مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أمن الخليج بين رؤية إيرانية وتصورات عربية وتحالفات دولية

Keystone

منذ عشرات السنين، تتعدد التصورات والنظريات المتعلقة بضمان الأمن في الخليج. ومع أن تظورات العشرية الماضية قد أسست لبعض التطورات المهمة ارتبطت بتواجد عسكري أمريكي وغربي واسع إلا إن المسألة لم تُحسم تماما.

في هذا السياق، تطرح إيران على جيرانها العرب تصورات خاصة بها لترتيبات الأمن في الخليج لكنها تصطدم دائما بسؤال حول ما إذا كانت إيران “الخائفة والمخيفة” برأي بعضهم “جزءا من المشكلة أم أنها جزء من الحلّ”؟

لا توجد مشكلة كبيرة في إدراك الكيفية التي ترى بها إيران أو تتمنى أن ترى بها، أمن الخليج. فهي تعتقد ببساطة أنه – بصرف النظر عن مشكلة الاسم – خليج فارسي، لكن لأن لديها قدرا من الواقعية، يتيح لها إدراك أن التعامل مع الخليج كمنطقة نفوذ، لم يعد ممكنا، يتم عادة تبنّـي صيغة أن أمن الخليج مسؤولية الخليجيين، ولأن تلك الصيغة أيضا لم تعد أكثر من عبارة إنشائية ملغَـمة غير قابلة للتطبيق، بالنظر إلى ما هو قائم على الأرض، تحوّل أمن الخليج إلى “عدم أمن”، يستعصي على الترتيب، وِفقا لرؤية أي من أطرافه، وأولها إيران.

إن منطقة الخليج لا تزال تُـمثل مُـعضلة أمنية من النوع الذي يبدو أنه غير قابل للحل، فلم يحدُث أبدا أن تُـركت تلك المنطقة في حالة فراغ أمني، إذ كانت هناك دائما معادلات ما لترتيب أوضاعها الأمنية، لكن لم يحدُث أبدا أيضا أن شهِـدت تلك المنطقة استقرارا أمنيا، لذا كان هناك جدل مستمر حول خيارات بناء الأمن فيها، وترى طهران منذ فترة، أن هناك ما يمكن أن تقوله بهذا الشأن، لكن الأرجَـح أن أحدا لن يستمِـع إليها، وسوف تستمر المعضلة.

إن عُـقدة أية تصورات إيرانية لترتيبات الأمن في الخليج، هي أنها تصطدم على الفور بسؤال حول ما إذا كانت إيران هي جزء من المشكلة أم أنها جزء من الحلّ. فإيران – حسب تعبير أحد الصحفيين العرب القريبين من شؤون الخليج – خائفة ومُـخيفة في نفس الوقت، وما تطرحه حاليا، يبدو كجزء من عملية إدارة الصراعات وليس حلَّ المشكلات، في انتظار إشعار آخر.

معادلة 3 + 1

إن أحد أهم تعريفات مُـشكلة أمن الخليج، يؤكِّـد على أن ذلك الخليج المهدّد، في واقع الأمر هو منطقة الخليج العربي، التي تضم دول مجلس التعاون الخليجي العربية الست والتي تتمتع بموقع إستراتيجي واحتياطيات نفطية وفوائض مالية واستثمارات كُـبرى، مع عدم قُـدرة دوَّلها على حمايتها بقُـدراتها الخاصة، في مواجهة عِـملاقين إقليميين مُـجاورين، هما إيران وعراق ما قبل انهيار نظام صدّام حسين.

لكن العراق وإيران، لم يمثلا فقط مجرد قِـوى إقليمية تُـهدد أمن وموارد وتماسك الدّول الست، رغم أنهما كانتا تفعلان ذلك طوال الوقت. فقد كانتا أيضا تتصارعان بعُـنف أدّى إلى سقوط أكثر من 750 ألف قتيل خلال حرب الثمانينات، كما كانتا تتعرّضان للاستهداف والتهديد من جانب القِـوى الكبرى المتواجدة في الخليج، وقد انهارت إحداهما بالفعل تحت وطأة حربين كبيرتين عامي 1991 و2003.

ولقد قامت إستراتيجيات دُول الخليج العربية في التعامل مع الطرفين، على مبدأين شهيرين، هما توازُن القِـوى في الخليج والتحالفات الدفاعية مع الأطراف الدولية، وأدّى هذا الوضع إلى تدويل كامل لأمن الخليج عبر سلسلة من الاتفاقات الدفاعية، التي أبرمتها السعودية (1945) والبحرين (1971-1991) وعُـمان (1980) والكويت (1987) وقطر (1992) والإمارات (1994) مع الولايات المتحدة.

مأزق الخليج

إن مبدأ توازُن القِـوى قد توقّـف عن العمل بتصدّع العراق عام 1991 قبل انهيار قوته بشكل كامل عام 2003، ولم تبق سوى “التحالفات الدفاعية” مع الولايات المتحدة، لكن مشكلة التحالفات الدفاعية أنها كانت دائما مسبِّـبة للمشاكِـل.

فعلى الرغم من أنها لم تهدّد التوازنات الداخلية، إلا أنها أثارت بعض الفِـئات الاجتماعية ودفعت في اتجاه ظهور أعمال إرهاب، تستهدِف إخراج ما أسمتهم “المُـشركين من جزيرة العرب”، مما دفع بعض الدول، كالسعودية إلى طلب نقل القواعد العسكرية من أراضيها.

كما أن بعض دول الخليج قد أرهِـقت أو واجهت إحراجا دائما في التعامل مع المقترحات الأمريكية الدائمة بإقامة نظُـم للدفاع الصاروخي أو التصوّرات الخاصة بدعوتها إلى مواجهة مكشوفة مع إيران، وأحيانا تتِـم الإشارة إلى الثمن الكبير الذي يُـدفع ماليا في إطار الحِـفاظ على تلك التحالفات، بعيدا عن معادلة النفط مقابل الأمن.

فتلك الدول تريد الحِـفاظ على أمنها بالصورة التي تحددها، وليس الاندماج بشكل كامل في التصورات الأمريكية لأمن الخليج.

لكن الأهم، أن تلك المعادلة خلقت مأزقا خليجيا، فلم يكُـن ثمة وضوح في الخط الفاصل بين هدف مساعدة الدول على الدِّفاع عن نفسها ومهاجمة الأطراف الأخرى، انطلاقا من القواعد العسكرية القائمة.

ففي حرب أفغانستان عام 2001، تمّ استخدام القواعد العسكرية الموجودة في قطر والبحرين وعُـمان، وفى حرب العراق عام 2003، تم استخدام القواعد العسكرية الكويتية والتسهيلات العسكرية القائمة في الدول الأخرى، رغم معارضتها غَـزو العراق.

لقد تسبّـب ذلك في مشكلة من قَـبل مع العراق، ويتسبّـب حاليا في مأزق مع إيران. فهناك تهديدات عسكرية إيرانية واضحة بأنه سيتِـم استهداف القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج في حالة استخدامها في شنّ حرب ضدّها من جانب الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أن كل دول الخليج تقريبا قد أعلنت أنها لن تسمح باستخدام تلك القواعد في حرب محتملة ضد إيران، إلا أن الجميع يُـدرك أنه إذا نشبت الحرب، لن تكون هناك ردود أفعال منضبطة، فكل شيء جائز في حروب الخليج.

غير مقبول.. ولكن!

من هنا جاءت الهواجِـس المتعلِّـقة بالمقترحات الإيرانية الخاصة بترتيبات الأمن في الخليج. فإيران ترى أن مسؤولية أمن الخليج يجب أن تكون خليجية، وما تعرضه ببساطة، هو أن يتم إبعاد القوى الدولية “الأجنبية” المتواجدة عسكريا في الخليج، على أن يتِـم التفاهم حول توقيع اتفاقيات لعدم الاعتداء بين إيران ودول الخليج العربية، ويتم دفع دول الخليج للتّـفكير في تلك التصوّرات عبر زيارات واتصالات وتهديدات مستمِـرة تفاقم حالة الشك في النوايا الإيرانية، التي يبدو أنها تتعلّـق بطموحات هيمنة، وليس تطمينات أمنية، فقد سبق لصدّام حسين أن عرض عقد اتفاق عدم اعتداء مع السعودية قبل أن يجتاح الكويت.

الأكاديميون في الخليج يرون أن ما تطرحه إيران لا يمِـت لفكرة ترتيبات الأمن الإقليمية بصلة، فأفكار إيران ليست تعاونية، وإنما دفاعية، وكأنها تريد أن تستبدل التحالفات الدفاعية الدولية بتحالف دفاعي إقليمي، يعني في حده الأدنى “أننا لن نعتدي على الضفّـة الأخرى، إذا تم إخراج هؤلاء من المنطقة”، أما في حدِّه الأقصى، فإنه يعني “أننا يجب أن نشكِّـل حلفا دفاعيا أو أمنيا خليجيا ضد الغرب”، وهي مسألة غير مقبولة من جانب دول الخليج.

أما بالنسبة للدوائر السياسية، فإن المسألة أكثر وضوحا، فإيران في الحقيقة – وِفقا لمدركات دول الخليج – هي مصدر التهديد ولا يُـمكن الثقة فيما تطرحه، ونظامها السياسي الحالي يثير هواجس لا حدّ لها.

فمحمد خاتمي قد ذهب، وقبول ما تعرضه إيران يُـمكن أن يمثل كارثة، لكن في الوقت نفسه، يجب التعامل بجدّية – حسب ما يثار في دوائر خليجية مختلفة – مع المخاوف الإيرانية من قواعد الخليج العسكرية، فهي تهدف إلى ردع طهران، وليس مهاجمة إيران.

12 خيارا أمنيا

إن دول الخليج تُـدرك أن إيران هي واحدة من دول المنطقة وأنه لا مناص في النهاية من إيجاد صيغة للتفاهم مع إيران، وقد كاد ذلك أن يتم في فترة حكم محمد خاتمي، لكن ما يحدُث هو أن التوجّـهات الإيرانية الحالية في ظل رئاسة أحمدي نجاد لا توفِّـر مجرّد الحدّ الأدنى – حسب مصادر خليجية – للتّـفاهم حول الأمن. فهناك مُـيول هيمنة وتهديدات مكشوفة وبرنامج نووي وتدخّـلات حساسة، بما لا يتيح فرصة للتعامل مع أي شيء تطرحه إيران بجدّية.

وعلى أي حال، فإن المصير المتصوّر لمبادرة إيران الأمنية، ليس أسوأ من مُـعظم التصورات التي طُـرحت في فترات مختلفة والتي لا تزال تُـمثل خيارات مُـثارة لأمن الخليج.

فقد رصد أحد مستشاري إحدى وزارات الدفاع الخليجية ما لا يقل عن 12 تصوّرا مطروحا، نظريا، وأحيانا عَـمليا، لتأمين المنطقة، تعتمد على أطُـر مختلفة لبناء قوة ذاتية خليجية أو تحالفات مع دول عربية أو تدويل كامل لأمن المنطقة بالتعاون مع دول غربية أخرى أو الحلف الأطلسي (الناتو)، وتُـواجه كلها مشكلات في التطبيق بدرجة أو بأخرى، والمثير أن الخيار الإيراني ليس من بينها، فلا يزال “خِـيارا غير جاد” حسب تقييمه.

د. محمد عبد السلام – القاهرة

لندن (رويترز) – قال مستشار للحكومة الكويتية ولمجلس التعاون الخليجي يوم الثلاثاء 12 فبراير، إن دول الخليج تعتقد أن إسرائيل ستدمر برنامج إيران النووي، ولن تسمح للجمهورية الإسلامية بامتلاك قنبلة ذرية.

وقال المستشار سامي الفرج، إنه إذا تمكنت إيران من تصنيع قنبلة نووية، فإن الدولة اليهودية قد تكون إحدى الدول إلى جانب الولايات المتحدة وباكستان، التي ستطلب منها دول الخليج العربية توفير “مظلة نووية” لضمان أمنها.

وأضاف الفرج، وهو رئيس مركز الكويت للدراسات الإستراتيجية، أن إسرائيل قد تقصف منشآت نووية إيرانية، مثلما دمّـرت المفاعل الذري الرئيسي العراقي في هجوم عسكري في عام 1981.

وقال الفرج لرويترز في لندن في بداية مؤتمر للمحللين، تنظمه هيئة أوروبية مستقلة تتابع التطورات الأمنية في الشرق الأوسط “اعتقد حدوث شيء ما على غِـرار النموذج العراقي… نحن في الخليج نفترض أن إسرائيل ستتولى المهمة، لا ندعو لذلك، لكن إسرائيل ستفعلها”.

وتنفي إيران أنها تسعى لامتلاك أسلحة ذرية، وتقول إنها تريد تطوير برنامج نووي سلمي لتوليد الكهرباء، كي تتمكن من تصدير كميات أكبر من النفط.

وتراجَـع بشدّة احتمال شنّ هجوم عسكري أمريكي على إيران، بعد أن قال تقرير مخابرات أمريكي في ديسمبر الماضي إن طهران أوقفت، على ما يبدو، برنامجا نشطا لإنتاج قنبلة نووية في عام 2003.

واستمرت إسرائيل تتبنى موقفا متشددا، وقال رئيس وزرائها ايهود أولمرت أثناء زيارة لألمانيا “نحن على يقين بأن الإيرانيين منهمِـكون في عملية… خطيرة وسرية، لبناء قدرة غير تقليدية”.

وأضاف أولمرت ردا على برنامج الأسلحة النووية المشتبه به “كل الخيارات واردة”.

وقال الفرج، الذي يعمل مستشارا للأمين العام لمجلس التعاون الخليجي ولرئيس الوزراء ووزارة الخارجية ومكتب الأمن القومي في الخليج، إن إيران المسلحة نوويا، ستطلق سباقا للتسلح يتجاوز منطقة الخليج ويشمل دولا، مثل الأردن ومصر وتركيا وكازاخستان، وأضاف أن الدول التي لا تستطيع إنتاج أسلحة ذرية، ستطلب “مظلة نووية”، مضيفا “أنا لا أرفض مظلة نووية إسرائيلية.. لا أرفض ذلك”.

وقال سايمون هندرسون من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إن إيران تستطيع إنتاج قنبلة نووية “خِـلسة” على النّـحو الذي ظهرت به باكستان كقوة ذرية في عام 1988.

وقال “الخطر الكبير، هو أن يصلوا إلى نقطة ويباغتونا وأن نستيقظ ذات صباح على إعلان عن اختبار نووي إيراني”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 12 فبراير 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية