مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تمخّض مؤتمر “ريو+20” فولد.. فــأرا

Keystone

بعد عشرين عاما من تاريخ انعقاد قمة الأرض، التي نجحت في فرض حماية البيئة على الأجندة العالمية، انتهت قمة "ريو +20" التي اختتمت موفى الأسبوع الماضي على إيقاع وابل من الإنتقادات. في الأثناء، عبّرت الصحافة السويسرية عن لامبالاتها تقريبا بالنص الختامي الصادر عنها.

هذا النص الختامي الصادر عن مؤتمر المناخ بعنوان “المستقبل الذي نريده”، والمكوّن من 50 صفحة، والمُصادق عليه من طرف 190 بلدا، لم يثر تعليقات هامة في وسائل الإعلام السويسرية. وكما هو معلوم، فإن الإجماع على الحد الأدنى، الذي سعى إلى تحقيقه البرازيل، البلد المضيف، كان في المتناول حتى قبل انطلاق أشغال القمة. وفي هذا الصدد، تشير صحيفة “لوتون”، (تصدر بالفرنسية في جنيف) إلى أن نتائج المؤتمر “قد تحددت من خلال المحادثات بين الخبراء خلال المرحلة التحضيرية”.

أما القادة السياسيون، الذين امتنع عدد منهم عن المشاركة في أعمال القمة، فإن الذين شاركوا منهم لم يغيّروا شيئا في النص الذي أُعدّ مسبقا. ومع ذلك، عبّر فرانس بيراز، رئيس الوفد السويسري إلى قمة “ريو+20″، وعلى أعمدة نفس الصحيفة أنه كان بالإمكان التوصّل إلى نتائج أكثر اتساقا وأهمية وقال: “لقد كان استعداد الوزراء لتقديم الدعم لتحقيق توازن بين الركائز الثلاث للتنمية المستدامة أكثر أهمية من الإستعداد الذي أعرب عنه الخبراء والمفاوضون الذين خاضوا المحادثات التحضيرية باسمهم”.  

أما صحيفة “در بوند”، (تصدر بالألمانية في برن)، فقد ذكّرت في عددها ليوم السبت 23 يونيو أن قمة ريو “لم تتوصّل إلا إلى اتفاقات تعبّر عن نوايا حسنة، وما هو إيجابي على الأقل، أنها ليست أسوأ مما تم التوصّل إليه قبل 20 عاما”.

وإذا ما نُظر إلى الاشهر الطويلة من الصراع الذي واكب صياغة كل فقرة من فقرات الوثيقة النهاية، فإن ما تم التوصّل إليه والذي لا يزيد عن إبقاء الوضع على ما هو عليه، يُعدّ في حد ذاته نجاحا. وبذلك تعتبر هذه اليومية الصادرة في العاصمة الفدرالية أن “الإعتراف بالإقتصاد الأخضر (البيئي) يُعدّ جزءً من “النجاحات الصغيرة” المسجّلة خلال قمة ريو 2012، مع التذكير بأن القمّة “لم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى حجم الإستهلاك العالمي حاليا، أو إلى نموذج الإنتاج القائم”.

الحذر سيد الموقف

في أحد مقالاتها لنهاية الاسبوع، عنونت صحيفة “لوتون” إحدى افتتاحياتها “في ريو دي جانيرو، ساد الحذر حتى النهاية”، من جهتها أشارت صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ آم سونتاغ الأسبوعية (تصدر يوم الأحد بالألمانية في زيورخ) إلى أن نتائج هذه القمة لن يكون لها تأثير محسوس إلا بعد مرور عدة سنوات مشيرة إلى أنه “من الممكن أن تضع القرارات المتخذة التنمية المستدامة على المسار الصحيح، ولكن من الممكن أيضا أن تتراكم التدابير والإجراءات، وأن تعصف التحديات السياسية وتضارب المصالح بكل الخطوات التي تم الإتفاق عليها”.

وتحت ضغوط شبح الفشل الذي مُنيت به قمة كوبنهاغن في عام 2009، وافقت البلدان الغنية والفقيرة على سلسلة من الوعود لتضميد جراح الكوكب الأزرق، ولمعالجة العديد من الأمراض مثل الفقر والجوع والتصحّر، واستنزاف المحيطات، والتلوّث، وإزالة الغابات، وانقراض الآلاف من الأنواع الحية…، كما دعا مؤتمر “ريو+20” إلى اعتماد خيار “الإقتصاد الأخضر”، بوصفه نموذج تنموية أقلّ هدرا وتدميرا لثروات الأرض التي من المنتظر أن يرتفع عدد سكانها من 7 مليارات نسمة حاليا إلى 9.5 مليار سنة 2050.

ولكن مراعاة لمخاوف البلدان الفقيرة من أن يكون هذا النموذج مطية لممارسة نزعات حمائية خفية، أشار البيان الختامي إلى أن “السياسات التي يجب ان تواكب خيار الإقتصاد الأخضر” يجب أن “تحترم السيادة الوطنية لكل بلد” وأن لا تمثّل “تقييدا خفيا للتجارة العالمية”.

كذلك ظلت قضية التمويل عالقة. ففي ظل هذه الأزمات المالية التي تعصف بميزانيات الدول الغنية، ليس بإمكان هذه الأخيرة تقديم أي تمويلات، لذلك ظل المقترح الذي تقدمت به البلدان النامية والداعي إلى إيجاد صندوق تمويلات بحجم 30 مليار دولار مجرد حبر على ورق.

نصف الكأس الملآن

النص النهائي استُقبل بالترحاب من طرف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون باعتباره “وثيقة جيدة جدا ورؤية يمكننا بناء أحلامنا عليها في المستقبل”. كما عبرت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية عن ارتياحها للنتيجة وقالت: “لقد توافقنا جميعا حول إعلان ختامي يمثل تقدما فعليا لفائدة التنمية المستدامة”.

ويوم الجمعة 22 يونيو، اعتبرت دوريس لويتهارد، الوزيرة السويسرية المعنية بالمسائل البيئية في تصريح إلى قناة تلفزيونية عمومية سويسرية أن الكأس “على كل حال ملآن إلى النصف وليس نصف فارغ”، إلا أنها اعترفت أن هدف الإستدامة تراجع – بسبب الأزمة المالية – على جدول الأولويات السياسية وصرحت بأن “طموحنا كان أعلى، لكننا توصلنا مع ذلك إلى قرارات تسير في الإتجاه الصحيح”.

النبرة كانت مختلفة جدا في أوساط المجتمع المدني التي كانت غاضبة جدا. ففي مقال نشرته على صفحات مجلة Migros Magazin، اعتبر روزماري بير، النائبة البرلمانية السابقة وعضو الوفد الفدرالي إلى المؤتمر السنوي للجنة التنمية المستديمة التابعة للأمم المتحدة أن البلدان المتقدمة لم تتحمل مسؤولياتها بما يلزم من الجدية حيث “غابت الإرادة السياسية من أجل التغيير” وحذرت من أن السباق من أجل الحصول على الطاقات غير المتجددة “سيزداد شراسة أكثر فأكثر”.

“فشل تام”

من جهته، عبّر فيليكس غناهيم، عضو الوفد السويسري الرسمي بصفته خبيرا في شؤون التنمية في منظمة WWF للدفاع عن البيئة الطبيعية عن أسفه المرير للنقص في التقدم المسجل في ريو وأشار في تصريحات نقلتها عنه صحيفتا “24 ساعة” (تصدر بالفرنسية في لوزان) و”لاتريبون دو جنيف” (تصدر بالفرنسية في جنيف) إلى أن “الطبقة السياسية لم تُظهر أنها طامحة للمستقبل في هذه المفاوضات. هذا أمر مفزع. فالكرة الأرضية تحتاج إلى ما هو أكثر بكثير من الكلمات والحلول الوسط”. 

وعلى صفحات “24 ساعة” دائما، أعربت إيزولد آغاتزي، المسؤولة عن السياسة التنموية في “تحالف الجنوب” (الذي يضم أبرز المنظمات غير الحكومية السويسرية العاملة في المجالات التنموية والمساعدات الإنسانية) عن موقف أشد قسوة وقالت: “لقد كان الهدف من هذه القمة يتمثل في وضع التنمية المستديمة موضع التنفيذ، إلا أن الحصيلة بشأن هذه النقطة تحديدا جاءت فشلا تاما. فهي لا تعترف بمحدودية كوكبنا. كما أنها لا تقترح تغييرا للنموذج المعتمد من أجل تجاوز مسألة نمو الناتج المحلي الإجمالي مكتفية بإطلاق برنامج عمل لبلورة مؤشرات جديدة”.

لم يكن متوقعا من القمة المعروفة ب “ريو +20” أن تحدث تغييرا جوهريا على اتفاقيات تاريخية وقعت في مؤتمر قمة الأرض في “ريو دي جانيرو عام 1992، والتي شملت المعاهدات والاتفاقيات في مجال التنوّع البيولوجي ثم ادت إلى انشاء بروتوكول كويتو حول الإحتباس الحراري.

الإتفاق النهائي لقمة  “ريو +20” يؤكد من جديد على الأهداف التي نصّ عليها مؤتمر قمّة 1992. وقد استخدمت كلمة “يعيد التأكيد” في نص الإتفاق الختامي 59 مرّة في وثيقة تتكوّن من 49 صفحة، جاءت تحت عنوان “المستقبل الذي نريده”. وتشدّد الوثيقة على ضرورة تحقيق التنمية المستدامة، ولكن من دون تصوّر الطرق الضرورية لتحقيق ذلك.

كذلك يوصي النص المعتمد يوم الجمعة 22 يونيو 2012 بتعزيز التعاون الدولي ( وهو أمر ليس بالجديد)، والتأكيد على ضرورة تحقيق الإستقرار الإقتصادي دون وضع آليات جديدة لتقديم تمويلات للدول الفقيرة.

الوثيقة لم تتضمّن، على غير ما تمناه النشطاء المدافعون على البيئة، الدعوة إلى إنهاء الإعانات المقدّمة لدعم الوقود الأحفوري، وعلى الحقوق الإنجابية للمرأة، كما لم تشر إلى الكيفية التي يمكن أن تتدخّل بها الامم المتحدة لحماية أعالي البحار، والمناطق التي تقع خارج نفوذ السيادة الوطنية للبلدان الأعضاء.

وقد اختتمت أعمال هذا المؤتمر الذي استمرّ ثلاثة أيام، بالإضافة إلى التحضيرات التي استغرقت أسبوعا كاملا، على ايقاع المظاهرات التي نظّمها نشطاء شارك فيها المناهضون للعولمة، وقبائل الهنود الحمر من دعاة حماية البيئة، وكذلك المناهضون للأسلحة النووية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية