مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إلى أين تتجه العلاقات السورية الأمريكية؟

نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد لدى اجتماعه في دمشق مع إلين صاوربري، مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون اللاجئين والهجرة يوم 12 مارس 2007 للتباحث حول أوضاع اللاجئين العراقيين في سوريا (المصدر: AFP)

بعد سنوات من محاولات الولايات المتحدة عزل سوريا والضغط عليها، بل واستبعادها من أي ذكر حين يكثر الحديث عما يُـسمي بعملية السلام في الشرق الأوسط والاكتفاء بترديد عبارة أن سوريا تعرف ما يتعيّـن عليها عمله..

.. بدأت الإدارة الأمريكية تجس نبض سوريا ومدى استعدادها للتعاون في تهدئة الأوضاع في العراق، لكي يمكن البدء في خروج أمريكي تدريجي من المأزق العراقي.

مركز الحوار العربي في واشنطن نظم مؤخرا ندوة حول “مستقبل العلاقات السورية الأمريكية”، تحدث فيها السفير السوري في واشنطن الدكتور عماد مصطفى، فأكد أن هناك تحولا في موقف الكونغرس الأمريكي إزاء مسألة الحوار مع سوريا، حيث يتفق أبرز الزعماء الجمهوريين والديمقراطيين على أهمية الدور السوري في محاولات إعادة الاستقرار إلى العراق.

وقال السفير السوري إن الأيام القليلة القادمة ستشهد سلسلة من زيارات هؤلاء الزعماء للعاصمة السورية، ستبدأ بزيارة يوم 3 أبريل القادم، تقوم بها زعيمة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لدمشق على رأس وفد من النواب الأمريكيين، سيلتقون بكبار المسؤولين السوريين، وعلى رأسهم الرئيس بشار الأسد في محاولة لتحدي الإدارة الأمريكية ودفعها للإسراع في الحوار مع سوريا.

وكشف السفير السوري النِّـقاب عن اجتماع تمّ بينه وبين السناتور الجمهوري ريتشارد لوغر، الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ والعضو البارز بها حاليا، وحضر الاجتماع أعضاء جمهوريون آخرون في اللجنة، وقال السناتور لوغر، إنه حث إدارة الرئيس بوش على ضرورة إعادة الحوار مع سوريا.

ولكن الدكتور عماد مصطفى نبّـه إلى أن سوريا لن تُـهرول ولن تقدِّم تنازلات رفضت أن تقدمها تحت أقسى أنواع الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة عليها وعلى أطراف أوروبية، لتمتنع عن الحوار مع دمشق، وقال “إن سوريا ستتقدم خطوة كلما تقدم الأمريكيون خطوة إلى الأمام نحو تحسين العلاقات مع سوريا”.

وردا على سؤال لسويس إنفو عما إذا كان اجتماع بغداد، الذي ضم الولايات المتحدة مع دول الجوار، ومنها سوريا وإيران، قد أظهر رغبة أمريكية في تحسين العلاقات وتعميق الحوار مع سوريا، قال السفير عماد مصطفى: “قبل الاجتماع، تمت دعوتي إلى وزارة الخارجية الأمريكية للتنسيق، وأعقب ذلك أول زيارة لمساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية إيلين ساربوري لدمشق منذ عامين، ثم بدأ الحوار حول إقرار الأمن والاستقرار في العراق في اجتماع بغداد، وكان الأهم منه هو ما جرى في الغرف الجانبية بين مسؤولين سوريين ومسؤولين أمريكيين، ومع أننا سنشارك في الاجتماع الوزاري، الذي سيعقد حول العراق قريبا، فإن سوريا تلتزم جانب الحذر إزاء الانفتاح الأمريكي المفاجئ نحو سوريا، والذي تدرك دمشق أنه لم يحدث إلا بسبب بَـراعة وبسالة المقاومة اللبنانية في مواجهة العدوان الإسرائيلي، والمقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي، كما أن إدارة الرئيس بوش تتعرّض لضغوط كبيرة من الكونغرس لإعادة فتح أبواب الحوار مع سوريا، لكي تساعد في الخروج الأمريكي من المأزق العراقي”.

التصور السوري للحل في العراق

وشرح الدكتور عماد مصطفى الموقف السوري الذي تم نقله للجانب الأمريكي حول الوضع في العراق كالآتي:

أولا، سوريا مستعدة للتعاون في إعادة الاستقرار إلى العراق، ليس بحثا عن صفقة مع واشنطن، وإنما لأن لسوريا مصلحة إستراتيجية في مساعدة العراق على تحقيق الاستقرار، باعتبار أن النزاع الطائفي الدائر حاليا في العراق، هو نتيجة مباشرة للاحتلال الأمريكي للعراق، والدليل على ذلك أنه طوال ألف وأربعمائة سنة من تاريخ العراق، عاش السُـنة والشيعة معا على أرض العراق في سلام حتى مع اختلافهم المذهبي.

ثانيا، إن من مصلحة سوريا الإستراتيجية، الحفاظ على وحدة العراق في مواجهة المشروع الأمريكي، الذي يوشك أن يفكِّـك أوصال العراق ويُـدمِّـر نسيجه الاجتماعي.

ثالثا، أن من مصلحة سوريا مساعدة الولايات المتحدة على سحب قواتها من الأراضي العراقية، لأن سوريا لن تكون سعيدة أو آمنة بانتقال الأمريكيين من أمريكا الشمالية ليصبحوا جيرانا لسوريا.

رابعا، أن استمرار حالة عدم الاستقرار والتدهور الأمني، باتت تشكِّـل عِـبئا اقتصاديا وديموغرافيا على سوريا، التي تستقبل من النازحين العراقيين ما يصل إلى أربعين ألفا في الشهر، بحيث بلغ عدد اللاجئين العراقيين إلى سوريا أكثر من مليون وأربعمائة ألف لاجئ.

وقال السفير السوري مازحا: “أليس من الغريب أن يفر هذا العدد من العراقيين من واحة الديمقراطية، التي وعد الأمريكيون بإقامتها في العراق، ليستقر بهم المقام فوق أراضي سوريا، التي تعتبرها الولايات المتحدة دولة مارقة”؟!

وقال الدكتور عماد مصطفى، إن سوريا تجد أن من مصلحتها الإستراتيجية كذلك أن تحرم الولايات المتحدة من التعلّـل بحجّـة عدم الاستقرار وتدهور الوضع الأمني، لتطيل أمد الوجود العسكري الأمريكي في العراق، لذلك ستتعاون لإعادة الاستقرار والأمن للعراق.

وأضاف أن سوريا عرضت على الولايات المتحدة تصوّرها لأسُـس حل المشكلة الأمنية في العراق، والذي يقوم على أربعة أسس:

أولا، أنه لا يوجد حلّ عسكري للوضع في العراق، وأن الحل الوحيد هو حل سياسي يشمَـل جميع طوائف وجماعات الشعب العراقي، وبحيث تُـتاح لكل أبناء الشعب العراقي دون استثناء، المشاركة في العملية السياسية، بحيث لا يتم تهميش أي جزء من الشعب العراقي بالشكل الذي دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأن الأمريكيين فرضوا واقعا يحرمهم من حقوقهم ويدفعهم إلى مواقف لا يمكن معها إقرار الأمن والاستقرار.

ثانيا، ضرورة أن لا تشعر أي جماعة أو طائفة في العراق، بأنه نتيجة للمشروع الأمريكي في العراق، فإنها خرجت منتصرة وأن تشعُـر جماعة أو طائفة أخرى أنها خرجت منكسِـرة ومُـنهزمة، بل على جميع الأطراف العراقية أن تجلس معا وتُـدرك أن لها جميعا مصلحة مشتركة في عراق آمن ومستقر ومستقبل أفضل للجميع.

ثالثا، التوقف عن تصنيف الأمريكيين لفئات الشعب العراقي ما بين سُـني وشيعي وكردي وإسلامي ومسيحي وقومي عربي وبعثي وناصري وتقدّمي ورِجعي وطيب وشرّير، والتعامل مع الجميع على أنهم أبناء شعب واحد وبدء الحوار مع الجميع.

رابعا، توفير الظروف التي تقنع دول الجوار المحيطة بالعراق، بأن لها مصلحة في إيجاد حل يوفِّـر الأمن والاستقرار للعراق ومخرّجا للولايات المتحدة.

عملية السلام أم عملية الكلام؟

وردّا على سؤال لسويس إنفو عما إذا كانت سوريا تخشى من استبعادها من عملية سلام تقودها الولايات المتحدة بالنظر إلى أن جولات وزيرة الخارجية الأمريكية لم تشمل حتى الحديث عن سوريا، قال السفير عماد مصطفى: “لماذا تخشى سوريا من عملية غير موجودة أساسا؟ إن المطروح على الساحة هو ما يمكن تسميته بعملية الكلام، فهناك وفرة من الكلام وفيْـض من الاجتماعات التي تعقدها الوزيرة رايس في المنطقة، ولكنها ليست لإحياء عملية السلام، فهي تجتمع مع رؤساء أجهزة مخابرات بعض الدول العربية ووزراء خارجية ما يسمّـى بالدول العربية المُـعتدلة، ثم تنطلق التصريحات الجَـوفاء، التي ينطبق عليها التعبير العربي أسمع ضوضاء ولا أجد طحينا”.

وعلق السفير السوري على الجهود الأمريكية لإقناع الدول العربية المعتدلة بإدخال تعديلات على المبادرة العربية للسلام فيما يتعلق بقضيتين، التخلّـي عن المطالبة بحقّ العودة للاجئين الفلسطينيين وقضية أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية فقال: “أعتقد أنه نتيجة للاعتدال الشديد للدول العربية المعتدلة، فإنها أدركت أنها لا تستطيع أن تتطرّف في التفريط في حقوق الشعب الفلسطيني لدرجة القبول بتلك المطالب الأمريكية غير المعقولة”، ووصف المبادرة العربية بأنها الطرح الاستراتيجي العربي لتصوّر شروط التسوية العادلة للصراع، أما خارطة الطريق، فهي لم تكن سوى فصلا من فصول المهازل المتتالية، التي يتم بها التحايُـل والمماطلة والتسويف، ولم تُـسفر عن شيء ويجب أن تقتنع الولايات المتحدة بأنه يلزم للتوصّـل إلى حل عادل وشامل، التزام إسرائيل بالشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام وسيادة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة والقادرة على البقاء والاستمرار وحق الفلسطينيين في العودة، وكذلك إعادة باقي الأراضي العربية المحتلة في هضبة الجولان ومزارع شبعا، مقابل علاقات طبيعية مع إسرائيل.

وتطرق السفير السوري إلى الحديث عن المواجهة الأمريكية السورية على الساحة اللبنانية، فقال إن النائب الأمريكي البارز توم لانتوس، الذي يرأس حاليا لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، طلب منه بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 1559 وبعد أن تفاخر بأن لديه كمّـا هائلا من النفوذ لدى الإدارة الأمريكية، أن تقوم سوريا بشيئين، إذا أرادت علاقات أفضل مع الولايات المتحدة: أن تسحب قواتها من لبنان وأن تنزع سلاح حزب الله.

وقال السفير عماد مصطفى، من باب المداعبة للنائب المناصر لإسرائيل دائما، إنه لا يمكن أن تنسحب سوريا وفي نفس الوقت تنزع سلاح حزب الله، وعندما أدرك النائب لانتوس تناقض المطلبين، قال له إذا تمكّـنتم من نزع سلاح حزب الله في لبنان، سنغضّ الطرف عن البند المتعلق بانسحاب سوريا من لبنان إلى أجل غير مسمى! وفي اليوم التالي، عاد السفير السوري بإجابة حكومته، فقال لعضو مجلس النواب: “إذا كان الخيار أمامنا هو بين نزع سلاح المقاومة اللبنانية وبقاء القوات السورية، فإننا نختار الانسحاب”.

وأضاف السفير السوري، أن كل ما تطلبه سوريا من الزعماء اللبنانيين، وقد خرجت القوات السورية من الأراضي اللبنانية، هو عدم السماح باستخدام لبنان كمخلب لإلحاق الأذى بسوريا، وخلّـص السفير السوري إلى أن حقائق التاريخ والجغرافيا توضِّـح إلى أنه، بعد سحب سوريا لقواتها من لبنان، يصبح من مصلحة لبنان إيجاد علاقة إستراتيجية طيبة مع جارتها الأكبر، وليس إفساح المجال للولايات المتحدة وإسرائيل لتحقيق أغراضهما ضد سوريا في إطار الصِّـراع بين المشروع القومي العربي، الذي تمثله سوريا والمشروع الأمريكي الإسرائيلي، للحيلولة دون نجاح مثل ذلك المشروع، الذي يعيش في وجدان الشعوب العربية، وإن اختفى من شاشة رادار الحكام العرب.

محمد ماضي – واشنطن

واشنطن (رويترز) – انتقدت ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش يوم الجمعة خطط رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لزيارة سوريا وربما الاجتماع مع رئيسها الذي تتهمه الولايات المتحدة بالاسهام في زعزعة الاستقرار بالمنطقة.

وقالت دانا بيرينو المتحدثة باسم البيت الابيض “لا نعتقد انها فكرة جيدة.”

واضافت “هذه الدولة (سوريا) دولة راعية للارهاب وتحاول عرقلة حكومة السنيورة في لبنان وهي التي تسمح لمقاتلين اجانب بالدخول الى العراق عبر حدودها.”

وتزور رئيسة مجلس النواب الديمقراطية وهي الثالثة في ترتيب الرئاسة اسرائيل حاليا وستجتمع مع كبار المسؤولين هناك وتلقي كلمة امام الكنيست خلال الايام القادمة.

ومن المتوقع ان تزور بيلوسي دمشق وبيروت الاسبوع القادم لكن مكتبها رفض التعليق على اي خطط للسفر بعد زيارتها لاسرائيل.

وقال بريندان دالي المتحدث باسم بيلوسي “مثلما اوصت مجموعة دراسة العراق فان وفدا من الحزبين برئاسة رئيسة مجلس النواب بيلوسي يعتزم مناقشة مجموعة كبيرة من القضايا الامنية تؤثر على الولايات المتحدة والشرق الاوسط مع ممثلي الحكومات في المنطقة بما في ذلك سوريا.”

ورغم معارضة ادارة بوش قالت وزارة الخارجية انها قدمت المعلومات الاساسية للوفد المرافق لبيلوسي وعلى استعداد لتقديم المساعدة على الارض في سوريا.

وقالت بيرينو “لا أدري ما الذي تأمل في تحقيقه هناك . اعرف ان (الرئيس السوري بشار) الاسد ربما يحب حقيقة ان يأتي الناس ويلتقطون الصور ويحتسون معه الشاي ويتحدث معهم عن المكان الذي جاءوا منه.”

واضافت “لكننا نعتقد انها فكرة سيئة في الواقع.”

وزارت مجموعة صغيرة من الاعضاء الجمهوريين والديمقراطيين بالكونجرس دمشق واجتمعت مع الاسد في ديسمبر كانون الاول بعد ان اوصت لجنة دراسة العراق بتكثيف الجهود الدبلوماسية لتشمل سوريا وايران للمساعدة في تهدئة العنف في العراق.

وقاومت ادارة بوش تلك التوصية ونددت بزيارات اعضاء الكونجرس.

وتنفي سوريا السماح للمسلحين بالعبور من اراضيها الى العراق وتجادل بأن العراق والولايات المتحدة لا يتخذان الاجراءات الكافية لمراقبة الحدود.

وانتقد شون مكورماك المتحدث باسم وزارة الخارجية زيارة بيلوسي المزمعة لسوريا وقال ان دمشق تستغل مثل هذه الزيارات كدليل تقدمه لباقي دول العالم على ان سياساتها لا تشوبها اخطاء.

وقال للصحفيين “ليس هذا الوقت المناسب من وجهة نظرنا لقيام مثل هذه الشخصيات عالية المستوى بزيارة سوريا.”

وشارك مسؤولون امريكيون وسوريون في اجتماع اقليمي موسع في العراق الشهر الماضي بهدف تحقيق الاستقرار في العراق.

وعقدت ايلين سوربري مساعدة وزيرة الخارجية الامريكية في وقت سابق من هذا الشهر محادثات مع دبلوماسي سوري كبير حول كيفية تعامل دمشق مع تدفق اللاجئين العراقيين في اول محادثات من نوعها في العاصمة السورية منذ اكثر من عامين.

من جيريمي بيلوفسكي

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 31 مارس 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية