مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إدانة نجل القذافي في جنيف تفجر أزمة دبلوماسية بين سويسرا وليبيا

Reuters

تطورت تداعيات اعتقال نجل الزعيم الليبي معمر القذافي في جنيف الأسبوع الماضي إلى أزمة في العلاقات بين البلدين بعد المضايقات التي تعرض لها في الأيام الأخيرة رعايا سويسريون ومؤسسات سويسرية في ليبيا.

سويسرا التي “قدمت احتجاجا شديد اللهجة وعبرت عن انشغالها الكبير” في اتصال هاتفي بين وزيرة الخارجية ميشلين كالمي ري ونظيرها الليبي عبد الرحمان شلغم، أرسلت وفدا دبلوماسيا الى طرابلس لتقديم التوضيحات اللازمة ومحاولة التهدئة.

عرفت قضية اعتقال هنّـيبال القذافي أحد أبناء الزعيم الليبي معمر القذافي في 15 يوليو في جنيف، تطورات على مستوى العلاقات بين البلدين وذلك ببداية تنفيذ التهديدات التي أطلقتها ابنة القذافي الدكتورة عائشة بعد ساعات قليلة من الإفراج عن شقيقها يوم 17 يوليو بكفالة مالية.

وتمثلت هذه التطورات في اعتقال السلطات الليبية مواطنين سويسريين، وإلغاء رحلات جوية بين ليبيا وسويسرا “لأسباب تقنية”، وغلق مكاتب شركات سويسرية في ليبيا، وصدور تهديدات من طرف متظاهرين من اللجان الشعبية تجمعوا أمام مقر السفارة السويسرية في طرابلس.

وقد وصفت وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي – ري في اتصال هاتفي أجرته يوم أمس (الثلاثاء 22 يوليو) مع نظيرها الليبي عبد الرحمن شلغم هذه التطورات بأنها “إجراءات انتقامية تدعو الى القلق”.

إجراءات انتقامية

من جهتها أفادت وزارة الخارجية السويسرية في بيان أصدرته يوم الأربعاء 23 يوليو بأن السلطات الليبية شرعت منذ 17 يوليو في اتخاذ “جملة من الإجراءات الانتقامية” ضد المصالح والرعايا السويسريين، إذ تم اعتقال اثنين من المواطنين السويسريين ووضعهم على ذمة التحقيق منذ يوم الأحد الماضي، كما توصلت شركات سويسرية بأمر إغلاق لمكاتبها في ليبيا، على حد توضيح وزارة الخارجية السويسرية.

فقد أكد ناطق باسم شركة آبي بي السويسرية – السويدية يوم الأربعاء، أن مكتب الشركة في ليبيا تم إغلاقه وأن احد موظفي الشركة تم إيقافه. كما أوضح ناطق باسم شركة نيستلي أن فرع الشركة في طرابلس قد جرى إغلاقه، كما تم إيقاف المسؤول (وهو مصري الجنسية) لعدة ساعات.

من جهة أخرى، تم استدعاء القائم بالأعمال الليبي في سويسرا من طرف سلطات بلاده، كما توقفت السلطات الليبية عن تقديم تأشيرات للرعايا السويسريين.

ومن القطاعات التي تضررت قطاع الرحلات الجوية حيث أقدمت السلطات الليبية على تقليص عدد الرحلات بين البلدين. وأوضح جون كلود دونزل، المتحدث باسم شركة “سويس” للطيران بأن سلطات الطيران المدني الليبية أشعرت يوم السبت الماضي (19 يوليو) الشركة بأنه تقرر “الاحتفاظ برحلة واحدة فقط أسبوعيا بدل ثلاثة”، وعللت ذلك القرار بـ “أسباب تقنية وعملية”.

وحتى شركة “الإفريقية” الجوية الليبية فقد أقدمت على تقليص عدد رحلاتها انطلاقا من جنيف باتجاه طرابلس من ثلاثة إلى واحدة، بحيث احتفظت فقط برحلة يوم الثلاثاء، مثلما جاء في بيان صادر عن إدارة مطار جنيف.

إحتجاج رسمي ومحاولة تهدئة

سويسرا التي أرسلت اليوم وفدا دبلوماسيا الى طرابلس “لتقديم الشروح” حول ظروف اعتقال هنّـيال القذافي، ترغب من خلال ذلك في “تجنب أي تصعيد، والحفاظ على علاقات جيدة بين البلدين”، مثلما جاء في اتصال هاتفي أجرته وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي – ري مع نظيرها الليبي عبد الرحمن شلغم.

وكانت الوزيرة قد عبرت لنظيرها الليبي عن “احتجاجها الصارم وانشغالها الكبير” بما وصفته في مكالمتها الهاتفية بـ “الإجراءات الانتقامية التي تدعو للقلق”.

ونوهت وزارة الخارجية السويسرية على موقعها على شبكة الإنترنت إلى أنها أدخلت تعديلات على النصائح الموجهة للسويسريين الراغبين في التوجه الى ليبيا، تحثهم فيها على “تجنب التوجه الى ليبيا” في الوقت الحالي.

مظاهرات واحتجاجات ليبية

عرفت قضية اعتقال هنّـيبال القذافي تطورا بعد عودة هذا الأخير الى ليبيا، بحيث أشارت بعض وسائل الإعلام في سويسرا إلى أنه ذكر لسلطات بلاده بأنه تم تهديده بمسدس من قبل أحد ضباط الأمن أثناء اعتقاله، وهي مزاعم أكدت شرطة جنيف (بعد إجراء تحقيق في الموضوع)، والجهات القضائية في الكانتون أنها “ادعاء لا أساس له من الصحة”.

ولكن ذلك لم يقنع اللجان الثورية الليبية، التي خرج حوالي 200 من أعضائها يوم الأربعاء 23 يوليو للتظاهر أمام السفارة السويسرية في طرابلس ضد ما أسموه “سوء المعاملة” الذي تعرض له هنّـيبال القذافي.

فقد ردّد المتظاهرون الذين كانوا يحملون صورا للزعيم القذافي ومؤطرين من قبل قوات الأمن، شعارات مشيدة بزعيم الثورة الليبية ومنادية بـ “سحب الأموال الليبية من البنوك السويسرية”، حسبما تناقلته وكالات الأنباء، كما قدم المتظاهرون بيانا للسفير السويسري يهددون فيه الكنفدرالية بـ “الانتقام إذا لم تقدم اعتذارا رسميا للشعب الليبي وللزعيم الليبي”، وهو ما رد عليه السفير السويسري في طرابلس دانيال فون مورالت بالقول: “إننا لم نرغب في أي وقت من الأوقات في المساس بمشاعر الشعب الليبي”، معبرا عن الأمل في أن يتمكن الوفد الدبلوماسي السويسري من تهدئة الأوضاع.

ومع أن بيان اللجان الثورية لم يوضح طبيعة “الإجراءات الجدية التي يمكن اتخاذها ضد سويسرا وضد علاقاتها مع ليبيا”، فإن أحد أعضاء هذه اللجان ذكّـر في تصريح أدلى به لوكالة الصحافة الفرنسية، بأن ليبيا “هي المزود الأول بالبترول لسويسرا”.

وعلى الرغم من أن واردات سويسرا من النفط الخام الليبي تمثل أكثر من 48% من إجمالي وارداتها النفطية، حسب إحصائيات العام الماضي، إلا أن مسؤولا عن اتحاد مستوردي النفط في سويسرا استبعد لجوء ليبيا الى وقف تصدير النفط، إذ اعتبر رئيس الاتحاد رولف هارتلر أن ذلك سيكون بمثابة “عقاب ذاتي” لليبيا نفسها، التي تعتمد إلى حد كبير على الصادرات النفطية.

سويس إنفو مع الوكالات

استقر أول التجار السويسريين في ليبيا في موفى القرن التاسع عشر.

اعترفت سويسرا بالدولة الليبية الناشئة فور إعلان استقلالها عن إيطاليا في عام 1951 ولم يكن عدد المواطنين السويسريين المقيمين فيها حينها يزيد عن 12 شخصا.

مع وصول الشركات النفطية، انتقل العديد من المختصين في الجيولوجيا والخبراء السويسريين للعمل في ليبيا كما عمل بعض القانونيين السويسريين مثل إدوارد ويلفيغر (1901 – 1975) كمستشارين للحكومة.

قامت السفارة السويسرية في تونس بتمثيل مصالح سويسرا في ليبيا منذ عام 1962 وفي سنة 1965 افتتحت سويسرا قنصلية لها في العاصمة الليبية طرابلس ثم سفارة في عام 1968.

في موفى عام 2007 بلغ عدد المواطنيين السويسريين المقيمين في ليبيا: 48 شخص

تعتبر ليبيا الشريك التجاري الثاني لسويسرا في القارة الإفريقية بعد جنوب افريقيا وأمام نيجيريا حيث وصل حجم المبادلات التجارية بين البلدين في عام 2006 إلى حوالي مليار و917 مليون فرنك. وليبيا هي المزود الأول لسويسرا باحتياجاتها من النفط الخام حيث استوردت 48،8% من احتياجاتها من ليبيا في عام 2006 (مقابل 56،6% في عام 2005).

عادت الإتصالات السياسية بين البلدين إلى سالف طبيعتها في عام 2003 إثر رفع العقوبات الإقتصادية التي فرضتها الأمم المتحدة على طرابلس.

تعتبر ليبيا خامس سوق للصادرات السويسرية في القارة الإفريقية وراء كل من جنوب افريقيا ومصر والمغرب والجزائر. وفيما بلغت قيمة الصادرات السويسرية في عام 2007 إلى ليبيا (الآلات والمواد الصيدلانية والمنتجات الغذائية أساسا) 278.6 مليون فرنك (بزيادة 16،3% عن العام السابق)، وصلت قيمة الواردات السويسرية من ليبيا (النفط والمحروقات أساسا) في نفس العام إلى 1658.9 مليون فرنك (بانخفاض 1،1% عن العام السابق).

swissinfo.ch

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية