن تبدأ هذه الحوارات التحسيسية بدول المغرب العربي.

فمعظم الحكومات الأوروبية تربطها مصالح قوية بهذه المنطقة، خاصة دول جنوب المتوسط. فهذه الأخيرة، تتابع بقلق عودة العنف إلى الجزائر وتخشى من أن تنهار سياسة المصالحة التي أقدم عليها الرئيس بوتفليقة، كما أن هذه الحكومات تُـتابع باهتمام مُـتزايد ما يجري في المغرب، بعد أن حصل حزب العدالة والتنمية (حزب إسلامي معتدل) في انتخابات 7 سبتمتر على أعلى نسبة في الأصوات وأصبح يحتل الآن المرتبة الثانية في خارطة الأحزاب المغربية.

فإذا أضفنا إلى ذلك صعود الإخوان المسلمين من جديد في مصر وانقلاب موازين القِـوى الذي عرفته الساحة الفلسطينية، وما حققه حزب الله ضد العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، كل ذلك وغيره بدأ يُـقنع الأوروبيين بضرورة التفكير في التعامل مع الحركات الإسلامية بشكل مختلف، أي فتح الحوار في مرحلة أولى، والتعاون في مرحلة ثانية، إذا ما أدّى الحوار إلى توفير أرضية مشتركة.

وفي هذا السياق، كيف تنظر هذه الحركات للتغير المتوقع في سياسة أوروبا تجاهها؟

رهان على الحركات المعتدلة

مؤسسات الاتحاد الأوروبي وموظفيها حذرون من كل اتصال مباشر بحركات الإسلام السياسي. إنهم يخشون ردود فعل أصدقائهم من حكومات ونخب قريبة منهم، كما أنهم حريصون على عدم محاورة من يوصفون بالراديكاليين أو المتهمين بالإرهاب.

وبناء عليه، يفضلون في هذه المرحلة التعامل مع الحركات التي يمكن أن توصف بالاعتدال. وأهم ما يطلبونه في هذا السياق أن تكون هذه الحركات لا تنتهج العنف أسلوبا في التغيير، وأن تعلن قبولها بقواعد اللعبة الديمقراطية، وأن تكون قابلة بمبدأ التعاون مع أوروبا.

فالنسبة للمغرب، يعتبر ( حزب العدالة والتنمية ) الأكثر أهمية من الناحية السياسية. وقد أبدت قيادته الاستعداد للحوار والتعاون مع الاتحاد الأوروبي. وهي ترى أن نماذج الديمقراطية الأوروبية تشكل مصدرا مهما للاستفادة منه، ولا تؤمن بالقطيعة الثقافية مع أوروبا أو الغرب.

بل هذا الحزب حرص ولا يزال على أن طمأنة أوروبا، وبالأخص الدول الرئيسية التي لها مصالح هامة في المغرب بأنه لا ينوي تهديد هذه المصالح، بل هو يعمل على تطويرها، وهو ما حاول أن يبلغه الأمين العام للحزب سعد الدين العثماني بشكل مباشر خلال جولاته السابقة التي قادته إلى عدد من هذه الدول، وفي مقدمتها إسبانيا وفرنسا.

أما بالنسبة للجزائر، فتشكل حركة مجتمع السلم النموذج المفضل أوروبيا لإدارة مثل هذا الحوار، بحكم أنها شريك في السلطة، إضافة إلى كونها تنطلق من تراث فكري وسياسي منذ عهد مؤسسها الشيح محفوظ نحناح يقبل الانفتاح على الغرب، وخاصة أوروبا. كما أن تجربتها في الحكم، جعلتها من أكثر الحركات الإسلامية الجزائرية برغماتية.

إن مؤسسات الاتحاد الأوروبي متوقفة عند نموذجين، تجد صعوبة كبيرة في التعامل معهما بشكل سياسي مباشر. أولهما نموذج ” حركة حماس ” التي لها حضورها الواسع في الشارع الفلسطيني، لكنها موقفها من إسرائيل وتمسكها بمنهج المقاومة، جعل الأوربيين يرون في ذلك خطوطا حمراء، تتعارض مع نظرتهم للصراع والأمن في الشرق الأوسط.

أما النموذج الثاني، الذي يتقاطع مع المثال السابق هو بالتأكيد ” حزب الله “. ومع ذلك فقد إدراج التنظيمين في اهتمامات الاتحاد الأوروبي، نظرا لاستناد كل منهما على الشرعية الديمقراطية في الوصول إلى السلطة، إلى استعدادهما للحوار مع أوروبا والتعاون معها. لكن الأمر يحتاج إلى وقت أطول، وظروف إقليمية ودولية أحسن.

حركة النهضة تتفاعل مع النموذج الأوروبي

للإجابة على هذا السؤال، يمكن اتِّـخاذ حركة “النهضة” التونسية مثالا يُـقاس به، إذ أثبتت الدراسات التي أنجِـزت بأن معظم الحركات الإسلامية في المنطقة العربية متشابهة نِـسبيا في مقارباتها وموقفها من أوروبا وسياساتها.

ولدت الحركة الإسلامية التونسية، مثلها مثل بقية الحركات المشابهة، مناهضة للغرب ومعادية لاختيار “الأوربة”، أي سياسة الإقتداء بأوروبا واتخاذها “نموذجا” للتقدم.

وقد شكل هذا البُـعد أحد الأسباب الرئيسية للصِّـراع الثقافي والسياسي بين حركة “النهضة” من جهة و”النظام البورقيبي” من جهة أخرى، لكن قادة الحركة اليوم ينظرون إلى أوروبا بشكل مختلف عن نظرتهم السابقة، خاصة بعد أن اضطُـر العديد منهم إلى مُـغادرة البلاد والاستقرار في العديد من الدول الأوروبية والغربية، التي فتحت لهم أبوابها ومنحتهم حق اللجوء السياسي.

عندما سُـئل بعض الكوادر القيادية لحركة النهضة عن موقفهم من الديمقراطية الأوروبية مقارنة مع الديمقراطية الأمريكية، أكّـدوا على أنهم أميَـل للتفاعل مع الديمقراطيات الأوروبية رغم “بعض النقائص أو التحفظات التي لهم عليها”.

وبالرغم من أن حمادي الجبال، القيادي البارز في الحركة قد غادر السِّـجن بعد قضاء أكثر من ستة عشر عاما رَهن الاعتقال، إلا أنه، استنادا إلى السنوات التي قضاها في فرنسا لاستكمال دراسته الجامعية، يعتقِـد بأن النموذج الأوروبي الذي عايشـه عن قرب “يُـعتبر الأقرب في تحقيق سيادة الشعب على نفسه” ويوفر “تعدّدا حقيقيا للأحزاب بمختلف توجهاتها، الفكرية والسياسية والاجتماعية، حيث نجِـد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ومن البروليتاري إلى الرأسمالي ومن الغني إلى الفقير ومن الليبرالي إلى المحافظ”.

أما أهم ما في النظام الديمقراطي، فهو يثمثل عند السيد عامر العريض، رئيس المكتب السياسي للحركة في “قدرته على امتِـصاص الصِّـراعات العنيفة حول السلطة ووضع أسُـس التعايش السلمي بين القوى المتنافسة، فضلا عن قيامه على مفهوم المواطنة”.

ويلاحظ سيد الفرجاني، وهو قيادي آخر لاجئ حاليا في بريطانيا، أن النموذج الديمقراطي الأوروبي ليس واحدا، ويقول بأن “هناك فروق هامة بين الديمقراطية عند أوروبيي البحر الأبيض المتوسط وبين البلدان الإسكندنافية وبريطانيا”.

ونظرا لمحورية البُـعد الديني عند الإسلاميين، فإن تفاعلهم مع النماذج الديمقراطية يكون بقدر تعامل هذه النماذج إيجابيا مع الدِّين ودوره في المجتمع، ولهذا يميِّـز الفرجاني بين ما يُـسميه بـ “الديمقراطيات المتشدّدة ضد الدِّين، مثل اللائكية الفرنسية والدنمركية، وبين الديمقراطية البريطانية والسويدية، وإلى حد ما البلجيكية، التي تتعامل بسهولة مع الدِّين، رغم اختلافها فيما بينها في ذلك”.

وإذ تجيز كوادر حركة النهضة مبدأ “الاقتباس من النموذج الديمقراطي الأوروبي”، لكن راشد الغنوشي، رئيس الحركة، يشترط بأن يكون هذا الاقتباس في خِـدمة المرجعية الإسلامية و”ليس للحلول محلها”، واعتبر من سلبيات النظام الديمقراطي، التي يجب الحذر منها “الفلسفة المادية والقِـيم العِـلمانية الدُّنيوية البحتة، التي غدت بطول الإلف، وكأنها جزء من هوية النظام الديمقراطي”، وهو ما أدّى، حسب رأيه، إلى ما وصفه بـ “الانفلات الديمقراطي من عالم القِـيم إلى قيمة الرِّبح والإنتاج”، وهي القيم التي “تسارع إليها، التفتت بتسارع معدّلات العلمنة” حسب رأيه.

لكن علي العريض حاول أن يرفع الالتباس بالإشارة إلى أنه “إذا كانت الديمقراطيات الغربية قد أفرزت سلبيات مثل تفكّـك الأسرة ومشاكل المخدّرات وانتشار مظاهر الإدمان… فلا ينبغي ربط السلبيات بها، لأن هذه الآفات موجودة أيضا في البلدان ذات النّـظم الديكتاتورية وفي الدول الغنية والفقيرة”.

الإسلاميون يعترفون بالجميل.. لكن

عندما سألنا الغنوشي، المقيم كلاجئ سياسي في بريطانيا، حول مدى قيام الاتحاد الأوروبي بالدفاع عن الحقوق السياسية للإسلاميين، سارع بالإجابة “ليس لدي ما أعِـيبه في سياسة دول الاتحاد في موضوع الإسلاميين اللاجئين، غير سنِّها لقوانين الإرهاب”، وأضاف أنه في العموم “يعتبر إيجابيا ملف دول الاتحاد إزاء اللاجئين الإسلاميين، فقد صمَـدت في وجه طلبات حلفائها من الدكتاتوريات العربية في سدّ باب اللجوء في وجه ضحاياه من المعارضين الإسلاميين، وبعض تلك الطلبات المتكرّرة جاءت في ظروف عصيبة، كتلك التي تلت أحداث 11 سبتمبر”.

ولاحظ رئيس حركة النهضة (المحظورة في تونس) أنه “لئن تمكّـنت أنظمة القمع من استلام عدد من الإسلاميين، وبالخصوص في إيطاليا وبعض البلاد الأخرى، فقد فشلت في تحقيق ما ترجوه من إدراج كل الإسلاميين في قوائم الإرهاب وتسليمهم لدولهم بالجملة”، كما أن “كثيرا من هؤلاء المعارضين التونسيين تمّ تمكينهم من حمل جوازات وجِـنسيات الدول، التي لجؤوا إليها، وأمكن لهم أن يندمِـجوا هم وأسَـرهم، سواء منهم من تابع دراساته العليا أو اندمج في سوق الشغل أو واصل النِّـضال من أجل قضيته في وطنه الأصلي”.

وأشاد الغنوشي أيضا بدول الاتحاد الأوروبي، التي أمكن لها أن “تميِّـز بين مجموعات إسلامية تتبنّـى العنف وبين معارضة إسلامية سِـلمية فتحت أمامها أبواب الاندماج، ولم تسمع فيها قولا ولم تُـلق بالا للملفات التي تصطنعها أجهزة الأمن في دول المنشأ، رغم أن بعض أجهزتها الأمنية متفاعلة إيجابيا مع نظيرتها التونسية في رمي حركة مثل النهضة بالإرهاب”، وهو سعيد بأن حركته “لم توضع على أي قائمة من قوائم الإرهاب في دولة أوروبية، بل في العالم كله” ما عدا في تونس.

في مقابل إشادة الغنوشي بالسياسة التي انتهجها الأوروبيون تُـجاه لاجئي الحركة، عبّـر القيادي حمادي الجبالي، الذي لا يزال يحمل معه غُـبار السجن، عن أسفه تُـجاه الاتحاد الأوروبي الذي حسب رأيه “لم يكتف بعدم الدِّفاع عن الحقوق السياسية للإسلاميين، بل وحتى عن حقِّـهم في المواطنة، وإنما رفع ورقة الفيتو تُـجاه الإسلاميين واعترض على تقنين وضعهم السياسي”.

وأشار الجبالي إلى وجود مقاربات وسياسات متعدّدة لدول الاتحاد من “هذا الملف الساخن”، قائلا بأنه “من الصعب التعميم والحديث عن سياسة موحّـدة لدول الاتحاد تُـجاه الإسلاميين عموما، وحقوقهم السياسية بشكل خاص”، فهو يعتقد بأن دول جنوب أوروبا “ذات العلاقة التاريخية بتونس، هي التي تزعّـمت داخل الاتحاد الدّفاع عن الأنظمة الاستبدادية التي عمدت إلى محاولة استئصال الحركات الإسلامية، حتى المعتدلة منها، وحرمتها حقها في الوجود القانوني، كطرف سياسي له وزنه الشعبي”، لكنه اعترف في الوقت ذاته بوجود دول أوروبية أخرى تبنّـت “مواقف أكثر اعتدالا وبراغماتية، خدمة لمبادئها ومصالحها”.

أما مرسل الكسيبي، وهو ناشط سابق في حركة النهضة يقيم حاليا بألمانيا، فيفترض بأن الاتحاد الأوروبي “مؤهّـل أكثر من غيره ليلعب دورا رئيسيا في إنهاء الصراع القائم بين بعض البلاد العربية ومعارضيها، المنتمين إلى المدارس الإسلامية المعتدلة والوسطية”، وهو ينتظر من الاتحاد القيام بدور أكبر في هذا الاتجاه”، من أجل قطع الطريق على مدارس العُـنف والتشنّـج، التي صنعتها أخطاء الأنظمة العربية عبر تماديها في سياسة القمع والتسلّـط، دون قيد أو رقيب”.

دول الإتحاد وقفت إلى جانب الإستبداد

عندما تسأل أطراف المعارضة في تونس حول تقييمهم لجهود دعم الاتحاد الأوروبي للديمقراطية في دول جنوب المتوسط، غالبا ما تكون إجاباتهم أقرب إلى الانطباع السلبي، لهذا، فإن ردود كوادر حركة النهضة لم تكُـن مغايرة عن بقية المعارضين التونسيين، وإن جاءت أحيانا أكثر حدّة، نظرا لما تعرّضوا له من ملاحقة وإقصاء خلال المرحلة الماضية.

راشد الغنوشي قدّم جوابا مُقتضبا جدّا، اعتبر فيه أنه “واقعيا، وقفت دول الاتحاد إلى جانب الاستبداد”، ويعود ذلك، حسبما يراه القيادي في حركة النهضة زياد الدولاتلي، إلى أن أوروبا “تتعامل مع العالم العربي بعقلية المُـستعمر وتظن بأنها مالكة الحقيقة، وأن المثال الغربي هو النموذج الوحيد لصالح التنمية”، ولهذا السبب “تقوم أوروبا بدعم الفساد والاستبداد من أجل الحِـفاظ على مصالحها المادية، وتتحالف مع من يتبنّى قِـيمها الحضارية، رغم فشل كل محاولات الغزو الثقافي”.

لكن الدولاتلي يستثني من ذك ما وصفه بـ “التيار التحرري، الذي نما في السنوات الأخيرة، والذي يُـطالب بضرورة تفهم الظاهرة الإسلامية وفتح حوار معها وتشريكها في الحياة السياسية”.

حاول عامر العريض من جهته أن يكون أقلّ حدّة في نقده، فقال “في الأصل، أوروبا مؤيّـدة للديمقراطية، لكن للأسف ما لاحظناه هو أن أنظمة عربية استبدادية تتمعش من الدّعم الأوروبي، بل صارت في الكثير من الأحيان تُـملي سياساتها على بعض الدول الأوروبية من موقع الشعور بالحاجة إليها، فحصل تأثير في الاتِّـجاه المعاكس، أي من أنظمة الاستبداد باتِّـجاه الحكومات الديمقراطية الأوروبية، وليس العكس”.

النهضة تُـراهن على الحوار مع أوروبا

يتمسك قادة حركة النهضة بمبدإ التعاون مع أوروبا، لكن عامر العريض يصِـف هذا التعاون بـ “التأرجح بين المأمول والواقع، وبين المبادئ والمصالح”، ويفصل ذلك بقولــه “فمن جهة نعتقد نحن وكثير من القوى التحررية في أوروبا أن هذا التعاون حتمي ومن المصلحة أن يكون لصالح شعوب المنطقة جميعا، ومن جهة أخرى، تتمسك حكومات استبدادية بهذا التعاون، ولكن من أجل ضمان استمرارها، ولو على حساب إرادة مواطنيها”، لكن رغم هذا التأرجح أو التذبذب، يعتبِـر العريض أن التعاون مع أوروبا “مسألة مصيرية لتحقيق التنمية وتبادل المنافع”.

من جهته، ينظر الكسيبي بتفاؤل لمستقبل العلاقة بين أوروبا والإسلاميين، ويرى أن هذا المستقبل سيكون “مُـشرقا ومُـشرفا وواعدا، رغم وجود كثير من الصعوبات، نتيجة تشويش الأنظمة القمعية على معارضيها وصورتهم السياسية والفِـكرية المعتدلة من منطلق ابتزاز الدّعم المالي والاقتصادي والسياسي والأمني من الحكومات الأوروبية، التي تعتبرها بعض أنظِـمة المنطقة العربية بمثابة البقرة المالية والسياسية الحلوب، التي ينبغي استمرار تدفّـق لبنِـها، ولو باعتماد أساليب الغِـش والتلبيس والخداع”.

النهضة تطالب الأوروبيين بالاعتراف بها

بالنسبة لمجالات التعاون المُـمكنة بين الطرفين، فإن حركة النهضة لا تزال تفتقِـر لمقترحات واضحة وعملية. فالغنوشي اعتبر أن مجالات التعاون “كثيرة”، لكنه طالب أوروبا أولا بالاعتراف بالإسلام وأن “تكُـف عن محاولات إقصائه أو تفصيله على هواها”، وأن “تعترف به كما هو وتُـقر العزم على التعامل مع عالم إسلامي محكوم بالإسلام وبالإسلاميين، أي بالديمقراطية، والمعنى واحد، فلا ديمقراطية في العالم الإسلامي إلا عن طريق الإسلام، تماما كما أنه لا ديمقراطية في أوروبا إلا عن طريق العلمانية”.

وأضاف بأنه من “المؤلم أن تكون الأصوات في أمريكا الداعية إلى الاعتراف بعالم إسلامي محكوم بتيارات الوسطية الإسلامية – حتى وإن عتمت على تلك الأصوات اللوبيات الصهيونية – عجيب ذلك، بينما أوروبا الأقرب، هي الأكثر تشددا إزاء الحركات الإسلامية، حتى أكثرها اعتدالا، مثل العدالة والتنمية والنهضة والإخوان”، وإذا غيرت أوربا من موقفها، فإن الغنوشي يعِـدها بأنها “ستجد في الحركة الإسلامية حليفا ثابتا وقويا لا يضطرها إلى التضحية بقيمها التنويرية والديمقراطية من أجل المحافظة على مصالحها في عالم الإسلام”.

حاول عامر العريض أن يكون عمليا ودقيقا، فحدّد أربعة مجالات للتعاون بدت له أساسية وممكنة وهي: إدارة الحوار لنزع عوامل الكراهية والعنف والتعاون لدعم تطلّـع بلداننا للإصلاح وتحقيق التنمية والتعليم والبحث العلمي وبناء علاقات سياسية واضحة.

ولم يستبعد سيد الفرجاني أن يشمل التعاون كل المجالات، بما في ذلك “الأمنية والدفاعيـة”، ويقول في هذا السياق “نحن نرفض أن نكون باباً للنّـيل من أمن أوروبا ولا بوابة لمرور المخدّرات أو الهجرة غير القانونية، ولا قوة عداء باسم الإسلام ضد أوروبا أو باسم المسيحية أو اليهودية أو الفلسفات اللادينية من أوروبا ضدنا”، واقترح من أجل ذلك عددا من التوصيات، من بينها: فتح علاقات سياسية رسمية وبعث لجنة تفعيل البند الثاني لاتفاقية الشراكة الأوروبية التونسية، إلى جانب “تحديد رؤية مشتركة لعلاج مشاكل الإرهاب والهجرة غير القانونية في أوروبا، والاستبداد والتنمية في تونس”.

يتبين مما سبق، أن قيادة حركة النهضة وعدد واسع من الإسلاميين المستقلين يبدون استعدادا كبيرا لمد جسور التعاون مع الاتحاد الأوروبي وهيئاته المختلفة، لكن ما تطالب به حركة النهضة بشكل أساسي، هو الاعتراف بها من قِـبل الأوربيين كلاعب رئيسي في الحلبة التونسية، وإذ تقدر الحركة احتضان الدول الأوربية للكثير من كوادرها وما قدّمته لهم من حماية ولجوء وقدر من حرية التعبير والحركة، لكن قيادة (النهضة) تريد من أوروبا أن تمارس قدرا من الضغط على الحكومة التونسية من أجل إطلاق سراح مساجينها، والاعتراف القانوني بها كحزب معارض.

فكوادر الحركة، الذين تمّـت محاورتهم، يعطون الأولوية لمسألة الحريات والحقوق الأساسية على الجوانب المتعلِّـقة بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية، نظرا للظروف التي يمرّون بها منذ مطلع التسعينات، هذه الظروف التي أصابتهم بالشلل وجعلتهم مشغولين بالصراع من أجل البقاء، وغير قادرين أن يضعوا أنفسهم في موقع الطرف الذي يحكم أو المشارك في السلطة، مثلما هو الشأن في الجزائر أو في المغرب.

صلاح الدين الجورشي – تونس – بروكسل

واشنطن (رويترز) – حث ثمانية مسؤولين ومشرّعين أمريكيين سابقين من الديمقراطيين والجمهوريين، الولايات المتحدة وحلفاءها على بدء “حوار حقيقي” مع حركة حماس الإسلامية، قبل مؤتمر سلام للشرق الأوسط تستضيفه أمريكا.

وفي رسالة إلى الرئيس جورج بوش ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، حثت الشخصيات البارزة الثمانية، إدارة بوش أيضا على التركيز على “المرحلة النهائية” بين الإسرائيليين والفلسطينيين في المؤتمر الذي من المتوقع أن يعقد في أواخر شهر نوفمبر القادم في انابوليس بولاية ميريلاند.

وسياسة الولايات المتحدة، هي عزل حماس التي سيطرت على قطاع غزة في يونيو الماضي، وترفض التخلي رسميا عن هدفها لتدمير إسرائيل.

وتقول واشنطن، إنها لن تدعو الحركة التي تصنِّـفها بأنها “منظمة إرهابية” إلى المؤتمر، وتلقي بتأييدها الكامل خلف الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة فتح التي يتزعمها.

وقالت الرسالة “نعتقد أن حوارا حقيقيا مع المنظمة (حماس) هو أفضل كثيرا من عزلها”. والموقعون على الرسالة، هم مستشارا الأمن القومي السابقان زبجنيو برجينسكي وبرنت سكاوكروفت والممثلة التجارية الأمريكية السابقة كارلا هيلز وعضوة مجلس الشيوخ السابقة نانسي كاسيبوم- بيكر ورئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي السابق بول فولكر والسفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة توماس بيكرنغ والنائب الديمقراطي السابق لي هاميلون، الرئيس المشارك لمجموعة دراسة العراق وتيودور سورنسن، وهو مستشار للرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي.

وقال برجنيسكي، الذي كان مستشارا للأمن القومي في إدارة الرئيس السابق جيمي كارتر، إن عزل حماس لم يساعد عملية السلام، واقترح أن تفتح المجموعة الرباعية لوسطاء السلام في الشرق الأوسط حوارا مع حماس، وتضم الرباعية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا.

وقال للصحفيين في مؤتمر بالهاتف، “ليس لدينا أي أوهام بأن الحوار سيكون سهلا، لكننا نعرف أيضا أن حماس بها أناس واقعيون ويُـدركون أن حالة دائمة من الحرب والصِّـراع لن تؤدي إلى مستقبل أفضل للفلسطينيين”.

وحثت الرسالة أيضا الولايات المتحدة على الحث على السلام بين إسرائيل وسوريا تحت رعاية دولية، وأشادت كاسيبوم – بيكر بإدارة بوش، لإشارتها إلى أنها ستدعو سوريا إلى المؤتمر وقالت “هذا ينبغي أن يعقبه حوار حقيقي”.

وامتنع شون مكورماك،المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية عن التعقيب على الرسالة،التي جاءت قبل أيام من زيارة لرايس إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية للإعداد للمؤتمر.

ويعكف الإسرائيليون والفلسطينيون على إعداد وثيقة مشتركة، ستشكل الأساس لمفاوضات رسمية بشأن إقامة دولة فلسطينية، من المتوقع أن تبدأ بعد المؤتمر.

وقالت الرسالة، إنه إذا لم يتمكّـن الإسرائيليون والفلسطينيون من التوصّـل لاتفاق، فإنه يجب على الرباعية أن تقدّم من جانبها اتفاق إطار يتضمّن دولتين، على أن تكون القدس مقرا لعاصمتين، وحلا لمشكلة اللاجئين وآليات للأمن تُـراعي المخاوف الإسرائيلية وتحترم أيضا السيادة الفلسطينية.

وأضافت الرسالة، أنه لكي يكون للمؤتمر أي مصداقية، فإنه يتعيّـن أن يتزامن معه تجميد للتوسع الاستيطاني الإسرائيلي.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 11 أكتوبر 2007)

قرطبة (اسبانيا) (ا ف ب) – اكدت اوروبا الثلاثاء 9 أكتوبر 2007 في قرطبة رغبتها في ايجاد وسائل لمكافحة العداء المرضي للاسلام الظاهرة المتنامية التي يعاني منها 15 مليون مسلم اوروبي وذلك خلال المؤتمر الدولي لمنظمة الامن والتعاون في اوروبا حول “التعصب والتمييز ضد المسلمين”.

ودعا وزير الخارجية الاسباني ميغيل انخيل موراتينوس في افتتاح المؤتمر الى اتخاذ “خطوات حاسمة” ضد ظاهرة العداء المرضي للاسلام الاخذة في التنامي.

وقال موراتينوس الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمنظمة الامن والتعاون في اوروبا “منذ 2001 والتقارير التي يعدها المرصد الاوروبي لمكافحة العنصرية وكراهية الاجانب تدل على تنامي المواقف والتصرفات المعادية للمسلمين”.

واوضح موراتينوس ايضا ان “كل التحقيقات الوطنية والدولية تظهر بشكل متزايد شعورا بالرفض تجاه المسلمين في مجال العمل والسكن والتعليم”. واضاف “لا شك في ان ظهور الارهاب الدولي اجج هذه الظاهرة”.

وحرص الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى على التقليل من شان تاثير ارهاب القاعدة مشددا على ان العداء للاسلام لا يعود الى اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة ولكن الى نهاية الحرب الباردة والمواجهة بين الشرق والغرب.

واشاد موسى الذي يشارك في المؤتمر الى جانب ممثلي الدول ال56 الاعضاء في منظمة الامن والتعاون في اوروبا بهذا المؤتمر معتبرا انه “مبادرة عظيمة الاهمية” شانه شان الجهود الدبلوماسية لرئيس الحكومة الاسبانية من اجل تفاهم افضل بين الشعوب من خلال مبادرة تحالف الحضارات التي اطلقها.

وهذه المبادرة التي اطلقها خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو في ايلول/سبتمبر عام 2004 بعد صدمة اعتداءات 11 اذار/مارس في مدريد (191 قتيلا) تهدف الى القضاء على الاحكام المسبقة وسوء الفهم بين العالم الاسلامي والغرب.

ويشارك في لقاء قرطبة البرتغالي جورج سامباو الذي يعمل على تجسيد هذا التحالف من خلال منصبه ك”ممثل اعلى” له. وقال الرئيس البرتغالي السابق “نحن في حاجة الى سياسات قوية وتعاون لبناء جسور الاحترام والتفاهم”.

وخلال ندوة تحضيرية للمؤتمر نظمت امس للمنظمات غير الحكومية العاملة في مجال التمييز ضد المسلمين اطلق ممثلو هذه المنظمات صيحة تحذير من تصاعد هذه الظاهرة.

وقالت واندا كروس مسؤولة منظمة “فورام اجنست اسلاموفوبيا اند ريسيزم” (منتدى مكافحة العداء المرضي للاسلام والعنصرية) لفرانس برس ان “العداء المرضي للاسلام ظاهرة متنامية. ولدينا تقارير متزايدة عن حالات عنف ضد المسلمين”.

واعتبر ايدين سوير المتحدث باسم “فيميسو” وهو اتحاد اوروبي لمنظمات الشبان المسلمين ان هناك “تغييرا نوعيا” مع وضع قوانين حديثة تستهدف تحديدا المسلمين مثل حظر ارتداء الحجاب في المدارس.

واشار الى عدم وجود حل جاهز لمكافحة العداء للاسلام وقال ان “المشكلة معقدة والحلول نفسها معقدة ايضا”.

وقال وزير الخارجية الاسباني الثلاثاء ان الهدف من هذا المؤتمر “الاعتراف بحجم المشكلة وتحليل جذورها واشكالها ووضع وسائل لمكافحتها”.

من جانبه قال امين عام الجامعة العربية “علينا الاتفاق على قواعد سلوكية وعلى التسامح والتعايش لان قدرنا ان نعيش معا”.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 9 أكتوبر 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية