مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“تحويل أوروبا إلى قلعة مُحصّنة لن يكون الحل الأمثل”

يُمكن أن يصلح هذا السياج الذي يبلغ طوله 12.5 كلم على الحدود الفاصلة بين تركيا واليونان لكل شيء باستثناء منع العابرين للحدود البرية من القيام بذلك. swissinfo.ch

أحدث عجز الإتحاد الأوروبي عن التوصّل مؤخرا إلى اتفاق بشأن خطة لتوزيع اللاجئين على البلدان الأعضاء الثماني والعشرين وفقا لنظام حصص مُلزم صدمة لدى أستاذ قانون الهجرة ألبارتو أكيرمان. 

وفي مقابلة أجرتها معه swissinfo.ch، قال الخبير في جامعة برن إن الأزمة الراهنة في سياسات اللجوء تعني أن “الوقت قد حان لإعادة التفكير جذريا في العملية برمتها”. 

swissinfo.ch: اتفقت الدول الأعضاء في الإتحاد الاوروبي مؤخرا على توزيع طوعي لطالبي اللجوء. هل هذه خطوة صغيرة في الإتجاه الصحيح، أم دليل على نقص في التضامن؟

ألبرتو أكيرمان: هل هي خطوة صغيرة أم لا، أوّلا لابد أن نرى ما إذا كان هناك بالفعل تقدّم في قبول اللاجئين. وأرى أن المشكلة الكبرى هو أن الدول التي ستكون أكثر استعداد لقبول طالبي اللجوء، هي التي بالفعل مثقلة بشكل أكبر من غيرها. هل ستقبل هذه البلدان طوعيا المزيد من اللاجئين العابرين لإيطاليا أو اليونان؟ علينا أن ننتظر لنرى.

كانت ألمانيا مدافعا قويا على نظام الحصص الملزم، وتقريبا لا تستطيع أن تفعل شيئا آخر سوى قبول المزيد من اللاجئين، على الرغم من أن لديها بالفعل عدد كبير جدا من طالبي اللجوء بالمقارنة مع عدد سكانها.

أما البلدان التي استقبلت عددا أقلّ، فقد أعلنت بوضوح أنها لا تريد نظام حصص ملزم. وأتطلّع لأرى ما إذا كانت هذه الأخيرة سوف تشارك بشكل طوعي.

والسؤال الكبير هو ما إذا كان طالبو اللجوء سوف يظلون في البلدان التي ستستقبلهم في البداية، أم ستليها هجرة ثانية،.. هل سيظل طالبو اللجوء الذيّن عُيّنت سلوفاكيا مثلا لاستقبالهم هناك؟ أم أنهم سيختفون عن الأعيْن، وسيرحلون بعيدا – في اتجاه السويد أو بريطانيا، على سبيل المثال، أي إلى الأماكن التي يفضلونها ابتداءً.

swissinfo.ch: سويسرا التي لا تنتمي إلى الإتحاد الأوروبي، ولكنها تشارك في اتفاقيتي شنغن ودبلن. وقد أيّدت بشكل واضح الدعوة إلى إقرار نظام حصص ملزم. هل فعلت الحكومة السويسرية ذلك من أجل المصلحة الذاتية الخاصة، أم من أجل تخفيف العبء عليها، أم توجد أسباب أخرى؟

ألبرتو أكيرمان: في المقام الاوّل، أعتقد أنها تفعل ذلك من أجل مصالحها الخاصة، وإلا، لماذا تنخرط بها الشكل النشط، وهي ليست عضوا كامل العضوية في فضاء اللجوء الأاوروبي.

من ناحية أخرى، تشير الإحصاءات في غضون 15 إلى 20 عاما الأخيرة أن سويسرا كانت دائما واحدة من ضمن البلدان الاوروبية التي استقبلت نسبة كبيرة من اللاجئين بالمقارنة مع عدد سكانها. لذلك من المفهوم تماما أن تدافع سويسرا بقوة على نظام الحصص. وعلى الرغم من ذلك، لا تدافع سويسرا بقوة عن سياسة أوروبية مشتركة، فسويسرا لا تعتمد النقاط التوجيهية المعتمدة من الإتحاد الاوروبي، وهو ما يعني أنها لا ترغب في المشاركة الكاملة في هذا المستوى.  

swissinfo.ch : دعت وزير العدل السويسرية سيمونيتا سوماروغا إلى نموذج عادل في توزيع اللاجئين. ما هي المعايير التي ينبغي تطبيقها؟

ألبرتو أكيرمان: أجد المعايير التي وضعتها المفوّضية الأوروبية ليست سيئة بالمرة. وهي معايير تحدد عدد طالبي اللجوء الواجب استقبالهم بالمقارنة مع عدد السكان، ونسب البطالة، وإجمالي الناتج المحلّي، وعدد اللاجئين المقيمين بالفعل في ذاك البلد. المعايير في حد ذاتها ليست المشكلة، وما هو مثير للجدل هو إلزامية القبول بنظام الحصص. 

swissinfo.ch: الدول الواقعة على الحزام الخارجي للبلدان الموقعة على اتفاقية شنغن، مثل اليونان، وإيطاليا، والمجر، هي الأكثر تأثّرا بضغوط الهجرة. ووفقا لهذه لاتفاقية دبلن، البلد الأوّل الذي يحل به طالب اللجوء هو المسؤول عن دراسة طلبه. هل تحتاج هذه الاتفاقية إلى المراجعة؟

ألبرتو اكيرمان: منذ أبرمت اتفاقية دبلن في عام 1990، أشار الكثيرون إلى أن طريقة تقاسم الأعباء غير عادلة. في السنوات الاولى، لم يقع التركيز كثيرا على هذا الموضوع، لأن عدد طالبي اللجوء في البداية في بلدان جنوب اوروبا كان عددا محدودا. كان اللاجئون يتنقلون من بلد إلى آخر، وبسبب عددهم القليل آنذاك، لم يكن يمثّل مشكلة بالنسبة لتلك البلدان.

ولكن منذ ذلك الحين ارتفعت أرقام طلبات اللجوء بشكل حاد، وأصبح الموضوع حارقا وملحا. هذه الإتفاقية في حاجة ماسة إلى المراجعة على الأقل على مستوى حصص التوزيع.

سيكون ذلك هو الوقت المناسب لتغيير هذه الآليات. وذلك لتحديد المكان الذي يجب أن تعالج فيه طلبات اللجوء. على الحدود الخارجية للإتحاد الاوروبي، أو في البلد الذي قُدّم فيه الطلب. هذا الامر لن يكون سهلا.

منطق النظام الحالي يفترض أن البلدان الواقعة على الحدود الخارجية لفضاء شنغن هي المسؤولة إذا دخل طالب لجوء على أراضيها، وهذا ينبغي أن يكون حافزا لها لتشديد الرقابة على حدودها. يمكن أن يتم تغيير ذلك بمعايير حدودية ابعد، ولكن باعتماد نظام حصص، بحيث يمكن للبلدان التي تضم اعدادا كبيرة من طالبي اللجوء إرسالها إلى مكان آخر. 

ألبرتو أكيرمان، الخبير في مجال الهجرة والباحث في جامعة برن. swissinfo.ch

swissinfo.ch: الحقيقة هو أن عددا من الدول تتحايل على اتفاقيات شنغن ودبلن، وتغلق الحدود بشكل مؤقت، وتجري عمليات مراقبة على حدودها، أو تسجّل طالبي اللجوء ولكن ليس بالشكل الكافي. هل سياسة الهجرة في الإتحاد الاوروبي غير منضبطة؟

ألبرتو اكيرمان: لقد تعرّضت هذه السياسة بالتأكيد لأضرار. في السبعينات والثمانينات، كان بإمكان اللاجئين نسبيا اختيار المكان الذي يتقدمون فيه بطلب الحماية. وكان بإمكانهم أن يذهبوا إلى المكان الذي يُقيم فيه أقرباء لهم، أو إلى البلد الذي يتقنون لغته. هذا الأمر أصبح جزءً من التاريخ منذ اعتمدت اتفاقية دبلن. لا أعتقد أنه بالإمكان العودة إلى النظام القديم. ما هو مطلوب الآن هو إيجاد بديل للنظام الحالي- وهذه العملية سوف تستغرق عقودا. 

اليوم يتم توزيع فرص الحصول على حق اللجوء في أوروبا بشكل غير مُتساو للغاية. في بلد ما يمكن أن يكون معدّل قبول الطلبات 1%، وفي بلد آخر يمكن أن يكون 40% أو 50%. هذا ما يُعرف بـ “يانصيب اللجوء”. بالإضافة إلى ذلك، فإن الظروف في مراكز الإحتجاز هي أيضا مختلفة للغاية. هي فضاءات لائقة ومعقولة من ناحية، ومعسكرات اعتقال مغلقة، يكون فيها النوم في العراء، كما هو الحال مثلا في اليونان والمجر.

swissinfo.ch: يفتقر الإتحاد الأوروبي إلى سياسة لجوء استراتيجية ورؤية واضحة. هل خدم هذا الأمر مصلحة عصابات التهريب؟

ألبرتو اكيرمان: طالما أن المهاجر لا يستطيع أن يدخل أوروبا بشكل قانوني سوف لن تكون هناك نهاية لهذا النوع من الرحلات والخسائر في الأرواح. قد يكون من السهل القول بضرورة سحق عصابات التهريب، لكن اللاجئين يجدون دائما طريقة للوصول إلى أوروبا. كما تُظهر تجارب السنوات العشرين الأخيرة أن الطرق تتغيّر بإستمرار، لكن الأرقام لا تنخفض، بل تزيد على العكس. أما المشاركة في تحمّل أعباء ومعاناة هؤلاء اللاجئين فلا يمكن التهرّب منها.

ولعلّ الأزمة الحالية تمثل فرصة ثمينة لإعادة التفكير بعمق في كل شيء. وتجد أوروبا نفسها حاليا في “دوامة”. وبدلا من استثمار الملايين من الدولارات في تأمين الحدود بالكلاب والكاميرات المزوّدة بالأشعة تحت الحمراء، يتعيّن استثمار تلك الملايين في التعليم في البلدان المصدرة للهجرة، ذلك أن النظام الحالي الذي يسعى إلى تحويل أوروبا إلى قلعة مُحصّنة لا يُمكن أن يكون الرد المناسب. 

 سويسرا في أعلى السلم 

وفقا للمفوّضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة، قدّم 22.000 شخص طلبات لجوء في سويسرا في عام 2014، ويمثّل هذا العدد 2.7 طالب لجوء لكل 1000 ساكن.

على المستوى الأوروبي، تجاوزت كل من السويد ( 7.8)، وهنغاريا (4.2)، والنمسا (3.3)، ومالطا (3.0) المعدّل المُسجّل في سويسرا.

في المقابل، يبلغ المعدّل العام على مستوى القارة الأوروبية 1.1 طالب لجوء بالنسبة لكل ألف ساكن.

(نقله إلى العربية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية