مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إصلاح نظام الاستخبارات السويسرية يفتقر لرؤية واضحة

RDB

يتساءل خبيران سويسريان عن مغزى ونجاعة دمج جهازي الاستخبارات المدنية. فالافتقار لمُتخصصين في الاستخبارات الإستراتيجية على رأسهما لن يسمح حسب مُحاورَي swissinfo.ch، جاك بو وستيفان كوخ، ببلوغ الهدف الرئيسي لنشاطاتهما المتمثل في مساعدة الحكومة على اتخاذ قراراتها في مجال السياسية الخارجية.

منذ بداية عام 2009، شرع جهازا الاستخبارات الرئيسيان في سويسرا – جهاز التحليل والوقاية (SAP/في الداخل) وجهاز الاستخبارات الاستراتيجية (SRS/في الخارج) في التدرب على العمل معا تحت إشراف وزارة الدفاع، استعدادا لاندماجهما التام الذي سيصبح نافذا اعتبارا من 1 يناير 2010.

ويقول جاك بو، المسؤول السابق في جهاز الاستخبارات والمتخصص في هذا المجال: “اليوم، كما يتضح من ظاهرة الإرهاب، حُلــَّت جزئيا الحدود القديمة بين التهديدات الداخلية والتهديدات الخارجية، وأصبح بالتالي من المُغري الرد على ذلك بتشكيل جهاز استخبارات مُوحد”.

في المقابل، نوه هذا الخبير السويسري في شؤون الإرهاب إلى أن سويسرا هي من بين البلدان القلائل التي ستـُقدم على عملية اندماج من هذا القبيل، مُعربا عن اعتقاده بأن هذا التصور محدود لأنه لا يأخذ في عين الاعتبار سوى “المدى الجغرافي للتهديد بينما يجدر التساؤل عن الغرض من المُخابرات”.

دوران مُختلفان

وبعد الإستشهاد بأمثلة أجهزة مخابرات أخرى، قدم جاك بو إجابته الخاصة عن ذلك التساؤل قائلا: “ينبغي على جهاز مكلف بالمخابرات الاستراتيجية أن يُنير عمليات اتخاذ القرارات الحكومية. أما جهاز (المخابرات) الداخلية فهو أولا في خدمة (وزارة) العدل والشرطة”.

وعلاوة على ذلك، يعتقد هذا الخبير بأن الإستخبارات الإستراتيجية يُفترض أن تقيّم أوضاعا يحتمل أن تكون خطيرة، وأن تقدم فرضيات وتضع سيناريوهات مرتبطة بالتهديدات المستقبلية. أما الجهاز المنوط بالعدالة فيُفضـِّل الحقائق الصلبة، مؤكدا أنه “عند الجمع بين هذين الجهازين، يكون هنالك ميل إلى تفوق الحقائق على التحليل الإستشرافي”.

وذكر جاك بو في هذا السياق مثال هولندا: “في عقد التسعينات، أقدم الهولنديون على مثل هذا الإندماج بين الأجهزة الداخلية والخارجية، وكانت النتيجة تحول ضباط المخابرات إلى رجال شرطة “سوبر” (أو بصلاحيات واسعة). وليست هذه الوظيفة الأساسية لجهاز المخابرات”.

من جانبه، أضاف ستيفان كوخ، المتخصص في الإستخبارات الاقتصادية: “ليست المخابرات بأجهزة خدمات سرية وتجسس بقدر ما هي أجهزة للحصول على المعلومات بهدف اتخاذ قرارات استراتيجية واستباق الأخطار الكامنة، سواء فيما يخص الأمن الوطني أو المصالح الاقتصادية للبلاد أو لموقعها الاستراتيجي والجيوسياسي”.

سلسلة أزمات

ويتضح أن الرؤية الاستشرافية باتت ضرورية بقدر أكبر في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الدولية توترات مُستمرة بل مُتزايدة.

وجدير بالذكر في هذا الصدد بأن سويسرا تعرضت خلال الأشهر والسنوات الماضية إلى انتقادات وهجمات وضغوط وتدابير انتقامية من قبل عدد من البلدان، مثل الولايات المتحدة (قضية الودائع اليهودية في المصارف السويسرية) وتونس (بسبب الخطاب الذي ألقاه وزير الدفاع السابق سامويل شميد في قمة مجتمع المعلومات) وكولومبيا (قضية الوسيط السويسري جون-بيير غونتار)، والاتحاد الأوروبي (الملف الضريبي)، وإسرائيل (بسبب لقاءات مسؤولين من حركة المقاومة الإسلامية حماس والحكومة الإيرانية).

ويؤكد جاك بو أن “أجهزة الاستخبارات تضطلع بطبيعة الحال بدور في مساعدة الحكومة في هذا النوع من الأزمات. ولكن منذ عام 1990، لم يترأس أيَّ جهاز للاستخبارات مُحلل استراتيجي واحد، وبالتالي يفتقرون للخبرة (التي تؤهلهم) لمعرفة ما ينبغي أن تكون عليه المهمة الأساسية لجهاز الاستخبارات الاستراتيجية”.

حكومة من سبعة أعضاء

المشكلة الأخرى التي طرحها الخبيران تتمثل في الربط بين الاستخبارات والحكومة. وأوضح جاك بو قائلا: “في الخارج، يكون لرئيس المخابرات الاستراتيجية مُحاور واحد (رئيس الدولة، أو رئيس الوزراء). فعلى سبيل المثال، كان رئيس الولايات المتحدة السابق (جورج بوش الأب) يستقبل كل صباح رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA. وفي فرنس، جرى العرف بأن يُعين رئيسُ الدولة رئيسَ الإدارة العامة للأمن الخارجي (DGSE). وهذا يساهم في خلق علاقات جيدة من الثقة وحسن التواصل”.

لكن في سويسرا الفدرالية، يتعامل رئيس المخابرات مع سبعة مُحاورين محتملين، لِكل واحد منهم نظرته الشخصية وتصوره الخاص للعالم. ويضيف جاك بو عن هذه الخصوصية: “بما أن الاستخبارات ملحقة بالدفاع، فإن الوزارات الأخرى لا تشعر بأنها معنية حقا بالأمر، وتنتابها بالتالي الرغبة في التوفر على قنوات مخابرات خاصة بها”.

وهذا ما يدفع ستيفان كوخ للقول: “لا ينبغي (القيام) بمجرد إصلاح هيكلي، بل جعل مختلف الأجهزة تتعاون فيما بينها لتجنب مشاكل التقسيم التي تواجهها اليوم. يجب بالتالي تغيير ثقافة الأجهزة وتوجيهها نحو إدارة تقوم على قدر أقل من الهرمية وحجم أكبر من التعاون”.

ويضيف هذا الخبير في أمن الأنظمةالإلكترونية: “لا ينبغي بقاء مديري مكاتب يتصرفون كملوك صغار، بل يجب التوفر على مسؤولين يخضعون للمساءلة ويُنتقـَون بناء على أهليتهم. وسيكون من المفيد أيضا حصولهم على تدريب حول الإستخبارات الإستراتيجية المرتبطة بجميع الأجهزة المعنية في الدولة”.

نقاش برلمــاني

الشيء المؤكد الوحيد هو أن دمج جهازي الإستخبارات المدنية يثير أسئلة في البرلمان الفدرالي أيضا، إذ قدّم نائب مجلس النواب ماكس شوبار-أكلين في الشهر الماضي قائمة تضم 11 سؤال حول تبعات هذا الإصلاح.. ليفتح بذلك النقاش السياسي تحت قبة القصر الفدرالي في برن.

فريديريك بورنون – جنيف – swissinfo.ch

(ترجمته من الفرنسية وعالجته: إصلاح بخات)

اعتبارا من 1 يناير 2010، سيندمج جهازا المخابرات المدنية السويسريان “جهاز التحليل والوقاية” (SAP) و“جهاز الاستخبارات الاستراتيجية” (SRS) داخل مكتب فدرالي لم يُنشأ بعد.

وسيعرض وزير الدفاع وحماية السكان والرياضة، أولي ماورر، على جميع أعضاء الحكومة الفدرالية، في أقرب فرصة، مقترحا يضم قائمة أسماء مرشحة لشغل منصب مدير جهاز المخابرات المدنية القادم.

(المصدر: بيان وزارة الدفاع السويسرية الصادر بتاريخ 25 مارس 2009)

“هو الجهاز المدني لشرطة الاستخبارات الداخلية لسويسرا. يُكلف بضمان احترام الأسس الديمقراطية والدستورية لسويسرا وبحماية الحريات الدستورية.

(يتمثل دوره) على وجه التحديد في أن يحدد في الوقت المناسب وأن يكافح بشكل وقائي أي خطر نابع عن الإرهاب، والأنشطة المحظورة المتعلقة بالاستخبارات، والتطرف العنيف أو النشاطات غير المشروعة التي تقتضي ضمنا استخدام الأسلحة والمواد المشعة أو التكنولوجيات الحساسة التي تُدرج ضمن مفهوم الحد من انتشار (الأسلحة النووية).

جهاز التحليل والوقاية هو أيضا الجهة التابعة للكنفدرالية المكلفة بتحليل وعرض الوضع في مجال الأمن الداخلي“.

(المصدر: وزارة الدفاع السويسرية)

“هو الجهاز السويسري لتجميع المعلومات المرتبطة بالخارج.

جهاز الاستخبارات الاستراتيجية يزود أعلى أجهزة الهرمين السياسي والعسكري، لاسيما رئيس وزارة الدفاع وحماية السكان والرياضة، ووفد الحكومة الفدرالية المكلف بالأمن، وجهاز إدارة الأمن، وقائد الجيش، بمعلومات ذات طبيعة سياسية واقتصادية وعسكرية وعلمية جوهرية بالنسبة لأمن سويسرا“.

(المصدر: وزارة الدفاع السويسرية)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية