مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أي “أوبامية” في الشرق الأوسط بعد تعيين فريق من “الصقور البراغماتيين”؟

مفترق طرق يشير إلى عواصم المنطقة في قاعدة عسكرية قديمة تابعة للجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان المحتلة Keystone Archive

الآن وقد اتضحت معالم الإدارة الأمريكية الجديدة في عهد الرئيس باراك أوباما، بات ممكناً التساؤل: أي سياسات (وأولويات) أميركية جديدة في الشرق الأوسط؟

وإذا ما كان مقتضى المثل الشعبي العربي الشائع “الرسالة تقرأ من عنوانها” صحيحا أو دقيقا (وهي كذلك في الغالب)، فيمكن القول أن هذه السياسات ستكون مطابقة لتلك الشخصيات التي ستمسك بها: هيلاري كلينتون في الخارجية، روبرت غيتس في الدفاع، وجيمس جونز في مجلس الامن القومي. وبما ان هؤلاء جميعاً يوصفون بأنهم ” صقور براغماتيون”، سيكون في الوسع توقّع ان تكون توجهات واشنطن الجديدة في الشرق الاوسط “صقورية متطرفة”. لكن كيف؟

العصا والجزرة معاً

العصا والجزرة ستكونان جوهر هذه السياسات. وهذا سيكون تطوراً كبيراً، لأن توجهات إدارة الرئيس بوش الراحلة استندت برمتها على العصا دون الجزرة، وعلى القوة العسكرية دون الحوار الدبلوماسي، الأمر الذي خلق توترات شديدة مشوبة بخوف أشد من الأنظمة الشرق أوسطية على مصيرها.

إدارة أوباما ستستخدم كل انواع الجزر لتشجيع الأطراف المعنية، خاصة إيران وسوريا، على الاندراج في الرؤية الأمريكية للحلول في المنطقة. وهذا يتضمن: بعض الضمانات المتعلقة بأمن الأنظمة (إدارة الظهر، وإن لفظياً، لشعار تغيير الأنظمة)؛ إغراءات بفتح أبواب الاقتصاد العالمي أمام الأطراف المعنية؛ فك العزلة الدبلوماسية؛ اكتشاف المصالح المشتركة التي يمكن استناداً إليها إبرام العديد من الصفقات.. الخ.

وفي المقابل، ستتقدم إدارة أوباما بمطالب الحد الأدنى وأخرى تتعلق بالحد الأعلى. المطالب الأولى تشمل تسهيل الانسحاب الأمريكي الهاديء من العراق مع الإعتراف بالمصالح الامريكية هناك، كما عبّر عنها الشق الاستراتيجي – الاقتصادي- الثقافي من المعاهدة الأمنية العراقية- الأمريكية. هذا إضافة إلى تعميم هدنة غزة إلى كل مناطق الشرق الأوسط، جنباً إلى جنب مع التعاون مع واشنطن في الحرب ضد الإرهاب.

أما مطالب الحد الأعلى، والتي قد تُؤجّل إلى ما بعد إتمام “إعادة الانتشار” الأمريكي من العراق، فهي تشمل بالنسبة إلى إيران وقف برنامجها المفترض للتسلح النووي، والتخلي عن شعار “رمي إسرائيل في البحر” أو “الموت لإسرائيل”، وإنهاء الدعم الإيراني لمنظمات المقاومة في لبنان وفلسطين.

أما بالنسبة إلى سوريا فالصورة ستكون أكثر تعقيداً لسبب جوهري يتمثل في أن القرار حول طبيعة التعاطي معها لن يصدر من واشنطن بل من تل أبيب، عدا في ما يتعلق بالعراق. لماذا؟ لأن سوريا تقع في منطقة (الهلال الخصيب) التي يضعها التحالف الاستراتيجي الأمريكي- الإسرائيلي في دائرة نفوذ تل أبيب. هنا ليس ثمة سياسة أمريكية، بل فقط سياسة إسرائيلية. وبما أنه من المرجح ألا تهتم تل أبيب في الفترة المقبلة بالتسوية مع الفلسطينيين بسبب انقساماتهم الحادة من ناحية ولاهتمامها الكامل بالصراع الإقليمي مع إيران من ناحية أخرى، فينتظر أن تعطي إسرائيل (ومعها الولايات المتحدة) الأولوية للسلام مع سوريا.

ولكن، كيف ستفعل ذلك؟

اجتهادان

هنا ثمة اجتهادان: الأول يقول إن لا سوريا ولا إسرائيل لها في الواقع مصلحة في هذا السلام. والثاني يتحدث عن تطورات ستُملي هذا السلام إملاء.

نبدأ مع الاجتهاد الأول: يقول أصحاب هذا الرأي إن مرتفعات الجولان المحتلة توقفت عن أن تكون “وصمة” في جبين النظام السوري منذ أن اكتشف هذا الأخير بعد حرب تشرين العام 1973 أنه يستطيع أن يستخدم ورقة الأرض السورية المحتلة لتبرير مواصلة “عسكرة” المجتمع السوري في الداخل (قوانين الطوارىء وشعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”) ولإضفاء شرعية وطنية وقومية عربية على نفسه من خلال ذلك.

كما أنه يمكنه في الوقت ذاته لعب دور اقليمي بارز عبر لعبة مزدوجة مع الدولة العبرية: تفاهمات على قضايا استراتيجية عامة كالهدوء في الجولان، وتقاسم النفوذ في لبنان، وتجنب الانزلاق المشترك إلى حرب شاملة، والمواجهات المشتركة وفق المصالح مع منظمة التحرير الفلسطينية واليسار العربي (في السابق) ثم حالياً مع الأصوليات الاسلامية التي لاتنتجها دوائر الاستخبارات (والأصوليات من هذا النوع نادرة!). أما الوجه الثاني التكتيكي من اللعبة فهو يتضمن صراعات أو حروباً منخفضة الوتيرة بين سورية وإسرائيل في “المناطق الرمادية” التي لم يتفق عليها الطرفان والتي لاتمس جوهر التفاهمات الاستراتيجية، كدعم سوريا في التسعينيات للمقاومة في جنوب لبنان ودعم إسرائيل في السبعينيات لبعض المسيحيين اللبنانيين.

الأجنحة التي تؤيد استمرار هذه الصيغة في سوريا قوية، وكذا في إسرائيل، طالما أنها تحقق للطرفين معظم مصالحهما بأقل التكاليف الممكنة: سوريا تحظى بالدور الإقليمي الوظيفي، والحماية الدولية، ولعب دور الحصن القومي العربي المقاوم الأخير، وإسرائيل تواصل السيطرة على الجولان بكل ما يتضمنه من مياه وموقع استراتيجي، والحصول على التعاون السوري في بعض المجالات التي تتقاطع فيها المصالح.

أما الاجتهاد الثاني فيركّز على أن هذه المعادلة السابقة بدأت تهتز بعنف في الآونة الاخيرة بفعل عوامل عدة، أهمها انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان العام 2000 وما استوجبه من انسحاب سوري من شمال لبنان، ودخول الامريكيين والفرنسيين منذ العام 2002 لملء هذا الفراغ. ثم، وهنا الأهم (أو مربط الفرس مثلما يرى أصحاب هذا الإجتهاد)، بدايات إنقلاب تدريجي في طبيعة الصراع في الشرق الأوسط المتحول تدريجيا من صراع عربي – إسرائيلي إلى صراع إيراني – إسرائيلي.

ورغم أن ملامح هذا الانقلاب (الذي قد يثبت بعد حين أنه تاريخي) لما تتضح بعدُ بانتظار جلاء صورة التجاذبات الأيديولوجية – السياسية في إسرائيل، إلا أن التطورات الاخيرة في الدولة العبرية، بدءا من توقيع 500 جنرال ومسؤول استخباري ودبلوماسي إسرائيلي سابق على وثيقة تطالب بتبني اسرائيل لمبادرة قمة بيروت العربية للسلام، إلى التقرير الذي رفعته المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إلى حكومتها والتي طالبت فيه بإبرام السلام رسمياً مع سورية تمهيداً لشن الحرب مع إيران.

هذه التطورات قد تؤدي (في حال تبنيها أيضاً من جانب الليكود) إلى إنسحاب إسرائيل من تفاهماتها السابقة مع سورية وإلى العمل على ضم هذه الأخيرة إلى معسكر “السلام والاعتدال” العربي. وهذا، على أي حال، ما حاولت إدارة بوش فعله منذ العام 2002 لكنها جوبهت بالرفض الإسرائيلي له.

راقبوا إسرائيل

أي الاجتهادين ستثبت صحته في مستقبل الأيام؟ الجواب سيعتمد على عوامل عدة:

مدى تسارع الخطى في إسرائيل للعمل على تغيير طبيعة الصراع في الشرق الأوسط، أساساً عبر السلام مع سوريا وقبول المبادرة العربية. وهنا سيكون مثيراً معرفة مدى تأثير المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، الدافعة هي الاخرى في هذا الاتجاه، على قوى اليمين الأيديولوجي الإسرائيلي، وعلى رأسه الليكود.

موقف تل أبيب من أي اتفاقات إيرانية – امريكية محتملة انطلاقاُ من العراق، واحتمال أن يدفعها الخوف من تسويات على حساب زعامتها المنفردة في الشرق الأوسط إما إلى عرقلة هذه الاتفاقات أو إلى العمل على قلب المعادلات في المنطقة عبر السلام مع سوريا.

وأخيراً، احتمال تفاقم “الصراع التاريخي” الشهير على سوريا في الأشهر المقبلة، بوصفها بيضة الميزان في كل توازنات الشرق الاوسط منذ حوالي قرن.

هل أجبنا على سؤالنا الأولي حول طبيعة السياسات الامريكية الجديدة في الشرق الاوسط؟ ليس كثيراً؟ إذن، فلنتابع بدقة النقاشات الراهنة في إسرائيل حيال هذه المسألة لنعثر – ربما – على الجواب الشافي!

سعد محيو – بيروت

القدس (رويترز) – يقول تقرير داخلي للحكومة الاسرائيلية إن على اسرائيل أن تواصل محادثات السلام مع سوريا العام المقبل للمساعدة في احتواء تهديدات من برنامج ايران النووي وحركة حماس الفلسطينية.

ويحث التقرير الذي أعده مجلس الامن القومي لرئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت ونشرت صحف اسرائيلية أجزاء منه يوم الأحد 23 نوفمبر 2008 إسرائيل على “دفع الثمن الباهظ” لاتفاق مع سوريا وهو إعادة مرتفعات الجولان المحتلة.

وقال مسؤول اسرائيلي كبير شارك في إعداد التقرير إن الرئيس الامريكي المنتخب باراك اوباما يجب أن يُطلب منه رعاية المفاوضات مع سوريا والتي جرى إحياؤها هذا العام لكن بطريقة غير مباشرة عبر تركيا.

وقال المسؤول لرويترز “أهم لاعب في محادثات السلام الاسرائيلية السورية يتحدث الانجليزية واسمه أوباما. بدون مشاركة امريكية ايجابية جدا وكبيرة فإن المسار السوري سيراوح مكانه مثل المسار الفلسطيني”.

وقال المسؤول “نؤيد الإسراع بالمحادثات مع سوريا أملا في حدوث انفراجة”، مضيفا أن هضبة الجولان “ليست بالثمن الباهظ” إذا قطعت سوريا علاقاتها بمسلحي حماس وحزب الله و”خفضت” مستوى علاقاتها مع ايران.

ورفض الرئيس السوري بشار الاسد شروطا مسبقة من هذا القبيل. لكن بعض القوى الخارجية التي تتوسط في تقاربه مع اسرائيل توقعت أن تصبح سوريا أكثر مرونة إذا كان هناك إمكان في التوصل لاتفاق.

وتجاهل الرئيس الامريكي جورج بوش الى حد كبير الاسد بسبب مزاعم عن تدخل سوريا في شؤون العراق ولبنان والاراضي الفلسطينية. وايد اوباما الحوار مع سوريا قائلا ان ذلك قد يساعد على استقرار المنطقة وسيوفر افضل السبل لتأمين اسرائيل فيما تحاول التوصل لاتفاق بشأن دولة فلسطينية.

يأتي تقرير مجلس الامن القومي لاولمرت قبيل انتخابات ستجرى في العاشر من فبراير 2009 تتوقع فيها استطلاعات الرأي فوزا بهامش ضئيل لرئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو على تسيبي ليفني خليفة اولمرت.

ولم يُعرب أي من المرشحين عن رغبة كبيرة في إحياء المحادثات مع سوريا التي انهارت عام 2000 بسبب حجم الأراضي التي يجب ان تُعاد من هضبة الجولان التي احتلتها اسرائيل عام 1967.

لكن مع حرص اسرائيل حاليا ان ترى ايران معزولة بسبب برنامجها النووي والخوف من حروب حدودية جديدة في لبنان مع حزب الله أو في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس فان خليفة اولمرت ربما يضطر الى قبول توصيات مجلس الأمن القومي بشأن سوريا.

وقال المسؤول الاسرائيلي الكبير “لا أعتقد أن أيهما (نتنياهو أو ليفني) سيوقف هذا المسار. انه بالغ الاهمية”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 23 نوفمبر 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية