مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أنابوليس.. الإنجازات الكبرى مجرّد إجراءات

Keystone

لقد كان اجتماع أنابوليس رمزيا، وربّـما يظل كذلك في التاريخ، تاريخ المنطقة وتاريخ الرئيس بوش ووزيرة خارجيته رايس.

حيث لم يمر كثير من الوقت على انتهاء أعمال الاجتماع ، وإذا برئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت في حديث للإذاعة الأمريكية العامة، يُـبدي تشكُّـكا بالالتزام بمُـهلة العام حتى نهاية 2008، لإنجاز اتفاق لإقامة الدولة الفلسطينية وتحقيق سلام معها.

لقد سعى الأمريكيون إلى حشد أكبر عدد ممكن من الدول والمنظمات للمشاركة في هذا الاجتماع ـ 50 طرفا من الشرق والغرب ـ وكان الأمل أن يشهد توقيع وثيقة تُـحدّد التزامات معيَّـنة ومتبادلة بشأن إنهاء الصِّـراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن الوثيقة اختزلت بفضل المهارة الإسرائيلية في تبديد الوقت والجُـهد إلى مجرّد تفاهم رمزي يحوي نية بذل الجُـهد من أجل مفاوضات قد تُـنهي الصراع في غضون عام، وحتى التفاهم الرمزي هذا، لم يطُـل الزمن طويلا قبل إلقائه بحجر الشك والتملص.

المسافة الطويلة بين الرمز والفعل

وما بين الرمزي والفعلي الملموس، هناك مسافة طويلة جدّا يجب على الأطراف أن يسيروا فيها بخُـطى واثقة ودعمٍ مُـزدوج من الرأي العام، المحلي والخارجي على السواء، وهي معادلة بسيطة وواضحة الأركان، ستكشِـف الأيام المقبلة عن مصيرها، لاسيما وأن النتائج الفعلية لاجتماع أنابوليس لم تتجاوز الاتِّـفاق على مجرّد إجراءات للتفاوض، من قبيل إعداد لجنتي متابعة فلسطينية وإسرائيلية ووعود أمريكية لمتابعة ما سيتم بين المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين، والأهم ربط التفاوض بتطبيق خطّـة خريطة الطريق، التي أعلنت رسميا في يونيو 2003، بما في ذلك، ليس فقط عودة إلى أربع سنوات مضت لم يحدُث فيها شيء يُـذكر على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، بل أيضا ربط المفاوضات نفسها بمقاربة أمنية بحتة، تقتضي أولا ـ حسب التفسيرين الأمريكي والإسرائيلي ـ أن تقوم السلطة الفلسطينية بمواجهة وتفكيك المنظمات الإرهابية أو بالأحرى الدخول في حرب مفتوحة وبلا هَـوادة مع حركة حماس.

فهل تقدِر على ذلك السلطة؟ وماذا إن لم تقدر؟ فهل سيكون هناك تفاوض أساسا؟

كل ذلك مع الوعد ـ مجرّد الوعد ـ ببذل أقصى جُـهد للتوصل إلى اتفاق قبل نهاية عام 2008، وهو وعد سُـرعان ما تنصّـل منه أولمرت، وبما يقضي فعليا على إمكانية فعل شيء جوهري في غضون الفترة المُـتبقية من ولاية الرئيس بوش، التي يعلم الإسرائيليون وغيرهم، أنها فترة حرجة لأي رئيس أمريكي، ولا يمكنه فيها تحقيق اختراقات كُـبرى، لاسيما في النزاعات والصراعات التي تتَّـسم بالتعقيد الشديد وبالتشابك مع نزاعات وصراعات عديدة أخرى في المنطقة.

أمن إسرائيل .. في البداية والنهاية

صحيح أنه أعلن بدء المفاوضات بمباركة أمريكية عـبّر عنها لقاء ثلاثي، جمع الرئيس بوش مع الرئيس عباس وأولمرت يوم الأربعاء 28 نوفمبر، التالي لاجتماع انابوليس، وهو أمر أيضا لا يزيد عن أنه فعل رمزي آخر، لأن العمل الحقيقي سيتطلب تشكيل فريقين للمتابعة، ووراء كل منهما فِـرق للتفاوض، كل منها تُـعنى بقضية أو جزئية معيّـنة وكل منها معقدة وصعبة وذات تفاصيل عديدة، وفي المقدمة سيكون هناك تركيز على التزامات خطّـة خريطة الطريق، ومن وراء ذلك جهد دولي يتابعه طونى بلير، مفوض اللجنة الرباعية لحشد الأموال والتأييد الاقتصادي لمساعدة السلطة الوطنية الفلسطينية على إقامة مؤسسات الدولة المفترضة.

ولا يوجد أي تصور محدّد لربط هذه الأمور ببعضها البعض، ولكنه تصَـوُّر مُـفترض أو متوهّـم أنه مترابط مع بعضه البعض، وحتى الدور الأمريكي المفترض للمتابعة لما سيقوم به المفاوضون الأصليون، سيكون مرهونا أساسا بالتأكد من أمن إسرائيل، وعلى ذلك، ستكتمل الدائرة بداية من الأمن الإسرائيلي ونهاية بها أيضا، ولن يكون هناك جديد متصور، اللَّـهم إذا كانت هناك معجِـزة طور الإعداد، لا ندري عنها شيئا.

فرصة بحاجة إلى فرصة

ذهب العرب إلى أنابوليس والبعض منهم لديه آمال في أن يفتح هذا الحشد الدولي أبواب التفاوض في العُـمق على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، على أمل أن يقود ذلك لاحقا، وربما بقدر من التلقائية وقوة الدفع الذاتي، إلى فتح المسارين السوري واللبناني.

ورغم أن كل الدلائل قبل الذهاب إلى انابوليس لم تكن مشجعة بأي حال، فقد نظر العرب إلى الاجتماع باعتباره “فرصة يجب أن تُـعطي فرصة”، على حسب قول عمرو موسى، معلِّـقا على النتائج الزهيدة للاجتماع.

الميالون للتفاؤل يرون أن الفرصة لم تفُـت بعد، وأن الأمر بحاجة إلى متابعة عن قرب وأن الاعتماد على الأصدقاء عُـنصر مهم، وهنا تأتي أهمية الحديث عن عرض روسيا استضافة نسخة ثانية من أنابوليس مطلع العام المقبل، ولكن في موسكو، على أن تتضمن بحثا ونقاشا مستفيضا بشأن الجولان السوري وما بقي من أراض لبنانية محتلة، جنبا إلى جنب تحفيز المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.

العرض الروسي “الشيك”

رغم شياكة العرض الروسي، فلا أحد يمكنه أن يضمن حدوثه، خاصة في ضوء العناصر الأساسية لاستراتيجية التفاوض الإسرائيلية، والمعروفة عن ظهر قلب، وأبرز ما فيها التركيز على ثنائية التفاوض وإبعاد أي تدخلات ممكنة في صلب المفاوضات من قِـبل أي طرف، بما في الولايات المتحدة نفسها ـ وترتيبات اجتماع انابوليس تشهد على ذلك ـ والاستناد إلى مرجعيات يضعها المفاوضون أنفسهم، وليس المرجعيات المُـعلنة من قبل، وأخيرا توظيف ميزان القوة العسكرية لصالح النتائج المرتقبة لأي مفاوضات مستقبلية، على أن يربط كل ذلك بمفهوم أولوية الأمن الإسرائيلي على أي شيء آخر، وهو ما يمكن ترجمته عمَـليا في مفاوضات بلا ضوابط موضوعية أو قيود زمنية، مع اتخاذ كل ما يمكن اتخاذه لتغيير جغرافية الأرض والبشر، وبما يؤثر حتما على نتائج أي مفاوضات ممكنة أو تحدث بأي صورة كانت.

وأيا كانت جدوى العرض الروسي، الذي لم نجد كلمة تأييد واحدة له من قِـبل الإسرائيليين أو الأمريكيين، فقد كان أحد مبرِّرات الضغط على سوريا للمشاركة في الاجتماع، على أمل أن يكون الاهتمام بمصير الجولان هو المحطة التالية في الاهتمام الدولي.

غير أن سوريا ذهبت وهي تعلم جيِّـدا أن لا شيء من هذا يُـمكن حدوثه، ما دام المحافظون الجدد قابضون على صُـنع القرار فى واشنطن، ويعلنون صباح مساء أن الأولوية هي لأمن إسرائيل.

لاءات عربية

وفى إطار الرمزية أيضا، تُـلفت النظر دعوة الرئيس بوش العالم العربي للبدء في التطبيع مع إسرائيل كدولة لليهود، وهى دعوة ليست جديدة في حدّ ذاتها، وإنما الجديد هو الإصرار على التطبيع مع إسرائيل كدولة قومية لليهود، وأن يكون التطبيع لمجرد قبول تل أبيب البدء في مفاوضات مصمّمة خصّيصا للتهرّب من التزامات إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة والتطور، ولذلك، لم يكن غريبا أن يرفض الحاضرون العرب في كلماتهم هذه الدعوة المدمرة.

فباعتبار أن ما جرى هو مجرّد مباركة عالمية، بما في ذلك عربية، لمفاوضات إسرائيلية فلسطينية مقبلة، وغير مؤكّـد أنها ستأتي بنتائج ملائمة للحقوق العربية، وغير مؤكد أيضا أنها قد تأتي تعبيرا عن روح ونصّ المّـبادرة العربية للسلام، فليس هناك ما يدعو لمقابلة إجراءات في الفضاء العريض بتطبيع يكون بمثابة جائزة مقابل لا شيء أو بالأخرى مقابل وَهْـم.

رفض دعوة التطبيع لا تقِـل أهمية عن الرفض القاطع ليهودية الدولة الإسرائيلية، نظرا لخطورة المفهوم، ليس فقط على مستقبل ونتائج المفاوضات المفترضة الفلسطينية الإسرائيلية، بل على مستقبل المنطقة ككل، فمن يقبل بدولة يهودية لن يكون بمقدوره أن يرفض دولة خالصة للإسلام والمسلمين أو أخرى للمسيحية والمسيحيين، بما لذلك من نتائج مدمّـرة على النسيج الإنساني والاجتماعي والقومي والوطني في الشرق الأوسط برمته.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

واشنطن (رويترز) – قال مسؤول سوري يوم الأربعاء 28 نوفمبر، إن مؤتمر السلام في الشرق الأوسط عزز جهود سوريا لاستعادة مرتفعات الجولان المحتلة، مع أنه لم تعقد مباحثات مباشرة مع إسرائيل خلال الاجتماع.

وفي أول تعقيب رسمي سوري على مؤتمر انابوليس بولاية ماريلاند، قال أحمد سلكيني، المتحدث الرسمي باسم السفارة السورية في واشنطن، إن دمشق خطت خطوة دبلوماسية إلى الامام بتركيزها الأضواء الدولية على قضية الجولان.

وقال لرويترز في مقابلة “اتخذنا خطوة بإحياء قضية مرتفعات الجولان المحتلة، وهدف سوريا تحقيق اتفاق سلام شامل في الشرق الأوسط أثاره مشاركون دوليون رئيسيون في المؤتمر، والباب الآن مفتوح أمام مزيد من الاجتماعات الدولية لمناقشة الجولان.”

والتقى الوفد السوري، الذي رأسه نائب وزير الخارجية فيصل المقداد مع عدد من الوفود الأخرى، لم يذكر سلكيني اسمها. وغادر الوفد من مطار دالاس بالقرب من واشنطن في وقت لاحق يوم الأربعاء.

وقال دبلوماسيون إن السوريين التقوا مع مبعوثين من السعودية، منهم وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل. وقد توترت العلاقات بين البلدين بشدة بسبب دور سوريا في لبنان وتحركاتها لتعزيز العلاقات مع إيران.

وقال سلكيني إن روسيا اقترحت عقد مؤتمر دولي في الربع الأول من العام القادم سيكون فيه لقضية الجولان دور بارز وسيكون ذلك تطورا مهما.

وهوّنت اسرائيل يوم الأربعاء من احتمالات استئناف مباحثات السلام مع سوريا في هذا الوقت، على الرغم من مشاركة دمشق في مؤتمر انابوليس للسلام في الشرق الأوسط برعاية الولايات المتحدة.

وقالت ميري ايسين، المتحدثة باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت إن إسرائيل تراقب الوضع لترى هل ستُـغير سوريا سياساتها، وهي إشارة إلى مساندة دمشق لمقاتلي حركة حماس الذين سيطروا على قطاع غزة وجماعة حزب الله في لبنان وإيران.

وقال جوشوا لانديس، وهو خبير بشؤون سوريا في جامعة اوكلاهوما، إن سوريا أبدت مرونة بحضورها مؤتمر انابوليس.

وقال لانديس “أظهرت سوريا أنها ليست جامدة عقائديا كما كان البعض في الحكومة الأمريكية يظنون. سوريا بعثت برسالة إلى حلفائها في حماس، مفادها أنها مستعدة للمساومة مع الولايات المتحدة”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 29 نوفمبر 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية