مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أول قمة بين أوروبا والمغرب.. تعزيز للشراكة ومطالبة بمزيد احترام حقوق الإنسان

من اليمين إلى اليسار: خوزي لوين ثاباتيرو، رئيس الوزراء الإسباني والرئيس الحالي للإتحاد الأوروبي، خوزي مانويل باروزو رئيس المفوضية الأوروبية، عباس الفاسي رئيس الوزراء المغربي، هيرمان فان رومبوي، رئيس مجلس الإتحاد الأوروبي في ختام قمة غرناطة (جنوب اسبانيا) يوم 7 مارس 2010 Keystone

استمع المشاركون في قمة الإتحاد الأوروبي – المغرب الأقصى التي عقدت موفى الأسبوع الماضي بمدينة غرناطة إلى أصوات المتظاهرين، الذين تجمعوا بساحات المدينة الإسبانية دعما للقمة أو مناهضة لها ولكن دون أن يأبهوا لها.

القمة التي عقدت يومي السبت 6 والاحد 7 مارس هي الاولى من نوعها التي يعقدها الاتحاد الاوروبي مع دولة من الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، وكان لها أجندتها المعدة سابقا لاهداف محددة ويسعى كل طرف من اطرافها لتحقيق مكاسب اوسع يطمح لها، واصوات المتظاهرين كانت في حسبان معدي القمة، قبل ان تتجمع الحناجر التي تطلقها، دون ان تؤثر على الاجندة التي تحتل فيها مصلحة الدول رأس القائمة

كان الجانب الاقتصادي الهدف الاساسي للمغرب من خلال اجرأة وتوسيع صفة “الوضع المتقدم” التي حصل عليها في مارس 2008 بدعم برامجه الاقتصادية واصلاحاته السياسية والاجتماعية فيما كان الاوروبيون حريصون على ربط هذا الدعم بتطوير حقوق الانسان والحريات العامة خاصة حرية التعبير وما بينهما كانت قضية الصحراء الغربية تحضر بوضوح في المحادثات الرسمية او غير الرسمية على هامش القمة خاصة وان اصوات المؤيدين للجبهة وانصارها كانت تتردد في المدينة منذ الاعلان عن الاستعدادات للقمة.

نحو مزيد من الإندماج

اسبانيا، الحاضنة لقمة الاتحاد الاوروبي – المغرب، كانت صاحبة المبادرة التي اقترحتها قبل ان تتولى رئاسة الاتحاد الاوروبي للفترة من يناير الى يونيو 2010، مكافأة للمغرب في تعاونه مع دول الضفة الشمالية للبحر المتوسط، خاصة في ميدان مكافحة الارهاب او الهجرة السرية وتشجيعا له على السير قدما في مسار الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها منذ عقد من الزمن وايضا مساهمة منها في استقرار وتقدم دولة جارة لا تفصلها عنها سوى 15 كلم من مياه المتوسط، الذي يساهم بالضرورة في امان الدولة الايبيرية وبالتالي الاتحادة الاوروبي.

المبادرة الاسبانية لقيت تشجيعا ودعما فرنسا دون ان تجد اعتراضا من شركائهما الـ 25 في الاتحاد وبمجرد اقرار مبدأ عقد القمة وموعدها، حقق المغرب مكسبا هاما حرص على عدم تبديده ب”حوادث السير” التي اعترضت القمة حتى في اللحظات الاخيرة، ولم ينجح مناهضو القمة والمغرب، في جعل غياب العاهل المغربي الملك محمد السادس عن القمة ورقة “يبتزون” بها الاتحاد الاوروبي، بعد ان عرض المغرب اسبابا بروتوكولية لهذا الغياب “فالقمة برئاسة اسبانيا واسبانيا تمثل برئيس الوزراء ولا يقبل ان تكون قمة بين ملك ورئيس للوزراء”، كما اوضح مسؤول مغربي ل”لسويس انفو”.

المغرب والإتحاد الأوروبي عبرا عن ارتياحها للتقدم الذي تحقق في إطار “الوضع المتقدم” الذي منح للمغرب واعتبرا أنه “ينبغي العمل على تطوير هذا الوضع ليصبح أداة جديدة” تحل محل خطة العمل الحالية بينهما.

وجدد الطرفان، في التصريح المشترك الذي صدر في ختام القمة، “إرادتهما في إقامة فضاء اقتصادي مشترك يتميز باندماج متطور للإقتصاد المغربي في اقتصاد الإتحاد الأوروبي”، وشددا أنه لبلوغ هذا الهدف “ينبغي القيام بمبادرات ملموسة” حددتها الوثيقة في تقريب الإطار القانوني للمغرب من الرصيد التشريعي المشترك للإتحاد الأوروبي، وتوقيع اتفاق شامل ومُعمق للتبادل التجاري الحر، وتعزيز التعاون الاقتصادي والاجتماعي، وانضمام المغرب إلى الشبكات الأوروبية المشتركة، إضافة إلى تعزيز التعاون القطاعي بين الجانبين.

المنتجات الفلاحية.. ومشاكل الهجرة

وإذا كان الطرفان لم يحسما في القمة مسألة تسويق المنتجات الفلاحية المغربية في السوق الاوروبية، فانهما عبرا عن تقديرهما للتطور “الهام” الذي تم تحقيقه خلال الأشهر الماضية في مجال المفاوضات حول تجارة المنتجات الفلاحية والمنتجات المصنعة والصيد البحري والمفاوضات حول الاتفاق المتعلق بتسوية الخلافات التجارية.

الطرفان أكدا أيضا الإرادة التي تحدوهما في شراكتهما في مجال العلاقات الخارجية على أساس “الإنخراط في القيم المشتركة للديمقراطية ودولة القانون وحقوق الانسان” في إطار مقاربة طموحة ترمي إلى تعميق العلاقات بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط بهدف جعل هاته المنطقة “فضاء للإستقرار والسلام والرخاء المشترك”.

وفي مجال الهجرة اتفق المغرب والإتحاد الأوروبي على تعزيز آليات التعاون بين بلدان المصدر والعبور والإستقبال من خلال مواصلة الحوار بين الطرفين ودعم مسلسل تعزيز قدرات الأطراف المعنية بمحاربة الهجرة غير الشرعية، وتشجيع الهجرة القانونية، وتحفيز مساهمة المهاجرين في التنمية، ومعالجة الأسباب العميقة للهجرة وتم التشديد أيضا على أن “هذه المقاربة الشاملة والمتوازنة لقضايا الهجرة، بما فيها التعاون في عودة المهاجرين في وضعية غير قانونية وإعادة استقبالهم، تشكل عنصرا رئيسا للشراكة بينهما”.

حقوق الإنسان.. ومعضلة الصحراء

حقوق الإنسان ونزاع الصحراء الغربية كانت محور الصخب الذي ملأ ساحات غرناطة على مدى يومي السبت والأحد، وإذا صدّق المرء الأرقام التي قدمتها الجهات المغربية وجبهة البوليزاريو، فإن عشرات الآلاف قد حجّوا للمدينة إبان عقد القمة للتظاهر إما “مع” أو “ضد”، إلا أن السلطات الإسبانية أوردت أرقاما تقل بكثير.

وكانت جبهة البوليزاريو التي تسعى لانفصال الصحراء الغربية وإقامة دولة مستقلة عليها محورت تحركها خلال الشهور الماضية أولا، على التحذير من أي اتفاق محتمل بين المغرب والإتحاد الأوروبي يتعلق بالصحراء، وخاصة اتفاقية الصيد البحري، واعتبار أنه يمثل “انتهاكا صارخا للشرعية الدولية وضربا للأسس التي يقوم عليها الإتحاد الأوروبي” نظرا لأن المنطقة محل تنازع وثانيا، على مسألة حقوق الإنسان وما تردده عن انتهاكات مزعومة ترتكبها السلطات المغربية في المنطقة المتنازع عليها ضد الناشطين المؤيدين للجبهة.

المغرب يقدم مرافعته في مسألة حقوق الانسان بالإشارة إلى “التقدم الذي عرفته البلاد خلال العقد الماضي بشهادة المنظمات الدولية”، ويضيف بأن “الصحراء الغربية بالنسبة له جزء من ترابه الوطني الذي شهد كما شهد بقية التراب المغربي تطورا ايجابيا ملموسا في هذا المجال” كما أن أي انتهاك يسجّل “ليس إلا انزلاقات معزولة وليست نهجا” ثابتا.

الإتحاد الأوروبي اختار الوقوف في منتصف الطريق، حيث نوه بالجهود التي يبذلها المغرب “من أجل حماية وترسيخ حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومن أجل تعزيز دولة القانون والديمقراطية”، وشدد في المقابل على أهمية “مواصلة مسلسل الإصلاحات التشريعية والسياسية والمؤسساتية، في مجال العدل وحرية التعبير والصحافة وتأسيس الجمعيات”.

وأكد هيرمان فان رومبوي، الرئيس الجديد لمجلس الإتحاد الأوروبي، الذي يمثل الإتحاد بصفته هذه لأول مرة في قمة مع بلد من خارج المنظومة الأوروبية أن الإتحاد “مهتم بنجاح المغرب في إصلاحاته من أجل تحقيق مزيد من التقدم والحرية وحقوق الإنسان لفائدة كافة مواطنيه”، كما أنه يبقى “مهتما بالمسائل الإنسانية” للنزاع الصحراوي. وأشار رومبوي إلى أنه وجه رسالة “واضحة لا لُبس فيها” في هذا الشأن إلى المغرب لأن “الأوروبيين مُطلعون على المشاكل وعلى ما تمّ من تقدم في مجال حقوق الإنسان”، في إشارة حسبما يبدو لأزمة الناشطة الصحراوية أمنتو حيدر التي أبعدتها السلطات المغربية في نوفمبر 2009 من مطار العيون الى مطار لانثاروتي في إسبانيا لرفضها الإعتراف بجنسيتها المغربية وعادت في وقت لاحق إلى المغرب بعد تدخلات فرنسية وأمريكية وإسبانية.

وفي معرض رده، شدد عباس الفاسي رئيس الحكومة المغربية على أنه “لا يمكن المسّ بسيادة المغرب انطلاقا من حالة أو حالتين”، واضاف بأن “85% من سكان الصحراء متمسكون بالجنسية المغربية”. وانتقد الفاسي بشدة الجزائر في ملف الصحراء، لا سيما في مجال حقوق الإنسان، طالبا من شركائه الأوروبيين عدم الكيل بمكيالين متهما الأمن العسكري الجزائري بـ “انتهاك حقوق الإنسان باستمرار في مخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف”، وقال الفاسي: “هناك لا حرية تعبير ولا حرية تنقل”.

وأضاف رئيس الوزراء المغربي: “اقترحنا خطة تسوية تتمثل في الحكم الذاتي والعاهل المغربي في خطابه للقمة أكد استعداد بلاده لتسوية سلمية للنزاع الصحراوي على أساس المبادرة المغربية بمنح الصحراويين حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية وهو ما ترفضه جبهة البوليزاريو وتتمسك بإجراء الأمم المتحدة لاستفتاء يقرر من خلاله الصحراويون مصيرهم بدولة مستقلة أو الإندماج بالمغرب أو الحكم الذاتي، وهي المبادرة التي لقيت تشجيعا من فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة إلا أن هذه الدول الثلاث لم تبادر للتنصيص عليها كحلّ محتمل للقضية في قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.

مكاسب جيدة لكنها غير نهائية

الإتحاد الأوروبي ورئيس الحكومة الإسبانية اكتفيا بالإعراب عن أملهما في أن يتم التوصل قريبا إلى اتفاق حول قضية الصحراء، وجددا دعمها للمهمة التي تقوم بها منظمة الأمم المتحدة في هذا الإطار نظرا لأن “التفاهم يشكل أحسن سبيل في اتجاه إيجاد حل للنزاع”، كما أن التفاوض “يُـعـدّ الطريق الوحيد” حسب رأي بروكسل ومدريد لإيجاد حل لهذه القضية المزمنة والمستعصية.

اختتمت القمة وتنفس المغرب الصعداء، فحجم ما تحقق من مكاسب اقتصادية وسياسية بالنسبة له، يُعتبر كثيرا قياسا مع دول أخرى في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط تسعى جاهدة للإرتقاء بعلاقاتها مع الإتحاد إلى نفس المستوى الذي وصل إليه، لكن الرباط تدرك أيضا أن ما حصلت عليه كان ثمرة لجهود بُذلت وإنجازات تحققت في ميادين حقوق الإنسان والحريات ووضعية المرأة وهي ميادين يقيس فيها الأوروبيون الأمور على مقاسها، كما أن أي تعثر أو انزلاقات في التقدم الذي يشجعون عليه “سيبدد الكثير من هذه المكاسب”.

محمود معروف – الرباط

غرناطة (اسبانيا) (ا ف ب) – حض المغرب الاتحاد الاوروبي الاحد 7 مارس 2010 على المصادقة سريعا على اتفاق تحرير المنتجات الزراعية الذي تم التفاوض بشانه في ديسمبر ويثير قلق بعض المزارعين الاوروبيين والاسبان والفرنسيين خصوصا.

واعلن العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب مكتوب موجه الى قمة الاتحاد الاوروبي والمغرب التي عقدت الاحد في غرناطة جنوب اسبانيا “بالنظر الى الاهمية التي يكتسبها الاتفاق الزراعي الجديد (…)، يعرب المغرب ومع تاكيده مجددا تمكسه بتطبيقه سريعا عملا بالتزاماتنا، عن اسفه للتاخير المسجل في دخوله (الاتفاق) حيز التطبيق”.

وفي معرض وصفه لهذا الاتفاق بانه “تسوية جيدة”، اشار رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو في مؤتمر صحافي الى ان المصادقة عليه لا يمكن ان تتم “الا بتصويت ايجابي من جانب البرلمان الاوروبي” الذي لا تتحكم المفوضية في جدول اعماله.

وتظاهر نحو الفي مزارع من الاندلس الاحد في غرناطة ضد هذا الاتفاق تعبيرا عن خشيتهم من ان يؤثر تطبيقه على عائداتهم التي تراجعت كثيرا جراء الازمة الاقتصادية.

وينص هذا الاتفاق على الغاء الرسوم الجمركية عن 55% من الواردات الاجمالية من المنتجات الزراعية الاتية من المغرب.

الا ان جداول استيراد زمنية بقيت رغم ذلك قائمة بالنسبة الى المنتجات التي تنافس مباشرة زراعات متوسطية في اوروبا منها الطماطم والفراولة والكوسا والثوم والكليمانتين.

ومنح الاتحاد الاوروبي المغرب في 2008 “وضعا متقدما” جعل من هذا البلد في المغرب العربي شريكا مميزا للدول الاوروبية ال27 على المستوى التجاري خصوصا مع احتمال بلورة اتفاق معمق للتبادل الحر مستقبلا.

واعلن الاتحاد الاوروبي والمغرب الاحد انهما توافقا على تكثيف المفاوضات الجارية حول تحرير تجارة الخدمات وحق المؤسسات “تمهيدا لاتفاق طموح قبل نهاية 2010”.

ومنذ العام 2000 عندما دخل اتفاق الشراكة بين الاتحاد الاوروبي والمغرب حيز التطبيق، زادت الصادرات الاوروبية الى المغرب بنسبة 84% لتفوق قيمتها ثمانية مليارات يورو، والواردات بنسبة 37% لتصل الى 14,5 مليار يورو. ويمثل الاتحاد الاوروبي 60% من اجمالي التجارة المغربية.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 7 مارس 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية