مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أنقرة بين مطالب الغرب وهواجس الجيران

تتوجس عدة دول عربية وإسلامية من الدور الذي قد تلعبه تركيا في تنفيذ الخطط المستقبلية للحلف الأطلسي في الشرق الأوسط الموسع. Keystone

يبدو أن وصول شخصية تركية إلى موقع الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي (رغم رمزيته) لا ينفصل عما يُـرسم لأنقرة من دور في مشروع الشرق الأوسط الموسع.

وفي الوقت الذي يتوجس فيه العرب من طبيعة “الدور الأطلسي” الجديد لأنقرة، تواجه حكومة حزب العدالة والتنمية تحديات ضخمة داخليا وخارجيا.

شكل انتخاب الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو أميناً عاماً جديداً لمنظمة المؤتمر الإسلامي مفارقة لافتة.

فقبل ثلاثين عاما،ً كان النقاش يتمحور عما إذا كانت تركيا يمكن أن تكون عضواً أم لا في تلك المنظمة ذات الطابع الديني، فيما نظام الحكم في تركيا علماني، والآن، ومع انتخاب مرشح تركيا لهذا الموقع، يمكن ملاحظة التحولات التي تشهدها تركيا والعالم الإسلامي في آن معا.

وفي الواقع، يمثل انتخاب إحسان أوغلو استمرارا لنهج الانفتاح الذي تتبعه حكومة حزب العدالة والتنمية تجاه العالم العربي والإسلامي منذ وصولها إلى السلطة قبل عشرين شهراً، والذي كانت إحدى أبرز علاماته زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى أنقرة مطلع العام الحالي، وكذلك التنسيق التركي مع دول الجوار حول الوضع في العراق.

غير أن انتخاب المرشح التركي حمل دلالتين: أولاً، أنه جاء عبر معركة انتخابية وليس بالتزكية، وفي ذلك إشارة إلى أنه لا يحظى بالإجماع، وتعكس المداولات التي سبقت الانتخابات معارضة سعودية وتردداً مصرياً تجاه المرشح التركي، وتفضيلاً إيرانياً لاستمرار الأمين العام السابق للمنظمة في منصبه.

وهو ما يعني أن الكتل الرئيسية في العالم الإسلامي (إضافة إلى ماليزيا وإندونيسيا) لم تكن محبذة لانتخاب الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، ليس لشخصه، وهو الشخصية المعتبرة والمرموقة أخلاقياً وعلمياً ونشاطاً ومصداقية، بل لما يمثله الدور التركي في هذه المرحلة، وهذا يفضي إلى الدلالة الثانية، وهو أن وصول تركيا إلى موقع الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، رغم رمزية هذا الموقع، لا ينفصل عما يرسم لتركيا من دور في مشروع الشرق الأوسط الموسع.

“المثال التركي” بوجه تحديات

فهذا المشروع الذي بلورته قمة الدول الثمان التي شارك فيها رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، يلحظ من دون أن يسمي، موقعاً محورياً لتركيا فيه انطلاقاً من ركيزتين:

الأولى، كون حكومة حزب العدالة والتنمية تعكس ما تصفه الإدارة الأمريكية “بالإسلام المعتدل”، وإمكانية الجمع بين الإسلام والعلمانية والإسلام والديمقراطية. وبالتالي، هي نموذج و”موديل” يتوجب محاكاته في سائر المجتمعات الإسلامية كبديل عن الاتجاهات المتشددة في الأوساط الإسلامية في بعض الدول.

والركيزة الثانية، هي كون تركيا عضواً في حلف شمال الأطلسي الذي سيعقد اجتماعاً يومي 28 و29 يونيو 2004 في إستنبول، سيكون تاريخياً فيما لو أقرّ زعماؤه توسيع مهام الحلف لتشمل كذلك منطقة الشرق الأوسط. وفي حال تم اتخاذ قرار بنقل مقر قيادة الحلف من بروكسل إلى أزمير في تركيا، أو مجرد إشاعة نقاش حول ذلك، فإن الحلف سيمثّل دور الحاضنة الأمنية الواسعة لمشاريع التغيير الديمقراطي في الشرق الأوسط وفقاً لسياسة: إما الجزرة وإلا العصا.

وفي الواقع، إن انخراط تركيا في كل هذه المشاريع مرتبط برغبة سلطة حزب العدالة والتنمية بالانضمام أو بقدرتها، إذا ارتأت، على المعارضة. وهنا لا بد من التأكيد على أن حزب العدالة والتنمية يُـواجه تحديات داخلية وخارجية مختلفة.

تخفيف “شحوم هنا .. و”تسمين” هناك

فالعالم العربي، حكومات ورأي عام، يعارض بشدة، وكل لحساباته المختلفة، مشروع الشرق الأوسط الكبير، ويرى فيه محاولة لمحو الهوية العربية (مصر) أو للهيمنة (سوريا)، أو لمزيد من ضمان أمن إسرائيل وتجويف الهوية الإسلامية (إيران وغيرها).

وعلى هذا، فإن أية رغبة تركية، إن وجدت، ستصطدم حتماً بـ “الحاجز” العربي، ويكون ذلك مدعاة لانبعاث الشكوك المتبادلة من جديد.

وفي بُـعد داخلي تركي، يجد حزب العدالة والتنمية نفسه في موضع حرج. فهو من جهة يريد تحسس المشاعر التركية المعادية للغرب، ولاسيما داخل حزبه، وفي الوقت نفسه مراعاة مصالح تركيا في استثمار علاقات جيدة مع أمريكا.

وتشير استطلاعات خاصة للرأي موثوقة أنه في كل موقف حكومي سلبي أو عاجز تجاه قضية إسلامية، يتراجع حجم الكتلة الإسلامية من قاعدة حزب العدالة والتنمية. ولذلك، فهو مضطر ليعبر عن مشاعر قاعدته. لكن في المقابل، كلما اقترب الحزب من أمريكا وإسرائيل، تعرض لخطر الشقاق والانقسام، خصوصاً أن الحزب لا يملك عقيدة صلبة تجمع بين عناصره وتحميه من غوائل الانقسام والتشرذم.

ويحاول حزب العدالة والتنمية اتباع سياسة التوازن وإراحة الوضع التركي في السياسة الخارجية، لذلك يريد تخفيف “الشحوم” الزائدة في علاقاته مع إسرائيل الغرب، وفي الوقت نفسه، “تسمين” العلاقات مع العرب والمسلمين.

حبل النجاة الوحيد

ومن هنا، كانت انتقادات أردوغان لسياسات شارون ووصفها بأنها “إرهاب دولة”، واستدعاء سفير بلاده ورفع مستوى التمثيل القنصلي هناك. وفي الوقت عينه جاء تمتين العلاقات مع سوريا.

إن أحد أهم عوامل استمرار العدالة والتنمية في السلطة في تركيا هو قاعدته الشعبية ورعاية أمريكا والاتحاد الأوروبي له. وبما أن القاعدة الشعبية، من التجارب التاريخية، لا يمكن الركون إليها بسبب إمكانية إسقاط أي سلطة مهما كبرت عبر قرار قضائي، حيث النفوذ للكماليين المتشددين، فإن حبل النجاة الوحيد أمام حزب العدالة والتنمية هو عدم الاصطدام بأوروبا وأمريكا، والانسجام مع سياساتهما في المرحلة المقبلة، ومحاولة أخذ موعد لبدء مفاوضات العضوية الكاملة في قمة الاتحاد الأوروبي في نهاية هذه السنة.

لذلك فبقدر ما يظهر الحزب، كسلطة، عن “إرادة طيبة” في التعاون مع حلفائه في اجتماع الأطلسي المقبل بقدر ما يمدد في عمر سلطته ويجدد في الوقت نفسه، شكوك العالم العربي.

د. محمد نورالدين – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية