مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إلى أين يتجه العراق ومن المسؤول عما يحدث؟

انفجارات السيارات الملغومة بات مشهدا شبه يومي في حياة العراقيـين Keystone

نظم مركز الحوار العربي في واشنطن ندوة عن توقعات ما سيحدث في العراق في المستقبل القريب.

واستعرض الدكتور ليث كبّـة، المتحدث السابق باسم الحكومة العراقية في عهد السيد إبراهيم الجعفري وأحد رموز المعارضة العراقية في الخارج، ملامح المشهد العراقي حاليا ولخّـصه في عدة محاور.

في وقت تترقّـب فيه الأنظار ما سيكشف عنه تقرير قائد القوات الأمريكية في العراق، الجنرال ديفيد بيتريوس، في منتصف سبتمبر، وما قد يقود إليه من تغيير في الإستراتيجية الأمريكية هناك، نظم مركز الحوار العربي في واشنطن ندوة عن توقعات ما سيحدث في العراق في المستقبل القريب، تحدث فيها الدكتور ليث كبّـة، المتحدث السابق باسم الحكومة العراقية في عهد السيد إبراهيم الجعفري وأحد رموز المعارضة العراقية في الخارج، التي روجت لمطلب الإطاحة بالرئيس الراحل صدّام حسين.

ثلاثة محاور

واستعرض الدكتور ليث كبّـة ملامح المشهد العراقي حاليا ولخّـصه في عدة محاور:

أولا، عجز رئيس الوزراء والدولة العراقية، مع أن الحكومة العراقية الحالية برئاسة السيد نوري المالكي تفتقر إلى الخبرات والجودة المطلوبة في إدارة البلاد في مرحلة بالغة الدقة والخطورة، فإنه يجب ألا تغيب عن الأذهان حقيقة يجسِّـدها الاحتلال الأمريكي للعراق، وهي غياب سلطة الدولة العراقية. فعدد الذين يأتمرون بأمر المالكي ويحملون سلاحا قادرا على تنفيذ تلك الأوامر نسبته واحد إلى عشرين من عدد المسلحين الذين تحركهم أوامر ميليشيات أو عشائر أو أشخاص خارج نطاق مسؤولية الحكم. كما أن المالكي لا يملك سلطة إصدار الأوامر إلى القوات العراقية، وبالتالي، فهو يُـدير دولة بدون أن تكون تحت إمرته أجهزة دولة قوية.

كما يعلم رئيس الوزراء العراقي أن وجوده في منصبه لم يكن بسبب حصول الحزب الذي يمثله على أكثرية برلمانية، وإنما يعرف أن بقاءه مرهون بإرادة بضعة أشخاص، وحتى الوزراء في حكومته عينتهم الأحزاب التي ينتمون إليها وولاءهم هو لتلك الأحزاب، وليس لرئيس الوزراء. وهكذا، فالضعف ليس راجعا لقلة خِـبرة حكومة المالكي، ولكن لأن واقع الحال والنظام الانتخابي المعمول به في العراق في ظل الوجود العسكري الأمريكي، سيُـبقي الدولة ضعيفة بغضّ النظر عن موقف الشارع العراقي وقدرات رئيس الوزراء.

ثانيا، إخفاقات المعارضة والقوى السياسية العراقية، رغم أن المعارضة العراقية في الخارج، التي رفعت لواء المطالبة بالإطاحة بنظام صدّام حسين، وعدت الشعب العراقي ببديل ديمقراطي في ظل دولة فدرالية تجمع كل طوائف وفئات وأعراق الشعب العراقي، فإن كثيرا من رموز قوى المعارضة أظهرت عجزا يبعث على الحزن والأسى عندما أصبحت في مواقع السلطة ودخلت في عملية تفتيت وحدة العراق بعد تحوّل الأحزاب العراقية الوليدة إلى اختيار الهويات الثانوية أساسا للتكتلات السياسية خدمة لمصالح فئوية، وبرز التيار الكردي بشكل واضح في استثارة موضوع الهوية بدرجة عالية من الوعي لإدارة العملية السياسية نحو تكريس مصالح الأكراد وتعزيز موقفهم التفاوضي، فيما انخرط عرب العراق في انقسام دموي عنيف وصِـراع على السلطة في بغداد، وغاب الوعي الوطني العربي تماما وحلّـت محلّـه أدبيات لبعض عرب السُـنة تشكِّـك في عروبة شيعة العراق وتنظر إليهم على أنهم أتوا من أصول فارسية. بينما برزت بين صفوف الشيعة العراقيين هشاشة في الوعي الدِّيني انعكست في سيطرة أحزاب دينية على البرلمان العراقي تُـدير العملية السياسية بحسّ طائفي. ولم يعد يهم تلك الأحزاب تقديم برنامج وطني يتعامل مع مشاكل الوطن ككل، ولكن أصبح الأهم هو البقاء والاحتفاظ بالسلطة.

ثالثا، تحويل العراق إلى مسرح للتنافس الإقليمي والدولي، ما يكرس الانقسام بين الشيعة والسُـنة في العراق، هو الصراع الإقليمي الأوسع في المنطقة. فإيران تسعى لتوسيع نفوذها في منطقة الخليج وكقوة إقليمية بارزة في الشرق الأوسط، وتعتبر أن أحد المجالات الطبيعية لمدّ نفوذها، وجود أغلبية شيعية في العراق تربطها بها صِـلات منهجية وقُـرب جغرافي. وفي نفس ذلك الجوار، توجد دول الخليج العربية، التي تخشى من النفوذ الإيراني وتجِـد في السُـنة العراقيين تيارا يجب دعمه لوقف النفوذ الإيراني داخل العراق. ثم على البُـعد، نجد أن كلا من إسرائيل والولايات المتحدة تقِـفان بالمرصاد أمام الطموح النووي الإيراني، وفيما تتصاعد المواجهة الأمريكية مع إيران، يحلو للولايات المتحدة أن تشعل صِـراعا بين ما تسمِّـيه دول الاعتدال العربي وبين إيران، انطلاقا من النفوذ الإيراني على أرض العراق، وسرعان ما تحوّل العراق إلى أرض للتنافس بين كل تلك القوى.

الخروج بالعراق أم الخروج من العراق

وقدم الدكتور ليث كبّـة في ندوته بمركز الحوار العربي في واشنطن تصوره الشخصي لمراحل الخروج بالعراق من المأزق الحالي من منظور عراقي خلال العامين القادمين:

أولا، المسار الأمريكي: من المتوقع أن ينطوي تقرير الجنرال بيتريوس في منتصف شهر سبتمبر الجاري على إقرار بحُـدوث تقدم أمني بسبب إستراتيجية الرئيس بوش بزيادة حجم القوات الأمريكية لتأمين بغداد وبعض المناطق الأكثر عُـنفا في العراق. ولكن واقع الأمر هو أن التقدم الأمني النِّـسبي الذي حدَث يعود إلى تغيُّـر في السياسة الأمريكية في العراق بالتعامل المباشر مع قيادات المقاومة العراقية الوطنية، والتّـمييز بينها وبين عمليات تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين. وستقوم الولايات المتحدة خلال العام القادم بخفض رئيسي لوجودها العسكري في العراق.

ثانيا، تخندق القوى العراقية الأساسية: لقد أدركت القيادات العسكرية الأمريكية ضرورة التعامل المباشر مع قيادات الجيش الإسلامي وكتائب ثورة العشرين، التي استهدفت عملياتهما الوجود العسكري الأمريكي. وأدّى تعاون الجانبين في محاربة عمليات القاعدة من خلال تسليح العشائر العراقية، إلى حدوث نوع من التقدم الأمني، ولكن لم يصاحبه انفراج سياسي، وإنما انفراج في العلاقة الأمريكية وشيء من التفاهم السياسي مع فصائل السُـنة المسلّـحين وبعض البعثيين السابقين، ممّـا جعل الطرف السُـني يشعُـر بأن موقفه التفاوضي أصبح قويا من خلال التعاون مع الولايات المتحدة في الداخل والمساندة السياسية في الخارج من دول الخليج، التي تخشى النفوذ الإيراني، ومن تركيا التي تريد احتواء المشكلة الكردية وسيؤدّي ذلك في نهاية المطاف إلى تشدّد السُـنة مع الطرفين، الشيعي والكردي.

وعلى الجانب الآخر، يشعر الطرف الشيعي بأن تشديد الضغط الأمريكي على المالكي ومقتدى الصَّـدر وعلى إيران، يجعل من المَـنطقي أن يلجأ الطرف الشيعي إلى الاقتراب أكثر من إيران وسوريا، وسيتشدّد هو الآخر لشعوره بالاستهداف وخِـشيته من خسارة الامتيازات التي أعقبت الإطاحة بنظام صدّام.

أما الطرف الكردي، فيشعر بقوة وضعِـه على أرض الواقع من خلال حكومته المحلية وسيطرته على عدد من المُـدن الرئيسية، وأهمها كركوك. وسيعمل على التحذير من الخروج الأمريكي من العراق قبل تحديد وضع كردستان، وهو ما عبَّـر عنه وزير الخارجية هوشيار زيباري من هواجس تقسيم العراق واتِّـساع نِـطاق حرب إرهابية لا يعلم أحد حدودها.

ثالثا، أمام تخندُق السُـنة والشيعة والأكراد، والضغوط الداخلية في الولايات المتحدة لوضع نهاية للإنهاك الأمريكي في العراق، تتقلص الخيارات المُـتاحة للعراقيين في الخروج ببلادهم من مِـحنتها الحالية وضُـعف الحكومة العراقية واستمرار انقطاع الخدمات الأساسية، وعلى رأسها الكهرباء، مع استمرار نزوح ملايين العراقيين إلى الخارج، في وقت تحاول القوى الإقليمية والدولية تنفيذ أجنداتها الخاصة في العراق خِـدمة لمصالحها، وفي إطار ضياع حُـلم إيجاد حل للعراق يكسب منه الجميع، وسيادة وضع يتعيّـن فيه أن تشكل مكاسب طرف خسارة للطرف الآخر.

رابعا، اتفاق الداخل والخارج: لن يُـمكن الخروج بالعراق من المأزق الحالي، إلا من خلال مؤتمر إقليمي على غِـرار مؤتمر الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان، تكون أبرز القوى المشاركة فيه إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية، بحيث تتَّـفق على إعادة بناء الدولة العراقية وإحلال الأمن والاستقرار بالعراق، وممارسة نفوذ الدول الثلاث على الكُـتل العراقية الرئيسية، المُـسيطرة على البرلمان وعلى الشارع العراقي.

والمشكلة التي تواجه هذا التصور لحل يحمله المستقبل القريب، هي أن واشنطن تُـصر على استبعاد مثل ذلك التعاون الإقليمي الجماعي وتفضِّـل عقد صفقات ثُـنائية أمريكية، دون تسليم ملف العراق لدول الجوار، وليس لدى إيران على سبيل المثال، أي حافز يدفعها إلى التعاون لتحسين الوضع في العراق لتستفيد منه الولايات المتحدة بدون مقابل تكون واشنطن راغبة في دفعه لطهران.

ومن الداخل، ستقابل الكُـتل العراقية الرئيسية الثلاث مثل هذا المؤتمر بمعارضة، مفادها أن بقاء امتيازاتها ونفوذها وما تمتّـعت به من سلطات، لا يتماشى مع صفقة إقليمية تُـعيد ترتيب الأولويات وستحاول الولايات المتحدة خلال العامين القادمين إفساح المجال لمزيد من الصفقات الثنائية مع دول الجوار، مقابل التعاون في تحسين الأوضاع في العراق مع إتاحة دور أكبر لكل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في الخروج بالعراق من مأزقه.

ولذلك، لم يعد أمام القوى الوطنية العراقية إلا أن تعود إلى وعيِـها وحسّـها الوطني بإعادة ترتيب أوراقها، للتأثير في مُـجريات الأحداث في العراق في المستقبل القريب، بعد أن استنفذت سنوات العُـنف الأربع الماضية أغراضها ووصلت إلى طريق مسدود. ولا تعـد العملية الانتخابية بظهور قيادات قادرة على التغيير المطلوب ولم يعُـد أمام تلك القوى الوطنية العراقية إلا العمل على تشكيل كُـتلة وطنية تقود عملية الدفع باتِّـجاه وحدة العراق كوطن للجميع والتوصّـل إلى مخرج من المأزق الحالي، الذي نتج من أخطاء أمريكية وعراقية وتدخّـلات من القوى الإقليمية.

مَـن المسؤول عما يحدث في العراق؟

وردّا على سؤال لسويس إنفو عن تقييمه لإخفاق المعارضة العراقية في الوفاء بوعد إقامة نظام حكم ديمقراطي في العراق في إطار فدرالي ومن المسؤول عمّـا وصلت إليه الأحوال في العراق، قال الدكتور ليث كبّـة:

“بدون شك، يتحمّـل الساسة العراقيون جزءاً كبيراً من المسؤولية عمّـا حدث، وكانت المعارضة العراقية في السابق تُـحمِّـل صدّام حسين كل المسؤولية عما كان يجري في العراق، ولكن الإخفاق لم يكن مسؤولية المعارضة العراقية وحدها، فما قام به الأمريكيون في العراق، وخاصة ما قام به رئيس سلطة الحكم المؤقت بول بريمر من حلّ مؤسسات الدولة وتسريح الجيش والشرطة، في إطار سياسة اجتثاث البعثيين والشروع في إضفاء صفات مؤسساتية على التمثيل المذهبي القائم على الحصص، وهي جرائم فتحت المجال أمام تدهور الأوضاع بطريقة كُـرة الثلج المُـتدحرجة المتزايدة الحجم، مما أنشأ خلال سنوات الاحتلال الماضية واقعا عراقيا أليما. ولكن قوى المعارضة العراقية دخلت في مرحلة من فقدان الوعي لخطورة هذه المنزلقات، ولم تفعل شيئا لوقف انزلاق العراق إلى تلك الهوّة السحيقة، إما تعمّـدا باعتبار أن بعض قيادات المعارضة العراقية لم تمانع في تكريس ذلك الواقع الجديد الأليم، لأنه يقوِّيهم سياسيا أو جهلا بما يمكن أن تنطوي عليه من عواقب أو خليطا من الإثنين أو تأثرا بالبيئة السياسية، التي أعقبت انهيار نظام صدّام حسين، ولكن اليوم، لا نستطيع تحميل صدّام أو الأمريكيين مسؤولية ما يحدث في العراق. فالعراقيون بكافة أطيافهم يتحمّـلون مسؤولية كبيرة، لأنه حتى الناخب العراقي، هو الذي صوّت للكُـتل الانتخابية الثلاث الرئيسية، على أساس شيعي أو سُـني او كردي، وليس على أساس برامج حِـزبية تقدّم حلولا للوطن ككل”.

محمد ماضي – واشنطن

البوكيرك (نيو مكسيكو) (رويترز) – أثنى الرئيس الأمريكي جورج بوش يوم الاثنين 27 أغسطس على اتفاق سياسي جديد، توصل إليه الزعماء العراقيون، لكنه قال إنه ينبغي عمل المزيد.

ومع اقتراب الموعد النهائي لتقديم تقرير حيوي عن إستراتيجية الحرب التي يخوضها بوش في العراق يوم 15 سبتمبر القادم، سعى الرئيس الأمريكي لطمأنة الزعماء العراقيين إلى أن الولايات المتحدة لن تتزحزح عن مساندتها والرد في نفس الوقت على الانتقادات في الداخل للحكومة العراقية بأنها لا تحقق تقدما كافيا.

وقال بوش “اتفاق الأمس خطوة مهمة. ذكّـرتهم ولقد فهموا أن الحاجة تدعو لعمل المزيد”، وكان قد اتصل هاتفيا في وقت سابق برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وزعماء آخرين لتقديم التهنئة لهم على الاتفاق الجديد.

وأعلن الاتفاق في وقت متأخر مساء الأحد 26 أغسطس بين الزعماء الرئيسيين للعرب السُـنة والشيعة والأكراد في العراق، على إعادة السماح للأعضاء السابقين في حزب البعث، الذي كان يتزعمه الرئيس العراقي السابق صدّام حسين، بالاشتراك في الحياة العامة وإطلاق سراح العديد من المعتقلين.

لكن النائب العربي السُـني للرئيس العراقي، الذي وقّـع على الاتفاق، قال يوم الاثنين إنه لن يكفي لرجوع الأقلية العربية السُـنية عن قرارها الانسحاب من الحكومة.

وجاءت تصريحات بوش في وقت يتراجع فيه التأييد الشعبي للحرب وبعد مطالبة بعض كبار الديمقراطيين باستقالة المالكي.

وقال الرئيس الأمريكي لدى وصوله إلى نيو مكسيكو للمشاركة في حملة لجمع التبرعات “من مصلحتنا أن نساعد الشعب العراقي على النجاح”، وأضاف “ولهذا ستستمر الولايات المتحدة في مساندة زعماء العراق وكل الشعب العراقي في جهودهم للتغلب على قوى الإرهاب، التي تسعى للإطاحة بديمقراطية وليدة”.

وقال بوش، إن الولايات المتحدة ملتزمة بتطوير علاقة طويلة الأمد مع العراق.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 أغسطس 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية