مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أزمة سياسية في تونس بسبب تأجيل انتخابات المجلس التأسيسي

كمال الجندوبي، رئيس الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات يتوسط عددا من أعضائها خلال الندوة الصحفية المفاجئة التي عقدها يوم الأحد 22 مايو 2011 Keystone

لا يزال المخاض الديمقراطي في تونس عسيرا ومتعثرا ومليئا بالمفاجآت.

فقد تحوّل موعِـد المحطة الانتخابية القادمة، إلى قضية خِـلافية تكاد تفجِّـر الوِفاق الذي ساد بين الأطراف السياسية منذ أن تولّـى الباجي قايد السبسي في بداية شهر مارس الماضي مسؤولية الوزارة الأولى، وتشكلت “الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي”.

وفيما أوصت الحكومة المؤقَّـتة بالحِـفاظ على تاريخ 24 يوليو 2011 ورأت فيه تحدِيّـا وطنيا، أصـــرّت “اللجنة العليا المستقلة للإشراف على الانتخابات” على تأجيل الموعد إلى 16 أكتوبر. وبذلك، تحوّلت الكرة إلى رئيس الجمهورية المؤقت، ليحسِـم في الأمر حسب الصلاحيات التي يتمتَّـع بها، وذلك بعد أن سبق له أن أصدر مرسوما في آخر يوم من الأجَـل القانوني المخوَّل له، دعا فيه الناخبين للإقتراع يوم 24 يوليو المقبل، لاختيار أعضاء المجلس الوطني التأسيسي.

تحدٍّ استثنائي.. لكنه غير مستحيل 

عمليا، قرّرت الحكومة أن تضع الجميع (أي لجنة الإشراف على الانتخابات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وجميع التونسيين) أمام تحدٍّ استثنائي، محفوف بالمخاطر والإنزلاقات، لكنه غيْـر مستحيل، حسب تقديرها. في حين عادت الهيئة المستقلة، التي يترأّسُـها الحقوقي كمال الجندوبي إلى عقد ندوة صحفية ثانية خلال يومين، لتؤكِّـد من جديد استحالة انتخاب المجلس الوطني التأسيسي في الموعد الذي أعلَـن عنه الرئيس المؤقت ضِـمن خارطة الطريق، التي تمّ الكشف عنها بمناسبة تعيين السيد الباجي قايد السبسي رئيسا لثالث حكومة يتم تعيينها، بعد الرابع عشر من شهر يناير. وبدا موقفها بمثابة التحدّي للحكومة ولبعض الأحزاب السياسية، التي رفضت الإقتناع بالمبرِّرات التي قدَّمتها اللجنة، وفي مقدِّمتها حركة النهضة والحزب الديمقراطي التقدّمي وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية.

اعتراضات.. لكنها غير سياسية!

أكَّـدت الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات أن اعتراضاتها ليست سياسية، إذ اعتبرت أن الفترة الزمنية المتبقِـية ليست كافية لاستكمال الشروط التقنية الضرورية لضمان النزاهة والشفافية. من هذه الشروط، تركيز فروع الهيئة وتقسيم الدوائر الانتخابية وضبْـط قائمات الناخبين والسَّـهر على ضمان حقّ الاقتراع والترشح ومتابعة الحملات الانتخابية وتنظيم حملات التوعية ومراقبة الإقتراع وعمليات الفرْز وتلقِّـي الطعون واعتماد الملاحظين والمراقبين التونسيين، الذين قد يفوق عددهم سبعة آلاف مراقب، إلى جانب الملاحظين الدوليين.

واللجنة مدعومة في هذا السياق، برأي الخبراء الدوليين الذين قدَّروا بأن ضمان العملية الانتخابية في حاجة إلى 24 أسبوعا على الأقصى و14 أسبوعا على الأقل، حتى تكون الانتخابات ديمقراطية ونزيهة. ويعتقد أعضاء اللجنة الذين تمّ انتخابهم من صُـلْـب “الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة” ومن مرشحين عن عدد من منظمات المجتمع المدني، بأن الزمن المتبقِّـي (شهران) غيْـر كافٍ ولا يسمح بتوفير كل هذه المُـستلزمات التقنية الضرورية. وبناءً عليه، فهي تخشى من أن يفتح التسرّع المجال أمام احتِـمال الطَّـعن في النتائج والتشكيك في شرعية أول انتخابات تُـنظَّـم بعد الثورة، مما سيشكل انتكاسة خطيرة لمُـجمل المسار وقد تدخل البلاد في المجهول.

حفاظا على ماء الوجه

من جهتها، نظرت الحكومة إلى المسألة من زاوية مختلفة. فالباجي قايد السبسي يريد أن يحافظ على مِـصداقيته، بعد أن تعهَّـد أمام الرأي العام الوطني والدولي بأن الإنتخابات ستُـجرى في موعدها. وكان آخر مناسبة أعاد فيها هذا الإلتزام، في خاتمة الزيارة الرسمية التي أدّاها إلى فرنسا.

إلى جانب ذلك، تبدو الحكومة مشغولة بترقيع الأوضاع الاقتصادية والأمنية المرشَّـحة لتُـصبح أكثر هشاشة في صورة استمِـرار الوضع المؤقَّـت الذي وجدت البلاد نفسها عليه طيلة المرحلة الماضية. فالاقتصاد التونسي لم يعُـد يتحمل ـ حسب اعتقاد الخبراء ـ مزيدا من عدم الوضوح والحسْـم واستمرار غياب الشرعية.

كما تتوقع بعض المصادر أن تمديد المرحلة الانتقالية وإطالة حالة الفراغ الدستوري والسياسي، من شأنه أن يُـكلِّـف البلاد خسائر لا تقِـل عن 5 مليار دولار، وأن عدد العاطلين عن العمل قد يُـشارف المليون عاطل، بعد أن كان عددهم في حدود 300 ألف قبل الثورة. يحصل ذلك مع استمرار الإعتصامات والإضرابات العشوائية، التي شملت أحيانا مُـدنا بكاملها، مثلما حصل مؤخرا في كل من مدينتيْ تطاوين والرّقاب، إلى جانب ازدياد مخاوف المُـستثمرين التونسيين والأجانب ونزوعهم نحو الإنكِـماش، في انتظار عودة الشرعية والإستقرار الأمني والإجتماعي.

ومن بين الخبراء، مَـن يتوقَّـع بأن تأجيل موعِـد الانتخابات، من شأنه أن يجعل سنة 2012 هي أيضا سلبية، مثلما حصل إلى حدِّ الآن مع السنة الجارية 2011. كما أن الحكومة ستضطر إلى البحث عن موارد جديدة لتغطية النَّـفقات المترتّـبة عن الأشهر الثلاثة التي تمّـت إضافتها، في حين أن التخطيط الذي أقدمت عليه كان مقيَّـدا بموعد شهر يوليو كحد أقصى.

تبادُل التهم والتبريرات

يعتقد الكثيرون بأن أعضاء لجنة تحقيق أهداف الثورة، يتحمَّـلون مسؤولية المأزق الحالي، وذلك بسبب إطالتهم الجدل في مناقشة بعض المسائل، مثل الفصل الخامس عشر من القانون الإنتخابي، القاضي بحِـرمان الذين تحمَّـلوا مسؤولية قيادية في صُـلب الحزب الحاكم سابقا من حق الترشح إلى عضوية المجلس القومي التأسيسي، لكن أعضاء هذه اللجنة ينفون هذه التُّـهمة عن أنفسهم ويؤكِّـدون من جهتهم أن ما حقَّـقوه من خطوات هامة، قد تم في وقت قياسي وبشكل وفاقي.

وبقطع النظر عن تبادُل التُّـهم والتبريرات واستمرار حالة التجاذُب بين الأحزاب، فالأكيد أن النخبة السياسية الصاعدة في تونس، لا تزال تتلمَّـس طريقها بصعوبة، وهي في كل الأحوال ليست لها خِـبرة سابقة ببناء الأنظمة السياسية في ظروف صعبة ولم يسبق للأغلبية الساحقة من رموزها أن تحمَّـلوا مسؤوليات في الحُـكم، وهو ما يفسِّـر تكرُّر الوقوع في أخطاء سياسية وقانونية وإدارية، إلى جانب التورُّط في مهاترات ومشاحنات شخصية وحزبية وفِـئوية في ظرف انتقالي صعب.

تحقيق تقدُّم.. ولو كان بطيئا 

مع ذلك، فإن جهات موضوعية أو محايدة عديدة تعتقد بأن الحالة التونسية في هذا السياق، أفضل من الحالة المصرية، وأنه بالرغم من تعثُّـرها وما يسودها من ارتِـباك وحالات احتقان متكرِّرة وخطورة ما تواجهها من مخاطر وتحدِّيات، إلا أنها بقِـيت قادِرة على تحقيق تقدُّم في الاتجاه الصحيح، ولو كان تقدُّما بطيئا.

كما أثبتت النخبة التونسية، رغم النقد الشديد الذي يوجه إليها، أنها قادرة في كل مرّة تشهد التجربة انتِـكاسة، على إنقاذ الثورة من التراجع والفشل، وذلك بتحقيق توافق جديد والتوصُّـل إلى صِـيَـغ عملية تمكِّـنها من إنجاز خطوة أخرى من خطوات خارطة الطريق، التي تم التوافق عليها وإن بصعوبة.

ولا شك في أن اكتِـساب الحد الأدنى من القُـدرة على امتصاص الأزمات وتحقيق التسويات في المراحل واللحظات الحرجة، خاصية هامة وضرورية في هذا المُـنعَـرج التاريخي، الذي تمر به تونس خاصة والعالم العربي عموما.

علقت حركة النهضة الإسلامية يوم الاثنين 30 مايو  عضويتها من الهيئة العليا لحماية الثورة والانتقال الديمقراطي، بسبب الجدل حول موعد الانتخابات، على ما أعلن سمير ديلو، القيادي في الحركة لفرانس برس.

وأعلن ممثلو الحركة داخل الهيئة وهُـم الثلاثي: نور الدين البحيري والصحبي عتيق وفريدة العبيدي، تعليق العضوية خلال جلسة عادية للهيئة في مقر مجلس المستشارين (الشيوخ) في باردو وسط العاصمة تونس.

وأضاف القيادي الإسلامي أن “إصرار أعضاء الهيئة المستقلة للإنتخابات العودة إلى جدول الأعمال العادي قبل الحسم نهائيا في موعد الإنتخابات، كان وراء هذا التعليق”.

وفي سياق متَّـصل، قال نورالدين البحيري، عضو المكتب التنفيذي للحركة إن “التعليق سيكون إلى حين حسم أمرين أساسيين، وهما وجود إرادة في تنظيم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وتحديد موعد لذلك”.

وكانت الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات في تونس، أعلنت الخميس 26 مايو، تمسكها بتأجيل موعد انتخاب المجلس التأسيسي إلى 16 أكتوبر، معاكسة بذلك موقف الحكومة الانتقالية التي أعلنت قبل يومين أنها “توصي” بالإبقاء على تاريخ 24 يوليو المقرّر، ما يؤشِّـر إلى تجاذب لم تُـحسم نتيجته.

إلا أن رئيس الوزراء التونسي الباجي قايد السبسي أشار يوم الجمعة 27 مايو، إلى إمكان تأجيل الإنتخابات، مؤكدا أن الحكومة ستقبل بذلك، إذا كانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات “ترى ذلك ضروريا”. ومن المقرر أن يجتمع مجلس الوزراء الثلاثاء 31 مايو، لمناقشة الموضوع.

وتؤيد غالبية من الأحزاب السياسية، من بينها حزب النهضة الإسلامي إجراء الانتخابات في يوليو، حفاظا برأيهم على استقرار البلاد، التي تفتقد للمؤسسات الشرعية منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي في شهر يناير الماضي.

وكان سمير ديلو قد قال في وقت سابق من يوم الاثنين “هدفنا ليس الإصرار الأعمى (على موعد 24 يوليو)، بل وجوب إيجاد توافُـق بين كل الأطراف السياسية”. وأضاف “الروزنامة الانتخابية التي قدمتها الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات، ليست مقنعة، ولكن نحن مع التمشي التوافقي… نحن ضد الرأي الواحد”.

إلا أن أحزابا أخرى، من بينها حزب العمال الشيوعي التونسي، تطالب بتأجيل الانتخابات لإعطاء مزيد من الوقت للحملات الانتخابية والتحضير لهذه الانتخابات بشكل جيد.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 30 مايو 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية