مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حكومة بن كيران بين المطرقة والسندان

لا زالت معضلة البطالة تمثل أهم التحديات الإجتماعية بوجه الحكومة المغربية Keystone

تضع الإكراهات الإقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المغرب، حكومته الإئتلافية بين سِندان فِقدان شعبيتها ومِطرقة الإصلاحات الضرورية، لضمان عدم الإنهيار الإقتصادي للبلاد، في الوقت الذي تُعاني فيه من مُشاغبات مكوِّناتها وعدم تماسُك تحالُفها الحزبي.

في الوقت نفسه، حملت المذكِّرة التي بعث بها حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال المشارك بالحكومة بسِت حقائِب، إلى رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران وأعلنها في ندوة صحفية، نقْـدا قاسيا لأداء الحكومة، الذي وصفه بالبطِـيء، مع اتِّهامات تتعلق بالحريات والعجْز ومحاولة “مصرنة” (نسبة لمصر) المغرب، ليستند في ذلك لمطلبه بإجراء تعديلٍ حكومي.

وإذا كانت المكوِّنات الحزبية الأخرى لا ترى ما يراه حزب الإستقلال، فإن ما تفكِّـر الحكومة به من إصلاحات، خاصة على المستويين الإقتصادي والإجتماعي، يبقى مهْـزوزا إذا لم يكن مسنودا من الأغلبية الحكومية، وهو ما من شأنه أن يدفَـع البلاد نحو أزمة اقتصادية واجتماعية حقيقية.     

عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة يقول، إن قرارات “كبيرة ومهمّة” تنتظر حكومته، لأن مَـن سَبقُـوه (في إشارات للحكومات السابقة) اتَّخذوا قرارات جعلت حكومته في “ورْطة”، وأن حكومته جاءت لكي تغيِّـر الثقافة في المجتمع، وليس فقط من أجل إصلاح صندوق المقاصة (أي الدعم الحكومي للسلع الأساسية) أو التقاعد أو غيرهما، وإنما أيضا من أجل الإصلاح، و”هناك من لا يريد الإصلاح، وهؤلاء لهُـم أساليبهم وطُـرُقهم الخاصة”.

نحو إلغاء “صندوق المقاصة”..

حسب بن كيران، “تبلغ ميزانية المغرب 210 مليار درهم (حوالي 20 مليار يورو)، في حين أننا نصرف قرابة 260 مليار درهم”، ما يعني أن البلد مُضطَـر لاستدانة 50 مليار درهم، وهو ما أدى إلى بلوغ حجم المديونِية في المغرب 550 مليار درهم.

وكما هو معلوم، يُحمِّل مختلف الفاعلين الاقتصاديين، العجز السنوي في الميزانية إلى “صندوق المقاصة” أو ما يُطلِق عليه الباحث الاقتصادي المغربي نجيب أقصبي، بنظام دعم الفقراء عبر تغطية الأسعار، واليوم بات الجميع بالمغرب يُـقر بأن هذا النظام غير مُجدٍ وغيْر عادلٍ ويستفيد منه الأغنياء والشركات الكُبرى على حساب الفقراء والطبقة المتوسِّطة، بالإضافة الى تكلفته الباهِظة للمالية العمومية.

إلغاء صندوق المقاصة، أصبح مشروعا حكوميا شِبه مُكتمل، وينتظر أن يأخذ مساره ليُصبح برنامجا في طريقه للتنفيذ، كما أكد نجيب بوليف، الوزير المكلف بالشؤون العامة والحكامة أنه “أصبح من المحتَّم العمل على إصلاح جريء ومعمّق لنظام المقاصة، وما يجب أن يُصاحبه من إجراءات دعْمٍ للفِئات المُعوِزة”.

وقال بوليف: “إن الإصلاح يفرضه الحجْم المتزايد من الدّعم المقدّم للصندوق، والذي أصبح يشكِّل عِبْـئا كبيرا على ميزانية الدولة ويساهم في تدهْـوُر التّوازنات الاقتصادية ويحدّ من الإستثمار العمومي٬ بالإضافة إلى محدودية نظام الدّعم في استهداف الحفاظ على القُدرة الشِّرائية للطَّـبقات الإجتماعية المُحتاجة”.

وأشار بوليف إلى الظرفية الاقتصادية والاجتماعية، حيث تميَّزت السنة الماضية بارتفاع كبير لمعدّلات أسعار الأسواق العالمية من المواد الأولية، خاصة منها مواد الطاقة وبعض المواد الأولية والغذائية الضرورية٬ ترتَّب عنها تفاقُم نفقات الدّعم، التي بلغت حوالي 48,5 مليار درهم، يمثل فيها قطاع المواد النفطية وغاز البوتان نسبة ما يناهز 90%، بعد أن كانت 30 مليار و517 مليون درهم سنة 2010 ، أي بارتفاع بنسبة 58,84%.

نجيب بوليف، الوزير المغربي المكلف بالشؤون العامة والحكامة

الحجْم المتزايد من الدّعم المقدّم لصندوق المقاصّة أصبح يشكِّل عِبْـئا كبيرا على ميزانية الدولة ويساهم في تدهْـوُر التّوازنات الإقتصادية ويحدّ من الإستثمار العمومي

نعم للدعم المباشر ولكن..

في نفس السياق، يقول نجيب أقصبي لـ swissinfo.ch: “إن الصورة باتت واضحة لدى مُختلف المعنيِّين بصندوق المقاصة، بمَن فيهم المنظمات السياسية والنقابية، بضرورة إلغاء نظام دعم الفقراء عبْر الأسعار، بعد أن تأكد أنه نظام غيْر مُجدٍ وغيْر عادلٍ وباهظ التكلفة على المالية العمومية والإنفاق العام، واستبداله بنظام الدّعم المباشر للفقراء والمحتاجين وبعض فئات الطَّبقة المتوسطة.

واعتبر أقصبي أن هذه القناعة تُـعبِّر عن تطوُّر هامّ، فبعد أن كان الإقتراب من أو المسّ بصندوق المقاصة من المحرَّمات، توصل الجميع إلى قناعة مجتمعية بالذّهاب نحو نظام الدّعم المباشر، لكن السؤال أو النقاش يبقى مطروحا حول الآليات والوسائط، لتطبيق هذا الدّعم في بلدٍ يشْكو من فساد في جهازه الإداري من جهة، والتدبير السياسي للملف من جهة أخرى.

الباحث الجامعي والخبير الاقتصادي أوضح أيضا أن الأسئلة الأساسية التي يجب أن تُـطرح بالمغرب، لم تعُد حول بقاء صندوق المقاصة، بل حول كيفية الإنتِقال من الدّعم عبْر الأسعار إلى الدّعم المالي المباشر ومَـن يستفيد منه  وحجم وكيفية وصول هذا الدّعم، دون السقوط في الرّشوة والحِرفية والسياسية.

ومن وجهة نظر أقصبي، فإن المشاكل التِّقنية والعملية والآليات، قد تشكِّل عَـثرة أمام تنفيذ الحكومة لبرنامج الإصلاح المالي وإلغاء صندوق المقاصة أو تأجيله بخلفية سياسية، ويؤكِّد أن التطوّر التِّقني بالبلاد (نظام المعلوماتيات ووسائل الإتصال) تسمح للدولة المغربية بإجراء إحصاء مقبول أو شِبه دقيق للفئات الإجتماعية التي يستهدِفها الدّعم المالي المُباشر، مُشيرا إلى نظام الرميد (نظام الرعاية الصحية للفقراء) وإحصاء الأرامِل وتقارير وإحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، ويمكن دعوة المواطنين إلى التسجيل وإخضاع المسجَّلين إلى التدقيق.     

من جهة أخرى، يُـعتقَـد أن هامشا من الخطأ في اللوائح لن يُعرقِل أو يُسيء للنظام الجديد، ومَهْما كان الهامش واسعا، ستكون تكلفة النظام الجديد في سنته الأولى أقل حجما للمالية العمومية، وسيتقلّص الهامش سنويا، لأن النظام المعلوماتي ومُواصفات الفئات المُستهدَفة، سيكون واضحا وسيتم تحيينه ويُعدَّل سنويا، ليُصبِح هامِش الخطأ ضيِّقا جدا بعد سنوات.

في لقاء جمعه بكوادر حزبه العدالة والتنمية يوم السبت 29 ديسمبر 2012 رد عبد الإله بن كيران على اتهامات للمعارضة، مؤكِّدا أن حزبه الإسلامي لا يريد “إقامة إمارة في المغرب” وإنما يريد “الإصلاح في ظل الاستقرار بأي ثمن..

وقال بن كيران إن “إمارة المؤمنين في المغرب موجودة وأميرها هو الملك”، و”لا يمكن لأحد أن يشوّش على علاقتنا بالملك”.

وتحدثت الصحافة غير مرة عن “توتر العلاقة بين القصر والحكومة”، وهو ما اعتبره بن كيران مجرد “تشويش”، مؤكدا أن “العلاقة جيدة والملك يدعم ويساند تجربتنا، ونحن في أول حكومة نقودها، نتدرب على علاقتنا بجلالته وباقي المؤسسات”.

وقال بن كيران إن حزبه وحكومته يريدان “الإصلاح في إطار الاستقرار، ولذلك كلفة كبيرة، بسبب الضغوطات واللوبيات التي ما زالت في مواقعها”. وأضاف ان حزبه “جاء تحت ضوء الشمس ومن رحم المجتمع ذي المرجعية الإسلامية (…) وليس خلسة من خلال التسرّب لمواقع النفوذ والحصول بين عشية

وضحاها على أغلبية المقاعد”.

وأضاف بن كيران “إن كان هناك حزب أساء إلى المجتمع والوطن وأراد ان يمحو ويغلق الصفحة فليصحّح، وإذا كانت لديه الشجاعة ليعتذر للمغاربة فليفعل، لكن يجب أن نعلم أن المغاربة لا ينسون”.

(المصدر: نقلا بتصرف عن وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 29 ديسمبر 2012)

الطبقة المتوسطة في نظام الإصلاح

في سياق متصل، يُوضِّح نجيب أقصبي أن تكلفة صندوق المقاصة الآن تقارب 50 مليار درهما (مع احتمال ارتفاعها  لتصل الى 70 مليار درهما)، ويُقدَّر عدد العائلات الفقيرة بحوالي مليون عائلة، من المقترح أن يصرف لكل واحدة منها شهريا 1000 درهم. وهناك حوالي 2 مليون عائلة من الطَّبقة الوسطى، التي تستحقّ الدّعم أو التعويض بقيمة 500 درهما شهريا، لتكون تكلفة نظام الدّعم الجديد 24 مليار درهما سنويا، آخذا بعين الإعتبار تكلفة هامِش الخطأ بحوالي 10 مليار درهما في السنة الأولى، وهو ما يعني أنه سيبقى فائِض بحوالي 16 مليار درهما لصالح المالية العمومية. ويرى الخبير أن على النقابات أن “تُفاوِض الحكومة حول كيفية تدبير هذا الفائض، لتقليص تبعِية الإقتصاد المغربي للخارج”.

وفيما يؤكِّد أقصبي ضرورة ملاحظة الطَّبقة المتوسطة في نظام الإصلاح، باعتبارها محرِّكا للإقتصاد وقاعدة للمجتمع خلال هذا الإصلاح، يقترِح أن يكون دعم هذه الفئة من خلال برامج تهدِف لتعزيزها وتقوِيتها عن طريق نظام ضريبي مُناسب والسَّكن اللائق في المتناول، دون إغفال الجهود المبذولة لتحسين المناخ الإقتصادي والإجتماعي لهذه الفئات المهمّة، ودعم المُقاولات الصُّغرى.

وقال أقصبي لـ swissinfo.ch: “إن مشروع برنامج الحكومة يتحدّث عن انتقال تدريجي في نظام الدّعم المباشر، يمتد 3 أو 4 سنوات، وهي مرحلة زمنية سيعرِف فيها المغرب استحقاقات انتِخابية (جماعات محلية في 2013 وبرلمانية في 2016)، وربما ترى الحكومة وحزبها الرئيسي (العدالة والتنمية، ذو المرجعية الإسلامية) فرصة لكسْب قاعِدة انتخابية واسعة في صفوف الفقراء عبْر الإتِّصال المالي المباشر مع هذه الفئة الإجتماعية الواسعة، بالإضافة إلى شرائح من الطّبقة الوُسطى، التي قد تستفيد من النظام الجديد”.

تحذير من “نصف الإصلاح”

على صعيد آخر، يعتقد أقصبي أن أحزاب المعارضة ضَيَّعت فُرصة القيام بعملية الإصلاح وجني مكاسبها السياسية، عندما تولَّت تدبير الشأن العام طِوال العقْد الماضي، وقد كان التوجّه نحو إصلاح صندوق المقاصة وملامِحه واضحة، لكنها لم تُبادر ولم تمتلك الجُرأة لإطلاقه وتطبيقه، لتضمن تأييدا في الشارع وتوفِّر على البلاد عشْر سنوات من هدْر الأموال وحذر من السياسوية في تعاطي المعارضة مع مشروع الحكومة مشيرا إلى تصريحات لصلاح الدين مزوار، رئيس التجمع الوطني للأحرار، حذّر فيها حكومة بن كيران من “مخاطر التسرّع في إصلاح صندوق المقاصة عبْر المساعدات المباشرة، دون فتح نقاش حقيقي مع باقي الفُرقاء السياسيين والنقابيين”.

ويرى نجيب أقصبي أن إصلاح نظام دعْم الفقراء، إصلاح ثوري في علاقة الدولة بالمواطن، باعتبار أن النظام الجديد والدّعم المالي المباشر، ليس صَدَقة من الدولة، بل حقّا من حقوق المواطن وواجبَ الدولة تُجاه فئة من مواطنيها، من خلال تدبير الضرائب التي يدفعها المواطنون لضمان حياة كريمة ومجتمع مُستقر وآمن، إضافة إلى أن إصلاح نظام المقاصة، كغيره من الإصلاحات، يحتاج وقتا لظهور نتائجه الإيجابية الملموسة.

أخيرا، يُحذِّر الباحث المغربي من “نصف الإصلاح” بإلغاء صندوق المقاصة، دون النجاح في نظام التّعويض والأداء المالي المُباشر للمواطنين الفقراء، ويعتبر أن ذلك رهين بإرادة الدولة ورُؤيتها لحكومة عبد الإله بن كيران وفسْح الطريق أمامها لتطبيق هذه الإصلاحات، لأن لوبيات في صناعة القرار، تتخوّف من أن يؤدي إصلاح وإلغاء صندوق المقاصة، إلى إزاحة السدّ الحاجز الذي كان يشكِّله بين المواطنين والتدبير الفاسد للقُـدرة الشرائية ومحاسبة متلازمة مع ارتفاع الأسعار الدولية للطاقة والغذاء والفشل في سياسة بديلة، تضمن حدّا أدنى من الإستقلالية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية