مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مسؤولون غربيون وساسة محليون: “ليس من حق التونسيين الفشل”

مبنى المجلس التأسيسي في ضاحية باردو قرب العاصمة التونسية وتقف أمامه دبابة عسكرية يوم 7 أغسطس 2013، أي في اليوم الموالي لإعلان رئيسه مصطفى بن جعفر عن وقف أشغاله في انتظار عودة الفرقاء السياسيين إلى طاولة الحوار. Keystone

تتبادل الترويكا الحاكمة في تونس هذه الأيام وجبهة الإنقاذ المعارضة التهم حول فشل الحوار الذي تشرف عليه أكبر منظمات المجتمع المدني، وهي الإتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد العام للصناعة والتجارة، إلى جانب الهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وبقطع النظر عن تحديد المسؤولية عن هذا الفشل، فمن المؤكد أن البلاد لم تعد تتحمل مزيدا من أجواء التوتر والإحتقان، وأن التونسيين قد نفد صبرهم على السياسة والسياسيين.

أخيرا، تحدث رئيس المجلس الوطني التأسيسي في كلمة توجّه بها مساء الأربعاء 4 سبتمبر 2013 إلى الشعب التونسي، رفض خلالها حالة الإنقسام التي يعاني منها التونسيون، واعتبر أن فاتورة هذا الوضع لن يدفعها الزعماء، وإنما ستكون من نصيب المواطنين الفقراء. وفيما ألح مصطفى بن جعفر في دعوة جميع الأطراف إلى تقديم المزيد من “التنازلات الضرورية”، حذر من تكرار الحالة المصرية التي علل فشلها بعجز القيادات السياسية على إدارة الحوار. لكن الأهم من كل ذلك، إعلان مصطفى بن جعفر قراره بدعوة مكتب المجلس إلى الإنعقاد خلال الأسبوع القادم، وذلك في خطوة نحو استئناف المجلس لنشاطه بعد توقف دام أكثر من شهر، وهو توقف أثار ولا يزال ردود فعل متباينة، بلغت حد التفكير في إقالته، ومحاولة خلع مكتبه في غيابه، بل ومطالبة البعض بإحالة المسألة برمتها على القضاء.

لاشك في أن القرار المنفرد الذي اتخذه رئيس المجلس يوم 6 أغسطس الماضي لم يكن عاديا، وهو ما جعل شريكيه في السلطة (أي حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية) يحتجان بقوة، غير أن بن جعفر علل ذلك بالإشارة إلى أن “المجلس لم يعُد قادرا على إنجاز مهامه في غياب المعارضة، وفي أجواء بلغت درجة عالية من الإحتقان” على إثر إعلان حوالي 65 نائبا عن انسحابهم منه. ولهذا رأى في قراره “توفير فرصة ملائمة لإطلاق الحوار بين الجميع”.

أفتكاك المبادرة السياسية ولكن..

في الأثناء، نجحت أحزاب المعارضة في استثمار اعتصام ساحة باردو (المقابلة لمقر المجلس التأسيسي بضواحي العاصمة التونسية) الذي بادر بالقيام به النواب المنسحبون، وذلك بفضل توحدها ضمن إطار واسع ومرن أطلق عليه اسم “جبهة الإنقاذ”، تيمنا بالجبهة المصرية. ولعل أهم ما ميز هذا التحالف هو تمكنه من الجمع بين الجبهة الشعبية (التي تضم حزب العمال التونسي وتنظيم الوطنين الديمقراطيين الموحد إلى جانب حزب نداء تونس بقيادة الباجي قايد السبسي، الذي تحول في الفترة الأخيرة إلى أشبه بـ “مبعوث العناية الإلهية”، حسب تعبير أطلقه أحد الإعلاميين والسياسيين.

ما من شك في أن المعارضة افتكت المبادرة السياسية لمدة أسابيع متتالية، وفرضت نفسها على الجميع، مما دفع بأحزاب الإئتلاف الحاكم إلى أخذها بعين الإعتبار، بعد أن هاجمتها بقوة، وحاولت تهميشها. لقد رفعت هذه الجبهة سقف مطالبها عاليا، وهو ما وفر فرصة للترويكا الحاكمة لتنظيم حملة مضادة اتهمت فيها خصومها بالإنقلاب على الشرعية وتقويض المسار الانتقالي، بحكم أن هؤلاء يدعون إلى حل جميع المؤسسات المنبثقة عنه، وهي المجلس التأسيسي قبل إنجاز الدستور، وكذلك الحكومة.

لكن بفضل عديد الجهود التي بذلتها أطراف متعددة، وفي مقدمتها الإتحاد العام التونسي للشغل (أهم مركزية نقابية)، أمكن التوصل إلى حل وسط، يقضي بالإبقاء على المجلس باعتبار أن إلغاءه سيفتح الباب على المجهول، في حين تم القبول بحل الحكومة الحالية، وتعويضها بأخرى تقودها شخصية مستقلة، وتتركب من أصحاب كفاءات لا يحق لها الترشح للإنتخابات القادمة. وهو نفس المقترح الذي سبق لرئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي أن حاول الدفاع عنه بعد اغتيال شكري بلعيد في 6 فبراير الماضي، لكن أفشلته حركة النهضة وحلفاؤها.

تصعيد المعارضة.. وصمود النهضة

رغم هذا التقدم الذي حصل في المقاربة السياسية للحل، إلا أن العقدة الرئيسية التي أحدثت شللا في السياق الراهن، تمثلت في توقيت الإعلان عن استقالة حكومة العريض، هل يكون ذلك قبل انطلاق المفاوضات المباشرة أو بعد ذلك؟

الترويكا طرحت 8 أسابيع ، وفي نيتها أن تطيل عمر هذه الحكومة إلى تاريخ 23 أكتوبر القادم، وهو ما يسمح لها بقطف ثمرة إنجاز الدستور وإقامة الهياكل الدستورية الخاصة بالإنتخابات، لكن المعارضة رفضت ذلك، وأصرت على موقفها حتى بعد أن أبدت الحكومة استعدادها لتقليص هذه المدة إلى حدود الأربعة أسابيع، أي مع نهاية شهر سبتمبر الجاري. وبذلك تكون أزمة الثقة بين الطرفين قد بلغت أوجها، مما حال – إلى حد كتابة هذا المقال – دون التوصل إلى حل وفاقي.

الأوضاع حاليا مرشحة لمزيد الإحتقان، خاصة وأن المعارضة قد قررت التصعيد مجددا، وذلك بمناسبة أربعينية الفقيد محمد البراهمي الذي تعرض للإغتيال يةوم 25 يوليو الماضي، غير أن حركة النهضة عازمة من جهتها على الصمود في وجه تهديدات خصومها، لأنها أصبحت تعتقد بأنها مُستهدفة في وجودها، وأن هؤلاء لن يكتفوا بإخراجها من الحكومة، بل سيواصلون السير إلى أن يُقصوها نهائيا من الحياة السياسية. ولا شك في أن الحالة المصرية جاثمة بكل أبعادها التراجيدية أمام أعين أنصارها، وحتى قادتها.

في مقابل ذلك، يبدو أن المعارضة تتجه إلى مواصلة العمل على سحب البساط من تحت أقدام الحكومة، معتمدة على أساليب الضغط الميداني من مظاهرات واعتصامات، مستثمرة حالة التململ الشعبي، نتيجة الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية الصعبة. ولن يكون واردا في السياق الراهن أن تتم عودة عموم النواب المنسحبين إلى أعمال المجلس التأسيسي، وهو ما سيشكل استمرارا المأزق الدستوري.

لا مجال للفشل

في هذا السياق السياسي المضطرب، تزداد تخوفات رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب الذين تراجع حجم استثماراتهم داخل تونس، وهو ما دفع باتحاد أرباب العمل (الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة) التي تقوده لأول مرة في تاريخه امرأة حديدية، إلى التهديد بعد أن كشف عن حجم المخاطر التي يواجهها الإقتصاد التونسي. كما أن التونسيين لم يستردوا أنفاسهم بعد أن قررت الحكومة تصنيف “أنصار الشريعة ” كتنظيم إرهابي، وهو القرار الذي أثار ردود فعل عديدة، بما في ذلك من قبل كوادر عليا داخل حركة النهضة، التي رفضت القرار علنيا.

هكذا تبدو أجواء الساحة التونسية، التي يختلط فيها الأمل ببوادر اليأس والإحباط، ومع ذلك ستكون الأسابيع القادمة هامة، لأن “التونسيين ليس من حقهم أن يفشلوا”، مثلما تردد على ألسنة العديد من المسؤولين الغربيين الذين زاروا البلد في الفترة الأخيرة.

نفس هذا الكلام يردده بعض قادة الأحزاب التونسية أيضا، لكن يبدو أن ما ينقصهم هو الصبر والوضوح وحسن إدارة الخلاف. ولعل الأدوار المتقدمة التي أصبحت تلعبها منظمات المجتمع المدني الرئيسية قد تكون من بين الضمانات التي من شأنها أن تساعد على منع استمرار عبث بعض السياسيين بمستقبل هذا البلد الطامح بلا ريب للحرية والعدالة والإستقرار.

تونس (رويترز) – أعلنت المعارضة العلمانية في تونس يوم 4 سبتمبر 2013 أنها فشلت في التوصل الى اتفاق مع الاسلاميين ينهي الازمة السياسية التي تفجرت في تونس منذ اكثر من شهر بعد اغتيال معارض علماني وهددت بالتصعيد ومزيد من الإحتجاجات لاجبار الحكومة التي تقودها حركة النهضة الاسلامية على الإستقالة.

ومنذ اغتيال المعارض العلماني محمد البراهمي في 25 يوليو 2013 تواجه تونس أسوأ ازمة سياسية منذ الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011 حيث تطالب المعارضة باسقاط الحكومة.

وبدأ الاتحاد العام التونسي للشغل صاحب النفوذ القوي قبل أسبوعين جهود وساطة بين المعارضة والإئتلاف الحاكم في مسعى لانهاء المأزق السياسي. لكن المعارضة العلمانية أعلنت يوم الاربعاء 4 سبتمبر فشل التوصل الى اتفاق بسبب ما قالت إنه تعنت من جانب حركة النهضة الاسلامية. وتنص مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل على استقالة فورية للحكومة على ان يواصل المجلس التأسيسي الانتهاء من كتابة الدستور في وقت سريع.

وفي حين قالت النهضة وحلفاؤها في الإئتلاف الحكومي إنها مستعدة لاستقالة الحكومة خلال شهر ودعت الى بدء حوار فوري ومباشر مع المعارضة دون اي شروط مسبقة طالبت المعارضة باستقالة الحكومة فورا واتهمتها بالسعي لبدء حملة تعيينات في عدة وظائف سياسية لتزوير الإنتخابات المقبلة.

وقال حمة الهمامي القيادي البارز في جبهة الانقاذ المعارضة للصحفيين بعد لقاء مع زعيم اتحاد الشغل حسين العباسي: “نحن نرى ان النهضة مسؤولة عن فشل المفاوضات لانها أثبتت انها لا تريد ترك السلطة رغم الأزمة الخانقة التي تهز البلاد”. وأضاف “لقد رفضوا مقترح الإتحاد وعادوا الى نقطة البداية وقالوا ان الحكومة لن تستقيل قبل شهر..هذا مرفوض..إنهم يحاولون ربح الوقت والمناورة”.

وتعهد الهمامي بموجة جديدة من الإحتجاجات بعد هدوء نسبي استمر خلال فترة المفاوضات غير المباشرة وقال إن “المعارضة ستطلق حملة احتجاجات كبرى انطلاقا من يوم السبت 7 سبتمبر لإجبار الحكومة على التنحي‭‭‬.‭”‬‬

وتضم جبهة الإنقاذ التي تكونت بعد اغتيال البراهمي وهو ثاني اغتيال سياسي هذا العام بعد المعارض شكري بلعيد أكثر من عشرة أحزاب علمانية.

ويثير تعثر الجهود في التوصل إلى اتفاق يُنهي الأزمة السياسية المخاوف من وقوع مصادمات اذا عاد الخصوم إلى حشد انصارهم في الشوارع من جديد وهو أمر يزيد احتمالات تكرار السيناريو المصري في تونس التي كان ينظر إلى أن الإنتقال الديمقراطي فيها هو الأكثر هدوءا بين دول المنطقة.

وقال المولدي الرياحي وهو متحدث باسم الائتلاف الحاكم ان “الائتلاف مستعد لقبول استقالة الحكومة خلال شهر ولكنه يدعو المعارضة الى حوار فوري مباشر لمناقشة التفاصيل”. ورفض الرياحي ما سماه سعي المعارضة “لإهانة الائتلاف عبر محاولة إجباره على إقالة الحكومة بشكل فوري”.

وقالت حركة النهضة في بيان مشترك مع أحزاب أخرى إنها تاسف لتعثر بدء حوار بين افئتلاف الحكومي والمعارضة قائلة “إن ذلك لا يساعد على رسم صورة جيدة لتونس في الخارج أيضا”.

وتحاول تونس إنقاذ الديمقراطية الوليدة وسط استياء شعبي وفي ظل عزل الجيش المصري للرئيس الإسلامي المنتخب محمد مرسي.

 (المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 4 سبتمبر 2013)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية