مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أوضاع اليمن: “التقاء على تشخيص الدّاء وافتراق على وصفة الدّواء”

Reuters

تتعدّد تفسيرات وتحليلات ما يجري في اليمن بتنوّع وتعدّد المُـنطلقات والمَـرجعيات التي ينطلق منها كل طرف، ومع أن الجميع - على اختلاف مواقعهم ومرجعياتهم - يلتقون على تشخيص الدّاء، لكنهم يختلفون على تركيبة الوصْـفة الدّوائية المناسبة، لإخراج البلاد من الأزمة التي دخلت فيها.

ذلك هو الانطباع الذي يخرج بها المُـتابع لوقائع نِـقاش لقاء العمل الذي نظّـمه كل من مؤسسة “كارنيغي” للسلام الدولية ومركز سبَـأ للدراسات الإستراتيجية في العاصمة صنعاء الأسبوع الماضي، حول التحدّيات التي تُـواجه اليمن أمنيا وسياسيا واقتصاديا، والذي شارك فيه عدد من السياسيين في الحكومة والحزب الحاكم والمستقلين، فيما تغيّـبت عنه القيادات العليا للمعارضة اليمنية.

وعلى الرّغم من أن الحاضرين لامسوا المواجع الجوهرية لما تُـعانيه اليمن، إلا أنهم اختلفوا في تحديد الأولويات التي ستُـشفي من العلل والأسقام التي بدأت تدبّ في الجسد اليمني.

“المشاكل الاقتصادية..”

الدكتور محمد الميتمي من وجهة المحلِّل الاقتصادي، رأى أنه منذ الأيام الأولى لقيام الوحدة اليمنية برزت مشكلات طوّقت اليمن من كل جهة، أهمها المشكلات الإقليمية المفاجئة التي أدّت إلى اندلاع حرب الخليج والتي أدّت إلى خروج 800 ألف مهاجِـر يمني من بلدان الخليج، وترتّـب عليها تحمل اليمن لأعباء اقتصادية مهولة، ثم حرب الصومال، فحرب اريتريا، ثم حرب صيف 94، كل ذلك ترتّـب عليه “انهيار الاقتصاد اليمني الذي تدلي بعدّة مؤشرات، أبرزها تراجع نصيب الفرد اليمني من الدّخل القومي من 900 دولار إلى 300 دولار وانهيار الناتج المحلي بحوالي 60%”، حسب الدكتور الميتمي.

وباستعراضه لتدنِّـي مؤشِّـرات الاقتصاد اليمني، خلّـص مدير الاتحاد العام للغرفة التجارية إلى القول بأن “المشاكل الاقتصادية تشكِّـل غذاء أساسيا للانفعالات والمشاحنات السياسية”، إلا أن الدكتور محمد الأفندي، الإقتصادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح المعارض أضاف إلى كل تلك العوامل المسبِّـبة للأوضاع الحالية ومنها الحِـراك في الجنوب واحتقان الحياة السياسية، سببا آخر هو “سوء إدارة الموارد من قِـبل الحكومات المتعاقبة للحزب الحاكم”.

أزمة ثقة بين السلطة والمعارضة

عمرو حمزاوي، كبير الباحثين في “كارنيغي” والذي شارك في اللقاء في عرضه لصورة اليمن، قال لسويس انفو Swissinfo.ch “الحقيقة، أن الخارج ينظر إلى ما يجري في اليمن بقلق ويرى أن سلطات الدولة في حالة تحلّل”، ويذهب حمزاوي إلى أن “هذه الصورة ترسّـخت لدى الدوائر الغربية بناءً على شواهد حيّـة، أهمها ما يجري في صعدة من تمرّد ضدّ الحكومة والحراك في الجنوب وما يظهر من حين لآخر من تحدٍّ لسلطات الدولة من قِـبل المجاميع القبلية والإرهاب وما يحصل من شخصنة للسلطة”.

كل ذلك، حسب قراءة حمزاوي، يحصل في الوقت الذي يرى المجتمع الدولي أن اليمن لابد أن يلعب دورا في المنطقة وأنه إذا لم يؤدّ ذلك الدّور، سيتعين عليه البحث عن بدائل أخرى، معتبرا أن الحكومة بترجيحها لخِـيار المقاربة الأمنية، لا يمكن أن تُـثمر على المدى الطويل، لأنها حسب رأيه، مقاربة اختزالية وأنه لابد من الانفتاح على خِـيارات ومقاربات متعددة.

الأمر الآخر، كما يقول حمزاوي هو أن “كل الأطراف متّـفقة على تشخيص الأزمة وترصد جوانبها بدقّـة ولديها رغبة في الخروج منها، لكن في المقابل، فهم يفتقرون للتفصيلات الجزئية لكيفية الخروج من هذه الوضعية، مكتفين بالتشديد على أن المخرج هو الحوار الجدي”.

لكن ما يزيد من تعقيد الأمور، وفقا لحمزاوي، وكما بدا له من خلال جولته في اليمن ونقاشاته مع مُـختلف الفاعلين، هو أن “هناك أزمة ثقة بين السلطة والمعارضة، وهذه الأزمة حسب ما لمسه من الأطراف المعنية، ناتجة عن الشعور بالمرارة من عدم تطبيق وتنفيذ العديد من الاتفاقيات، التي وقِّـعت بين السلطة والمعارضة في الماضي”.

الدور المفقود.. وعلاقات المصالح

أما رئيس منتدى التنمية الأستاذ علي سيف حسن، فإنه أرجع ما تشهده المناطق الجنوبية في اليمن، لإشكال آخر، هو استراتيجي تاريخي، ومُـؤدّاه أن الجنوب كان تاريخيا يقوم بوظيفة إستراتيجية في الحِـقبة الاستعمارية البريطانية، وكان ذلك الجُـزء من البلاد يدخل ضمن الحسابات الإستراتيجية للأطراف الدولية الفاعلة حينها، وأيضا بعد جلاء المستعمِـر وفي أوْج الحرب الباردة، كان لذلك الحيِّـز الجغرافي دور بارز في الإستراتيجية الدولية، ولاسيما في صراع المُـعسكرين، الشرقي والغربي، وقد لعب ذلك الدّور من خلال إدماجه في المعسكر الإشتراكي خلال حكم الحزب الاشتراكي اليمني الحليف لموسكو، والذي دام لمدة 23 سنة.

لكن الأمور، حسب ما يذهب إليه سيف تغيّرت، إذ أصبح هذا الجُـزء الجغرافي الهام الذي يتحكّـم بأهم الممرّات التجارية العالمية فاقِـدا لأي وظيفة إستراتيجية ولا يُـنظر إليه سوى كأرض شاغرة، ولذلك يرى أنه “لابدّ من أن يهيّـأ له دور ووظيفة تقوم على استغلال إمكاناته الهائلة، بدلا من حالة الفراغ الذي يُـعاني منها”، معتبِـرا أن “كل دولة من دول المنطقة هي حديثة النّـشأة، مثلها مثل اليمن مع فارق أن الدّول المستقرّة نسبيا لها عراب دولي، فيما اليمن بوضعه الحالي لا يوجد له عراب دولي مؤثر”.

ويخلص سيف إلى أن “البلاد بحاجة إلى الدخول في علاقة مصالح”، منتقدا الإبتعاد عن البراغماتية والعيش على تقديم صورة مُـخيفة ومشوّهة لليمن، نتج عنها شلل وعجز اليمنيين عن التصدّي لمشاكلهم.

الحوار مهم.. والتصورات مختلفة

من جهته، علّـق بول سالم، مدير مركز “كارنيغي” للشرق الأوسط في بيروت على ذلك بقوله لسويس انفو: “طالما أن الوضع محاط به على هذا النحو من قبل الجميع، والكل متفق على ضرورة الحوار، يمكن تجاوز العقبات وتحقيق انفراد، لكن ذلك لابدّ له من وضع خارطة طريق مفصلة وبتوقيت زمني محدّد، يستهدي مختلف الأطراف المعنيين”، مشيرا إلى أن خارطة الطريق تلك، يمكن أن تأتي حتى من خارج اللاّعبين الرئيسيين في السلطة والمعارضة، مثل مرجعية ثقافية أو معرفية، ممّا قد يساعد على خلق رأي عام وأيضا تحريك الدّوائر المعرفية والعِـلمية للدّول الداعمة لليمن، ومنها مؤسسة كارينغي للسلام الدولية، التي لها علاقات مؤثرة على مراكز صُـنع القرار في كثير من الدول الغربية، لحثها على المساعدة على السَّـير في الطريق المؤدّي إلى توافق الأطراف.

ومع أن الجميع على قناعة بأهمية الحوار، إلا أن التصوّرات المختلفة لقضايا الحوار وتحديد أطرافه، تبقى السِّـمة الغالبة على مشهد المعالجات الممكنة والمقترحة.

فرئيس المنتدى السياسي علي سيف حسن يرى أن الحوار الذي يُـطرح، عادةً ما يقدم بأنه يهمّ طرفين هما الحزب الحاكم – المؤتمر الشعبي العام – وأحزاب اللقاء المشترك، فيما الأطراف الأخرى تهمَّـش، على الرغم من أنهما في حالة إعياء وإنهاك غير قادرين على عمل شيء. فالمؤتمر الشعبي العام لديه تصوّرات، لكنه لا ينفِّـذها، واللقاء المشترك عاجِـز أيضا عن تنفيذ ما يطرحه.

وهذا الرأي الذي ذهب إليه حسن، يشاطره فيه آخرون ممّـن يعتبرون أن الأوضاع القائمة قد تبدّلت وفرضت أطرافا جديدة: “الحوثيون” في صعدة وقادة الحراك في الجنوب.

براعة في التشخيص.. وإخفاق في العلاج

ومن جانب المعارضة، أبرز المعارض محمد الصبري، عضو هيئة رئاسة اللقاء المشترك، أن المعارضة سبق وأن طرحت تصوّراتها لوقف الأزمة منذ وقت مبكّـر قبل استفحالها، وأنها سعت من أجل أن لا تزحف نحو المستقبل، مذكِّـرا في هذا الصدد بوثيقة 15 يونيو 2007 التي شملت معالجة العديد من الأوضاع السياسية والاقتصادية وقضايا الحريات العامة، لكنه يقول “كل الأصوات التي تعالت مطالبة بالشروع في تنفيذ البنود الوارِدة في الوثيقة، غالبا ما قوبلت بالصّـمم والمكابرة من قِـبل الحزب الحاكم، فيما المعارضة ظلّـت أسيرة للشعور بالدّونية أمام هيمنة الحزب الحاكم، مما جعلها غير قادرة على أن تقدّم نفسها كبديل”.

وذهب الصبري إلى أن الواقع الحالي أضحى واقعا مختلفا، وهو يعني بذلك أن التطورات الأخيرة في الجنوب أفرزت فاعلين ولاعبين جدد، مشيرا في هذا الإطار إلى أن الحِـراك الجنوبي لا توجهه قوة محدّدة وليست له قوى سياسية تنظيمية تحرّكه بقدر ما أصبح، على حد تعبيره، “ثورة اجتماعية شعبية لها أسبابها ولها أطراف متعددة”، هم خليط من أحزاب اللقاء المشترك ومن المتقاعدين وأبنائهم ومن أصحاب الأراضي وعناصر تنتمي إلى مخلفات الماضي، الأمر الذي يستوجب، حسب ما يراه القيادي المعارض، معالجات مختلفة عمّـا كان يطرح سابقا.

لكن في المقابل، يرى الدكتور عبد الكريم الارياني، مستشار رئيس الجمهورية أن الحوار الوطني بين الأحزاب السياسية في محكوم، على حد تعبيره، باتفاق سابق ومقيّـد بفترة زمنية محدّدة، ويعني به اتفاق تأجيل الانتخابات لمدة عامين الذي توصّـلت إليه السلطة والمعارضة في فبراير الماضي، وأن الحوار المستند إلى ذلك الاتفاق سينطلق قريبا، وعلى ضوئه، ستجري الانتخابات التشريعية المؤجّـلة عام 2011.

واعتبر الارياني أن ذلك الحوار “كان قد بدأ في جوٍّ سياسي هادئ وأقل تأزما مما هو عليه الآن، إلا أنه مع التوتر السياسي في اليمن، أصبحت هناك أربعة حوارات”، و يعني بها مستشار الرئيس (الحوار الوطني الشامل الذي دعا إليه الرئيس علي عبدالله صالح، والحوار الوطني لملتقى التشاور الوطني الذي يقوده الشيخ حميد الأحمر، وحوار مجلس التضامن الوطني، الذي يقوده شقيقه الشيخ حسين الأحمر)، لكن الحوار الأهم، حسب الارياني، يبقى هو الذي توصّلت إليه الأحزاب الممثلة في مجلس النواب، لأنه يرى أنه سيتوجّـه للقضايا الخِـلافية بين الحكومة والمعارضة وهي: إصلاح النظام الانتخابي، بحيث يصبح أكثر سلامة وعدالة، والإتفاق على تشكيل اللّـجنة العليا للانتخابات ووضع صيغة جديدة لنظام حُـكم محلي كامل الصلاحيات، معتبرا أنه سيفضي إلى حلحلة الكثير من الأمور في البلاد.

إجمالا، يبدو للمتابع لوقائع سير النقاش لهذه الفعالية، أن اليمنيين بقدر ما يبرعون في تشخيص أمراضهم، يخفقون في تقديم الوصفة الناجعة للشفاء، مما يُـبقي المخاوف على حالها من أن يستفحل الدّاء إلى الدّرجة التي قد يستعصي معها أي دواء، فيُـنهك الجسد العليل أصلا.

عبد الكريم سلام – صنعاء – swissinfo.ch

الرياض (رويترز) – قال مصدر بالحكومة اليمنية يوم الاحد 31 مايو 2009، ان الرئيس اليمني على عبد الله صالح سيطلب من الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل المملكة السعودية منع تدفق الاموال من اليمنيين المقيمين بالمملكة الى الانفصاليين في الجنوب اليمني.

وشهد اليمن، الذي يحاول ان يتخلص من مظاهر العنف لتنشيط القطاع السياحي، اشتباكات متكررة بين القوات الحكومية ومتظاهرين في الجنوب، حيث تقوى المشاعر الانفصالية. وقال المصدر “سيناقش صالح الوضع في اليمن مع الملك عبد الله بن عبد العزيز ونشاطات بعض المعارضين اليمنيين المقيمين في المملكة”.

وقال قبل مغادرة صالح الى المملكة، الجار الغني لليمن الذي يستضيف عشرات الالاف من اليمنيين العمال الساعين لزيادة دخلهم، ان المحادثات ستتناول “اتخاذ إجراءات ضد أفراد يجمعون تبرعات لدعم الاحتجاجات في الجنوب”.

ونقلت وكالة الانباء السعودية عن صالح قوله في بداية زيارته، ان المستثمرين السعوديين يجب أن يستثمروا المزيد في اليمن وان الاستقرار في بلده مهم لباقي الخليج. وقال صالح، ان قوة اليمن واستقراره هي قوة للمملكة ولاشقائها في دول مجلس التعاون الخليجي.

وتخشى السعودية ان يؤدي انعدام الاستقرار في اليمن الى تحوله الى نقطة انطلاق لاحياء الحملة التي شنها مقاتلو القاعدة بين عامي 2003 و2006 لزعزعة حكم عائلة ال سعود الحاكمة.

وقال دبلوماسي غربي في الرياض “السعوديون قلقون بالفعل بشأن انعدام الاستقرار في اليمن. ونسمع ذلك منهم طول الوقت”.

وطلبت الاقلية الشيعية في الاسبوع الماضي من الحكومة السعودية انهاء الممارسات التمييزية في منطقة نجران النائية على الحدود مع اليمن. وكانت منطقة نجران مسرحا لاشتباكات عنيفة في عام 2000 بين الشرطة والمئات من اتباع الطائفة الاسماعيلية.

وقال خالد الدخيل، المحلل السياسي السعودي انه يعتقد ان المملكة السعودية منزعجة جدا مما يحدث في اليمن، لان لديها حدودا تمتد 800 كيلومتر مع اليمن. وقال انه يعتقد ان هناك اشياء كثيرة يستطيع ان يقوم بها السعوديون بتقديم المساعدة في مجال معلومات المخابرات والمساعدات السياسية والمالية.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 31 مايو 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية