مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إلغاء القمة المؤجّـلة!

متى سيجتمع قادة دول الاتحاد المغاربي مرة أخرى؟ Keystone

للمرة الثانية خلال عامين، يتم تأجيل قمة زعماء دول اتحاد المغرب العربي، رغم أن أربعة منهم تحوّلوا بداية هذا الشهر إلى تونس للقاء نظرائهم من جنوب أوروبا.

ويبقى السؤال محيرا: هل يعود إلغاء القمة إلى الخلافات مع الرئيس الجزائري؟ أم أن ليبيا قدّمت طلب التأجيل لأسباب لا علاقة لها بالخلافات القائمة بين دول الاتحاد؟

أمر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة كل أجهزة الدولة المرتبطة باتحاد المغرب العربي أن تكون على أهبة الاستعداد كي تتجاوب مع متطلبات القمة السابعة التي لم تلتئم منذ حوالي 10 أعوام.

وهذا ما حدث بالفعل، حيث قامت وزارات الخارجية والداخلية والعدل والإعلام وغيرها بتحضير عشرات الملفات، وتهيئة الأجواء لإعداد القمة التي راهن على نجاحها الرئيس الجزائري قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية.

والغريب، أن دول المغرب العربي الأخرى، وهي موريتانيا وليبيا وتونس والمملكة المغربية، لم تُـعرب للرئيس الجزائري عن أي رفض ولم تقل لوزير خارجيته عبد العزيز بلخادم الذي طاف مؤخرا على عواصمها، إنها غير راغبة في انعقاد القمة في الجزائر.

هذا الأمر نتج عنه في الأيام الأخيرة تفاؤل حذر بشأن إمكانية قدوم العاهل المغربي الملك محمد السادس، والعقيد الليبي معمر القذافي إلى الجزائر العاصمة، وما قد يعني هذا من توجّـه تصالحي مع نواكشوط التي تتّـهم ليبيا بمساعدة المتمردين الموريتانيين الذين حاولوا الانقلاب على الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع في شهر يوليو الماضي.

كما سارت بعض التحليلات في الأشهر الأخيرة على خطى المقتنعين بأن ضغوطا فرنسية وأمريكية تُبذل كي يجتمع المغاربة في منظومة اقتصادية واحدة.

هذه المنظومة تحدّث عنها وزير الخارجية الجزائري بعد إعلانه عن إلغاء القمة قائلا: “إنها تخدم مصالح أوروبا والولايات المتحدة الاقتصادية، غير أننا نرغب في أكثر من هذا، أي الطمأنينة والرفاه لشعوب المنطقة”.

أزمة ثقة خطيرة

هذا الكلام بدا مستعصيا على الفهم. ذلك أن مؤدى تصريح وزير الخارجية الجزائري يُـفيد بأن التكامل الاقتصادي بين دول المنطقة لا يعني بالضرورة رغد العيش!!

ويبدو أن هذا المنطق انعكس على كل المحادثات التي جمعت وزراء خارجية دول المنطقة في الجزائر قبل يومين عن الموعد المفترض للقمة. ودار نقاش حام بين الوزراء حول مسائل الإجماع، وكيفية اتخاذ القرارات، ثم ما لبث أن تحول الأمر إلى كلام قاس تبادله الليبيون والموريتانيون. وبذل وزير خارجية الجزائر جهودا كبيرة كي لا يفقد أعصابه أمام الذي يحدث.

في نفس السياق، أبدى الوفد المغربي بقيادة وزير الخارجية محمد بن عيسى رأي بلاده حول مسألة الصحراء بصراحة ووضوح ضمن جلسات العمل، وهو ما يتناقض مع التصور الجزائري للقضية، الذي لا زال متمسّـكا بالفصل بين الخلاف حول مسألة الصحراء واتحاد المغرب العربي.

وهو ما يرى فيه المغاربة “ضحكا على الذقون” بسبب الدعم الجزائري المقدّم إلى جبهة البوليزاريو، الراغب في استقلال إقليم الصحراء عن المملكة المغربية.

وفيما يرى البعض أن الدبلوماسية الجزائرية وقعت في فخ تسويف حل المشاكل البينية، وربطت بين منطقها “الازدواجي” الذي تردده الصحافة الجزائرية، بما فيها المستقلة، مع منطق الدبلوماسيات المغاربية الأخرى،
غير أن هذا التصور ثبت خطأه وتبيّـن أن أزمة ثقة “خطيرة” تجمع دول المنطقة، وأن بناء المغرب العربي لا زال بعيدا.

لم تتمكن الجزائر من موازاة جهودها الرامية لإنجاح القمة مع تصور باقي قادة دول الاتحاد لدور الجزائر الذي أراد أن يكون توحيديا. غير أن المغرب وليبيا وموريتانيا لم تقتنع، حسبما يبدو، بأبجديات هذا الطرح، فكانت النتيجة “تلاسنا” ليبيا موريتانيا، وحديثا “خشنا” بين المغاربة والجزائريين.

“زعامة ليبية”؟؟

ورغم إلغاء القمة من الأساس، نفى وزير خارجية الجزائر أن التأجيل يعني الفشل، وتحدث عن الطلب الليبي بتأجيل اللقاء إلى غاية 6 يناير المقبل، كما أكّـد أن هذا الطلب رفضته الجزائر لأسباب تنظيمية. ثم ربط عبد العزيز بلخادم بين الطلب الليبي بتأجيل القمة، وعلاقات ليبيا مع الولايات المتحدة وبريطانيا بعد الإعلان الليبي الأخير عن توقيف برامج إنتاج أسلحة الدمار الشامل.

الواقع أن أحدا لم يكن ينتظر تبريرا كهذا، لأن أسباب الخلاف بين دول المغرب العربي معروفة جدا. أما أن يضاف إليها وضع العلاقات الليبية الجديدة مع الولايات المتحدة، فأمر لم يفهمه أحد، ماعدا وزراء الخارجية الذي اجتمعوا في جلسة مغلقة أعلنوا بعدها عن إلغاء القمة.

لكن كيف يُـمكن معرفة آراء الوفود المغاربية وقد رفض ممثلوها الحديث مع الصحافة؟ وتركوا نظيرهم الجزائري يشرح للمراسلين الدوليين والمحليين أسباب إلغاء القمة التي لم يكن من ضمنها أبدا، حسب بلخادم، الخلاف المغربي الجزائري حول مسألة الصحراء أو الخلاف بين ليبيا وموريتانيا البلدان اللذان لا توجد علاقات دبلوماسية بينهما!

يضاف إلى كل ما سبق، المصير المجهول للاتحاد المغاربي من الأساس، حيث تخلت الجزائر عن رئاسة الاتحاد دون وجود قرار صادر عن القمة، (التي لم تعقد)، كما لم تحدد بعدُ الدولة التي ستترأس المنظمة خلافا لما تنص عليه مواثيقها.

ليس من اليسير تفسير سبب تصلب مواقف قادة دول اتحاد المغرب العربي فيما بينهم، في الوقت الذي لا يتخلفون فيه عن المشاركة في لقاءات خمسة زائد خمسة مع دول الضفة الجنوبية للاتحاد الأوروبي، بل المساهمة فيه في تونس بوثيقة عبّـرت عن آرائهم بصفة جماعية!

الصين وتايوان!

وبفشل لقاء الجزائر قد يتعزز احتمال بقاء منطقة المغرب العربي ضمن آخر التكتلات الإقليمية الراكدة في العالم، إلا أن هذا لن يعني بالضرورة إهمال القوى الرئيسية في العالم للمنطقة، بل إن الاهتمام بها قد يزداد على خلفية الصراع الاقتصادي والاستراتيجي القائم بين أوروبا والولايات المتحدة بشكل خاص.

ثم ماذا لو صح تبرير وزير خارجية الجزائر؟ هل تتأكد التقارير الاستخبارية والدبلوماسية بشأن دور ليبي جديد في المغرب العربي تتكفل به طرابلس الغرب، التي قد تصبح الجوهرة الأمريكية في المنطقة؟

لقد أكدت مصادر أمريكية مثل هذا التوجه، لأن الجماهيرية قررت في توجه جديد إعادة رسم سياساتها الخارجية بأسلوب “كاريزمي”، يخالف التوجهات البيروقراطية الثقيلة المتعارف عليها في المغرب والجزائر، ويتجاوز العوائق الناجمة عن محدودية الاقتصاديات التونسية والموريتانية.

وتزداد حيرة المراقبين الآن حيال مستقبل اتحاد دول المغرب العربي. إذ كيف سيكون من المتاح الجمع بين المشاكل المغربية الجزائرية المزمنة، وبين “زعامة” ليبية جديدة مفترضة، لن يكون من السهل على بقية دول الاتحاد القبول بها؟ غير أن البعض يشير إلى أن احتمالات تحول جذري في الأوضاع الاقتصادية في الجماهيرية، قد تُـصبح هاجسا حقيقيا للنّـخب الحاكمة في العواصم المغاربية الأخرى.

من ناحية أخرى، يبدو أن السياسة الخارجية لدول الاتحاد لا زالت محكومة بمنطق الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي في منطقة لا يريد أحد من قادتها استحضار المثال الصيني التايواني، ذلك أن قيمة المبادلات التجارية السنوية بين الجزيرة الصغيرة المنفصلة جغرافيا عن الصين القارية، تمثل حوالي ضِـعفي مداخيل دول المغرب العربي مجتمعة لفترة عامين، على الرغم من تهديد بايجينغ المستمر لتايباه في حال إعلانها الاستقلال!

هيثم رباني – الجزائر

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية