مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أمير مخول: “لا نعيش داخل الخط الأخضر صراعا بين العلمانيين والإسلاميين”

يوم 24 مارس 2009 كانت مدينة أم الفحم داخل الخط الأخضر مسرحا لمواجهات بين مواطنين عرب وقوات الشرطة الإسرائيلية لدى احتجاجهم على تنظيم مسيرة من طرف مجموعة من المتطرفين اليهود AFP

أمير مخول اسمٌ يعرفِـه جيدا المسؤولون عن المخابرات الإسرائيلية "الشاباك". وفي آخر تحقيق معه، أعلموه بأنه "مخرّب ويعمل ضد أمن الدولة وهي في حالة حرب"، وأنه "يقوم بتحريض الشباب لمعاداة الدولة" وأنه "معاد للدولة في كل مواقفه في البلاد وخارجها، ويدعم المقاومة ويدعو للتصعيد وللمقاومة الشعبية". كما قال له مسؤول الشاباك: "يسعدني في المرة القادمة أن أراك تدخل السِّـجن وأنا ابتسم".

لكن مخول معروف أيضا في الأوساط السياسية الفلسطينية، ليس فقط بكونه من ذوي الاتجاه القومي، ولكن باعتباره أحد رموز المجتمع المدني لفلسطينيي الخط الأخضر بصفته “رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات”، إلى جانب كونه “مدير عام اتحاد الجمعيات”، المعروف برمز “اتجاه”.

في هذا الحوار، الذي أجريناه معه في العاصمة المغربية الرباط بتاريخ 15 مارس 2009، حدثنا عن التحولات العميقة الجارية في صفوف الوسط الفلسطيني داخل إسرائيل. إنها رؤية من الداخل لعالم لا يعرف عنه العرب والأجانب إلا القليل.

سويس أنفو: بعد مرور شهرين على نهاية الحرب الإسرائيلية على غزة، كيف انعكست تلك الحرب على فلسطينيي الخط الأخضر؟

أمير مخول: كانت تلك اللحظة حالة غير طبيعية، حيث شعر فلسطينيو 48 بزوال الخط الأخضر، ومعه اختفت الحواجز المفروضة عليهم في الداخل وسيطرت قناعة – خاصة لدى الشباب من الجيل الصاعد – بأننا لا نتضامن مع شعبنا في غزة، وإنما اعتبرنا العدوان موجّـها ضدنا، وذلك إدراكا منا بأن أي إضعاف أو استهداف لأي جزء من الشعب الفلسطيني، هو استهداف للجميع ولمُـجمل القضية الفلسطينية.

لقد هيمنت على الجميع حالة من الغضب غير العادي، وتوفر استعداد لدى هؤلاء لمواجهة الحكومة الإسرائيلية ودفع الثمن. وما يلفت الانتباه أن ذلك كان مصحوبا بوعْـي سياسي وبردّ فعل منظم. كما عمّـت التحركات الاحتجاجية، منذ اليوم الأول، جميع الأحياء العربية واليهودية من أجل تخفيف الضغط على سكان غزة، وكذلك من أجل أن يقع دعم صمود غزة بصمود مُـواز في حيفا والناصرة ويافا وبقية مدن وقرى الخط الأخضر.

وتعلم مواطنونا أن الجانب النفسي والمعنوي مُـهمّ جدا في الحروب، خاصة وأنه قد عمّ شعور لدى الناس بأن ما يجري هو إبادة جماعية. وبما أن إسرائيل هي كيان معاد لكل ما هو فلسطيني، فقد كان القمع في الداخل غير مألوف، من حيث إطلاق النار والاعتقالات الجماعية، لكن في المقابل، كان يحصل ما يمكن تسميته بالبناء الثقافي المكثف، حيث كانت جماهيرنا تنزل يوميا إلى الشوارع بشكل عفوي، وفي الغالب بشكل غير منظم.

حصل تعاطف شديد مع المقاومة، ليس لاعتبارات أيديولوجية، ولكن كان هناك إحساس بأن هذه المقاومة تمثل كل فلسطيني.

سويس أنفو: ألم تؤثر الهوية الإسلامية للمقاوم، ممثلة في حركتي حماس والجهاد، على تفاعل الفلسطينيين داخل الخط الأخضر؟

أمير مخول: لا، لــم ينعكس ذلك سلبا على جماهيرنا؟

سويس أنفو: بمعنى آخر، ألم يتدخـَّل العامل الأيديولوجي في تكييف مواقف الناس؟

أمير مخول: لا، لقد نزل الشيوعي والقومي واللـّيبرالي والنسويات إلى الشوارع، وكانوا في المظاهرات جنبا إلى جنب، وقد كان ذلك مشهدا مميزا. فالأغلبية الساحقة أيّـدت نـهج المقاومة.

صحيح، أن بعض الأطراف أيّـدت نهج أبو مازن والسلطة في رام الله، لكن في المحصِّـلة كان الغضب الشعبي على مواقف الرئيس أبو مازن من المقاومة كبيرا، إذ بقطع النظر عن خلافه السياسي مع المقاومة، كان من واجبه كرئيس للشعب الفلسطيني ولمنظمة التحرير أن يبقى وفيا للتاريخ النضالي لهذا الشعب ضد العدوان.

فإحداث موازاة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، أحدثت ضررا كبيرا على الصعيد المعنوي، لكن الناس على درجة عالية من الوعي جعلتهم يتجاوزون ذلك، وأدركت الجماهير يومها أن المعركة ليست ضد التواطؤ العربي أو الفلسطيني، وإن كان ذلك مؤلِـما جدا لمشاعر الجماهير، وإنما كانت المعركة ضد إسرائيل.

سويس أنفو: ألا يبدو غريبا أن فلسطينيي الداخل الذين هم جزء من الكيان الإسرائيلي يتعاطفون مع المقاومة المسلحة الإسلامية؟

أمير مخول: ليس هذا بالأمر الجديد، فتاريخيا عندما كانت منظمة التحرير تتبنّـى المقاومة المسلحة، كان فلسطينيو الخط الأخضر يتعاطفون معها ويعتبرون أنفسهم جزءً منها على الصعيد السياسي، وليس على الصعيد العملي.

فمنذ عام 48، كان هذا الجزء من الشعب الفلسطيني الأكثر تنظيما والأكثر جمهورا وله مرجعياته المحلية، وهذه المرجعيات تتّـخذ قرارات جماعية وطوعية. كما عرفت هذه الساحة جمهورا معبّـأً وأحزابا سياسية منظمة.

كما أن المجتمع المدني الفلسطيني داخل إسرائيل قوي جدا. فدورنا لا يمكن أن يكون في حدود مواطنتنا، إذ علينا بُـعد استراتيجي يتمثل في الدفاع عن حق العودة والمحافظة على بقايا هذا البلد، بل وبقايا 530 قرية مهدّمة، بما في ذلك الحفاظ على أسماء الشوارع التي يريدون تغييرها، وذلك لمنع تهويد المكان والزمان والتاريخ والمشهد العام.

إن فلسطينيي 48 هم الذين يحملون ملف القدس، وبالأخص أبناء الحركة الإسلامية في الداخل، كذلك لهم مسؤولية الدفاع عن الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وهم أكثر من 11 ألف معتقل. فقط نحن الذين نملك الوصول إليهم. ونشعر أيضا بأن لنا مسؤولية إزاء القضية الفلسطينية الكبرى، بما في ذلك غزة وكسر الحصار المضروب عليها.

سويس أنفو: هل يُـفهَـم من كلامكم أن الحرب على غزة كشفت أن إسرائيل قد فشلت في احتواء فلسطينيي 48، وأنتم في المقابل رفضتم الاندماج في الكيان الإسرائيلي؟

أمير مخول: أنا أعتقد بأن الشعب الفلسطيني كله له ثقافة كفاحية واحدة. هناك حاليا عودة إلى جذور الصراع، وذلك بسبب فشل أوسلو وحلول التسوية. وربما كانت جماهير 48 سباقة للوعي بأن تجزئة القضية الفلسطينية مسألة قاتلة للقضية نفسها، فهي الطريقة التي تسعى إسرائيل استراتيجيا لإنجازها من أجل إضاعة الحق الفلسطيني وتحويله إلى احتلال أراضي عام 67، وجعل القضية خلافية ولا تتعلق باحتلال وطن.

في أوسلو، هناك موضوعان تمّ تهميشهما، وهما موضوع اللاجئين وموضوع فلسطينيي 48 الذين أصبحوا وكأنهم شأن إسرائيلي داخلي، وهذان الموضوعان هما اللذان عادا ليُـطرحا بقوة خلال السنوات الأخيرة، ولكن بأدوات جديدة.

وقد بدأنا منذ أوسلو نطوِّر أدوات مواجهة هذا الواقع. نعم، إسرائيل فشلت في عملية احتوائنا. فخلال السنة الماضية، كانت الذكرى الستين للنكبة، وكنت شخصيا في قيادة كل النشاطات في الوطن والشّـتات، حيث كان المؤتمر الذي عقد في أوروبا، وتحديدا في كوبنهاغن، الذي جمع حوالي عشرة آلاف فلسطيني.

أنظر عدد الشباب الصغار داخل الخط الأخضر، وفي الضفة وغزة، وهو الجيل الذي راهنت إسرائيل على نسيانه للقضية ولعلاقاته بشعبه ووطنه. هذا الجيل أصبح يملك أدوات أكثر للاتصال، وهو يحمل مشروع العودة والحق التاريخي، هذا الجيل لا يدافع عن ذلك بالصيغة الدبلوماسية والحلول الوسط، وإنما باعتبار ذلك حقا غير قابل للتفريط أو المساومة. وأنا أعتقد بأن أهَـم إنجاز تحقّـق لدى الشعب الفلسطيني خلال نضالات السنوات الأخيرة، هو صعود هذا الجيل من الشباب، هذا الجيل لا يريد رعاية أو وصاية من أحد، إنه يحتاج فقط إلى أرضية تمكِّـنه من الانطلاق والعمل، معتمدا على رؤيته ورصيده. وفي هذا تكمُـن قوة هذا الجيل.

في المقابل، تعيش إسرائيل تناقضاتها الإستراتيجية، فهي عمليا، تعيد ربط مختلف أجزاء القضية الفلسطينية ببعضها. فهي عندما انسحبت من غزة في 2005 و2006، كان لها مركبان. المركب الأول، الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. والمركب الثاني، هو مشروع النقب والجليل، وهو عبارة عن مشروع تطهير عرقي للفلسطينيين وتهويد المكان، بإضافة مستوطنات يهودية داخل الخط الأخضر وخارجه، وذلك بنفس النهج الكولونيالي والعنصري، بهدف منع التواصل بين الفلسطينيين والسيطرة على المواقع الاستراتيجية ومصادر المياه وغيرها.

المستوطن عندنا هي كلمة سلبية، لكنها في إسرائيل هي عبارة عن مُـواطن حامل لرسالة، وبالتالي، هي حالة امتياز. المشروع الإسرائيلي يجعلنا، عمليا، نربط بين غزة والجليل والنقب، مثلما هم يفعلون. فنحن طوّرنا أكثر من غيرنا خِـطاب الحق، وليس خطاب الحل السياسي.

سويس أنفو: بمعنى آخر، هل تعتقدون بأن مستقبلكم ليس في الاندماج ضمن الدولة العبرية؟

أمير مخول: شخصيا، أعتقد بأننا نحن مسؤولون أخلاقيا على حلّ المسألة الفلسطينية وكذلك مستقبل اليهود. فالمجتمع الإسرائيلي موجود، وبالتالي، لن يكون الحل في رميه في البحر أو في غير البحر، لكن في المقابل، لا نقبل أن يُـسوّى ذلك باسم شرعية إسرائيل، فهذا أمر غير مقبول.

كنت شخصيا من الذين بادروا بالدِّفاع عن حل الدولة الواحدة، وذلك على أساس تقاسم السلطة وحق تقرير مصير الشعب الفلسطيني، وبالتالي، فكفكة إسرائيل كنظام عنصري كولونيالي، وإذا تم التعامل معه ككيان شرعي، فأنا أكون بذلك قد ألغيت حقّ العودة وتنازلت عن انتمائي للوطن، وهذا يجعلني أتمسك بإقامة الدولة الواحدة وإيجاد حل طويل الأمد للمسألة اليهودية.

ومن هذا المنظور، لا مانع عندي أن تكون هناك دولة فلسطينية مؤقتة أو حل الدولتين، لكن الذي يجب الانتباه إليه، هو أن هذا الحل لن يُـنهي الصراع ولن يوقِـف النزاع، وإسرائيل تعي ذلك، ولهذا، فإن سياستها قائمة على إدارة الصراع، وليس إنهاء الصراع، ونتائج الانتخابات الأخيرة هي نتائج من لا يريد أي حلّ ولا يستطيعون حتى القيام بحرب جديدة. اليمين الإسرائيلي، هو انعكاس لحالة أزمة.

إن مفهوم الأمن القومي تغيّـر في إسرائيل خلال العشر سنوات الأخيرة، فحكومة كاديما وحزب العمل كانا يشكِّـلان ما يسمّـى بشق الاعتدال، ومع ذلك، فلأول مرّة في التاريخ تخوض حكومة واحدة حربين، لكن المعركة ضد المقاومة لم تتمكن من كسرها، سواء في لبنان أو فلسطين.

وفي المحصلة، فإن معسكر الاعتدال العربي بالمفهوم الأمريكي قد ضعف، وهو في تقديري ليس مكسَـبا للمقاومة، ولكنه يعكس بوضوح فشل الخطة الإسرائيلية في حماية أمنها القومي.

فحرب لبنان أفشلت ما كانت تؤمِـن به الجبهة الداخلية الإسرائيلية، القائمة على ضرورة إدارة الحرب في أرض العدو، فإذا بها تتحوّل إلى داخل إسرائيل. وبعد حرب لبنان، انتقم الإسرائيليون من أولمرت وبعض قادة المؤسسة العسكرية وأخضعوا الجيش لتدريبات مكثفة ووضعوا هدفا سياسيا، هو القضاء على قوة حماس وثقافة المقاومة، لكن اليوم، فإن جنرالات الجيش يتحدّثون بشكل مختلف عن أيام العدوان على غزة، ويؤكِّـدون بأن المقاومة في غزة استمرت، رغم أن كل الظروف لم تكن في صالحها، ولهذا يجري الحديث حاليا بأن إسرائيل تعيش أزمة حقيقية بلا مخارج.

سويس أنفو: ألا ينتابكم قلق بأن المقاومة قد أتت باليمين وأقصى اليمين إلى الحُـكم في إسرائيل؟ وهذا ليس في صالحكم على ما يبدو…

أمير مخول: توجد مشكلة في هذا السؤال. هناك دائما رهانات عربية على نتائج الانتخابات الإسرائيلية، ولا يوجد أي نظام عربي يراهن على نتائج الانتخابات التي تجري عنده. فنتنياهو اليوم أضعف من حكومة باراك وأولمرت مع بعض، لأنه لا يملك الغطاء الدولي.

اليمين الإسرائيلي غير قادر على أن يعمل حربين. فتاريخيا، اليسار عندما يقوم بحرب يوجد حولها إجماع قومي، لكن عندما يقوم اليمين بحرب تتحوّل إلى إشكال قومي.

سويس أنفو: لماذا اليمين غير قادر على فعل ما يقوم به اليسار في مسألة الحروب؟

أمير مخول: هناك مقولة في إسرائيل تعتبر أن “اليمين يستطيع أن يصنع سلاما، بينما اليسار يستطيع أن يصنع حربا”. الحرب تحتاج، إضافة إلى الجوانب التقنية، إلى رأي عام داخلي ودولي مساند. إسرائيل لا تعد ضحايا الآخرين، وإنما تعد ضحاياها فقط، وهذا كل ما يؤثر فيها.

فيسار الوسط له الاتحاد الأوروبي يدعمه، لأنه يحكي بلغة السلام ويدعم الحوار مع كل فلسطيني معتدل، وهو ما لا يستطيع نتانياهو أو ليبرلمان قوله. وعادة، عندما يعلن اليسار الحرب، فإن اليمين لا يستطيع أن يظهر في وضع وطني أقل منه. فالحرب هي مقياس الوطنية في إسرائيل.

سويس أنفو: هل يـُشكل صعود اليمن مأزقا لإسرائيل من وجهة نظركــم؟

أمير مخول: ليبرمان على سبيل المثال، برنامجه السياسي يقوم على أنه بدون ولاء لا توجد مواطنة، وهو شعار موجّـه ضد فلسطيني 48. نتانياهو يزعم بأنه يستطيع أن يدير حربا أفضل من غيره، وأنه يستطيع أن يصنع سلاما اقتصاديا، لكن الواقع يكشف بأنه لا يوجد برنامج سياسي لحل سياسي. فشارون لمّا انتصر، كان له مشروع سياسي.

والصراع سيكون بين حزب ليبرلمان العلماني والفاشي في الآن نفسه، وبين حزب شاس الديني (اليهودي الشرقي)، وبالتالي، فإن التناقض القادم سيكون دينيا علمانيا، وليس سياسيا، وهذا يمكن أن ترتكز عليه الحكومة، كما يمكن أن تسقط بسببه.

كذلك تجدر الملاحظة بأن حزب العمل غاب تاريخيا، وهو الذي أقام الدولة وأقام المؤسسة العسكرية والصناعة، لكن دوره عمليا انتهى، وأصبح متذيلا لحزب كاديما، الذي ليس حزبا ثابتا وليس له تراث. فالخارطة السياسية الإسرائيلية متحرّكة كثيرا، ولا يوجد حسم واضح.

سويس أنفو: هل أن انتصار حماس أو لنـَقـُل صمودها، قد زاد من شعبيتها داخل الخط الأخضر؟

أمير مخول: إن من الصعب قياس هذا الأمر، إذ توجد اصطفافات أخرى وتجاذبات. الحركة الإسلامية في الداخل تستمد دورها من الداخل، وليس بسبب ارتباطها بحماس أو بالإخوان المسلمين، وتحديدا دورها في الحفاظ على الأوقاف الإسلامية والمسيحية، وفي دفاعها عن القدس، ودورها الاجتماعي في مفهومه الخيري، وبناء المؤسسات، ورعاية حوالي 13 ألف طفل موزّعين بين غزة والضفة.

وللحركة الإسلامية مشاريع متكاملة في مجال التضامن الاجتماعي. طبعا، مرجعيتها دينية، لكن في الحالة الفلسطينية، هناك تشكل لنموذج يصلح الاقتداء به في العالم العربي. هناك قبول بالتعددية، حيث لا يوجد أي طرف يفرض نمطا معينا على الآخرين، هناك قبول مختلف التيارات لبعضها البعض. فالحركة الإسلامية تعمل إلى جانب القوى العلمانية والقومية وغيرها، وأحيانا في أجواء الصراع السياسي، ينشأ نوع من الكيمياء، وهذا ما بدا واضحا في الحالة الفلسطينية داخل الخط الأخضر.

سويس أنفو: هل يفهم من حديثكم أنه ليس لديكم صراع بين الإسلاميين والعلمانيين، كما هو الشأن في بقية البلاد العربية، بما في ذلك غزة والضفة؟

أمير مخول: هذه الثنائية ليست طاغية عندنا، وإنما الموجود هو أن تتصارع أحيانا التيارات العلمانية فيما بينها، وكذلك بين التيارات الدينية.

كما توجد خلافات بين أحزاب تؤيد حماس وأخرى تؤيد أبو مازن. فالاصطفافات ليست على محور واحد، وهذا في اعتقادي أمر جيِّـد، لأنه لو تمحور الصراع بين علماني وديني، لأدّى ذلك إلى مصائب.

فالعلماني في مجتمع تعدّدي قد يصير طائفيا والعكس صحيح. فالعلماني، قد يصير مسيحيا، والمتديِّـن مسلما. نحن حذرون جدا من هذه المسألة.

كانت هناك صعوبات في بداية الثمانينات، لكن ثقافتنا في هذا المجال تطوّرت كثيرا في اتجاه التعايش والعمل المشترك. فعندما ظهرت الحركة الإسلامية في البداية، كان شعارها هو: “الإسلام هو الحل”، لكنها منذ خمسة عشر عاما، لم تعد ترفع هذا الشعار، وهو ما يدل على قبول بواقع التنوع، وحتى لو كان الدافع وراء ذلك هو الواقعية، فإن ذلك يُـعتبر شيئا جيدا.

هناك انصهار في المطالب الوطنية، إضافة إلى وجود تضامن داخلي بين الأطراف. فعندما تتعرض الحركة الإسلامية للضغط والقمع، تقف معها بقية القوى العلمانية. فنحن جميعا مشغولون بهويتنا الوطنية، كيف نحافظ على لغتنا وكيف نؤسس لرؤية متكاملة حول علاقتنا بإسرائيل وبشعبنا الفلسطيني.

هناك وثائق تكتب في هذا الشأن بشكل جماعي، تشارك في صياغتها جميع التيارات. يوجد عندنا حوار مُـهم، قد يكون غير معلوم في العالم العربي. وقد بيّـنت التجربة بأن هذا الحوار كان ولا يزال مُـجديا.

كان من السهل أن نتورّط في صراع طاحن بين مختلف التيارات عندما نشأت في ثمانينات القرن الماضي. صحيح أن ضرورات الواقع هي التي فرضت نفسها على الجميع، لكن مع الوقت أصبح التعايش والتضامن بين مختلف التيارات شيئا مسلّـما به، وأصبح ذلك جزء من الثقافة السياسية السائدة.

أجرى الحديث في الرباط لسويس انفو صلاح الدين الجورشي

ام الفحم (اسرائيل) (رويترز) – نظم عشرات من اليهود القوميين المتشددين مسيرة الى ضواحي واحدة من اكبر البلدات العربية في اسرائيل، مما اثار احتجاجات من سكان البلدة الذين رشقوهم بالحجارة قبل ان تفرقهم شرطة مكافحة الشغب.

وتبرز المواجهات في أم الفحم القريبة من حدود اسرائيل مع الضفة الغربية المحتلة، تصاعد التوترات الطائفية في الدولة اليهودية عقب سنوات من اراقة الدم والجمود الدبلوماسي في المفاوضات مع الفلسطينيين.

وقال ميخائيل بن اري، عضو البرلمان عن حزب الاتحاد الوطني اليميني المتشدد الذي شارك في المسيرة، ان الهدف منها تأكيد السيادة في مواجهة عرب اسرائيل الذين يعلنون الولاء للفلسطينيين.

وقال بن اري “اريد ان اقول اذا لم نلوح بالعلم في ام الفحم.. سنأتي بالدولة الفلسطينية الى تل ابيب”.

ويعيش في ام الفحم، الواقعة داخل اسرائيل، كثير من عرب اسرائيل البالغ تعدادهم 1.5 مليون نسمة ويريد افيغدور ليبرمان القومي المتشدد التخلي عنها لدولة فلسطينية تقام مستقبلا مقابل المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.

ومن المنتظر ان يتولي ليبرمان منصب وزير الخارجية في الحكومة اليمينية التي يشكلها بنيامين نتنياهو زعيم حزب ليكود.

وانتشر اكثر من الفي رجل شرطة للفصل بين الاسرائيليين الذين جاؤوا ملوحين بالاعلام، ومن بينهم جماعات سياسية تبدي عداء علنيا للعرب وبين سكان ام الفحم.

وقبل نهاية المسيرة، رشق عشرات من سكان البلدة – بعضهم يحملون اعلاما فلسطينية – اليمينيين اليهود ورجال الشرطة بالحجارة. وردت الشرطة باطلاق الغازات المسيلة للدموع وخراطيم الماء.

واصيب ما لا يقل عن 16 من السكان و15 من رجال الشرطة. وقال متحدث باسم الشرطة، انه لم ترد معلومات فورية عن القاء القبض على احد. وشارك في المظاهرة ضد المسيرة نشطاء يهود من اليسار.

ويمثل العرب نحو 20% من سكان اسرائيل ويتمتعون بحقوق مواطنة كاملة، ولكن يشتكون من تفرقة عنصرية. ويرفض البعض الاعتراف باسرائيل.

وقال رائد صلاح، احد زعماء عرب اسرائيل لرويترز، ان ما حدث يوم الثلاثاء استهداف من الكيان الاسرائيلي لسكان البلدة وان اسرائيل تحاول اضفاء الشرعية على نقل الفلسطينيين المقيمين داخل فلسطين.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 24 مارس 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية